fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“آدم قُتل بدم بارد” : مخيّم جنين غزة صغيرة في قلب الضفة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“مخيم جنين يشكل صورة مصغّرة لما يحدث في قطاع غزة، فهو خرج عن بوتقة التطبيع والتنسيق الأمني، لذلك يسعى الاحتلال الإسرائيلي الى تدمير هذه الحالة التي تمثل رمزية في النضال الفلسطيني في الضفة الغربية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في شارع فرعي في حي البساتين في مدينة جنين، يقع منزل آدم الغول (8 سنوات).

كان آدم يجلس برفقة أولاد عمّه وأطفال آخرين أمام ساحة المنزل. كان كبار العائلة يعتقدون أن الأطفال في مأمن بعيداً من العملية العسكرية التي تنفّذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة ومخيّمها.

آدم الغول

“أولادي وأولاد أخي وباسل أبو الوفا وأطفال آخرون كانوا أمام منزلنا، وعندما حلّ وقت صلاة الظهر جمعتهم ودخلتهم البيت. كنت بتوضى وأصلي لكنهم غافلوني وخرجوا. وفجأة سمعت صوت إطلاق نار، وبدأت والدة آدم تصرخ “آدم تصاوب”. حاولت الخروج لكنّ قوات الاحتلال أطلقت النار مباشرة، توجهت للباب الثاني للمنزل وحاولت الخروج من دون جدوى، فمن أطلق النار على آدم أطلقه من شارع رئيسي بعيد من منزلنا 300 متر ومن الجهة المقابلة أثناء انسحابهم بعد انتهاء العملية العسكرية، أطلقوا النار اتجاه الأطفال، سقط آدم أمام السيارة المركونة بالخارج، وسقط باسل في الجهة الثانية، ثم توقف الجيب العسكري وصوّر المشهد ثم انسحب. خرجت مباشرة بعد انسحاب الجيب العسكري، حملت آدم كان مستشهداً، فالرصاصة أصابته في رأسه… آدم قُتل بدم بارد”.

بعد مرور نحو أسبوع على مقتله، لا تزال العائلة تحت وطأة الفجيعة، مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد جنين ومناطق أخرى في الضفة، وتصاعد عنف المستوطنين إلى حدود غير مسبوقة. 

جريمة قتل آدم وثّقتها الكاميرات التي أظهرت كيف سقط الطفل فيما كان يحاول شقيقه بهاء (14 عاماً) سحب جثمانه.

كان آدم أصغر إخوانه، وهو قُتل قبل أن تستقبل عائلته الشقيق الأصغر، فوالدته حامل بالشهر الخامس. أما شقيقه بهاء، فما زال يعيش صدمة فقدانه ومشهد إطلاق رصاصة على رأسه ومحاولة إسعافه.

يقول عمه محمد، “بهاء يعيش في صدمة وتحاول العائلة إبعاده من تفاصيل ما حصل. يوم استشهاد شقيقيه، دخل بهاء في حالة نفسية صعبة وأصيب بتشنجات وتسارع في نبض القلب، وأخذناه إلى المستشفى”. 

قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت اقتحمت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، مدينة جنين ومخيمها، ونفذت حملة اعتقالات واسعة وعمليات تخريب للبنى التحتية، وقصفت منزلاً من طائرة مسيّرة. وزارة الصحة قالت إن الطفلين آدم سامر الغول (8 أعوام) وباسل سليمان أبو الوفا (15 عاماً) استُشهدا نتيجة إصابتهما برصاص قوات الاحتلال في مدينة جنين.

جنين تتصدّر المشهد

في 3 تموز/ يوليو 2023، اجتاحت القوات الإسرائيلية مخيم جنين لمدة 40 ساعة، وأسفر الاجتياح عن سقوط 12 ضحية و100 جريح، بعضهم لا تزال حالته صعبة، مع تدمير كبير في البنى التحتية والمنازل، في مشاهد أعادت إلى الأذهان اجتياح المخيم عام 2002.

