fbpx

أزمة نهر هلمند بين “طالبان” وإيران… ما الذي يخشاه الملالي في عسكرة الصراع هذه المرة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأزمة المحتدمة بين “طالبان” والملالي لها مضمون سياسي مباشر. فهي ورقة ضغط على طاولة متخمة بالملفات التي تفيض بها الهواجس والمخاوف الأمنية قبل السياسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتدام الصراع بين إيران وحركة “طالبان” على خلفيّة معضلة تقاسم مياه نهر هلمند، بأبعاده السياسية والبيئية، يؤشر إلى توترات قصوى واحتمالات عنف، ربما، لنّ ترقى إلى حرب مفتوحة لفداحة الحسابات الاستراتيجيّة، لا سيّما في منطقة رخوة أمنيّاً واجتماعيّاً مثل إقليم سيستان وبلوشتان المتاخم للحدود بين طهران وكابل. فيما تعاني المنطقة الحدودية المهمشة من تراجع معدلات التنمية، وخضوعها لسياسة التفريس، ومركزيّة الحكم الطائفي.

وعلى رغم الاحتكاكات الخشنة على الحدود بين قوات الحرس الثوري الإيراني وعناصر حركة “طالبان”، الأمر الذي أسفر عن سقوط قتلى من الإيرانيين، نهاية الشهر الماضي، إلا أنّ الرسائل والخطابات الإيرانية تكشف عن سياسات لا تسعى للتصعيد وتفادي الوقوع في دائرة نزاع طويل الأمد. فالحركات والأحزاب السنية المسلحة في المنطقة الحدودية ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة والمنتمية للأقليات القومية والدينية، مثل منظمة “جند الله”، والمطالبة بانفصال الإقليم، تبعث بتوجس إيراني مرير من احتمالات حدوث تقارب سنّي في مواجهة القمع والمركزية الشيعية. 

ومن ثم، فتجدد الاشتباكات وتصاعدها لا ترافقه نبرة تصعيد إعلامي، بل محاولة للتعمية عن الحقائق، وإيجاد وسيلة لتسوية مؤقتة. فوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، نفت حدوث أي توترات في منطقة “إسلام قلعة”، نهاية الشهر الماضي، ووصفت الوضع بأنّه “هادئ”، وذلك بالرغم من انتشار فيديوات توثق الاشتباكات التي قالت، لاحقاً، الصحف الإيرانية إنّها مجرد “تبادل إطلاق نار”. 

غير أنّ الصحف الإيرانية التي تجاهلت الوقائع والأحداث المتطورة، لم تصمد طويلاً أمام تسريب صور ومقاطع فيديو تكشف عن “معدات عسكرية ثقيلة” لطالبان في هذه المنطقة الحدودية، فضلاً عن انتقادات جمّة للصحف في طهران بشأن التعاطي المرتبك مع الوضع. وبعد يومين من أحداث “إسلام قلعة”، أكدت صحيفة “مردم سالاري”، الأصولية وجود تحركات عسكرية من جانب طالبان، وتحريك قافلة دبابات من مدينة هرات إلى إسلام قلعة.

وإلى جانب انتقاد الصحف المحليّة للحكومة الإيرانية، فإنّ صحيفتي “روزكار” و”جمهوري إسلامي”، قدمتا جملة خيارات لمواجهة حركة “طالبان”، وإنهاء ما سمته “تخبط المسؤولين الإيرانيين”، وشددت على ضرورة الضغط أو الانخراط في حرب. ومن بين الضغوط المقترحة، خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لإيران في أفغانستان، وطرد ممثلي الحركة من السفارة بطهران. ثم تعطيل صادرات الوقود إلى كابل. 

تعود قضية مياه نهر هلمند، التي تؤطر الصراع بين طهران وطالبان، راهناً، لمطلع سبعينات القرن الماضي. ففي هذه الفترة، تمّ تدشين اتفاق يضمن لطهران حصة من مياه النهر (850 مليون متر مكعب)، سنوياً. وقد تم توقيع الاتفاق في الفترة السابقة على صعود الخميني للحكم، بين رئيس وزراء إيران في حكم الشاه، أمير عباس هويدا، الذي أعدمه الملالي، ورئيس وزراء أفغانستان، وقتذاك، محمد موسى شفيق. 

