شكلت الحوافز الإيرانية التي كانت على شكل فوائد مصرفية مغرية للادخار، دافعاً لأغنياء ومستثمرين عراقيين لإيداع أموالهم في هذا البلد الجار، لكن الانهيارات الأخيرة التي شهدتها قيمة العملة الإيرانية، ألحقت خسائر كبيرة بقيمة رأسمالهم، تقدر بالنصف وهي مرشحة لمزيد من الانهيارات.
ظاهرة إيداع الأموال العراقية في إيران تزايدت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأربع الماضية، بحسب الخبيرة الاقتصادية، سلامة سميسم، لأسباب عدة، منها سهولة نقل الأموال بين البلدين عبر شركات رسمية وغير رسمية، وعدم وجود ضوابط مصرفية كافية، وغياب الحوكمة المالية، وضعف الانتماء الوطني، إضافة إلى غياب الوعي والإدراك في مسألة مخاطر إخراج الأموال من البلاد. لكن اقتصاديين آخرين بينهم الأستاذ في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، يعتقدون أن العنصر الأكثر تأثيراً في حركة نقل الأموال العراقية الخاصة إلى إيران كان تغطية التجارة البينية للبلدين من قبل تجار، فضلاً عن ارتفاع قيمة الفوائد التي تبلغ نحو 25 في المئة، والتي تم تحليلها وفق فتاوى نظام “الجمهورية الإسلامية”، فضلاً عن رصانة المصارف الإيرانية والنظام المالي في هذا البلد قبل أن يتعرض للصعوبات التي تشهدها في عهد إدارة دونالد ترمب.
المستثمرون العراقيون أودعوا أموالهم في المصارف الإيرانية المختلفة بالريال لأن المصارف الإيرانية لا تقبل سوى العملة الوطنية “الريال” المعروفة شعبياً بـ “التومان”، لكن انخفاض هذه العملة إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة في تاريخ صرفها وفقدانها نصف قيمتها خلال أربعة أشهر، ألحقا خسائر فادحة بالمودعين العراقيين لأن المصارف الإيرانية لا تسمح بسحب الأموال إلا بعد مرور سنة على إيداعها.
وبعد تزايد الحديث عن الخسائر العراقية جراء الأزمة الإيرانية، حمّل أكاديميون وخبراء اقتصاديون، الحكومة العراقية والمصرف المركزي في بغداد مسؤولية عدم تحذير العراقيين من مغبة ايداع الأموال في الدول المضطربة سياسياً، فيما يحمّل ناشطون وتجار في مدينة البصرة الحدودية المنافذ الحدودية مسؤولية السماح بنقل الأموال النقدية من العراق إلى إيران، حيث يتغاضى القائمون على تلك المنافذ عن نقل مبالغ نقدية كبيرة دون أي ضوابط، وفق شهود عيان، ما شجع أصحاب الأموال على التوجه نحو ايران للاستثمار عبر الادخار حتى وصلت الحال ببعضهم إلى الاقتراب من الإفلاس.
لا توجد بيانات أو أرقام رسمية تبيّن أعداد المودعين أو حجم الأموال المودعة في مصارف إيران، إلا أن الكثير من البيانات المنشورة في وسائل الإعلام العراقية والمجموعات الإلكترونية، تتحدث علناً عن خسارة فادحة أصابت عدداً كبيراً من المستثمرين العراقيين، وسط تحذيرات من انهيارات مرتقبة أكثر تأثيراً في الأيام المقبلة حينما يحل موعد دخول الرزمة الأولى من العقوبات الاقتصادية ضد ايران حيز التنفيذ بانتظار الرزمة الثانية الأكثر شدة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
لا تقتصر المتاعب الاقتصادية الإيرانية على خسائر رؤوس الأموال فقط، بل يخشى كثيرون وبينهم الاستاذ الجامعي في البصرة سعد حمود العنزي، أن تلجأ إيران لاستخدام العراق ممراً لتهريب العملة الصعبة الدولار إلى أراضيها، جراء رفض المصارف الدولية سد حاجاتها من هذه العملة بسبب العقوبات، وحينئذ سيرتفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي ما ينجم عنه ارتفاع بعض مواد الاستيراد للعراق وبخاصة الغذائية الضرورية منها.
تحولت مصائب أصحاب الأموال العراقيين جراء انهيار التومان إلى فوائد لمستهلكي السلع الإيرانية بسبب انخفاض سعرها، بسبب فرق العملة، لكن هذا الانخفاض ألحق أضراراً بالمزارعين العراقيين، إذ يشكو كثر منهم من تكبد خسائر فادحة جراء اقبال المستهلكين على الواردات الإيرانية الرخيصة على حساب المنتج الوطني الذي لا يمكن بيعه بسعر كلفة الإنتاج، في ظل فتح الحدود والمنافذ لاستيراد السلع الإيرانية التي تغزو الأسواق العراقية بكثرة ومن مختلف الأصناف، ما دفع ناشطين واقتصاديين إلى إطلاق تحذير من اختفاء المنتج الوطني وانضمام المنتجين المزارعين العراقيين إلى طوابير المتضررين والعاطلين من العمل.
لا تقتصر الخسائر المالية العراقية على محافظات الجنوب العراقي ذات الأكثرية الشيعية التي تجمعها روابط مذهبية بجارتها إيران، حيث دقت غرف التجارة في إقليم كردستان ناقوس الخطر، جراء تعرض تجار من مستوردي البضائع من إيران للإفلاس بسبب انهيارات سعر التومان الإيراني، إذ لم يتمكنوا من صرف ما كان بحوزتهم من العملة الإيرانية إلى الدينار أو الدولار، وأصبح الإقبال على شراء التومان محفوفاً بالمخاطر، وفي الواقع لم يسبق أن تعرض التجار الأكراد إلى خسائر بالحجم الذي يحدث الآن.