“تصوراتي عن لحظة الخروج كانت مختلفة كتير. بعيداً عن الاستغراب والاندهاش ومحاولات الاكتشاف والخضة. كل محاولة للقاء فرحة ولو صغيرة مؤقتة وعابرة فشلت من لحظة تخطينا للبوابة علاء عبد الفتاح لسه جوا… وآلاف غيرهم فرمتهم منظومة غير عادلة زي ما فرمتنا وما زالت. الخطوة ناقصة كتير. ومفيش فرحة غير ببقية الحبايب الاهل الرفاق وحتى الخصوم لما ينالوا حريتهم”، يقول أحمر دومة.
لم تمض 24 ساعة على الإفراج عنه، حتى أعلن الناشط المصري أحمد دومة أن فرحته بخروجه بعد عشر سنوات من السجن، هي فرحة ناقصة لن تكتمل إلا بالإفراج عن باقي المعتقلين من الرفاق والخصوم على حد تعبيره.
خرج دومة (36 عاماً) بعفو رئاسي بعدما أمضى عشر سنوات داخل المعتقل منذ 2013، فقد حُكم عليه في 2019 بالسجن لمدة 15 عاماً بعد إدانته بـ”التجمهر والتعدّي على مبان حكومية” وقبلها بـ “إهانة الرئيس”.
ومنذ لحظة خروجه، توالت صور دومة الذي دخل السجن شابا يافعاً وخرج منه وهو في السادسة والثلاثين بجسد ناحل وشعر طويل لكن ابتسامته لم تفارقه.
صوره ورفاقه في السجن سابقاً ملأت فضاءات السوشيال ميديا. أما من غادروا مصر فتسابقوا لتسجيل حوارات وصور سريعة معه “أون لاين” وشاركوها على صفحاتهم.
دومة كان وجهاً بارزاً في ثورة 25 يناير، ومن أبرز المعتقلين السياسيين الذين امتلأت بهم السجون في مصر.
قرار العفو الرئاسي خفّف عن دومة عبء استكمال خمس سنوات أخرى داخل السجن في ظروف قاسية وثّقها في رسائل مسربة قبل الإفراج الأخير عنه، إذ سرد اعتداء ضباط عليه داخل السجن وتكليف أكثر من 20 من العساكر والمخبرين بتقييده والاعتداء عليه.
بحسب تقرير لـ”منظمة العفو الدولية”، فإن دومة تعرض للحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة لمدة وصلت إلى 4 سنوات وثمانية أشهر، ونتيجة لذلك أصيب بآلام في ركبتيه وظهره، كما أصيب بضغط الدم المرتفع والأرق ونوبات الهلع والصداع النصفي الحاد وتآكل الركبة المفصلي، فتدهورت حاله وأبدت عائلته قلقها من تعرضه لاعتداءات في سجنه.
“كل محاولة للقاء فرحة ولو صغيرة مؤقتة وعابرة فشلت من لحظة تخطينا للبوابة علاء عبد الفتاح لسه جوا”
ضريبة المشاركة في الثورة المصرية
برز اسم دومة، الذي درس الكمبيوتر، كناشط ومدون وصحافي مع حركة “كفاية”، التي تأسست عام 2004، اعتراضاً على توريث الحكم لجمال مبارك، نجل الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وفي عام 2009 تم اعتقاله خلال محاولته العبور إلى غزة للتضامن مع أهلها.
مع قيام الثورة المصرية، شارك دومة في الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالتغيير ورفعت شعارات “عيش حرية عدالة اجتماعية”. وظهر سريعاً اسمه في تلك التظاهرات واشتهر بقدرته على صيد قنابل الغاز التي كانت تلقيها قوات الأمن على المتظاهرين وإعادة إلقاءها مرة أخرى باتجاه قوات الأمن.
شارك دومة في تظاهرات أحداث مجلس الوزراء الشهيرة التي شهدت اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية المصرية والمتظاهرين، وسُحلت خلالها فتاة مصرية وتمت تعريتها في مشهد شهير أبرز كيفية التنكيل بالمتظاهرين والمتظاهرات بلا هوادة.
بعد تولي الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي حكم البلاد، حوكم دومة على مشاركته في التظاهرات التي تمت في عام 2011 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2015، وبدفع مبلغ 17 مليون جنيه مصري ثم قبول الطعن على الحكم عام 2017 ومعاقبته بالسجن لـ15 عاماً ودفع غرامة مالية بقيمة مليون جنيه مصري.
واعتبرالقاضي محمد شيرين فهمي الذي أصدر أحكامه على دومة، أن دومة “ممن ابتلي بهم الوطن” وقال: “من أعرض المصائب التي ابتلي بها هذا الوطن تنكر بعض أبنائه له وتزداد خطورة هذا الأمر عندما يتجاوز الإنسان حدود هذا الحد إلى السعي في خراب الوطن”.
هذه الأقوال التي صدرت عن القاضي قبل الحكم على دومة، اعتبرها ناشطون سياسيون مصريون تنكيلاً سياسياً وليس مساراً قانونياً طبيعياً للعدالة، وهو ما ظهر في جلسة محاكمة دومة التي شهدت شجارات بين المحامي خالد علي والقاضي الذي كان يصيح بانفعال “عايزنا نشوف الشرطة العسكرية بتضرب على قفاها ونسكت؟”.
وفي تقرير منظمة العفو الدولية، قالت إن مجالس قضائية مخصصة أُنشئت خصيصاً لمحاكمة دومة وكل المؤثرين في احتجاجات مناهضة للحكومة والنظام المصري منذ اندلاع ثورة يناير، وصدرت أحكام ضد هؤلاء الناشطين، وهم بالمئات، بالإعدام أو السجن مدى الحياة “في محاكمات جماعية فادحة الجور لم تراعِ المحاكمات العادلة، ما حوّل المحاكم في مصر إلى أدوات لقمع منتقدي الحكومة”.
تظاهرة لدقائق تكلّف 3 سنوات سجن
كان دومة حراً طليقاً حينما أصدر مجلس النواب المصري تعديلات على قانون التظاهر أو “قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية”، فقرر الاحتجاج أمام محكمة عابدين عام 2013 ضد محاكمة الناشط السياسي أحمد ماهر والتنكيل السياسي بشباب الثورة. قُبض على دومة بسبب احتجاجه من دون تصريح من وزارة الداخلية وحُكم بالسجن لثلاث سنوات.
جبهة طريق الثورة “ثوار” دعت آنذاك إلي الاحتجاج ضد ما يحدث ضد ناشطي الثورة، وقالت في بيان دعوتها: “انزل تضامن والبس تريننج أبيض عشان نقولهم إننا مستعدين نسلم نفسنا، بس مش هنتكسر بقانون بيقمع ويمنع التظاهر، مش هنسيب حق إخواتنا المعتقلين اللي تم تعذيبهم وإهانتهم لمجرد إنهم شاركوا في مظاهرة ، لو شايفين الحل في إنكم تقبضوا على كل اللى بيتظاهر وتحولوا البلد لسجن كبير، هنفوت عليكم الفرصة وهنيجي لحد عندكم نقدم نفسنا بتهمة الانتماء للثورة”.
ويمنح قانون تنظيم التظاهر في مصر وزارة الداخلية صلاحيات حظر الاحتجاجات لأسباب من قبيل تهديد “الأمن والسلم” و”الإخلال بالأمن والنظام العام” وغيرها، ويعاقَب كل من ينتهك هذه الأحكام بالحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات أو/وغرامة قدرها 100,000 جنيه مصري (نحو 14,513 دولار أميركي).
إقرأوا أيضاً:
العفو الرئاسي يمنح الحرية ويسلبها
على رغم أن الإفراج عن معتقلين سياسيين مسلوبي الحرية يعد مكسباً لا يستهان به لإعادة منح الحرية بقرار عفو رئاسي، إلا أن سلطات العفو الرئاسي في مصر أصبحت بحد ذاتها أداة سلطوية وكأنها تجسد الجملة المصرية الدارجة “رقبتك في ايدي”، ويتم استخدامها للعب السياسي واللعب بأعصاب أهالي المعتقلين السياسيين والمناصرين لهم، بخاصة المعتقلين البارزين مثل علاء عبد الفتاح ومحمد عادل والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح والآلاف الآخرين ممن صدرت ضدهم أحكام سياسية بالسجن لعقود.
وتعد قرارات العفو الرئاسي من اختصاصات رئيس الجمهورية ومن أعمال السيادة، وليست هناك شروط معينة للاختيار، فقد يختار الرئيس المعفى عنهم وفقاً لاعتبارات صحية أو إنسانية أو وفقاً للمصلحة العامة، أو قد يرى أن هناك تجاوزاً في معاقبة البعض فيصدر قراراً بالعفو عنهم.
نص مادة العفو الرئاسي يعترف بتجاوزات في العقوبات على المسجونين، وهو في حد ذاته مثاراً للتساؤل، فإن كان رئيس الجمهورية يعي التجاوزات في معاقبة المعتقلين السياسيين لماذا لا تتم إعادة للمحاكمات السياسية وتوفير بيئة قانونية عادلة لإنقاذ من تضيع أعمارهم داخل السجون ومن يفقدون حيواتهم أيضاً.
تحولت مطالبات العفو الرئاسي في مصر إلى استجداء لسلطة رئيس الجمهورية في الإفراج عن قائمة أسماء، وهناك أسماء محظوظة حظيت بالفعل بالعفو مثل المحامي محمد الباقر والباحث باتريك جورج وغيرهما العشرات، لكنْ هناك قوائم من آلاف المعتقلين السياسيين المجهولين لا تعرف عنها لجنة العفو الرئاسي نفسها شيئاً.
نشأت الديهي، وهو إعلامي مصري مقرب من السلطة، قال إن عدد المساجين في مصر 114 ألف سجين، 84 ألفاً منهم صدرت أحكام نهائية ضدهم، و30 ألف حبس احتياطي وفقاً للقانون، من بين 100 مليون مواطن، أي بنسبة 0.1 في المئة من عدد المواطنين، وعدد المساجين في مصر بالنسبة الى عدد السكان يليق بمصر، وهو ما يؤكد أننا “كويسين وحلوين“.