ومع تبدّل الأنظمة السياسية بين كابل وطهران، لم تحدث تداعيات على حقوق إيران المائية، أو حتى محاولة لخرق الاتفاقية التي تعود للسبعينات. كما لم يحدث أن تسبب نهر هلمند الذي يصب في بحيرة هامون بإيران بأيّ خلاف سياسي بينهما. لكنّ الأزمة الراهنة تتعلق، ظاهرياً، بشروط فنيّة وإجرائيّة تتصل بحصول إيران على الحصة المتفق والمنصوص عليها بالاتفاق “في العام المائي الطبيعي”، بمعنى توفر الأمطار بنسب طبيعية بحيث يفيض بها النهر الذي يسع 6 مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه. بالتالي يصبح حق إيران في المياه مرتبطاً بامتلاء النهر وفقاً لحالة الطبيعة ومزاجها المناخي. لذا، تتحجج “طالبان” بأنّ نسبة المياه في نهر هلمند تعرضت للجفاف ولم تصل للنسبة الطبيعية. غير أنّ طهران تطالب بوجود خبراء مائيين إيرانيين للتحقق من هذا الأمر، وترفض “طالبان”.

وتتهم “هيئة الفضاء الإيرانية” حركة طالبان بتعديل مسار النهر، وفق عمليات المراقبة التي أجراها قمر “خیام” الصناعي، وذلك بهدف منع وصول المياه إلى دولة المصب.

ووفق عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، فإنّه “من مصلحة الأفغان بالتأكيد أن يزودوا إيران بحصتها المائية بشكل مناسب، لأنّه إذا تم تجاهل العقود والاتفاقيات الدولية التي كانت قائمة في الماضي بين البلدين وعدم العمل بها، فسيكونون هم الخاسرون”.

وقال وزير الطاقة الإيراني علي أكبر محرابيان: “بحسب معاهدة نهر هلمند (هيرمند) بين إيران وأفغانستان عام 1972، فإنّ الأخيرة تعهدت بتسليم إيران حقها من مياه النهر في موعده المحدد وعليها إزالة كافة العراقيل السياسية والتقنية وتسليم حق الشعب الإيراني في حدود البلدين”.

الأزمة المحتدمة بين “طالبان” والملالي لها مضمون سياسي مباشر. فهي ورقة ضغط على طاولة متخمة بالملفات التي تفيض بها الهواجس والمخاوف الأمنية قبل السياسية. تتخوف طهران من تحركات معادية لـ”طالبان” بعد هذا الخرق، والذي قد يصل إلى تحريك القوى المعارضة وتوظيفها، تحديداً مع المكون السنّي في المنطقة المتاخمة لحدود البلدين، ووجود أكثر من تنظيم مسلح بمرجعيّة دينيّة سنّية، ومعظمهم يطالبون بالانفصال. 

ويكاد لا يختلف الوضع مع الطرف الآخر، فالمكون الشيعي الموجود في أفغانستان، يثير شكوكاً عميقة لدى “طالبان”، بخاصة مع سجل حافل بارتباطات الملالي بهم، بينما تسعى إلى تسييس وتطييف بعضهم، كما حدث خلال الحرب الأهلية، ودعم طهران “حزب الوحدة الشيعي الأفغاني” الذي يقوده شيعة الهزارة. وسبق لأحمد شاه مسعود أن قال: “إيران كانت بصددد تشكيل جنوب لبنان الثاني في كابل، لكنها فشلت”. 

وبمجرد وصول “طالبان” إلى الحكم في المرة الأولى، في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، نقلت طهران بعثتها الدبلوماسية إلى مدينة مزار الشريف، شمال أفغانستان والتي ظلت لعامين تحت سيطرة جبهة التحالف الشمالي بقياده شاه مسعود الأب. وعام 1998، سقطت المدينة في قبضة الحركة الأصولية المتشددة بينما نفذت جرائم حقوقية ترقى إلى كونها “عمليات إبادة”، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الأميركية، الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته. فتعرض المدنيون للقتل العشوائي بالرصاص. بل كان هناك استهداف لقوميات الهزارة والأوزبك والطاجيك. 

