fbpx

“أسمنت الجيش المصري”… هواء مسموم يتنشّقه أهالي بني سويف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نكشف في هذا التحقيق، زيادة معدلات تلوث هواء محافظة بني سويف، بعد بناء مصنع أسمنت الوطنية المملوك للجيش المصري، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة من الأمراض التنفسية إلى 24 في المئة، من جملة وفيات بني سويف خلال عام 2021.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

محمود سالم

مساء أحد أيام شهر آب/ أغسطس 2021، شعر محمود سالم بضيق في التنفس، صحبته كحّة شديدة، أيقظت طفلته ذات الأعوام الخمسة من نومها. محمود في عقده الرابع من العمر، يعمل معلماً في إحدى مدارس قرية بياض العرب، شرق النيل بمحافظة بني سويف، التي تبعد نحو 125 كيلومتراً عن العاصمة القاهرة. 

لم تكن تلك المرة الأولى التي يصاب فيها محمود بضيق في التنفس، لكنه يتذكر أنها بدأت قبل بضع سنوات، عندما شخَّص الطبيب حالة محمود بأنها حساسية صدرية؛ نتيجة الهواء الملوث أو الفاسد.

على بعد كيلومترات قليلة من قرية محمود، شيّد الجيش المصري مصنعاً للأسمنت، عدّه الأكبر في الشرق الأوسط، ومن الأضخم في قدرته الإنتاجية عالمياً؛ إذ بلغت نحو 12 مليون طن سنوياً. 

محمود ليس الوحيد الذي يُعاني من مشكلة تنفسية؛ إذ يقيم نحو 766.7 ألف مواطن بمدينة بني سويف، التي تُغطي سماءها أدخنة مصنع أسمنت الجيش المصري. فمنذ أن افتُتح المصنع في آب 2018، زادت معدلات تلوث هواء بني سويف بالجسيمات العالقة (قياس أقل من 10 ميكرومترات بنسبة 67.5 في المئة تقريباً)، بحسب مراجعات سنوية لتقارير رصد نوعية الهواء، الصادرة عن وزارة البيئة المصرية. 

نكشف في هذا التحقيق، زيادة معدلات تلوث هواء محافظة بني سويف، بعد بناء مصنع أسمنت الوطنية المملوك للجيش المصري، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة من الأمراض التنفسية إلى 24 في المئة، من جملة وفيات بني سويف خلال عام 2021. 

مخالفة قانون البيئة 

يعود تاريخ إنشاء مصنع الوطنية للأسمنت المملوك للجيش المصري، إلى القرار الجمهوري الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018. وأُنشئ المصنع على مسافة تصل إلى نحو 7.3 كيلومتر، من أقرب تجمع سكني موجود بقرية بياض العرب، التابعة لمدينة بني سويف، إحدى محافظات صعيد مصر.

وأُسِّس مصنع الجيش طبقاً لقانون الشركات المساهمة، وذات المسؤولية المحدودة، ويمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (المُشغل الرئيسي لشركات الجيش المصري) نسبة 98.98 في المئة من المصنع، فيما تعود النسبة المُتبقية إلى شركة النصر للخدمات والصيانة، وشركة العريش للأسمنت. 

وأُنشئ المصنع على مساحة تقدر بنحو 5 كيلومترات مربعة، بحسب موقع الرئاسة المصرية. وخلال عام 2021، بلغ إنتاج شركة الوطنية للأسمنت 10.5 مليون طن، شكّل نسبة 22.3 في المئة من إجمالي إنتاج مصر؛ من بينها مليونان ونصف المليون طن صُدّرت الى الخارج، بخاصة الى الدول الأفريقية، بحسب ورقة بحثية صادرة عن شركة برايم القابضة. 

الوقود الأكثر تلوثاً 

يستخدم مصنع الوطنية للأسمنت، وقود الفحم الحجري -أكثر أنواع المحروقات تلويثاً للبيئة- في عملية التصنيع، بحسب بيانات شعبة الأسمنت. 

ويُمثل الوقود الذي يتمّ حرقه في صناعة الأسمنت لتسخين الفرن، نحو 40 في المئة من إجمالي انبعاثات صناعة الأسمنت، بحسب الموقع الإلكتروني لشعبة الأسمنت. 

تستورد مصر الفحم من الخارج، ومنذ أن دخل مصنع الجيش مرحلة التشغيل، زادت كميات الفحم المُستوردة بنسبة تقترب من 700 في المئة، خلال الفترة بين 2017 إلى 2021، بعدما زادت الكميات المستوردة من 351.2 ألف طن عام 2017، إلى 2.8 مليون طن عام 2021، وفقاً لنشرة التجارة الخارجية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتستورد مصر الفحم من دول مثل: الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، كولمبيا، المملكة المتحدة، ألمانيا، والهند، فضلاً عن مناطق أخرى غير مُدرجة. 

