fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“أزمة” الفضيحة الجنسيّة… انتهاك الجسد العاري والمواطنة الإيروتيكيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اشتعل الجدل حول حقوق الملكية وانتهاك الخصوصيّة وتشويه السمعة السياسيّة إثر تسريب شريط إباحي للمُرشحة الأمريكيّة لمجلس النواب سوزانا غيبسون، التي توعدت بمقاضاة من سرّب التسجيل، وكلّ من ساهم ببثه ونشره، لكن، نحن في عالم الانترنت، حيث النسيان مُستحيل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ضجّت وسائل الإعلام الأمريكيّة مؤخراً بفضيحة تسجيلات إباحية للمرشحة الديمقراطيّة لمجلس النواب سوزانا غيبسون، إذ سُرب للصحافة مقطع جنسي لها ولزوجها، ما هدد مسيرتها  السياسيّة، إلى حد نعت الحزب الديمقرطي بموقع إباحيّ  أشبه بـPornHub .

الملفت في هذا التسريب، أن التسجيل لم يكن سِريّاً، أي ليس جزء من ألعاب السرير بين زوجين، هو تسجيل لبثّ مباشر تظهر فيه غيبسون مع زوجها أمام حوالي 500 مشاهد، يطلبون منهما القيام بأفعال جنسية، على منصة بث إباحيّ علنيّة مقابل “بقشيش”، أي كان من الممكن لأي أحد العام الماضي، أن يدخل المنصّة، ويشاهد ما يمكن له أن يشاهد.

دافعت غيبسون عن نفسها قائلة أن التسريب استهداف لها ومحاولة لإسكاتها، وانتهاك لخصوصيتها، علماً أن البث المباشر كان مباحاً لأي أحد حينها، وقوانين الخصوصيّة هنا ليست واضحة، ناهيك بأن غيبسون قالت أنها لا تعلم أن “البث المباشر الإباحي” يمكن أن يتم تسجيله !.

اشتعل الجدل حول حقوق الملكية وتشويه السمعة السياسيّة، وتوعدت غيبسون أنها ستقاضي من سرّب التسجيل، وكلّ من ساهم ببثه ونشره، لكن، نحن في عالم الانترنت، حيث النسيان مُستحيل.

لن نخوض في الجدل النسويّ حول الموضوع، كوننا ننتصر للحق باللعب الإباحي  ولو كان الشخص مرشحاً لمنصب سياسي، فما يثير الاهتمام هو طبيعة الظاهرة الإباحيّة نفسها، بصورة أدق الجسد العاري المُشتهى نصاً وصورةً وتحوله إلى جزء (قسريّ أحياناً) من تكوين الفرد العلني، إلى حد يمكن المبالغة والقول، في لحظة ما، سيكون هناك أرشيف عاريّ “للجميع” ويمكن “للجميع” ولوجه.

يمكن القول أن العُريّ والممارسة الإيروتيكيّة جزء من تقديم الذات في عصرنا الحاليّ، وأصبح الجسد المُشتهى جزء من الانتماء للعلن، وإن أردنا المبالغة أكثر، جزء من المواطنة في عصر المراقبة الشاملة، أشبه بعقد إيروتيكي- اجتماعي على الاشتهاء، أي بصور ما شرط العصر يدفع ( قسراً أو عبر غواية الربح أو اللعب) الأفراد نحو العري على الشاشة، سواء كان الواحد  نجماً سينمائياً، أو سياسياً أو شخص عادياً.

في عالم عدسات الكاميرا التي تسود الفضاءات الخاصة والنموذج الاقتصادي والثقافي الذي تتبناه، سواء أحببت أن تكون/ـي عارياً/ةً أم لا ، ستُدفع أو تتورط أو تبادر نحو نموذج المواطن العاري المُشتهى. 

الانفجار الإيروتيكي..يوم العري القسريّ

عام 2014 حصل أكبر تسريب في “غيمة آبل”، وانتشرت على يد قرصان مئات صور المشاهير وهم عراة،  يمارسون حقهم بالتعري واللعب وحيدين أو مع شركاء. هذا الانفجار الذي سُميّ بالـ Fappening  وما تبعه  من ملاحقات قضائيّة وإحالة المُقرصن عام 2016 للمحاكمة، جعل العريّ حالة طبيعيّة قسريّة، انتهكت الخصوصيّة بشدّة إلى حد أنه من النادر حالياً ألا تجد صورة عارية لنجمك أو نجمتك المفضل/ة، سواء كان مصدرها الانترنيت أو اللقطات الثابتة من الأفلام.