هذا الاجتياح جاء بعد سلسلة عمليات أخذت منحى تصاعدياً في المدينة ومخيمها، بدأ في العام 2021 عقب الإعلان عن تشكيل كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي التي انطلقت من مخيم جنين، نتيجة عوامل عدة، أبرزها عملية “نفق الحرية”، والتي أسفرت عن هروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع وإعادة اعتقالهم في أيلول/ سبتمبر 2021، و”معركة سيف القدس” في أيار/ مايو 2021. 

ومنذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وحرب غزة، صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من استهداف جنين ومخيمها ومعظم مناطق الضفة الغربية.

التقديرات الفلسطينية تتحدث عن سقوط 273 فلسطينياً في الضفة منذ 7 تشرين الأول الماضي على يد الجيش الإسرائيلي و11 برصاص المستوطنين. أما منذ بداية العام، فتكون حصيلة ضحايا الضفة 471 فلسطينياً، غالبيتهم تحت سن الـ19 عاماً. 

نادي الأسير الفلسطيني قال إن الجيش الإسرائيلي اعتقل منذ 7 تشرين الأول في الضفة 3630 فلسطينياً، نصفهم حُولوا الى الاعتقال الإداري وسط تنكيل إسرائيلي بحق الأسرى.

تاريخ جنين المدينة والمخيم

جنين هي من أكبر مدن محافظة جنين، وتقع شمال الضفة الغربية. خضعت المدينة للانتداب البريطاني، ثم غادرها الإنجليز في عام 1948.. وفي عام 1949، آلت المدينة إلى حكم الإدارة الأردنية، ودخلت هي وباقي أنحاء الضفة الغربية في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية. بقيت المدينة تحت الحكم الأردني حتى احتلالها من قبل إسرائيل خلال حرب عام 1967، واستمر ذلك الوضع حتى عام 1995، عندما خضعت مدينة جنين لإدارة السلطة الفلسطينية التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق غزة-أريحا. وقد أصبحت مدينة جنين منذ ذلك الحين مركزا لمحافظة جنين.

تأسس مخيم جنين عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، ويقع حاليا ضمن مساحة من الأرض تبلغ 0.42 كم مربع.

ينحدر سكان المخيم من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، وكان الغرض من إنشائه هو إيواء الفلسطينيين الذين نزحوا خلال الحرب التي استمرت من عام 1948 إلى عام 1949 في أعقاب إعلان قيام دولة إسرائيل.عدد سكان المخيم يبلغ 14000 نسمة وفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”،يعيشون في مساحة صغيرة تقل عن نصف كيلومتر مربع. يعمل العديد من سكان المخيم في القطاع الزراعي بالمناطق المحيطة بجنين، ويعاني المخيم من نسبة مرتفعة للغاية من البطالة.

خصوصية المخيم 

رئيس بلدية جنين نضال عبيدي  قال لـ “درج”، إنه “منذ أول يوم من استلامي منصبي كرئيس بلدية جنين منذ نحو سنتين، كان هنالك إضراب وشهداء، الحالة في المخيم والمدينة بدأت تتصاعد منذ سنتين، وهي مستمرة وتضاعفت ما بعد أحداث 7 تشرين الأول”. 

ويضيف: “الاغلاقات المستمرة انعكست على الحركة التجارية وعلى وضع المواطنين الاقتصادي، إذ تقدّر الخسائر بنحو 24 مليون دولار في المنشآت الاقتصادية نتيجة الإغلاقات والإضرابات المستمرة. الآليات الإسرائيلية دمرت البنى التحتية وجرفت الطرق وضربت شبكات المياه والصرف الصحي، وهنالك شوارع أعيد إنشاؤها لأربع أو خمس مرات في هذه الفترة، وهذه التكاليف تفوق إمكانات البلدية. الاحتلال الإسرائيلي يتّبع عملية تدميرية ممنهجة”. 

طبيعة الأحياء داخل المخيم أعطته خصوصية مختلفة، كون المناطق فيه ضيقة وسهلة للمناورة والاختباء، ما جعله ملجأ وملاذاً لعناصر فلسطينية مسلحة مختلفة.