كما تعرضت القنصلية الإيرانية لهجوم مسلح، وقضى نحو 11 مدنياً. ووصل عدد القتلى، خلال أسبوع واحد من سقوط المدينة التي كانت آخر معاقل المعارضة المسلحة (ضد السوفيتية والطالبانية)، قرابة 8 آلاف مدني على يد حركة “طالبان”، وفق المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان. 

إذاً، فالتوترات بين الطرفين محتدمة طوال الوقت. لكن تتفادى طهران أيّ تصعيد وخوض معركة استنزاف يكون الصراع فيها بلا أفق ونتيجة. إذ إنّ عسكرة الصراع مع “طالبان” يعني تفجير لغم الأقليات القومية في الإقليم الحدودي، وحتماً صعود مواجهة مع تنظيم “داعش” الإرهابي الذي سيصار إلى تقوية نفوذه داخل أفغانستان بفعل الصراع الناشئ، لا سيّما أنّ التنافس بلغ مداه بين الحركتين الأصوليتين بكابل، وقد نفذ الأخير هجوماً، في آذار/ مارس الماضي، بمدينة مزار شريف، نتج عنه تفجير مركز شيعي ومقتل حارس أمني وإصابة عدد من الصحافيين. 

ومع مخاوف إيران من تطور أزمة البلوش واحتمالية اصطفافهم الخارجي ضد ما يتعرضون له من أزمات ومعاناة في ظل حكم الملالي، فإنّ النظام لن يمتحن هذه الفرضية التي قد تباغته بدور مماثل للدور السعودي الذي سبق أن اتهمت طهران به جماعات البلوش بتلقيها أموالاً وسلاحاً ودعماً لوجيستياً. وكان زعيم طائفة البلوش، مولوي عبدالحميد، قد عرض، نهاية العام الماضي، إجراء استفتاء للانفصال عن إيران. 

فيما تبرز زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للإقليم بعد أزمة المياه، وقبلها تواجد قائد القوات البرية للجيش الإيراني، كيومرث حيدري، في المنطقة التي حدثت فيها الاشتباكات الحدودية، رغبة لتحقيق السيادة السياسية والأمنية، حتى لو ظاهرياً، أمام التفلت المتكرر.

10.06.2023
زمن القراءة: 5 minutes

الأزمة المحتدمة بين “طالبان” والملالي لها مضمون سياسي مباشر. فهي ورقة ضغط على طاولة متخمة بالملفات التي تفيض بها الهواجس والمخاوف الأمنية قبل السياسية.

احتدام الصراع بين إيران وحركة “طالبان” على خلفيّة معضلة تقاسم مياه نهر هلمند، بأبعاده السياسية والبيئية، يؤشر إلى توترات قصوى واحتمالات عنف، ربما، لنّ ترقى إلى حرب مفتوحة لفداحة الحسابات الاستراتيجيّة، لا سيّما في منطقة رخوة أمنيّاً واجتماعيّاً مثل إقليم سيستان وبلوشتان المتاخم للحدود بين طهران وكابل. فيما تعاني المنطقة الحدودية المهمشة من تراجع معدلات التنمية، وخضوعها لسياسة التفريس، ومركزيّة الحكم الطائفي.

وعلى رغم الاحتكاكات الخشنة على الحدود بين قوات الحرس الثوري الإيراني وعناصر حركة “طالبان”، الأمر الذي أسفر عن سقوط قتلى من الإيرانيين، نهاية الشهر الماضي، إلا أنّ الرسائل والخطابات الإيرانية تكشف عن سياسات لا تسعى للتصعيد وتفادي الوقوع في دائرة نزاع طويل الأمد. فالحركات والأحزاب السنية المسلحة في المنطقة الحدودية ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة والمنتمية للأقليات القومية والدينية، مثل منظمة “جند الله”، والمطالبة بانفصال الإقليم، تبعث بتوجس إيراني مرير من احتمالات حدوث تقارب سنّي في مواجهة القمع والمركزية الشيعية. 

ومن ثم، فتجدد الاشتباكات وتصاعدها لا ترافقه نبرة تصعيد إعلامي، بل محاولة للتعمية عن الحقائق، وإيجاد وسيلة لتسوية مؤقتة. فوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، نفت حدوث أي توترات في منطقة “إسلام قلعة”، نهاية الشهر الماضي، ووصفت الوضع بأنّه “هادئ”، وذلك بالرغم من انتشار فيديوات توثق الاشتباكات التي قالت، لاحقاً، الصحف الإيرانية إنّها مجرد “تبادل إطلاق نار”. 

غير أنّ الصحف الإيرانية التي تجاهلت الوقائع والأحداث المتطورة، لم تصمد طويلاً أمام تسريب صور ومقاطع فيديو تكشف عن “معدات عسكرية ثقيلة” لطالبان في هذه المنطقة الحدودية، فضلاً عن انتقادات جمّة للصحف في طهران بشأن التعاطي المرتبك مع الوضع. وبعد يومين من أحداث “إسلام قلعة”، أكدت صحيفة “مردم سالاري”، الأصولية وجود تحركات عسكرية من جانب طالبان، وتحريك قافلة دبابات من مدينة هرات إلى إسلام قلعة.

وإلى جانب انتقاد الصحف المحليّة للحكومة الإيرانية، فإنّ صحيفتي “روزكار” و”جمهوري إسلامي”، قدمتا جملة خيارات لمواجهة حركة “طالبان”، وإنهاء ما سمته “تخبط المسؤولين الإيرانيين”، وشددت على ضرورة الضغط أو الانخراط في حرب. ومن بين الضغوط المقترحة، خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لإيران في أفغانستان، وطرد ممثلي الحركة من السفارة بطهران. ثم تعطيل صادرات الوقود إلى كابل. 

تعود قضية مياه نهر هلمند، التي تؤطر الصراع بين طهران وطالبان، راهناً، لمطلع سبعينات القرن الماضي. ففي هذه الفترة، تمّ تدشين اتفاق يضمن لطهران حصة من مياه النهر (850 مليون متر مكعب)، سنوياً. وقد تم توقيع الاتفاق في الفترة السابقة على صعود الخميني للحكم، بين رئيس وزراء إيران في حكم الشاه، أمير عباس هويدا، الذي أعدمه الملالي، ورئيس وزراء أفغانستان، وقتذاك، محمد موسى شفيق. 

ومع تبدّل الأنظمة السياسية بين كابل وطهران، لم تحدث تداعيات على حقوق إيران المائية، أو حتى محاولة لخرق الاتفاقية التي تعود للسبعينات. كما لم يحدث أن تسبب نهر هلمند الذي يصب في بحيرة هامون بإيران بأيّ خلاف سياسي بينهما. لكنّ الأزمة الراهنة تتعلق، ظاهرياً، بشروط فنيّة وإجرائيّة تتصل بحصول إيران على الحصة المتفق والمنصوص عليها بالاتفاق “في العام المائي الطبيعي”، بمعنى توفر الأمطار بنسب طبيعية بحيث يفيض بها النهر الذي يسع 6 مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه. بالتالي يصبح حق إيران في المياه مرتبطاً بامتلاء النهر وفقاً لحالة الطبيعة ومزاجها المناخي. لذا، تتحجج “طالبان” بأنّ نسبة المياه في نهر هلمند تعرضت للجفاف ولم تصل للنسبة الطبيعية. غير أنّ طهران تطالب بوجود خبراء مائيين إيرانيين للتحقق من هذا الأمر، وترفض “طالبان”.

وتتهم “هيئة الفضاء الإيرانية” حركة طالبان بتعديل مسار النهر، وفق عمليات المراقبة التي أجراها قمر “خیام” الصناعي، وذلك بهدف منع وصول المياه إلى دولة المصب.

ووفق عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، فإنّه “من مصلحة الأفغان بالتأكيد أن يزودوا إيران بحصتها المائية بشكل مناسب، لأنّه إذا تم تجاهل العقود والاتفاقيات الدولية التي كانت قائمة في الماضي بين البلدين وعدم العمل بها، فسيكونون هم الخاسرون”.

وقال وزير الطاقة الإيراني علي أكبر محرابيان: “بحسب معاهدة نهر هلمند (هيرمند) بين إيران وأفغانستان عام 1972، فإنّ الأخيرة تعهدت بتسليم إيران حقها من مياه النهر في موعده المحدد وعليها إزالة كافة العراقيل السياسية والتقنية وتسليم حق الشعب الإيراني في حدود البلدين”.

الأزمة المحتدمة بين “طالبان” والملالي لها مضمون سياسي مباشر. فهي ورقة ضغط على طاولة متخمة بالملفات التي تفيض بها الهواجس والمخاوف الأمنية قبل السياسية. تتخوف طهران من تحركات معادية لـ”طالبان” بعد هذا الخرق، والذي قد يصل إلى تحريك القوى المعارضة وتوظيفها، تحديداً مع المكون السنّي في المنطقة المتاخمة لحدود البلدين، ووجود أكثر من تنظيم مسلح بمرجعيّة دينيّة سنّية، ومعظمهم يطالبون بالانفصال. 

ويكاد لا يختلف الوضع مع الطرف الآخر، فالمكون الشيعي الموجود في أفغانستان، يثير شكوكاً عميقة لدى “طالبان”، بخاصة مع سجل حافل بارتباطات الملالي بهم، بينما تسعى إلى تسييس وتطييف بعضهم، كما حدث خلال الحرب الأهلية، ودعم طهران “حزب الوحدة الشيعي الأفغاني” الذي يقوده شيعة الهزارة. وسبق لأحمد شاه مسعود أن قال: “إيران كانت بصددد تشكيل جنوب لبنان الثاني في كابل، لكنها فشلت”. 

وبمجرد وصول “طالبان” إلى الحكم في المرة الأولى، في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، نقلت طهران بعثتها الدبلوماسية إلى مدينة مزار الشريف، شمال أفغانستان والتي ظلت لعامين تحت سيطرة جبهة التحالف الشمالي بقياده شاه مسعود الأب. وعام 1998، سقطت المدينة في قبضة الحركة الأصولية المتشددة بينما نفذت جرائم حقوقية ترقى إلى كونها “عمليات إبادة”، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الأميركية، الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته. فتعرض المدنيون للقتل العشوائي بالرصاص. بل كان هناك استهداف لقوميات الهزارة والأوزبك والطاجيك. 

كما تعرضت القنصلية الإيرانية لهجوم مسلح، وقضى نحو 11 مدنياً. ووصل عدد القتلى، خلال أسبوع واحد من سقوط المدينة التي كانت آخر معاقل المعارضة المسلحة (ضد السوفيتية والطالبانية)، قرابة 8 آلاف مدني على يد حركة “طالبان”، وفق المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان. 

إذاً، فالتوترات بين الطرفين محتدمة طوال الوقت. لكن تتفادى طهران أيّ تصعيد وخوض معركة استنزاف يكون الصراع فيها بلا أفق ونتيجة. إذ إنّ عسكرة الصراع مع “طالبان” يعني تفجير لغم الأقليات القومية في الإقليم الحدودي، وحتماً صعود مواجهة مع تنظيم “داعش” الإرهابي الذي سيصار إلى تقوية نفوذه داخل أفغانستان بفعل الصراع الناشئ، لا سيّما أنّ التنافس بلغ مداه بين الحركتين الأصوليتين بكابل، وقد نفذ الأخير هجوماً، في آذار/ مارس الماضي، بمدينة مزار شريف، نتج عنه تفجير مركز شيعي ومقتل حارس أمني وإصابة عدد من الصحافيين. 

ومع مخاوف إيران من تطور أزمة البلوش واحتمالية اصطفافهم الخارجي ضد ما يتعرضون له من أزمات ومعاناة في ظل حكم الملالي، فإنّ النظام لن يمتحن هذه الفرضية التي قد تباغته بدور مماثل للدور السعودي الذي سبق أن اتهمت طهران به جماعات البلوش بتلقيها أموالاً وسلاحاً ودعماً لوجيستياً. وكان زعيم طائفة البلوش، مولوي عبدالحميد، قد عرض، نهاية العام الماضي، إجراء استفتاء للانفصال عن إيران. 

فيما تبرز زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للإقليم بعد أزمة المياه، وقبلها تواجد قائد القوات البرية للجيش الإيراني، كيومرث حيدري، في المنطقة التي حدثت فيها الاشتباكات الحدودية، رغبة لتحقيق السيادة السياسية والأمنية، حتى لو ظاهرياً، أمام التفلت المتكرر.