النتيجة هي أن “الكلّ” يمتلك صور عارية في مكان ما في الانترنيت، وكأن الجسد العلني ضمن عالم الريلات والبورنوغرافيا الهاوية، مُطالب بالانكشاف ليلبي الرغبة بالدفينة بالتلصص . الأمر أشبه بالقنبلة النوويّة، حدث استثنائي، (وفي هذه الحالة إباحي)، العالم قبله لم يعد كما هو بعده، أشبه بالفتوى الإسلاميّة “عموم البلوى”، إذ حل البلاء على “الجميع” فلا ضرر ولا ضرار، وهنا المفارقة الساخرة، الشرط التكنولوجي يعمم البلاء، ويدفع البدن العاري نحو العلنيّة مهما كان صاحبه.

 هناك مفارقة بورخيسيّة في كل ما يحدث، لم يعد مفهوم “الشاشة التي تحدّق بنا” مجازاً للتحليل النفسي، حيث الشاشة هي مفتاح فانتازمتنا الشخصيّة، بل أصبح المجاز واقعياً، الشاشة تسجّل كل حركاتنا لتشبع فانتازمات الآخرين.

البنية الاتصالية الجديدة والقرصنة وغيرها مما يفرضه العصر جعلت الجميع معرضاً للعريّ ولانكشاف أمام الآخرين “جميعهم”، الشأن المختلف سابقاً عن تسريبات الأفلام الإباحيّة، كحالة كيم كارداشيان (الشريط صورة عام 2004 وسرّب عام 2007) أو باريس هيلتون (2005) أو الممثل روب لو (1988) أو كولين فاريل (2004)، الجميع هنا ضحايا التسريب، وانتهاك الخصوصيّة، لكنها، وهنا أرتجل، أصبحت شأناً عاماً ومشتركاً، إلى أحد المرشح المستقل لانتخابات الكونجرس مايك إتكيز، نشر عام 2022، فيديو إباحي له مع عاملة جنس، كجزء من برنامجه الانتخابي.

نتحرك هنا إذاً بين محاورين، العريّ القسريّ والعري  الطوعيّ، لكننا بالنهاية أمام أجساد تتحرك عارية أمام الشاشة، والملفت أن العريّ العلنيّ الطوعيّ، نتلمسه ونموذجه الاقتصاديّ حين متابعة المؤثرين والمؤثرات، كل فرد يقدم “جسده” عبر عدة تطبيقات، يتناسب العريّ فيها مع مقدار النقود/ الاشتراك،  بداية من انستغرام المجاني، انتهاءً بأونلي فانز المدفع،  لكل جزء من الجسد تطبيق، ولكل جزء ثمن محدد، وكل هذا طوعي، ولا يتعلق بالصناعة البورنوغافيّة.

قسريّة العُري العلني وما تحمله من تبعيات تختلف بين “الغرب” والعالم العربيّ، الذي أيضاً هو عرضة ومساحة للاستثمار في نظام العريّ  الجديد،  علماً أن الشأن شديد السياسية والانتهاك  وعادة ما يستخدم للانتقام الشخصي أو السياسي، سواء كنا نتحدث عن تسريب فيديو أحمد رافع (2023) وهو يتحدث مع امرأة، أو الراقصة المصرية دينا أو الممثلتين منى فاروق وشيماء الحاج، والأثر القاسي والعنيف الذي تعرضن له إلى حد حبسهما بتهمة “الترويج لفعل فاضح” بينما المخرج خالد يوسف لم يمسّه شيء.

على رغم كل الحيثيات والانتهاكات، والظلم الذي يتعرض له من يقع ضمن فضيحة جنسيّة مسربة،  بالنهاية، الجميع انتهى عارياً أمام الشاشة، نحن إذا أمام ورطة إباحيّة، لا شاشة آمنة وكل خصوصيّة مهددة بالانتهاك ثم الانتشار، مع اختلاف ردات الفعل، الممثلتان المصريتان انتهى بهما الأمر ذليلتان في المحكمة، بينما المرشحة الأمريكيّة سوزانا غيبسون انتصر لها من حولها، وتحولت القضية إلى شأن نسويّ وانتهاك للخصوصيّة، لكن كل هذا لا يُهم “الانترنيت” والمخيلة الإباحيّة، بالنهاية، هناك عريّ علني.