إجبار العائلات على الرحيل 

فرحة أبو الهيجا، عضوة هيئة شعبية لخدمات مخيم جنين، تؤكد لـ “درج”، أن “الاقتحامات والاستهدافات والاعتقالات من قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة لمخيم جنين قبل أحداث 7 تشرين الأول، فالعملية ليست جديدة لكنّها وصلت مرحلة تجاوز فيها الدمار ما حدث خلال اجتياح المخيم في العام 2002، وهذا كله لإجبار العائلات الفلسطينية على ترك المخيم، وخلق حالة من الرعب لدى الأطفال والنساء في المخيم، بخاصة أن الاقتحامات الليلية للاحتلال تضاعفت، فهو يقطع الكهرباء ويعتدي على النساء والأطفال، ما ولّد حالة من الإحباط بالتزامن مع أحداث قطاع غزة”.

تشير أبو الهيجا إلى أن “ما يمر به مواطنو مخيم جنين من أصعب المراحل التي يمر بها أهالي المخيم وسكانه، فاجتياح  المخيم 2002 كان معركة استمرت لمدة 3 أسابيع وانتهت. أما الآن، فيتم اقتحام المخيم لمدة 12 ساعة متواصلة، وتُستخدم الصواريخ ويُقتل الأطفال بشكل مباشر. البنية التحتية تم تدميرها في العام 2002، ويعاد تدميرها اليوم أيضاً، وذلك لأن سياسة الاحتلال هي التدمير والتخريب حتى يترك المواطنون المخيم وحتى تصبح الحياة صعبة ومعقدة. 

تضيف أبو الهيجا، “معظم الشوارع مدمرة، وفي كل مرة يدخل الجيش الإسرائيلي بها يدمر المولد الكهربائي، بالتزامن مع وجود الطلاب في المدراس والأطفال في الحضانات، واحتجازهم لساعات طويلة جعل الأهالي يتخوفون من إرسال أبنائهم للدوام”.

تتابع أبو الهيجا، “لا يوجد بيت يخلو من أسير أو جريح أو شهيد في مخيم جنين…تجربة المخيم انتقلت إلى المخيمات الأخرى، والشبان الذين يستهدفهم الاحتلال الإسرائيلي هم الأطفال الذين كانوا في عمر 5 أو 6 سنوات أثناء اجتياح 2002”. 

Palestinians look on as an Israeli armoured vehicles roll during a raid at the Jenin refugee camp, in the occupied West Bank on December 5, 2023. – The Israel-occupied West Bank has seen a surge in violence, with more than 250 Palestinians killed there since the Israel-Hamas war began in October, according to Palestinian authorities. (Photo by Jaafar ASHTIYEH / AFP)

انتهاكات غير مسبوقة وأوضاع تزداد سوءاً

التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بدأ قبل أحداث 7 تشرين الأول بكثير، إذ تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية على مدار عام كامل، وتحديداً في مناطق شمال الضفة، وازدادت وتيرة اقتحامات المناطق الفلسطينية، وتقطعت أوصال الضفة الغربية بشكل كامل، فيما أطلق  الجيش الإسرائيلي العنان للمستوطنين الذين نفذوا هجمات تمثلت بالقتل المباشر وإحراق المنازل وغيرهما من مظاهر الإجرام، ولا تزال الأوضاع تزداد سوءاً في أنحاء الضفة كافة.

المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني أحمد جبريل، يقول لـ “درج”، إن معظم الإصابات حاليا هي بالرصاص الحي: “لا يستخدم الجيش الإسرائيلي وسائل تحذيرية مثل قنابل الغاز أو الرصاص المطاطي، ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء والإعاقات، إضافة الى تنفيذ غارات وقصف بالطائرات كما حدث في مخيمات جنين وبلاطة في نابلس ونور شمس في طولكرم”.

يتابع جبريل، “ما نشهده اليوم يختلف حتى عن أيام انتفاضة الأقصى، إذ أُطلق العنان لجيش الاحتلال باستخدام القوة المفرطة وإطلاق الرصاص بشكل مباشر، بهدف القتل وفتح الباب أمام المستوطنين لتنفيذ هجمات بحماية الجيش الإسرائيلي وتحت أعينه”.

