fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

أزمة الطبيبة وسام شعيب ومقصلة التشريعات: زمن الاحتفاء الشعبي بـ”السجن”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المجتمع يفكر في مستقبل الرجل إذا سجن، حتى لو ارتكب أي جرم مهما كان شكله، بينما في حالة السيدات يتساقط سؤال الغد عنهن، هذا ما يوضح تناقضات التطبيق بين السلطة والفرد وبين آثار ما أنتجته على المجتمع ككل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أضحت تهمة “إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي” موجودة في القانون المصري للاتصالات بداية عام 2003، وذلك للقضاء على المعاكسات الهاتفية، ومنذ عام 2017 حين صكت الدولة المصرية قوانين جديدة لتقييد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، والمدونين، وجعلهم تحت أنظارها.

لم يكن ما سبق مفاجئاً لأحد، إذ قُبض على الطفل “خالد محمود يوسف” في عام 2015 ووُجهت إليه تهمة “إنشاء حساب بهدف ارتكاب جريمة”، ومنذ تلك اللحظة بدأت هذه التهمة تأخذ منحنى تصاعدياً ومتغيراً مع الزمن، وتستخدم للتنكيل، وبالطبع بدأ هذا يستخدم ضد أي معارض للدولة أو نظامها. 

لكن لا تتوقف المشكلة في صك القوانين للتنكيل بالمواطنين، بل تكتسب هذه القوانين شرعية بين المواطنين والرغبة في استخدامها من دون إدراك بما يترتب على ذلك الاستخدام، وكأن المواطن لا يعي أن هذا القانون قد يطاوله في لحظةٍ ما، ليتحول من مواطن إلى مخبر محتمل، إذا رأى أو قرأ ما لم يعجبه، على أي من منصات التواصل الاجتماعي.

هذا الاستخدام “الشخصي” للقانون يدفع البعض الى المطالبة بالقبض على المختلف، أو على أقل تقدير التماهي مع حجة القبض عليه، من دون التساؤل عن كيف تحوّلنا إلى أشخاص يبتلعون كل طُعم تلقيه السُلطة، من دون التساؤل عن أثره الاجتماعي على المدى القريب والبعيد، وكيف نرسخ لزمن جديد، زمن يمكن تسميته “زمن الإساءة والخدش”، زمن كالبندول يتحرك يمنياً ويساراً، يصطدم بمن يريد التقاطه وبمن لا يريد التقاطه نظراً الى أنه لا يحتاج إلى إساءة لتستمر حركته.

زمن “السجن” كمطلب شعبي!

بدأ زمن استخدام هذا القانون كوسيلة شعبيّة لإسكات الآخر عام 2021، حين ألقي القبض على حنين حسام ومودة الأدهم بسبب “إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي وخدش حياء الأسرة المصرية”، واشتهرت القضية آنذاك باسم “فتيات التيك توك”. 

مذاك، بدأ هذا الزمن كالبحر يبتلع أي شخص أمامه ويغرقه، ووسط سيل من المطالبات الحقوقية بالإفراج عنهن، دعاوى أخرى من المواطنين تطالب الدولة بالحفاظ على الأخلاق العامة والممارسات على منصات التواصل الاجتماعي، خوفاً من أن يصبح المجتمع مجتمعاً لا أخلاقياً. 

هذا الزمن بدأ مضطرباً إلا أنه أثر على تفاعلات المجتمع وأفراده في التعامل مع ما لا يعجبهم، ورسخ لممارسة اجتماعية ترى أن كل ما نرفضه سواء كان سلوكاً أخلاقياً أو اجتماعياً من الآخر، يجب بالضرورة أن نستدعي سجنه، وغيب دور القانون نفسه، وهذا يظهر بوضوح في أزمتي “الطبيبة وسام شعيب” والمعلمة التي ضربت طفلة، إذ صعد المجتمع ضدهم بأقسى عقوبة، وهي المطالبة بالسجن مباشرة، بدلًا من طلب محاسبتهما تبعاً للجهات التي ينتميان إليها، سواء وزارة الصحة أو نقابة الأطباء في حالة الطبيبة، أو نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم في حالة المعلمة التي اعتدت على طفلة بالضرب على رأسها.

 رأى “الجميع” أن الحل في سجنهما، وربما هذا نتاج لممارسة السُلطة بموجات إلقاء القبض على المختلفين معها. لذا، بدأ الأفراد يطالبون بسجن الآخرين، وكأن السجن وحده هو الحل! أو الأمل الذي أصبحنا نلجأ إليه بدلًا من التقويم أو التتابع المنطقي للهيئات التابعة لها هذه الأفراد!  

يكشف أسلوب التعامل مع هذا القانون عن شكلٍ طبقي، إذ لم يطبق إلا على الفقراء أو على من ليست لهم قوة اجتماعية وسط هذا الزمن، زمن مناجاة الحبس كرمز وسلطة قادرة على “َضبط الأخلاق” وتجاوز القوانين والإجراءات الرسميّة، الحبس كان أملاً بفض النزاع الأخلاقي مع الطبيبة التي شهرت بمرضاها، والمعلمة التي ضربت طفلة صغيرة، فض النزاع عبر إلقائهما في السجن، وهذا يتلاقى بشدةٍ في نقطة مع الإيمان المكتسب منذ سنوات عند بعض الأفراد المصريين الذين لا يرون سوى حل واحد وهو السجن، لا مطالبات بعقوباتٍ تبعاً لقانون أو تقويم، فقط السجن.

تناقضات التطبيق بين الفرد والسُلطة 

ألقي القبض على لاعب كرة القدم أحمد فتوح من نادي الزمالك، في قضية قُتِل فيها فرد من الشرطة نتيجة لحادث سير، وألقي القبض أيضاً على لاعب الأهلي إمام عاشور، الذي اعتدى على فرد أمن في إحدى المولات.

في القضيتين، علت مطالب الغالبية بالإفراج عنهما مقابل تعويض مادي، وهذا ما حدث،  بينما في حالة “وسام شعيب” التي شهرت بمرضاها عند خروجها من المحبس للمرة الأولى، طالب الجميع بتطبيق القانون لا لأنّها شهرت بمرضاها أو ارتكبت جريمة أخلاقية أو دينية بمطالبتها بأن يتحقق كل الرجال من بنتاهم (قذف المحصنات)، بل لأنها أصبحت هي نفسها صيداً ثميناً يجب تتبعه وفضحه، لأنها تزوجت من رجل متزوج، ولأنها تدّعي الأخلاق، بينما هي امرأة خطفت رجلاً من زوجته! ما يشرع القبض عليها، لأنها تبعت زمن الإساءة والخدش. 

لم يفكر أحد أننا نمارس عليها ما فعلته برمزيته، ونسمح لأن تكون السُلطة نفسها هي من تفض النزاعات الإيديولوجية والأخلاقية بيننا وبين الآخرين المختلفين عنا. بينما على الجانب الآخر، نرى أنه يجب الإفراج عن لاعبَي الكرة حتى لا يضيع مستقبلهما، هذا المستقبل يُطبق مثالاً للتناقض بين الفرد وعلاقته بالكود الأخلاقي والقانوني، وبين رغبته في الانتقام لأن المتهم بلا قوة اجتماعية، مجرد طبيبة ومعلمة، لا يمتلكان دعماً من الجماهير.

 يلعب الدور الجندري جزءاً من الأزمة؛ فلمَ تُحاكم الطبيبة اجتماعياً لأنها أفشت أسرار المرضى، بل لأنها ‘خطافة رجالة’ وتتحدث عن احتمالية “الزنا”، وكان حديثها عن العلاقات الجنسية مساهماً في غضب المجتمع واستفزازه، لأن السلطة نفسها تشرع لرسم مساحة معينة للمرأة، وهي مساحة يسيطر عليها القهر.

على الجانب الآخر، يطالب القاضي، مطبق القانون، من إمام عاشور أن يكون مثالاً لنجم المجتمع، لافتاً الى أنه متفهم عدم قصده التعدي والدافع وراء هذا، فيما لم يفكر أحد أن هذا إشكاليّ للغاية ويرسخ لشكل آخر لكيفية تطبيق القانون، وأن القادم في تطبيق القانون ستكون له علاقة بما إذا كان الجاني أو المتهم يملك قوة اجتماعية أم لا؟ إنه وجود شرعي تلعب فيه الطبقة وموقعها من السُلطة دوراً، والقوة الاجتماعية المكتسبة من الجمهور والمجتمع دوراً آخر، ويلعب فيه النوع الجندري دوراً أيضاً. 

المجتمع يفكر في مستقبل الرجل إذا سجن، حتى لو ارتكب أي جرم مهما كان شكله، بينما في حالة السيدات يتساقط سؤال الغد عنهن، هذا ما يوضح تناقضات التطبيق بين السلطة والفرد وبين آثار ما أنتجته على المجتمع ككل.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
13.12.2024
زمن القراءة: 4 minutes

المجتمع يفكر في مستقبل الرجل إذا سجن، حتى لو ارتكب أي جرم مهما كان شكله، بينما في حالة السيدات يتساقط سؤال الغد عنهن، هذا ما يوضح تناقضات التطبيق بين السلطة والفرد وبين آثار ما أنتجته على المجتمع ككل.

أضحت تهمة “إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي” موجودة في القانون المصري للاتصالات بداية عام 2003، وذلك للقضاء على المعاكسات الهاتفية، ومنذ عام 2017 حين صكت الدولة المصرية قوانين جديدة لتقييد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، والمدونين، وجعلهم تحت أنظارها.

لم يكن ما سبق مفاجئاً لأحد، إذ قُبض على الطفل “خالد محمود يوسف” في عام 2015 ووُجهت إليه تهمة “إنشاء حساب بهدف ارتكاب جريمة”، ومنذ تلك اللحظة بدأت هذه التهمة تأخذ منحنى تصاعدياً ومتغيراً مع الزمن، وتستخدم للتنكيل، وبالطبع بدأ هذا يستخدم ضد أي معارض للدولة أو نظامها. 

لكن لا تتوقف المشكلة في صك القوانين للتنكيل بالمواطنين، بل تكتسب هذه القوانين شرعية بين المواطنين والرغبة في استخدامها من دون إدراك بما يترتب على ذلك الاستخدام، وكأن المواطن لا يعي أن هذا القانون قد يطاوله في لحظةٍ ما، ليتحول من مواطن إلى مخبر محتمل، إذا رأى أو قرأ ما لم يعجبه، على أي من منصات التواصل الاجتماعي.

هذا الاستخدام “الشخصي” للقانون يدفع البعض الى المطالبة بالقبض على المختلف، أو على أقل تقدير التماهي مع حجة القبض عليه، من دون التساؤل عن كيف تحوّلنا إلى أشخاص يبتلعون كل طُعم تلقيه السُلطة، من دون التساؤل عن أثره الاجتماعي على المدى القريب والبعيد، وكيف نرسخ لزمن جديد، زمن يمكن تسميته “زمن الإساءة والخدش”، زمن كالبندول يتحرك يمنياً ويساراً، يصطدم بمن يريد التقاطه وبمن لا يريد التقاطه نظراً الى أنه لا يحتاج إلى إساءة لتستمر حركته.

زمن “السجن” كمطلب شعبي!

بدأ زمن استخدام هذا القانون كوسيلة شعبيّة لإسكات الآخر عام 2021، حين ألقي القبض على حنين حسام ومودة الأدهم بسبب “إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي وخدش حياء الأسرة المصرية”، واشتهرت القضية آنذاك باسم “فتيات التيك توك”. 

مذاك، بدأ هذا الزمن كالبحر يبتلع أي شخص أمامه ويغرقه، ووسط سيل من المطالبات الحقوقية بالإفراج عنهن، دعاوى أخرى من المواطنين تطالب الدولة بالحفاظ على الأخلاق العامة والممارسات على منصات التواصل الاجتماعي، خوفاً من أن يصبح المجتمع مجتمعاً لا أخلاقياً. 

هذا الزمن بدأ مضطرباً إلا أنه أثر على تفاعلات المجتمع وأفراده في التعامل مع ما لا يعجبهم، ورسخ لممارسة اجتماعية ترى أن كل ما نرفضه سواء كان سلوكاً أخلاقياً أو اجتماعياً من الآخر، يجب بالضرورة أن نستدعي سجنه، وغيب دور القانون نفسه، وهذا يظهر بوضوح في أزمتي “الطبيبة وسام شعيب” والمعلمة التي ضربت طفلة، إذ صعد المجتمع ضدهم بأقسى عقوبة، وهي المطالبة بالسجن مباشرة، بدلًا من طلب محاسبتهما تبعاً للجهات التي ينتميان إليها، سواء وزارة الصحة أو نقابة الأطباء في حالة الطبيبة، أو نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم في حالة المعلمة التي اعتدت على طفلة بالضرب على رأسها.

 رأى “الجميع” أن الحل في سجنهما، وربما هذا نتاج لممارسة السُلطة بموجات إلقاء القبض على المختلفين معها. لذا، بدأ الأفراد يطالبون بسجن الآخرين، وكأن السجن وحده هو الحل! أو الأمل الذي أصبحنا نلجأ إليه بدلًا من التقويم أو التتابع المنطقي للهيئات التابعة لها هذه الأفراد!  

يكشف أسلوب التعامل مع هذا القانون عن شكلٍ طبقي، إذ لم يطبق إلا على الفقراء أو على من ليست لهم قوة اجتماعية وسط هذا الزمن، زمن مناجاة الحبس كرمز وسلطة قادرة على “َضبط الأخلاق” وتجاوز القوانين والإجراءات الرسميّة، الحبس كان أملاً بفض النزاع الأخلاقي مع الطبيبة التي شهرت بمرضاها، والمعلمة التي ضربت طفلة صغيرة، فض النزاع عبر إلقائهما في السجن، وهذا يتلاقى بشدةٍ في نقطة مع الإيمان المكتسب منذ سنوات عند بعض الأفراد المصريين الذين لا يرون سوى حل واحد وهو السجن، لا مطالبات بعقوباتٍ تبعاً لقانون أو تقويم، فقط السجن.

تناقضات التطبيق بين الفرد والسُلطة 

ألقي القبض على لاعب كرة القدم أحمد فتوح من نادي الزمالك، في قضية قُتِل فيها فرد من الشرطة نتيجة لحادث سير، وألقي القبض أيضاً على لاعب الأهلي إمام عاشور، الذي اعتدى على فرد أمن في إحدى المولات.

في القضيتين، علت مطالب الغالبية بالإفراج عنهما مقابل تعويض مادي، وهذا ما حدث،  بينما في حالة “وسام شعيب” التي شهرت بمرضاها عند خروجها من المحبس للمرة الأولى، طالب الجميع بتطبيق القانون لا لأنّها شهرت بمرضاها أو ارتكبت جريمة أخلاقية أو دينية بمطالبتها بأن يتحقق كل الرجال من بنتاهم (قذف المحصنات)، بل لأنها أصبحت هي نفسها صيداً ثميناً يجب تتبعه وفضحه، لأنها تزوجت من رجل متزوج، ولأنها تدّعي الأخلاق، بينما هي امرأة خطفت رجلاً من زوجته! ما يشرع القبض عليها، لأنها تبعت زمن الإساءة والخدش. 

لم يفكر أحد أننا نمارس عليها ما فعلته برمزيته، ونسمح لأن تكون السُلطة نفسها هي من تفض النزاعات الإيديولوجية والأخلاقية بيننا وبين الآخرين المختلفين عنا. بينما على الجانب الآخر، نرى أنه يجب الإفراج عن لاعبَي الكرة حتى لا يضيع مستقبلهما، هذا المستقبل يُطبق مثالاً للتناقض بين الفرد وعلاقته بالكود الأخلاقي والقانوني، وبين رغبته في الانتقام لأن المتهم بلا قوة اجتماعية، مجرد طبيبة ومعلمة، لا يمتلكان دعماً من الجماهير.

 يلعب الدور الجندري جزءاً من الأزمة؛ فلمَ تُحاكم الطبيبة اجتماعياً لأنها أفشت أسرار المرضى، بل لأنها ‘خطافة رجالة’ وتتحدث عن احتمالية “الزنا”، وكان حديثها عن العلاقات الجنسية مساهماً في غضب المجتمع واستفزازه، لأن السلطة نفسها تشرع لرسم مساحة معينة للمرأة، وهي مساحة يسيطر عليها القهر.

على الجانب الآخر، يطالب القاضي، مطبق القانون، من إمام عاشور أن يكون مثالاً لنجم المجتمع، لافتاً الى أنه متفهم عدم قصده التعدي والدافع وراء هذا، فيما لم يفكر أحد أن هذا إشكاليّ للغاية ويرسخ لشكل آخر لكيفية تطبيق القانون، وأن القادم في تطبيق القانون ستكون له علاقة بما إذا كان الجاني أو المتهم يملك قوة اجتماعية أم لا؟ إنه وجود شرعي تلعب فيه الطبقة وموقعها من السُلطة دوراً، والقوة الاجتماعية المكتسبة من الجمهور والمجتمع دوراً آخر، ويلعب فيه النوع الجندري دوراً أيضاً. 

المجتمع يفكر في مستقبل الرجل إذا سجن، حتى لو ارتكب أي جرم مهما كان شكله، بينما في حالة السيدات يتساقط سؤال الغد عنهن، هذا ما يوضح تناقضات التطبيق بين السلطة والفرد وبين آثار ما أنتجته على المجتمع ككل.