ميوعة الحدود على الشاشة

لم يعد واضحاً الآن الفرق بين الإباحيّ ما يناقضه، ذاك النقيض الذي لن نسمّه حرصاً على حساسيات حريّة التعبير عن الذات، هذه الميوعة واضحة بشدة في عوالم الشاشة، إنستغرام شعر بالمنافسة من أونلي فانز، فسمح بصور الحلمات للحفاظ على مستخدميه. هناك ميل اقتصاديّ نحو “العريّ” والاستثمار به، خصوصاً مع العريّ القسريّ وسياسات الفضيحة الجنسيّة والتسريب، وكأن “الشاشة” تبحث عن أجساد عارية (محتوى) لتداولها، وفي حال لم تجد، تُنتهك الخصوصيّة، لإطعام وحش الشاشة.

وفر الذكاء الاصطناعيّ حلاً أسرع لكن أشد جدلية، مئات الفيديوهات الإباحية الوهمية لكل من نريد، يكفي صورة واحدة للوجه لإنتاج فيلم إباحي لكل من تراودنا مخيلتنا الإباحية لمشاهدته أو مشاهدتها يتأوه أو يرهز. 

هناك مخيّلة إباحية تغزو الشاشة، وتضيع الحدود بين الجدّي وبين اللعب، يكفي ترامب نفسه، وتعليقاته الماجنة التي تطال حتى ابنته، وفضيحته مع ممثلة الأفلام الإباحيّة ستورمي دانيالز حتى نفهم أكثر شكل العصر الذي نحن فيه، وجه المتعة أصبح قدراً مؤجلاً للـ”جميع” سواء بإرادتهم أم قسراً. ولا ندّعي أن هذه الظاهرة جديدة، الفضيحة الجنسيّة قديمة قدم التاريخ، منشورات” القضيب الذهبي” استهدفت ماري أنطوانيت في القرن الثامن عشر قبل جرّها إلى المقصلة، وحيل السرير في التراث العربي غنيّة عن التعريف، لكن الفرق، هو الوسيط، والقدرة على مشابهة الحقيقة.

حُلم بورخيسي إيروتيكيّ

هناك تقاطعيّة من الصعب رصدها حين الحديث عن الفضيحة الجنسيّة، ( وهنا مجازفة في التحليل) ، إذ تلعب المكانة الاجتماعيّة دوراً في ضبط أثر الفضيحة، بصورة أخرى هناك بنيّة تحمي من تريد حمايته وتنتهك حق من تريد، نجازف هنا ونضرب مثل الممثلة السوريّة دانا جبر الذي سُرب شريط لها عام 2021، وتضامن معها “الجميع”، في حين أن الممثلة لونا الحسن اختفت عن الأنظار، علماً أن تسريب شريطها كان عام 2018.

لكن ليست هنا الإشكاليّة، تراجعت ثقافة الشريط الجنسي أمام كاميرا الهاتف التي تحوي احتمال تحويل أي شخص إلى ممثل إباحي، الإنتاج الهاوي أذهب هالة الشريط الجنسي، ولم يعد درباً للشهرة، بل يمكن القول، شأناً متوقعاً، لا نعلم بأي لحظة ممكن أن يتسرب شريط جنسي لامرأة أو رجل يمتع نفسه أمام شاشة هاتفه النقال أو حاسوبه.

 هناك مفارقة بورخيسيّة في كل ما يحدث، لم يعد مفهوم “الشاشة التي تحدّق بنا” مجازاً للتحليل النفسي، حيث الشاشة هي مفتاح فانتازمتنا الشخصيّة، بل أصبح المجاز واقعياً. الشاشة تحدّق بنا وتسجّل كل حركاتنا لتشبع فانتازمات الآخرين، بل أن الفانتزامت التي كانت لطالما أسيرة الشاشة كـ”معلمة تضاجع تلميذها”، ” فضيحة مرشحة سياسية ” أصبحت واقعيّة، الشاشة تحدق وتلتهم، وتبث للباقين، وهنا يمكن إطلاق نبوءة بورنوغرافيّة، محاكاة لنبوءة بورخيس، فكما كل واحد منا يحلم بكل العالم وبكل شخص على حدى، كل واحد منا، هو حلم بورنغرافيّ لأحد ما، في مكان ما، بانتظار التسريب أو القراصنة أو الضائقة الماديّة لتحقيق هذا الفانتازم، وهنا يمكن تحوير سؤال الخيال العلميّ الأشهر والقول: ” هل تحلم الشاشات بحفل متعة جماعيّ ؟”.