يلفت جبريل إلى الانتهاكات التي تتعرض لها طواقم الإسعاف، مشيراً إلى أنها تبدأ باعتداء مباشر بالضرب أو إطلاق الرصاص الحي والمطاطي واستهداف المسعفين بشكل مباشر أو الاعتداء على سيارات الإسعاف وإحداث أضرار بها أو المنع من الوصول إلى المصابين، ما يشكل خطراً على المصاب.

أما أخطر هذه الانتهاكات فهو ما حصل أخيراً من اختطاف مصابين من داخل سيارات الإسعاف، وهذا يشكل سابقة خطيرة جداً على حد تعبيره.

مستقبل مجهول يهّدد الضفة الغربية 

الكاتب والمحلل السياسي مروان الأقرع، يقول لـ “درج”، “ما يحدث في مخيمات الضفة الغربية ومدنها اليوم، من اعتداءات وتوسّع في العمليات العسكرية، هو تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، تتعمد فيه إسرائيل التدمير بالتزامن مع التدمير والقتل في قطاع غزة”.

يضيف، “مواطنو الضفة الغربية وقطاع غزة يعانون الظروف نفسها، وما يجري الآن من مجازر مروعة في القطاع سبّب حالة من الصدمة  في الضفة الغربية”. 

يشير الأقرع إلى أن “مستقبل الضفة الغربية مجهول، وأن سياسة التقسيمات والاغلاقات وفصل مدن الضفة الغربية التي ينتهجها الاحتلال نجهل مصيرها، وهي تتزامن كذلك مع ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين”.

يرى الأقرع أن “مخيم جنين يشكل صورة مصغّرة لما يحدث في قطاع غزة، فهو خرج عن بوتقة التطبيع والتنسيق الأمني، لذلك يسعى الاحتلال الإسرائيلي الى تدمير هذه الحالة التي تمثل رمزية في النضال الفلسطيني في الضفة الغربية”، مختتماً: “الاحتلال  الإسرائيلي استغل الانشغال العالمي والإعلامي بما يجري في القطاع، ليضاعف العنف في الضفة الغربية ويقضي على المقاومة الفلسطينية”. 

رولا خالد
فلسطين
07.12.2023
زمن القراءة: 7 minutes

“مخيم جنين يشكل صورة مصغّرة لما يحدث في قطاع غزة، فهو خرج عن بوتقة التطبيع والتنسيق الأمني، لذلك يسعى الاحتلال الإسرائيلي الى تدمير هذه الحالة التي تمثل رمزية في النضال الفلسطيني في الضفة الغربية”.


في شارع فرعي في حي البساتين في مدينة جنين، يقع منزل آدم الغول (8 سنوات).

كان آدم يجلس برفقة أولاد عمّه وأطفال آخرين أمام ساحة المنزل. كان كبار العائلة يعتقدون أن الأطفال في مأمن بعيداً من العملية العسكرية التي تنفّذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة ومخيّمها.

آدم الغول

“أولادي وأولاد أخي وباسل أبو الوفا وأطفال آخرون كانوا أمام منزلنا، وعندما حلّ وقت صلاة الظهر جمعتهم ودخلتهم البيت. كنت بتوضى وأصلي لكنهم غافلوني وخرجوا. وفجأة سمعت صوت إطلاق نار، وبدأت والدة آدم تصرخ “آدم تصاوب”. حاولت الخروج لكنّ قوات الاحتلال أطلقت النار مباشرة، توجهت للباب الثاني للمنزل وحاولت الخروج من دون جدوى، فمن أطلق النار على آدم أطلقه من شارع رئيسي بعيد من منزلنا 300 متر ومن الجهة المقابلة أثناء انسحابهم بعد انتهاء العملية العسكرية، أطلقوا النار اتجاه الأطفال، سقط آدم أمام السيارة المركونة بالخارج، وسقط باسل في الجهة الثانية، ثم توقف الجيب العسكري وصوّر المشهد ثم انسحب. خرجت مباشرة بعد انسحاب الجيب العسكري، حملت آدم كان مستشهداً، فالرصاصة أصابته في رأسه… آدم قُتل بدم بارد”.