 بما يُشير إلى زيادة الكميات المستوردة من الفحم بمقدار مليونين وثمانِمئة ألف طن تقريباً؛ بعد عام واحد من افتتاح مصنع الجيش أواخر عام 2018، بحسب بيانات نشرة التجارة الخارجية. 

إلى ذلك، تُقدر وزارة البيئة المصرية حجم تكلفة استخدام الفحم، في صناعة الأسمنت في مصر، بما يتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار سنوياً؛ نتيجة العبء الصحي الذي سيقع على المواطنين، من أمراض الجهاز التنفسي وغيرها، بحسب بيان صحافي منشور على موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية. 

وما يُفاقم المشكلة، وجود مصنع ضخم آخر، لإنتاج الأسمنت بجانب مصنع الجيش،  وتقدر المسافة بين المصنعين بنحو 5 دقائق بالسيارة. هذا المصنع هو تيتان بني سويف للأسمنت، الذي تعود ملكيته إلى مجموعة تيتان الدولية للأسمنت TITAN Cement International، وهي شركة بلجيكية مُدرجة في بورصة يورونيكست بروكسل، ويورو نيكست باريس، وبورصة أثينا للأوراق المالية.

 يستخدم مصنع تيتان بني سويف للأسمنت وقود الفحم الحجري، ومزيجاً من الفحم الحراري والفحم البترولي أيضاً. 

تعنّت وزارة البيئة 

يُلزم قرار مجلس الوزراء رقم 964 لسنة 2015، المصانع التي تستخدم الفحم بتقديم دراسة؛ لتقويم الأثر البيئي لتخزين الفحم واستخدامه، مع إلزامها بالحد من زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناجمة عن عملية حرق الفحم، مع إجراء خطة مراجعة دورية للانبعاثات من الفحم.

وحدد القانون معايير استخدام مصانع الأسمنت للفحم سنوياً، في عملية إنتاج الأسمنت، بألا يزيد معدل استهلاك الطاقة الحرارية عن 4 آلاف ميغا جول لكل طن كلنكر أسمنت أسود، و6.2 آلاف ميغا جول لكل طن كلنكر أسمنت أبيض.

وأوجب القانون إتمام عمليات التحميل والتفريغ والتداول للفحم آلياً، وبمعدات محكمة، وأن يكون تخزين الفحم في منطقة التشغيل بالكميات اللازمة للتشغيل، لفترة لا تتجاوز الـ 15 يوماً في أماكن مغلقة؛ داخل مخازن أو هناجر نصف كروية، مغلقة من ثلاث جهات، والجهة الرابعة مزودة بستارة، على هيئة شرائح تسمح بمرور المعدات.

إلا أن مخزن الفحم عبارة عن مكان مفتوح، محاط بأسوار من جوانبه الأربعة؛ تتراوح ارتفاعاتها بين أكثر من مترين إلى قرابة 6 أمتار. وعبر استخدام وحدة قياس برنامج غوغل إيرث، يصل حجم المساحة المخَزَّن فيها فحم المصنع، إلى أقل من كيلومتر مربع، تحديداً نحو 0.08 كيلومتر مربع. وبلغ طول مخزن الفحم الواقع بالجانب الجنوبي للمصنع نحو 556.58 متر، فيما وصل عرضه الى قرابة 152.74 متر. 

ورصدنا عبر مراجعة الصور المتاحة على غوغل إيرث، أن مخزون الفحم بالمصنع تطور منذ عام 2019، فبينما ارتفع إلى أعلى معدل له في شهر كانون الثاني/ يناير 2021، شهد تراجعاً في شهر تموز/ يوليو من العام نفسه، ثم ارتفع مرة أخرى في شهر آذار/ مارس من العام الماضي 2022، ثم عاود الانخفاض في شهر تموز من العام نفسه. 

تواصلنا مع وزارة البيئة؛ للحصول على دراسة الأثر البيئي التي أجراها مصنع الوطنية، المملوك للجيش، بشأن استخدامه وقود الفحم، كما ينص قرار مجلس الوزراء؛ إلا أن الوزارة رفضت ذلك بدعوى “السرية”. 

زيادة معدلات تلوث هواء بني سويف 

تُبيِّن بيانات وزارة البيئة، زيادة معدلات تلوث هواء بني سويف بالجسيمات العالقة، بأقل من 10 ميكرومترات بنسبة 67.5 في المئة تقريباً، خلال الفترة بين عامي 2015 و2021. وبدأت تلك المُعدلات بالزيادة بداية من عام 2019، بعد نحو عام من تشغيل مصنع الوطنية للأسمنت.

فتخطى متوسط التركيز السنوي للجسيمات في محافظة بني سويف، معايير القانون المصري بنحو أربعة أضعاف النسبة القانونية المسموحة؛ وهي معدل 70 ميكروغراماً في المتر مكعب للمناطق الحضرية والصناعية، كذلك تخطى النسبة القانونية اليومية، البالغة 150 ميكروغراماً.

كما أن تلك النسبة أيضاً، أعلى من الحدود المسموح بها للجسيمات الصلبة الكلية (30 ميكروغراماً في المتر المكعب) الصادرة عن مداخن أفران مصانع الأسمنت الجديدة التي بدأت العمل بعد نيسان/ أبريل 2015، والتي دخلت حيز التنفيذ بعد صدور الدليل الإرشادي لعمليات حساب الانبعاثات الصادرة من المداخن، الصادر عن وزارة البيئة في أيار/ مايو 2018، وهو ما ينطبق على مصنع الوطنية للأسمنت، الذي تمّ تشغيله رسمياً في آب 2018. 

وتعدّ الجسيمات العالقة، المؤشر الرئيسي لتلوث الهواء في مصر عموماً، في بمحافظة بني سويف بخاصة؛ وذلك لتمركز الأنشطة البشرية في المدن. وتتكون تلك الجسيمات من عناصر عدة، تتبلور وتتجمع جزيئاتها مكونة جسيمات ذات أحجام وأقطار وتكوينات مختلفة، تتدرج طبقاً لتصنيفات أقطارها ومكوناتها، وبالتبعية تأثيرها في جودة الهواء، ومن ثَمّ صحة المواطنين.

وزاد معدل تلوث هواء بني سويف في عام 2019 بالجسيمات العالقة، بنسبة 17.6 في المئة مقارنة بعام 2018، واستمرت الزيادة في عام 2020 حتى بلغت 35.7 في المئة، وفي 2021 زادت معدلات الجسيمات العالقة بنسبة 8.4 في المئة، بحسب مراجعة لبيانات وزارة البيئة السنوية والشهرية. 

ووفقًا لبحث مشترك بين الكثير من مراكز الأبحاث والجامعات؛ مثل معهد القياسات والتقييم الصحي بواشنطن IHME، جاءت مصر في المرتبة الثالثة عالمياً في متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة، والذي بلغ 104.7 ميكروغرام/ متر مكعب عام 2015.

كما أن الدليل الإرشادي الصادر عن منظمة الصحة العالمية، يُوضح أن تلوث الهواء يؤثر في الصحة؛ بداية من عدم توافر شروط الراحة إلى الإصابة بالأمراض، وحتى حدوث الوفيات المبكرة، وتقليل متوسط العمر المتوقع؛ وهو ما يُمثل العبء الصحي الناتج من التعرض للهواء الملوث.

وللحد من الآثار الصحية لتلوث الهواء؛ طورت منظمة الصحة العالمية دلائل إرشادية لتقييم جودة الهواء، عن طريق تعيين حدود لمتوسط تركيز الملوثات، موصية بأن الحد الآمن لتركز الجسيمات الدقيقة (10 ميكرومترات) هو 20 ميكروغراماً سنوياً، و50 ميكروغراماً في 24 ساعة. 

وتعتبر الصحة العالمية أن معدل 70 ميكروغراماً وأكثر؛ أحد الأسباب المباشرة في ارتفاع معدلات الوفيات بنسبة 15 في المئة، جراء التعرّض الطويل الأمد لهذا المعدل.

فاكت بوكس:الجسيمات العالقة الكلية: Total Suspended Particulates المعروفة اختصاراً TSP، وهي تلك الجسيمات التي يتراوح قطرها بين 0.1 إلى 10 ميكرومترات، وتبقى فترة طويلة معلقة في الهواء. أما معدل ترسبها، فهو بطيء نسبياً ويتوقف على الظروف الطبيعية؛ من رطوبة أو رياح أو حرارة وغيرها. وتعدّ الجسيمات العالقة أخطر الجسيمات الملوثة للهواء؛ لأنه من الممكن أن تصل الى الرئتين وتستقر هناك.

 كما تعدّ نسبة 70 ميكروغراماً مخالفة لاشتراطات ترخيص المنشآت الصناعية المصرية، الصادرة في 2017؛ التي تنص على أن أي منشأة تعمل بإنتاج الأسمنت، يجب عليها تطبيق معايير انبعاثات الجسيمات الصلبة الكلية، المقدرة بـ”50 ميكروغراماً/ متر مكعب، لمتوسط تركيز 15 دقيقة” في حال استخدامها الفحم. 

وفي حال حرق مخلفات خطرة بنسبة 40 في المئة من الطاقة الحرارية، تنخفض إلى 10 ميكروغرامات/ متر مكعب لمتوسط تركيز 15 دقيقة، بحسب اشتراطات الترخيص. وفي الانبعاثات الصادرة من صناعة الأسمنت في حال المخلفات الخطرة، يجب على المنشأة ألا تتجاوز انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكبريت الـ 50 ميكروغراماً/ متر مكعب.

كما يجب على مصانع الأسمنت تطبيق الرصد الذاتي المستمر، ورصد الدايوكسين والفيوران عن طريق تجميع عينة لفترة زمنية، لا تقل عن 6 ساعات، ولا تزيد عن 8 ساعات، وأن تتمّ عملية الرصد على الأقل مرة كل ثلاثة أشهر. إضافة إلى رصد الجسيمات الصلبة العالقة في الهواء الخارجي ذاتياً، داخل حدود المنشأة الصناعية مع مراعاة الاتجاه السائد للرياح.

خطورة استخدام الفحم 

يشرح أطلس العدالة المناخية في تقرير له، خطورة استخدام الفحم في صناعة الأسمنت؛ بسبب وجود مصانع الأسمنت في أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، ما يؤثر في عدد يتراوح بين 20 إلى 40 مليون مواطن مصري.

ويُضيف، أنه تمّ التغاضي عن المخاوف العامة والبيئية القوية، وأنه من المحتمل أن تترجم انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت SO2، وأكاسيد النيتروجين NOX، والزئبق إلى تكوينات المطر الحمضي، والأمراض التنفسية، ونقل السموم العصبية إلى الأجنّة؛ بسبب الجسيمات الصلبة الدقيقة، الناتجة من استخدام الفحم في صناعة الأسمنت.

كما أن مصانع الأسمنت استخدمت الفحم المستورد، من دون وجود أي دليل يُشير إلى تحسين آليات ممارسات النقل أو التصنيع.

ارتفاع في معدلات وفيات الجهاز التنفسي  

زاد عدد الوفيات في بني سويف جراء أمراض الجهاز التنفسي، من 1390 حالة وفاة عام 2017 بنسبة 8.8 في المئة من إجمالي وفيات المحافظة، إلى 5027 حالة وفاة عام 2021 بنسبة 24.4 في المئة من إجمالي وفيات المحافظة، بحسب النشرة السنوية لإحصاءات المواليد والوفيات، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وأَخذت وفيات الجهاز التنفسي في المحافظة اتجاهاً تصاعدياً منذ العام 2018؛ فبعدما كانت تُقدر بنحو 8.8 في المئة عام 2017، زادت إلى 24.4 في المئة عام 2021. وخلال الفترة بين 2017 إلى 2021، زاد عدد وفيات الجهاز التنفسي بنسبة 261 في المئة، بزيادة نحو 3637 حالة وفاة عن الوضع قبل افتتاح مصنع الوطنية للأسمنت، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ضعف موارد حماية البيئة 

من جهة أخرى، تُعاني وزارة البيئة شحاً في مواردها، ونقصاً في ميزانيتها العامة تُكبل يديها؛ إذ تُظهر مراجعة لموازنة قطاع البيئة للأعوام الـ5 الأخيرة، تذبذب المُخصصات المالية للقطاع. فبينما زادت بنسبة 34.3 في المئة تقريباً بين أعوام 2018 و2021، عاودت الانخفاض في موازنة العام 2021/ 2022 بنسبة 34.8 في المئة تقريباً، ثم زادت في موازنة العام المالي الجاري 2022/ 2023 بنسبة 25 في المئة؛ هذا رغم زيادة معدلات التضخم بنسبة 40.3 في المئة خلال شهر شباط/ فبراير من العام 2023، وتراجع قيمة الجنيه بنسبة 208 في المئة تقريباً، خلال الفترة بين 2016 و2023، حسب بيانات البنك الدولي وبيانات غوغل فاينانس. 

وخلال موازنة 2022/ 2023، مثلّت موازنة قطاع حماية البيئة النسبة الأقل من إجمالي الموازنة العامة بنسبة 0.2 في المئة تقريباً فقط. ويستنزف بند أجور العاملين نسبة 42.2 في المئة من الموازنة العامة، وبند شراء السلع والخدمات نسبة 34.8 في المئة، فيما تشترك 4 بنود أخرى في باقي الموازنة، وهي نسبة لا تزيد عن 23 في المئة فقط من إجمالي الموازنة المصروفة لقطاع حماية البيئة. 

في النهاية، يختم محمود سالم حديثه بأنه يبحث عن أي فرصة للهجرة من قريته، التي ولد ونشأ بين أشجارها الخضراء؛ خوفاً على حياة طفلته، وخشية من نشأتها عليلة الصدر، كما باتت حاله الآن. 

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
10.09.2023
زمن القراءة: 9 minutes

نكشف في هذا التحقيق، زيادة معدلات تلوث هواء محافظة بني سويف، بعد بناء مصنع أسمنت الوطنية المملوك للجيش المصري، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة من الأمراض التنفسية إلى 24 في المئة، من جملة وفيات بني سويف خلال عام 2021.

محمود سالم

مساء أحد أيام شهر آب/ أغسطس 2021، شعر محمود سالم بضيق في التنفس، صحبته كحّة شديدة، أيقظت طفلته ذات الأعوام الخمسة من نومها. محمود في عقده الرابع من العمر، يعمل معلماً في إحدى مدارس قرية بياض العرب، شرق النيل بمحافظة بني سويف، التي تبعد نحو 125 كيلومتراً عن العاصمة القاهرة. 

لم تكن تلك المرة الأولى التي يصاب فيها محمود بضيق في التنفس، لكنه يتذكر أنها بدأت قبل بضع سنوات، عندما شخَّص الطبيب حالة محمود بأنها حساسية صدرية؛ نتيجة الهواء الملوث أو الفاسد.

على بعد كيلومترات قليلة من قرية محمود، شيّد الجيش المصري مصنعاً للأسمنت، عدّه الأكبر في الشرق الأوسط، ومن الأضخم في قدرته الإنتاجية عالمياً؛ إذ بلغت نحو 12 مليون طن سنوياً. 

محمود ليس الوحيد الذي يُعاني من مشكلة تنفسية؛ إذ يقيم نحو 766.7 ألف مواطن بمدينة بني سويف، التي تُغطي سماءها أدخنة مصنع أسمنت الجيش المصري. فمنذ أن افتُتح المصنع في آب 2018، زادت معدلات تلوث هواء بني سويف بالجسيمات العالقة (قياس أقل من 10 ميكرومترات بنسبة 67.5 في المئة تقريباً)، بحسب مراجعات سنوية لتقارير رصد نوعية الهواء، الصادرة عن وزارة البيئة المصرية. 

نكشف في هذا التحقيق، زيادة معدلات تلوث هواء محافظة بني سويف، بعد بناء مصنع أسمنت الوطنية المملوك للجيش المصري، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة من الأمراض التنفسية إلى 24 في المئة، من جملة وفيات بني سويف خلال عام 2021. 

مخالفة قانون البيئة 

يعود تاريخ إنشاء مصنع الوطنية للأسمنت المملوك للجيش المصري، إلى القرار الجمهوري الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018. وأُنشئ المصنع على مسافة تصل إلى نحو 7.3 كيلومتر، من أقرب تجمع سكني موجود بقرية بياض العرب، التابعة لمدينة بني سويف، إحدى محافظات صعيد مصر.

وأُسِّس مصنع الجيش طبقاً لقانون الشركات المساهمة، وذات المسؤولية المحدودة، ويمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (المُشغل الرئيسي لشركات الجيش المصري) نسبة 98.98 في المئة من المصنع، فيما تعود النسبة المُتبقية إلى شركة النصر للخدمات والصيانة، وشركة العريش للأسمنت. 

وأُنشئ المصنع على مساحة تقدر بنحو 5 كيلومترات مربعة، بحسب موقع الرئاسة المصرية. وخلال عام 2021، بلغ إنتاج شركة الوطنية للأسمنت 10.5 مليون طن، شكّل نسبة 22.3 في المئة من إجمالي إنتاج مصر؛ من بينها مليونان ونصف المليون طن صُدّرت الى الخارج، بخاصة الى الدول الأفريقية، بحسب ورقة بحثية صادرة عن شركة برايم القابضة. 

الوقود الأكثر تلوثاً 

يستخدم مصنع الوطنية للأسمنت، وقود الفحم الحجري -أكثر أنواع المحروقات تلويثاً للبيئة- في عملية التصنيع، بحسب بيانات شعبة الأسمنت. 

ويُمثل الوقود الذي يتمّ حرقه في صناعة الأسمنت لتسخين الفرن، نحو 40 في المئة من إجمالي انبعاثات صناعة الأسمنت، بحسب الموقع الإلكتروني لشعبة الأسمنت. 

تستورد مصر الفحم من الخارج، ومنذ أن دخل مصنع الجيش مرحلة التشغيل، زادت كميات الفحم المُستوردة بنسبة تقترب من 700 في المئة، خلال الفترة بين 2017 إلى 2021، بعدما زادت الكميات المستوردة من 351.2 ألف طن عام 2017، إلى 2.8 مليون طن عام 2021، وفقاً لنشرة التجارة الخارجية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتستورد مصر الفحم من دول مثل: الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، كولمبيا، المملكة المتحدة، ألمانيا، والهند، فضلاً عن مناطق أخرى غير مُدرجة. 

 بما يُشير إلى زيادة الكميات المستوردة من الفحم بمقدار مليونين وثمانِمئة ألف طن تقريباً؛ بعد عام واحد من افتتاح مصنع الجيش أواخر عام 2018، بحسب بيانات نشرة التجارة الخارجية. 

إلى ذلك، تُقدر وزارة البيئة المصرية حجم تكلفة استخدام الفحم، في صناعة الأسمنت في مصر، بما يتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار سنوياً؛ نتيجة العبء الصحي الذي سيقع على المواطنين، من أمراض الجهاز التنفسي وغيرها، بحسب بيان صحافي منشور على موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية. 

وما يُفاقم المشكلة، وجود مصنع ضخم آخر، لإنتاج الأسمنت بجانب مصنع الجيش،  وتقدر المسافة بين المصنعين بنحو 5 دقائق بالسيارة. هذا المصنع هو تيتان بني سويف للأسمنت، الذي تعود ملكيته إلى مجموعة تيتان الدولية للأسمنت TITAN Cement International، وهي شركة بلجيكية مُدرجة في بورصة يورونيكست بروكسل، ويورو نيكست باريس، وبورصة أثينا للأوراق المالية.

 يستخدم مصنع تيتان بني سويف للأسمنت وقود الفحم الحجري، ومزيجاً من الفحم الحراري والفحم البترولي أيضاً. 

تعنّت وزارة البيئة 

يُلزم قرار مجلس الوزراء رقم 964 لسنة 2015، المصانع التي تستخدم الفحم بتقديم دراسة؛ لتقويم الأثر البيئي لتخزين الفحم واستخدامه، مع إلزامها بالحد من زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناجمة عن عملية حرق الفحم، مع إجراء خطة مراجعة دورية للانبعاثات من الفحم.

وحدد القانون معايير استخدام مصانع الأسمنت للفحم سنوياً، في عملية إنتاج الأسمنت، بألا يزيد معدل استهلاك الطاقة الحرارية عن 4 آلاف ميغا جول لكل طن كلنكر أسمنت أسود، و6.2 آلاف ميغا جول لكل طن كلنكر أسمنت أبيض.

وأوجب القانون إتمام عمليات التحميل والتفريغ والتداول للفحم آلياً، وبمعدات محكمة، وأن يكون تخزين الفحم في منطقة التشغيل بالكميات اللازمة للتشغيل، لفترة لا تتجاوز الـ 15 يوماً في أماكن مغلقة؛ داخل مخازن أو هناجر نصف كروية، مغلقة من ثلاث جهات، والجهة الرابعة مزودة بستارة، على هيئة شرائح تسمح بمرور المعدات.

إلا أن مخزن الفحم عبارة عن مكان مفتوح، محاط بأسوار من جوانبه الأربعة؛ تتراوح ارتفاعاتها بين أكثر من مترين إلى قرابة 6 أمتار. وعبر استخدام وحدة قياس برنامج غوغل إيرث، يصل حجم المساحة المخَزَّن فيها فحم المصنع، إلى أقل من كيلومتر مربع، تحديداً نحو 0.08 كيلومتر مربع. وبلغ طول مخزن الفحم الواقع بالجانب الجنوبي للمصنع نحو 556.58 متر، فيما وصل عرضه الى قرابة 152.74 متر. 

ورصدنا عبر مراجعة الصور المتاحة على غوغل إيرث، أن مخزون الفحم بالمصنع تطور منذ عام 2019، فبينما ارتفع إلى أعلى معدل له في شهر كانون الثاني/ يناير 2021، شهد تراجعاً في شهر تموز/ يوليو من العام نفسه، ثم ارتفع مرة أخرى في شهر آذار/ مارس من العام الماضي 2022، ثم عاود الانخفاض في شهر تموز من العام نفسه. 

تواصلنا مع وزارة البيئة؛ للحصول على دراسة الأثر البيئي التي أجراها مصنع الوطنية، المملوك للجيش، بشأن استخدامه وقود الفحم، كما ينص قرار مجلس الوزراء؛ إلا أن الوزارة رفضت ذلك بدعوى “السرية”. 

زيادة معدلات تلوث هواء بني سويف 

تُبيِّن بيانات وزارة البيئة، زيادة معدلات تلوث هواء بني سويف بالجسيمات العالقة، بأقل من 10 ميكرومترات بنسبة 67.5 في المئة تقريباً، خلال الفترة بين عامي 2015 و2021. وبدأت تلك المُعدلات بالزيادة بداية من عام 2019، بعد نحو عام من تشغيل مصنع الوطنية للأسمنت.

فتخطى متوسط التركيز السنوي للجسيمات في محافظة بني سويف، معايير القانون المصري بنحو أربعة أضعاف النسبة القانونية المسموحة؛ وهي معدل 70 ميكروغراماً في المتر مكعب للمناطق الحضرية والصناعية، كذلك تخطى النسبة القانونية اليومية، البالغة 150 ميكروغراماً.

كما أن تلك النسبة أيضاً، أعلى من الحدود المسموح بها للجسيمات الصلبة الكلية (30 ميكروغراماً في المتر المكعب) الصادرة عن مداخن أفران مصانع الأسمنت الجديدة التي بدأت العمل بعد نيسان/ أبريل 2015، والتي دخلت حيز التنفيذ بعد صدور الدليل الإرشادي لعمليات حساب الانبعاثات الصادرة من المداخن، الصادر عن وزارة البيئة في أيار/ مايو 2018، وهو ما ينطبق على مصنع الوطنية للأسمنت، الذي تمّ تشغيله رسمياً في آب 2018. 

وتعدّ الجسيمات العالقة، المؤشر الرئيسي لتلوث الهواء في مصر عموماً، في بمحافظة بني سويف بخاصة؛ وذلك لتمركز الأنشطة البشرية في المدن. وتتكون تلك الجسيمات من عناصر عدة، تتبلور وتتجمع جزيئاتها مكونة جسيمات ذات أحجام وأقطار وتكوينات مختلفة، تتدرج طبقاً لتصنيفات أقطارها ومكوناتها، وبالتبعية تأثيرها في جودة الهواء، ومن ثَمّ صحة المواطنين.

وزاد معدل تلوث هواء بني سويف في عام 2019 بالجسيمات العالقة، بنسبة 17.6 في المئة مقارنة بعام 2018، واستمرت الزيادة في عام 2020 حتى بلغت 35.7 في المئة، وفي 2021 زادت معدلات الجسيمات العالقة بنسبة 8.4 في المئة، بحسب مراجعة لبيانات وزارة البيئة السنوية والشهرية. 

ووفقًا لبحث مشترك بين الكثير من مراكز الأبحاث والجامعات؛ مثل معهد القياسات والتقييم الصحي بواشنطن IHME، جاءت مصر في المرتبة الثالثة عالمياً في متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة، والذي بلغ 104.7 ميكروغرام/ متر مكعب عام 2015.

كما أن الدليل الإرشادي الصادر عن منظمة الصحة العالمية، يُوضح أن تلوث الهواء يؤثر في الصحة؛ بداية من عدم توافر شروط الراحة إلى الإصابة بالأمراض، وحتى حدوث الوفيات المبكرة، وتقليل متوسط العمر المتوقع؛ وهو ما يُمثل العبء الصحي الناتج من التعرض للهواء الملوث.

وللحد من الآثار الصحية لتلوث الهواء؛ طورت منظمة الصحة العالمية دلائل إرشادية لتقييم جودة الهواء، عن طريق تعيين حدود لمتوسط تركيز الملوثات، موصية بأن الحد الآمن لتركز الجسيمات الدقيقة (10 ميكرومترات) هو 20 ميكروغراماً سنوياً، و50 ميكروغراماً في 24 ساعة. 

وتعتبر الصحة العالمية أن معدل 70 ميكروغراماً وأكثر؛ أحد الأسباب المباشرة في ارتفاع معدلات الوفيات بنسبة 15 في المئة، جراء التعرّض الطويل الأمد لهذا المعدل.

فاكت بوكس:الجسيمات العالقة الكلية: Total Suspended Particulates المعروفة اختصاراً TSP، وهي تلك الجسيمات التي يتراوح قطرها بين 0.1 إلى 10 ميكرومترات، وتبقى فترة طويلة معلقة في الهواء. أما معدل ترسبها، فهو بطيء نسبياً ويتوقف على الظروف الطبيعية؛ من رطوبة أو رياح أو حرارة وغيرها. وتعدّ الجسيمات العالقة أخطر الجسيمات الملوثة للهواء؛ لأنه من الممكن أن تصل الى الرئتين وتستقر هناك.

 كما تعدّ نسبة 70 ميكروغراماً مخالفة لاشتراطات ترخيص المنشآت الصناعية المصرية، الصادرة في 2017؛ التي تنص على أن أي منشأة تعمل بإنتاج الأسمنت، يجب عليها تطبيق معايير انبعاثات الجسيمات الصلبة الكلية، المقدرة بـ”50 ميكروغراماً/ متر مكعب، لمتوسط تركيز 15 دقيقة” في حال استخدامها الفحم. 

وفي حال حرق مخلفات خطرة بنسبة 40 في المئة من الطاقة الحرارية، تنخفض إلى 10 ميكروغرامات/ متر مكعب لمتوسط تركيز 15 دقيقة، بحسب اشتراطات الترخيص. وفي الانبعاثات الصادرة من صناعة الأسمنت في حال المخلفات الخطرة، يجب على المنشأة ألا تتجاوز انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكبريت الـ 50 ميكروغراماً/ متر مكعب.

كما يجب على مصانع الأسمنت تطبيق الرصد الذاتي المستمر، ورصد الدايوكسين والفيوران عن طريق تجميع عينة لفترة زمنية، لا تقل عن 6 ساعات، ولا تزيد عن 8 ساعات، وأن تتمّ عملية الرصد على الأقل مرة كل ثلاثة أشهر. إضافة إلى رصد الجسيمات الصلبة العالقة في الهواء الخارجي ذاتياً، داخل حدود المنشأة الصناعية مع مراعاة الاتجاه السائد للرياح.

خطورة استخدام الفحم 

يشرح أطلس العدالة المناخية في تقرير له، خطورة استخدام الفحم في صناعة الأسمنت؛ بسبب وجود مصانع الأسمنت في أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، ما يؤثر في عدد يتراوح بين 20 إلى 40 مليون مواطن مصري.

ويُضيف، أنه تمّ التغاضي عن المخاوف العامة والبيئية القوية، وأنه من المحتمل أن تترجم انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت SO2، وأكاسيد النيتروجين NOX، والزئبق إلى تكوينات المطر الحمضي، والأمراض التنفسية، ونقل السموم العصبية إلى الأجنّة؛ بسبب الجسيمات الصلبة الدقيقة، الناتجة من استخدام الفحم في صناعة الأسمنت.

كما أن مصانع الأسمنت استخدمت الفحم المستورد، من دون وجود أي دليل يُشير إلى تحسين آليات ممارسات النقل أو التصنيع.

ارتفاع في معدلات وفيات الجهاز التنفسي  

زاد عدد الوفيات في بني سويف جراء أمراض الجهاز التنفسي، من 1390 حالة وفاة عام 2017 بنسبة 8.8 في المئة من إجمالي وفيات المحافظة، إلى 5027 حالة وفاة عام 2021 بنسبة 24.4 في المئة من إجمالي وفيات المحافظة، بحسب النشرة السنوية لإحصاءات المواليد والوفيات، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وأَخذت وفيات الجهاز التنفسي في المحافظة اتجاهاً تصاعدياً منذ العام 2018؛ فبعدما كانت تُقدر بنحو 8.8 في المئة عام 2017، زادت إلى 24.4 في المئة عام 2021. وخلال الفترة بين 2017 إلى 2021، زاد عدد وفيات الجهاز التنفسي بنسبة 261 في المئة، بزيادة نحو 3637 حالة وفاة عن الوضع قبل افتتاح مصنع الوطنية للأسمنت، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ضعف موارد حماية البيئة 

من جهة أخرى، تُعاني وزارة البيئة شحاً في مواردها، ونقصاً في ميزانيتها العامة تُكبل يديها؛ إذ تُظهر مراجعة لموازنة قطاع البيئة للأعوام الـ5 الأخيرة، تذبذب المُخصصات المالية للقطاع. فبينما زادت بنسبة 34.3 في المئة تقريباً بين أعوام 2018 و2021، عاودت الانخفاض في موازنة العام 2021/ 2022 بنسبة 34.8 في المئة تقريباً، ثم زادت في موازنة العام المالي الجاري 2022/ 2023 بنسبة 25 في المئة؛ هذا رغم زيادة معدلات التضخم بنسبة 40.3 في المئة خلال شهر شباط/ فبراير من العام 2023، وتراجع قيمة الجنيه بنسبة 208 في المئة تقريباً، خلال الفترة بين 2016 و2023، حسب بيانات البنك الدولي وبيانات غوغل فاينانس. 

وخلال موازنة 2022/ 2023، مثلّت موازنة قطاع حماية البيئة النسبة الأقل من إجمالي الموازنة العامة بنسبة 0.2 في المئة تقريباً فقط. ويستنزف بند أجور العاملين نسبة 42.2 في المئة من الموازنة العامة، وبند شراء السلع والخدمات نسبة 34.8 في المئة، فيما تشترك 4 بنود أخرى في باقي الموازنة، وهي نسبة لا تزيد عن 23 في المئة فقط من إجمالي الموازنة المصروفة لقطاع حماية البيئة. 

في النهاية، يختم محمود سالم حديثه بأنه يبحث عن أي فرصة للهجرة من قريته، التي ولد ونشأ بين أشجارها الخضراء؛ خوفاً على حياة طفلته، وخشية من نشأتها عليلة الصدر، كما باتت حاله الآن.