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
23.09.2023
زمن القراءة: 6 minutes

اشتعل الجدل حول حقوق الملكية وانتهاك الخصوصيّة وتشويه السمعة السياسيّة إثر تسريب شريط إباحي للمُرشحة الأمريكيّة لمجلس النواب سوزانا غيبسون، التي توعدت بمقاضاة من سرّب التسجيل، وكلّ من ساهم ببثه ونشره، لكن، نحن في عالم الانترنت، حيث النسيان مُستحيل.

ضجّت وسائل الإعلام الأمريكيّة مؤخراً بفضيحة تسجيلات إباحية للمرشحة الديمقراطيّة لمجلس النواب سوزانا غيبسون، إذ سُرب للصحافة مقطع جنسي لها ولزوجها، ما هدد مسيرتها  السياسيّة، إلى حد نعت الحزب الديمقرطي بموقع إباحيّ  أشبه بـPornHub .

الملفت في هذا التسريب، أن التسجيل لم يكن سِريّاً، أي ليس جزء من ألعاب السرير بين زوجين، هو تسجيل لبثّ مباشر تظهر فيه غيبسون مع زوجها أمام حوالي 500 مشاهد، يطلبون منهما القيام بأفعال جنسية، على منصة بث إباحيّ علنيّة مقابل “بقشيش”، أي كان من الممكن لأي أحد العام الماضي، أن يدخل المنصّة، ويشاهد ما يمكن له أن يشاهد.

دافعت غيبسون عن نفسها قائلة أن التسريب استهداف لها ومحاولة لإسكاتها، وانتهاك لخصوصيتها، علماً أن البث المباشر كان مباحاً لأي أحد حينها، وقوانين الخصوصيّة هنا ليست واضحة، ناهيك بأن غيبسون قالت أنها لا تعلم أن “البث المباشر الإباحي” يمكن أن يتم تسجيله !.

اشتعل الجدل حول حقوق الملكية وتشويه السمعة السياسيّة، وتوعدت غيبسون أنها ستقاضي من سرّب التسجيل، وكلّ من ساهم ببثه ونشره، لكن، نحن في عالم الانترنت، حيث النسيان مُستحيل.

لن نخوض في الجدل النسويّ حول الموضوع، كوننا ننتصر للحق باللعب الإباحي  ولو كان الشخص مرشحاً لمنصب سياسي، فما يثير الاهتمام هو طبيعة الظاهرة الإباحيّة نفسها، بصورة أدق الجسد العاري المُشتهى نصاً وصورةً وتحوله إلى جزء (قسريّ أحياناً) من تكوين الفرد العلني، إلى حد يمكن المبالغة والقول، في لحظة ما، سيكون هناك أرشيف عاريّ “للجميع” ويمكن “للجميع” ولوجه.

يمكن القول أن العُريّ والممارسة الإيروتيكيّة جزء من تقديم الذات في عصرنا الحاليّ، وأصبح الجسد المُشتهى جزء من الانتماء للعلن، وإن أردنا المبالغة أكثر، جزء من المواطنة في عصر المراقبة الشاملة، أشبه بعقد إيروتيكي- اجتماعي على الاشتهاء، أي بصور ما شرط العصر يدفع ( قسراً أو عبر غواية الربح أو اللعب) الأفراد نحو العري على الشاشة، سواء كان الواحد  نجماً سينمائياً، أو سياسياً أو شخص عادياً.

في عالم عدسات الكاميرا التي تسود الفضاءات الخاصة والنموذج الاقتصادي والثقافي الذي تتبناه، سواء أحببت أن تكون/ـي عارياً/ةً أم لا ، ستُدفع أو تتورط أو تبادر نحو نموذج المواطن العاري المُشتهى. 

الانفجار الإيروتيكي..يوم العري القسريّ

عام 2014 حصل أكبر تسريب في “غيمة آبل”، وانتشرت على يد قرصان مئات صور المشاهير وهم عراة،  يمارسون حقهم بالتعري واللعب وحيدين أو مع شركاء. هذا الانفجار الذي سُميّ بالـ Fappening  وما تبعه  من ملاحقات قضائيّة وإحالة المُقرصن عام 2016 للمحاكمة، جعل العريّ حالة طبيعيّة قسريّة، انتهكت الخصوصيّة بشدّة إلى حد أنه من النادر حالياً ألا تجد صورة عارية لنجمك أو نجمتك المفضل/ة، سواء كان مصدرها الانترنيت أو اللقطات الثابتة من الأفلام.