بعد مرور نحو أسبوع على مقتله، لا تزال العائلة تحت وطأة الفجيعة، مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد جنين ومناطق أخرى في الضفة، وتصاعد عنف المستوطنين إلى حدود غير مسبوقة. 

جريمة قتل آدم وثّقتها الكاميرات التي أظهرت كيف سقط الطفل فيما كان يحاول شقيقه بهاء (14 عاماً) سحب جثمانه.

كان آدم أصغر إخوانه، وهو قُتل قبل أن تستقبل عائلته الشقيق الأصغر، فوالدته حامل بالشهر الخامس. أما شقيقه بهاء، فما زال يعيش صدمة فقدانه ومشهد إطلاق رصاصة على رأسه ومحاولة إسعافه.

يقول عمه محمد، “بهاء يعيش في صدمة وتحاول العائلة إبعاده من تفاصيل ما حصل. يوم استشهاد شقيقيه، دخل بهاء في حالة نفسية صعبة وأصيب بتشنجات وتسارع في نبض القلب، وأخذناه إلى المستشفى”. 

قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت اقتحمت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، مدينة جنين ومخيمها، ونفذت حملة اعتقالات واسعة وعمليات تخريب للبنى التحتية، وقصفت منزلاً من طائرة مسيّرة. وزارة الصحة قالت إن الطفلين آدم سامر الغول (8 أعوام) وباسل سليمان أبو الوفا (15 عاماً) استُشهدا نتيجة إصابتهما برصاص قوات الاحتلال في مدينة جنين.

جنين تتصدّر المشهد

في 3 تموز/ يوليو 2023، اجتاحت القوات الإسرائيلية مخيم جنين لمدة 40 ساعة، وأسفر الاجتياح عن سقوط 12 ضحية و100 جريح، بعضهم لا تزال حالته صعبة، مع تدمير كبير في البنى التحتية والمنازل، في مشاهد أعادت إلى الأذهان اجتياح المخيم عام 2002.

هذا الاجتياح جاء بعد سلسلة عمليات أخذت منحى تصاعدياً في المدينة ومخيمها، بدأ في العام 2021 عقب الإعلان عن تشكيل كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي التي انطلقت من مخيم جنين، نتيجة عوامل عدة، أبرزها عملية “نفق الحرية”، والتي أسفرت عن هروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع وإعادة اعتقالهم في أيلول/ سبتمبر 2021، و”معركة سيف القدس” في أيار/ مايو 2021. 

ومنذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وحرب غزة، صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من استهداف جنين ومخيمها ومعظم مناطق الضفة الغربية.

التقديرات الفلسطينية تتحدث عن سقوط 273 فلسطينياً في الضفة منذ 7 تشرين الأول الماضي على يد الجيش الإسرائيلي و11 برصاص المستوطنين. أما منذ بداية العام، فتكون حصيلة ضحايا الضفة 471 فلسطينياً، غالبيتهم تحت سن الـ19 عاماً. 

نادي الأسير الفلسطيني قال إن الجيش الإسرائيلي اعتقل منذ 7 تشرين الأول في الضفة 3630 فلسطينياً، نصفهم حُولوا الى الاعتقال الإداري وسط تنكيل إسرائيلي بحق الأسرى.

تاريخ جنين المدينة والمخيم

جنين هي من أكبر مدن محافظة جنين، وتقع شمال الضفة الغربية. خضعت المدينة للانتداب البريطاني، ثم غادرها الإنجليز في عام 1948.. وفي عام 1949، آلت المدينة إلى حكم الإدارة الأردنية، ودخلت هي وباقي أنحاء الضفة الغربية في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية. بقيت المدينة تحت الحكم الأردني حتى احتلالها من قبل إسرائيل خلال حرب عام 1967، واستمر ذلك الوضع حتى عام 1995، عندما خضعت مدينة جنين لإدارة السلطة الفلسطينية التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق غزة-أريحا. وقد أصبحت مدينة جنين منذ ذلك الحين مركزا لمحافظة جنين.

تأسس مخيم جنين عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، ويقع حاليا ضمن مساحة من الأرض تبلغ 0.42 كم مربع.

