تُستَهلك أوقات طويلة وتُنفَق أموال كثيرة في محاولة حل مشكلة الأخبار الزائفة، في ظل العاقبة المؤسفة التي تشير إلى أن التمويلات والموارد النادرة يتم تحويلها بعيداً عن الجوانب الأخرى. إذ إنها صارت واحدة من كبرى صناعات النمو الجديدة في المجال الإعلامي، وذلك في وجود الخبراء الذين يظهرون في كل الأوقات ليعرضوا توليفة تتكون من تثقيف القراء، والتحقق الجماعي والاحترافي من الحقائق، ورقابة الجودة المدعومة آلياً. فالسؤال الذي يطرحه الناس دائماً ويساوي مليون دولار (وأحياناً يساوي هذا المبلغ حرفياً) هو، كيف يمكننا أن نوقف خداع الناس عبر الأخبار الزائفة؟ والإجابة البسيطة هي، إذا لم تكن قادراً على منع الناس من تصديق الأخبار الزائفة خلال العقود القليلة الماضية، فلماذا تعتقد أنك قادر على البدء الآن؟
والحقيقة تقول إننا لا ينبغي علينا أن نُطلق عليها “أخباراً زائفةً”؛ بل إنها في الواقع أخبار تعتمد على الإيمان. أجل، إنه الدين، أي الاعتقاد بوجود إله (أو آلهة)، يشبه تماماً قابلية تصديق الأخبار الزائفة. واسأل أي ملحد حاول بلطف أن يوضح لأي أصولي ،أنه من غير المرجح أن يكون المسيح استطاع إعادة جثة إلى الحياة بعد أربعة أيام من الوفاة. إذ إن أي كمٍّ من مناشدة المنطق والعلم لن تصنع اختلافاً كبيراً. فلماذا إذاً لا يعتقد دونالد ترامب أن باراك أوباما لم يُولد في الولايات المتحدة؟ تعتبر تلك الفكرة أكثر قابلية للتصديق من الفكرة التي تقول إن الإله يصنع المعجزات، نظراً لأن أوباما، وشهادات الميلاد، والولايات المتحدة موجودون فعلياً. رغم أن ليس من بيننا أي شخص يمكنه أن واثقاً كلياً بشأن تلك الأخيرة في الوقت الحالي.
يأتي كثير من الأشخاص الماهرين بطرق محترفة جداً لمجابهة الأخبار الزائفة. وتوجد مجموعة من الأدوات التي يمكن تنصيبها على الأجهزة الإلكترونية، على سبيل المثال، والتي سوف تُظهر علامة إذا كان مصدر الأخبار يُحتمل تورطه أو اختراقه. يعتمد هذا، لسوء الحظ، بدلاً من ذلك على فرضية خاطئة، وهي أن الناس تسعى وراء الحقيقة في الواقع. يبدو هذا غير مرجح. وفي النهاية، عندما نتحدث عن المتدينين، فإننا نتحدث عن أشخاص يعتقدون أن قفزة الإيمانِ لكاريكاجا أدريان، هي قفزة سعيدة من فوق أسوار قلعة سندريلا في عالم ديزني، حيث تكون أقدامهم مقيدة بنهاية حبل “بانجي” مطاط يمثل الحلم الأميركي. كان منشأ الخرافات الدينية دائماً مرتبطاً بالأخبار، ولنكون أكثر تحديداً، كان مرتبطاً بإقبال الناس على تصديق ما يحتاجون لتصديقه. “ففي البدء كانت الكلمة، والكلمة كانت أخباراً زائفة، والأخبار الزائفة كانت إلهاً”، إذا أردنا الاقتباس من إنجيل يوحنا.
هناك أمثلة كثيرة. فكروا في أتباع كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، أو المورمون. يبدو كثر منهم سعداء كلياً باعتقادهم بأن دينهم مؤسس على نص بدون مصدر شرعي. أعطى ملاك يُدعى موروني ألواحاً ذهبية إلى جوزيف سميث، مؤسس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، الذي ترجمها مستخدماً حجراً سحرياً، ثم فقد الألواح بلا مبالاة. انتحل سميث بكل وضوح جزءاً كبيراً من كتاب مورمون، وأُخفيت الألواح دائماً في قماشة (إنها نسخة بدائية من مواقع الأخبار الزائفة التي تفاصيل النطاق/الدومين، ربما)، ولكن لا يؤثر أي من هذا على النظام العقائدي للمورمون.
أُنزل القرآن على محمد عن طريق الملاك جبريل، وقد نُقل شفهياً خلال فترة وصلت إلى 23 عاماً. كانت الوصايا العشر في الأصل على لوحين، إلا أن موسى ألقاها وكسرها (ليُعرض أمامنا نفس اللامبالاة التي كان عليها جوزيف سميث). ليست هذه صحافة تعتمد حتى على مصدر وحيد، بل إنها تعتمد على مصادر غير مؤكدة، ومجهولة.