النتيجة هي أن “الكلّ” يمتلك صور عارية في مكان ما في الانترنيت، وكأن الجسد العلني ضمن عالم الريلات والبورنوغرافيا الهاوية، مُطالب بالانكشاف ليلبي الرغبة بالدفينة بالتلصص . الأمر أشبه بالقنبلة النوويّة، حدث استثنائي، (وفي هذه الحالة إباحي)، العالم قبله لم يعد كما هو بعده، أشبه بالفتوى الإسلاميّة “عموم البلوى”، إذ حل البلاء على “الجميع” فلا ضرر ولا ضرار، وهنا المفارقة الساخرة، الشرط التكنولوجي يعمم البلاء، ويدفع البدن العاري نحو العلنيّة مهما كان صاحبه.

 هناك مفارقة بورخيسيّة في كل ما يحدث، لم يعد مفهوم “الشاشة التي تحدّق بنا” مجازاً للتحليل النفسي، حيث الشاشة هي مفتاح فانتازمتنا الشخصيّة، بل أصبح المجاز واقعياً، الشاشة تسجّل كل حركاتنا لتشبع فانتازمات الآخرين.

البنية الاتصالية الجديدة والقرصنة وغيرها مما يفرضه العصر جعلت الجميع معرضاً للعريّ ولانكشاف أمام الآخرين “جميعهم”، الشأن المختلف سابقاً عن تسريبات الأفلام الإباحيّة، كحالة كيم كارداشيان (الشريط صورة عام 2004 وسرّب عام 2007) أو باريس هيلتون (2005) أو الممثل روب لو (1988) أو كولين فاريل (2004)، الجميع هنا ضحايا التسريب، وانتهاك الخصوصيّة، لكنها، وهنا أرتجل، أصبحت شأناً عاماً ومشتركاً، إلى أحد المرشح المستقل لانتخابات الكونجرس مايك إتكيز، نشر عام 2022، فيديو إباحي له مع عاملة جنس، كجزء من برنامجه الانتخابي.

نتحرك هنا إذاً بين محاورين، العريّ القسريّ والعري  الطوعيّ، لكننا بالنهاية أمام أجساد تتحرك عارية أمام الشاشة، والملفت أن العريّ العلنيّ الطوعيّ، نتلمسه ونموذجه الاقتصاديّ حين متابعة المؤثرين والمؤثرات، كل فرد يقدم “جسده” عبر عدة تطبيقات، يتناسب العريّ فيها مع مقدار النقود/ الاشتراك،  بداية من انستغرام المجاني، انتهاءً بأونلي فانز المدفع،  لكل جزء من الجسد تطبيق، ولكل جزء ثمن محدد، وكل هذا طوعي، ولا يتعلق بالصناعة البورنوغافيّة.

قسريّة العُري العلني وما تحمله من تبعيات تختلف بين “الغرب” والعالم العربيّ، الذي أيضاً هو عرضة ومساحة للاستثمار في نظام العريّ  الجديد،  علماً أن الشأن شديد السياسية والانتهاك  وعادة ما يستخدم للانتقام الشخصي أو السياسي، سواء كنا نتحدث عن تسريب فيديو أحمد رافع (2023) وهو يتحدث مع امرأة، أو الراقصة المصرية دينا أو الممثلتين منى فاروق وشيماء الحاج، والأثر القاسي والعنيف الذي تعرضن له إلى حد حبسهما بتهمة “الترويج لفعل فاضح” بينما المخرج خالد يوسف لم يمسّه شيء.

على رغم كل الحيثيات والانتهاكات، والظلم الذي يتعرض له من يقع ضمن فضيحة جنسيّة مسربة،  بالنهاية، الجميع انتهى عارياً أمام الشاشة، نحن إذا أمام ورطة إباحيّة، لا شاشة آمنة وكل خصوصيّة مهددة بالانتهاك ثم الانتشار، مع اختلاف ردات الفعل، الممثلتان المصريتان انتهى بهما الأمر ذليلتان في المحكمة، بينما المرشحة الأمريكيّة سوزانا غيبسون انتصر لها من حولها، وتحولت القضية إلى شأن نسويّ وانتهاك للخصوصيّة، لكن كل هذا لا يُهم “الانترنيت” والمخيلة الإباحيّة، بالنهاية، هناك عريّ علني.