ينحدر سكان المخيم من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، وكان الغرض من إنشائه هو إيواء الفلسطينيين الذين نزحوا خلال الحرب التي استمرت من عام 1948 إلى عام 1949 في أعقاب إعلان قيام دولة إسرائيل.عدد سكان المخيم يبلغ 14000 نسمة وفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”،يعيشون في مساحة صغيرة تقل عن نصف كيلومتر مربع. يعمل العديد من سكان المخيم في القطاع الزراعي بالمناطق المحيطة بجنين، ويعاني المخيم من نسبة مرتفعة للغاية من البطالة.

خصوصية المخيم 

رئيس بلدية جنين نضال عبيدي  قال لـ “درج”، إنه “منذ أول يوم من استلامي منصبي كرئيس بلدية جنين منذ نحو سنتين، كان هنالك إضراب وشهداء، الحالة في المخيم والمدينة بدأت تتصاعد منذ سنتين، وهي مستمرة وتضاعفت ما بعد أحداث 7 تشرين الأول”. 

ويضيف: “الاغلاقات المستمرة انعكست على الحركة التجارية وعلى وضع المواطنين الاقتصادي، إذ تقدّر الخسائر بنحو 24 مليون دولار في المنشآت الاقتصادية نتيجة الإغلاقات والإضرابات المستمرة. الآليات الإسرائيلية دمرت البنى التحتية وجرفت الطرق وضربت شبكات المياه والصرف الصحي، وهنالك شوارع أعيد إنشاؤها لأربع أو خمس مرات في هذه الفترة، وهذه التكاليف تفوق إمكانات البلدية. الاحتلال الإسرائيلي يتّبع عملية تدميرية ممنهجة”. 

طبيعة الأحياء داخل المخيم أعطته خصوصية مختلفة، كون المناطق فيه ضيقة وسهلة للمناورة والاختباء، ما جعله ملجأ وملاذاً لعناصر فلسطينية مسلحة مختلفة.

إجبار العائلات على الرحيل 

فرحة أبو الهيجا، عضوة هيئة شعبية لخدمات مخيم جنين، تؤكد لـ “درج”، أن “الاقتحامات والاستهدافات والاعتقالات من قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة لمخيم جنين قبل أحداث 7 تشرين الأول، فالعملية ليست جديدة لكنّها وصلت مرحلة تجاوز فيها الدمار ما حدث خلال اجتياح المخيم في العام 2002، وهذا كله لإجبار العائلات الفلسطينية على ترك المخيم، وخلق حالة من الرعب لدى الأطفال والنساء في المخيم، بخاصة أن الاقتحامات الليلية للاحتلال تضاعفت، فهو يقطع الكهرباء ويعتدي على النساء والأطفال، ما ولّد حالة من الإحباط بالتزامن مع أحداث قطاع غزة”.

تشير أبو الهيجا إلى أن “ما يمر به مواطنو مخيم جنين من أصعب المراحل التي يمر بها أهالي المخيم وسكانه، فاجتياح  المخيم 2002 كان معركة استمرت لمدة 3 أسابيع وانتهت. أما الآن، فيتم اقتحام المخيم لمدة 12 ساعة متواصلة، وتُستخدم الصواريخ ويُقتل الأطفال بشكل مباشر. البنية التحتية تم تدميرها في العام 2002، ويعاد تدميرها اليوم أيضاً، وذلك لأن سياسة الاحتلال هي التدمير والتخريب حتى يترك المواطنون المخيم وحتى تصبح الحياة صعبة ومعقدة. 

تضيف أبو الهيجا، “معظم الشوارع مدمرة، وفي كل مرة يدخل الجيش الإسرائيلي بها يدمر المولد الكهربائي، بالتزامن مع وجود الطلاب في المدراس والأطفال في الحضانات، واحتجازهم لساعات طويلة جعل الأهالي يتخوفون من إرسال أبنائهم للدوام”.

تتابع أبو الهيجا، “لا يوجد بيت يخلو من أسير أو جريح أو شهيد في مخيم جنين…تجربة المخيم انتقلت إلى المخيمات الأخرى، والشبان الذين يستهدفهم الاحتلال الإسرائيلي هم الأطفال الذين كانوا في عمر 5 أو 6 سنوات أثناء اجتياح 2002”. 

Palestinians look on as an Israeli armoured vehicles roll during a raid at the Jenin refugee camp, in the occupied West Bank on December 5, 2023. – The Israel-occupied West Bank has seen a surge in violence, with more than 250 Palestinians killed there since the Israel-Hamas war began in October, according to Palestinian authorities. (Photo by Jaafar ASHTIYEH / AFP)

انتهاكات غير مسبوقة وأوضاع تزداد سوءاً

التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بدأ قبل أحداث 7 تشرين الأول بكثير، إذ تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية على مدار عام كامل، وتحديداً في مناطق شمال الضفة، وازدادت وتيرة اقتحامات المناطق الفلسطينية، وتقطعت أوصال الضفة الغربية بشكل كامل، فيما أطلق  الجيش الإسرائيلي العنان للمستوطنين الذين نفذوا هجمات تمثلت بالقتل المباشر وإحراق المنازل وغيرهما من مظاهر الإجرام، ولا تزال الأوضاع تزداد سوءاً في أنحاء الضفة كافة.

المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني أحمد جبريل، يقول لـ “درج”، إن معظم الإصابات حاليا هي بالرصاص الحي: “لا يستخدم الجيش الإسرائيلي وسائل تحذيرية مثل قنابل الغاز أو الرصاص المطاطي، ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء والإعاقات، إضافة الى تنفيذ غارات وقصف بالطائرات كما حدث في مخيمات جنين وبلاطة في نابلس ونور شمس في طولكرم”.

يتابع جبريل، “ما نشهده اليوم يختلف حتى عن أيام انتفاضة الأقصى، إذ أُطلق العنان لجيش الاحتلال باستخدام القوة المفرطة وإطلاق الرصاص بشكل مباشر، بهدف القتل وفتح الباب أمام المستوطنين لتنفيذ هجمات بحماية الجيش الإسرائيلي وتحت أعينه”.

يلفت جبريل إلى الانتهاكات التي تتعرض لها طواقم الإسعاف، مشيراً إلى أنها تبدأ باعتداء مباشر بالضرب أو إطلاق الرصاص الحي والمطاطي واستهداف المسعفين بشكل مباشر أو الاعتداء على سيارات الإسعاف وإحداث أضرار بها أو المنع من الوصول إلى المصابين، ما يشكل خطراً على المصاب.

أما أخطر هذه الانتهاكات فهو ما حصل أخيراً من اختطاف مصابين من داخل سيارات الإسعاف، وهذا يشكل سابقة خطيرة جداً على حد تعبيره.

مستقبل مجهول يهّدد الضفة الغربية 

الكاتب والمحلل السياسي مروان الأقرع، يقول لـ “درج”، “ما يحدث في مخيمات الضفة الغربية ومدنها اليوم، من اعتداءات وتوسّع في العمليات العسكرية، هو تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، تتعمد فيه إسرائيل التدمير بالتزامن مع التدمير والقتل في قطاع غزة”.

يضيف، “مواطنو الضفة الغربية وقطاع غزة يعانون الظروف نفسها، وما يجري الآن من مجازر مروعة في القطاع سبّب حالة من الصدمة  في الضفة الغربية”. 

يشير الأقرع إلى أن “مستقبل الضفة الغربية مجهول، وأن سياسة التقسيمات والاغلاقات وفصل مدن الضفة الغربية التي ينتهجها الاحتلال نجهل مصيرها، وهي تتزامن كذلك مع ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين”.

يرى الأقرع أن “مخيم جنين يشكل صورة مصغّرة لما يحدث في قطاع غزة، فهو خرج عن بوتقة التطبيع والتنسيق الأمني، لذلك يسعى الاحتلال الإسرائيلي الى تدمير هذه الحالة التي تمثل رمزية في النضال الفلسطيني في الضفة الغربية”، مختتماً: “الاحتلال  الإسرائيلي استغل الانشغال العالمي والإعلامي بما يجري في القطاع، ليضاعف العنف في الضفة الغربية ويقضي على المقاومة الفلسطينية”.