أعلن مارك زوكربيرج، قائد الطائفة التابعة لكنيسة فيسبوك، عن أن فيسبوك “يخطط البدء في تصنيف مصادر الأخبار في قسم آخر الأخبار استناداً إلى تقييمات المستخدم للموثوقية، وهي خطوة رئيسية لمجابهة المعلومات الزائفة والمثيرة للمشاعر”.
يعتمد كثير من هذا بكل وضوح على تقنية فيسبوك، لكنه يشبه إلى حد ما توجيه طلب لأشخاص متدينين لاتخاذ قرار جماعي بشأن ما إذا كان هناك إله أم لا. ومن ثم فإن كل ما سيفعله أنه سيتأكد من أن المستخدمين يرون فقط ما يؤمنون به. لدى إيطاليا فكرة أسوأ من هذا: يمكنك الإبلاغ عن الأخبار الزائفة للشرطة، وسوف يلاحقون مرتكبي هذا الجرم.
حاولت الكنيسة الكاثوليكية، حسبما تذكرون جميعاً، ذلك مع الساحرات ومحاكم التفتيش، ولم يسر ذلك على ما يرام. وقد تمادى البابا فرنسيس، الذي يعتقد الكاثوليك الآن أنه ممثل المفارقات على الأرض، الى حد أنه أعلن عن أن الأخبار الزائفة “إثم خطير جداً”.
ليس من المفاجئ أن يتدخل البابا في مجال الأخبار. عندما ترجمت دار الكتاب المقدس الأميركية الإنجيل إلى الأميركية في عام 1966، أطلقوا عليه “أخبار جيدة للرجل المعاصر”، أو “إنجيل الأخبار الجيدة”. يعتبر الإنجيل بكل تأكيد تعريفاً مباشراً لأحد مواقع الأخبار المُجمعة، مع وجود كتب مختلفة مختارة تحديداً من مجموعة كبيرة ومتاحة على أساس أنها كانت مناسبة تماماً لتلك العلامة التجارية. لا تشكل الأخبار الزائفة تهديداً وجودياً للديمقراطيات فقط، بل إنها لغة القرن الحادي والعشرين الاصطلاحية للإلحاد، كما أنها تشكل تحدياً أمام الديانات التوحيدية بنفس قدر التهديد الذي تشكله أمام وكالات الأخبار والديمقراطيات.
لا يعني كل هذا أن المتدينين يجب أن يكونوا بالضرورة أشخاصاً أغبياء. بل إنه ليشير إلى أن الأشخاص الذين يصدقون الأخبار الزائفة ليسوا أغبياء. وهو السبب الكامن وراء فائدة الإشارة إلى الأخبار الزائفة، لكنه ليس مؤثراً على المدى البعيد. ما نحتاجه حقاً هو أن نقنع الناس بتصديق الأخبار الحقيقية، وقيمة استخدامها. والأكثر من هذا أيضاً أن يصدقوا الحقيقة التي تنقلها الأخبار، بمعناها الاصطلاحي، أي المؤسسات الإخبارية المعروفة التي تكون أصيلة وموثوقة ومعتمدة على قيم الصحافة الجيدة المُجربة والمُختبرة باستمرار. غير أن هذا ليس شيئاً بسيطاً يمكن تحقيقه. فإذا كان من الممكن جعل الناس يصدقون الحقيقة بهذه السهولة، لكان الإيمان بالإله انتهى منذ فترة طويلة.
وإذا كان علينا أن ندفع بالمشابهة بين الدين والأخبار الزائفة إلى الأمام قليلاً (وربما نفعل ذلك أيضاً، نظراً لأنه ربما كان ينبغي أن ننحرف عن الهاوية منذ فقرات قليلة)، يمكننا أن نعرف كثيراً بشأن الكيفية التي تطورت بها المسيحية (وينطبق ذلك على اليهودية والإسلام أيضاً). وبصفة عامة، أدى ميلاد الفروع الجديدة والمعاصرة إلى تحريك المسيحية من موقعها باعتبارها نظام عقائدي سخيف، وعنصري وكاره للنساء على نحو فادح، إلى موقع جديد يجعل منها نظاماً يحتمل أن يكون يقدم حقاً شيئاً جيداً للعالم. ينبغي أن يكون هذا نموذجاً للمؤسسات الإخبارية أيضاً. فلا يكفي إخبار الحقيقة. بل يجب أن تجعلوا هذه الحقيقة مفيدة، وعصرية.
* كريس روبر
هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع Daily Maverick لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.
[video_player link=””][/video_player]