ميوعة الحدود على الشاشة

لم يعد واضحاً الآن الفرق بين الإباحيّ ما يناقضه، ذاك النقيض الذي لن نسمّه حرصاً على حساسيات حريّة التعبير عن الذات، هذه الميوعة واضحة بشدة في عوالم الشاشة، إنستغرام شعر بالمنافسة من أونلي فانز، فسمح بصور الحلمات للحفاظ على مستخدميه. هناك ميل اقتصاديّ نحو “العريّ” والاستثمار به، خصوصاً مع العريّ القسريّ وسياسات الفضيحة الجنسيّة والتسريب، وكأن “الشاشة” تبحث عن أجساد عارية (محتوى) لتداولها، وفي حال لم تجد، تُنتهك الخصوصيّة، لإطعام وحش الشاشة.

وفر الذكاء الاصطناعيّ حلاً أسرع لكن أشد جدلية، مئات الفيديوهات الإباحية الوهمية لكل من نريد، يكفي صورة واحدة للوجه لإنتاج فيلم إباحي لكل من تراودنا مخيلتنا الإباحية لمشاهدته أو مشاهدتها يتأوه أو يرهز. 

هناك مخيّلة إباحية تغزو الشاشة، وتضيع الحدود بين الجدّي وبين اللعب، يكفي ترامب نفسه، وتعليقاته الماجنة التي تطال حتى ابنته، وفضيحته مع ممثلة الأفلام الإباحيّة ستورمي دانيالز حتى نفهم أكثر شكل العصر الذي نحن فيه، وجه المتعة أصبح قدراً مؤجلاً للـ”جميع” سواء بإرادتهم أم قسراً. ولا ندّعي أن هذه الظاهرة جديدة، الفضيحة الجنسيّة قديمة قدم التاريخ، منشورات” القضيب الذهبي” استهدفت ماري أنطوانيت في القرن الثامن عشر قبل جرّها إلى المقصلة، وحيل السرير في التراث العربي غنيّة عن التعريف، لكن الفرق، هو الوسيط، والقدرة على مشابهة الحقيقة.

حُلم بورخيسي إيروتيكيّ

هناك تقاطعيّة من الصعب رصدها حين الحديث عن الفضيحة الجنسيّة، ( وهنا مجازفة في التحليل) ، إذ تلعب المكانة الاجتماعيّة دوراً في ضبط أثر الفضيحة، بصورة أخرى هناك بنيّة تحمي من تريد حمايته وتنتهك حق من تريد، نجازف هنا ونضرب مثل الممثلة السوريّة دانا جبر الذي سُرب شريط لها عام 2021، وتضامن معها “الجميع”، في حين أن الممثلة لونا الحسن اختفت عن الأنظار، علماً أن تسريب شريطها كان عام 2018.

لكن ليست هنا الإشكاليّة، تراجعت ثقافة الشريط الجنسي أمام كاميرا الهاتف التي تحوي احتمال تحويل أي شخص إلى ممثل إباحي، الإنتاج الهاوي أذهب هالة الشريط الجنسي، ولم يعد درباً للشهرة، بل يمكن القول، شأناً متوقعاً، لا نعلم بأي لحظة ممكن أن يتسرب شريط جنسي لامرأة أو رجل يمتع نفسه أمام شاشة هاتفه النقال أو حاسوبه.

 هناك مفارقة بورخيسيّة في كل ما يحدث، لم يعد مفهوم “الشاشة التي تحدّق بنا” مجازاً للتحليل النفسي، حيث الشاشة هي مفتاح فانتازمتنا الشخصيّة، بل أصبح المجاز واقعياً. الشاشة تحدّق بنا وتسجّل كل حركاتنا لتشبع فانتازمات الآخرين، بل أن الفانتزامت التي كانت لطالما أسيرة الشاشة كـ”معلمة تضاجع تلميذها”، ” فضيحة مرشحة سياسية ” أصبحت واقعيّة، الشاشة تحدق وتلتهم، وتبث للباقين، وهنا يمكن إطلاق نبوءة بورنوغرافيّة، محاكاة لنبوءة بورخيس، فكما كل واحد منا يحلم بكل العالم وبكل شخص على حدى، كل واحد منا، هو حلم بورنغرافيّ لأحد ما، في مكان ما، بانتظار التسريب أو القراصنة أو الضائقة الماديّة لتحقيق هذا الفانتازم، وهنا يمكن تحوير سؤال الخيال العلميّ الأشهر والقول: ” هل تحلم الشاشات بحفل متعة جماعيّ ؟”.

23.09.2023
زمن القراءة: 6 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية