fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

أطفال اليمن تحت وطأة الحرب… انتهاكات جنسيّة غير موثّقة والعدالة غائبة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

غياب التوثيق وآلية مساءلة دولية يمكنها ردع أطراف الحرب في اليمن زاد من وطأة الانتهاكات المتعلقة بالاعتداء الجنسي، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كاشفةً كم المسكوت عنه من جرائم لم تلق طريقها الى العدالة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت الطفلة ج.س (9 أعوام) تلعب في أحد أحياء العاصمة صنعاء، حيث تسكن وعائلتها بصورة دورية، لكنها لم تكن تعلم أن هناك من يراقبها ويتربص فرصة الاعتداء عليها، تلك التي أتيحت صباح يوم 26/6/2024، حين اغتُصبت ج.س في الطابق الثاني من البناية ذاتها التي تقطن فيها.

 لم تعد حياة الطفلة وأسرتها على حالها بعد الجريمة، إذ بدأت مع والدها رحلة شاقة لمحاولة إدانة الجاني ومعاقبته، وعلى رغم توافر الأدلة واعتراف الجاني، استغرق الأمر أشهراً لإدانة النيابة الجزائية المتخصصة بالأمانة يوم 2024/9/14 المجرم بخطف الطفلة واغتصابها، بحسب محاميها ناظم الحريري.

لاحقاً في جلسة الحكم الابتدائي، تجاهلت المحكمة جريمة الاختطاف، وأقرت عقوبة السجن لمدة  15 عاماً، وغرامة مالية تقدّر بـ 6 ملايين ريال يمني، إلا أن محامي الطفلة وأهلها قرروا الاستئناف.

قال المحامي ناظم الحريري لـ”درج”: “تستند أدلتنا إلى مجموعة من الإقرارات والشهادات التي لا تدع مجالاً للشك في تورط المتهم. ومع ذلك، عدلت المحكمة الابتدائية التهمة وحكمت على المتّهم بعقوبة لا تتناسب مع جسامة الجريمة”. وأضاف: “نطالب بإعادة محاكمة المتهم أمام محكمة أعلى درجة، وتطبيق أقصى العقوبات المنصوص عليها في القانون، بما في ذلك عقوبة الإعدام. ونؤكد أننا لن نتوانى عن استخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة لتحقيق العدالة للطفلة وعائلتها”.

حالة الطفلة ج.س واحدة من عشرات الحالات غير الموثّقة بسبب غياب المعلومات والتضييق على عمل الصحافيين والمنظمات الإنسانيّة منذ  بداية الحرب عام 2015 ، إذ أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2022  إلى 1.596 طفلاً وطفلة تعرضوا لانتهاكات جسيمة في اليمن تشمل التجنيد والقتل والتشويه، والعنف الجنسي، والخطف،  ناهيك بالهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.

غياب التوثيق وآلية مساءلة دولية يمكنها ردع أطراف الحرب عن ارتكاب الانتهاكات، زاد من وطأة الانتهاكات المتعلقة بالاعتداء الجنسي، غالباً بسبب الوصمة التي تلاحق الناجين، لكن قصص وحوادث تسللت الى وسائل التواصل الاجتماعي، وحرّكت الرأي العام بعد فقدان الأمل بحل الأمور من دون إشهار، وعلى رغم انتهاك خصوصية الأطفال واستغلال قضاياهم من رواد التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه القصص تلفت النظر إلى كم المسكوت عنه من جرائم لم تلق طريقها الى العدالة.

غياب التوثيق والخوف من العار 

في تقرير استقصائي يرصد الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، بين فترة إعلان الهدنة بداية نيسان/ إبريل 2022، وبين إعلان التوقيع على اتفاق مبادئ لإنهاء النزاع في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وثقت منظمة “رصد” أو “التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان” 7 حالات اغتصاب ضد أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 – 15 عاماً، وهم في غالبيتهم من المقيمين في مجتمعاتهم وطفل من النازحين، سُجلت هذه الحالات ضد الحوثيين، الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي. 

لا يعكس التقرير عنف الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال وبشاعتها بصورة شاملة، فقط الحالات التي استطاع فريق الرصد توثيقها ضمن فترة زمنية قصيرة، إذ يشير التقرير إلى خشية ضحايا هذا النوع من انتهاك خصوصيتهم، والوصم الذي قد يلاحق عائلاتهم، إذ يعيشون حالة خوف وترهيب كرَّسه الجناة على نفسياتهم، ما يمنعهم من الاستجابة لعمليات التحقيق والتوثيق التي يجريها الباحثون. 

تقول المدافعة عن حقوق الإنسان كوكب الذيباني: “الحرب هي السبب الرئيسي لجميع الانتهاكات ضد الأطفال، إذ عمل جميع أطراف النزاع في اليمن على جعلهم أداة ورأس مال لتجار الحرب، لقد فقدوا الرعاية من الأهل والدولة وجميع المؤسسات والخدمات الحيوية، مثل الصحة والقضاء، بالتالي أي طفل معرض للاعتداء الجنسي بل وحتى القتل، ووجود المعادلة السياسية المضطربة في البلد لا يتيح العمل لآليات للعدالة، خصوصاً مع الهجوم الممنهج على المنظمات الحقوقية التي قد ترصد انتهاكات وجرائم ضد الأطفال وتوثقها”.

تضيف الذيباني: “هذا الملف قنبلة موقوتة، وكل هذه التحديات لا يفترض أن تجعلنا نقف مكتوفي الأيدي، علينا المطالبة بوقف الحرب بالدرجة الأولى، وإيجاد دولة حقيقية تفرض القانون على الجميع، وتُلزمهم باحترام معايير حقوق الإنسان الدولية والعرفيّة، ولكن حالياً ما نستطيع القيام به هو دعم المنظمات الدولية والمحلية من أجل استمرار عملهم، إيجاد آليات حماية مجتمعية من خلال توعية الأسر، وعلى الأقل يمكننا حماية الأطفال من الأخطار الواضحة التي يتفق عليها الجميع مثل التحرش”.

الجناة يفلتون من العقاب

تعرض الأخوان س (طفل) و ع (طفلة) للاغتصاب مراراً من أحد المتنفذين في عدن، وكان المغتصب يجبر الفتاة على مشاهدة أخيها يُغتصب، والعكس كذلك،  وأحياناً كان يفعل ذلك أمام الأبوين تحت التهديد.

 حاولت المحامية تهاني الصراري ملاحقة القضية لأكثر من عام، ولكنها فجأة فقدت أثر الأسرة ولم تستطع الوصول إليها،  علماً أنها جمعت أدلة وبراهين على هذه الجريمة البشعة حسب قولها، والتي كانت من أكثر القضايا إرهاقاً على المستوى النفسي بالنسبة إليها. 

وثقت تهاني الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في كامل مدينة عدن، وترافعت في 10 قضايا اغتصاب أطفال في عدن وأبين، وبنت ثقة مع أشخاص في مراكز الأمن والبحث الجنائي، الذين نصحوا الأسر بتوكيلها للدفاع عنهم في مثل هذه القضايا.

عُرفت تهاني أيضاً على المستوى العام، إذ تواصل معها الكثيرون عن طريق فايسبوك للإبلاغ عن حالة اغتصاب أو لتوكيلها، غير أنها تعرضت للتهديد والتخويف مراراً بسبب نشاطها الحقوقي، الذي يشمل  توثيق انتهاكات أطراف الصراع ضد الأطفال في جنوب اليمن.

 تقول تهاني إن التعامل مع هذه القضايا حساس جداً ويتطلب موثوقية وسرية، وغالباً ما تنصح الأسر برؤية معالج نفسي، وهذا يساعد كثيراً حتى على مستوى تطور القضايا في المحاكم. وتضيف أنها  لا ترى أن هنالك أي قصور أو تخاذل من السلطات القضائية في عدن منذ أن استعاد القضاء نشاطه بعد فترات من التوقف الجزئي أو الكلي على مدار سنوات في عدن ومناطق سيطرة الشرعيّة والمجلس الانتقالي ومناطق سيطرة الحوثيين. وتختم حديثها مع “درج” قائلةً: “وصمة العار، الخوف والقلق خصوصاً عندما يكون الجناة ذوي نفوذ كبير يمنع الأهالي من الإبلاغ أو الملاحقة القضائية”.

بحسب المحامي خالد الكمال، زادت حالات اغتصاب الأطفال  منذ بداية الحرب بشكل كبير. يرى الكمال أن مفرزات الحرب والأزمات المرتبطة به  قد تكون أحد أهم الأسباب الرئيسية في ازدياد هذه الحالات، إذ  يتلقى بصورة شبه يوميّة قضايا جديدة  في مكتب المحاماة الخاص به، عكس الفترة قبل الحرب حيث كان يصادف قضية أو اثنتين من هذا النوع خلال الشهر الواحد.

وثّقت منظمة العفو الدولية عام 2018 اغتصاب مراهق بعمر الـ16 عاماً في مدينة تعز على يد أحد رجال الميليشيات الموالية لجماعة “الإصلاح”، حينها قدمت الأم بلاغاً بالاغتصاب إلى إدارة البحث الجنائي في تعز، التي أصدرت أمراً، بتكليف أحد الأطباء الشرعيين بإعداد تقرير. إلا أن الطبيب، الذي يعمل في مستشفى تسيطر عليه جماعة “الإصلاح”، رفض ذلك، ثم طلبت المستشفى من الأم مبلغاً كبيراً من المال مقابل إصدار التقرير، لكنها لم تكن قادرة على تحمّل التكلفة مقدماً؛ فقالت إنها ستدفع عند استلامها التقرير، لكن التقرير لم يكتمل أبداً. 

يكشف التقرير أن الولاءات السياسيّة خلقت نمطاً  من ثقافة الإفلات من العقاب، ما أدى إلى تثبيط الأسر في الإبلاغ عن هذه الحوادث، لا سيما أن التقارير تشير إلى أن المشتبه بهم متوائمون سياسياً مع السلطات المحلية التي تسيطر عليها جماعة “الإصلاح”.

يعاني قانون العقوبات اليمني أيضاً من قصور في تعريف الاغتصاب، فالمادة (269) تتخللها ثغرات بحسب “منتدى الشقائق العربي” الذي قدم مقترحاً لتعديلها، والسبب أنها  لم تُعَرِّف بشكل واضح وشامل جريمة الاغتصاب، ولا تشديد العقوبة على المتهم حين يكون من المقربين، وهو ما يصعب إثباته، كما أن الجناة لا يُحكم عليهم حتى  بالحد الأدنى من هذا القانون إذا كانوا ذوي نفوذ. 

غياب الدعم النفسي وآثار مدى الحياة 

أخبرتني مريم (اسم مستعار)، ناشطة نسوية في اليمن، كيف تعرضت أختها للاغتصاب، وحاولت إيجاد طبيبي نفسي لمتابعتها، بعيداً من أعين والديهما اللذين لا يعلمان شيئاً عن الحادثة، ما اضطرها لاحقاً للانتقال إلى مصر مع أختها بحثاً عن حل يساعدها. تقول مريم: “لا أريد أن يعلم والداي اللذان يعانيان من أمراض مزمنة، أخاف من عدم تحمّلهما الأمر، ما قد يعرض أختي لضغوط نفسية أكبر، لا أحد يعلم عن الأمر  إلا أخواتي البنات، ونحاول وحدنا مساعدتها بقدر استطاعتنا”.

اغتُصبت الفتاة في محل يقع تحت منزلها، ولم تتمكن مريم من الإبلاغ عن الحادثة بسبب التحقيق والاستجواب الذي يعني معرفة الأهل به، وخصوصاً الذكور منهم، والذين لا تعلم مريم كيف سيتعاملون مع الأمر، عدا عن الفضيحة، إذ لم تستطع حتى مراجعة طبيب لأن المستشفى سيبلغ الأمن بالتأكيد. تقول مريم: “قد يحول الأمن المجني عليها إلى جانية، ويتم تلفيق ادعاءات بناء على التفكير القبلي الذكوري تستهدف أختى أو تستهدفني بسبب حساسية المهنة والنشاط الحقوقي النسوي الذي أمارسه”.

الاعتداء الجنسي على الأطفال يمكن أن تكون له عواقب واسعة النطاق وخطيرة وقد تمتد مدى الحياة، يزداد ذلك قسوة في ظل نظام الرعاية الصحية الضعيف بالفعل في اليمن، والذي تدهور أكثر بسبب الحرب وأصبح غير قادر على تلبية متطلبات أزمة الصحة العقلية والنفسية، إذ تعمل 51 في المئة فقط من جميع المرافق الصحية بكامل طاقتها، ولم تُدفع رواتب العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى حد كبير، ناهيك بالنقص في الأدوية الأساسية.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
18.11.2024
زمن القراءة: 6 minutes

غياب التوثيق وآلية مساءلة دولية يمكنها ردع أطراف الحرب في اليمن زاد من وطأة الانتهاكات المتعلقة بالاعتداء الجنسي، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كاشفةً كم المسكوت عنه من جرائم لم تلق طريقها الى العدالة.

كانت الطفلة ج.س (9 أعوام) تلعب في أحد أحياء العاصمة صنعاء، حيث تسكن وعائلتها بصورة دورية، لكنها لم تكن تعلم أن هناك من يراقبها ويتربص فرصة الاعتداء عليها، تلك التي أتيحت صباح يوم 26/6/2024، حين اغتُصبت ج.س في الطابق الثاني من البناية ذاتها التي تقطن فيها.

 لم تعد حياة الطفلة وأسرتها على حالها بعد الجريمة، إذ بدأت مع والدها رحلة شاقة لمحاولة إدانة الجاني ومعاقبته، وعلى رغم توافر الأدلة واعتراف الجاني، استغرق الأمر أشهراً لإدانة النيابة الجزائية المتخصصة بالأمانة يوم 2024/9/14 المجرم بخطف الطفلة واغتصابها، بحسب محاميها ناظم الحريري.

لاحقاً في جلسة الحكم الابتدائي، تجاهلت المحكمة جريمة الاختطاف، وأقرت عقوبة السجن لمدة  15 عاماً، وغرامة مالية تقدّر بـ 6 ملايين ريال يمني، إلا أن محامي الطفلة وأهلها قرروا الاستئناف.

قال المحامي ناظم الحريري لـ”درج”: “تستند أدلتنا إلى مجموعة من الإقرارات والشهادات التي لا تدع مجالاً للشك في تورط المتهم. ومع ذلك، عدلت المحكمة الابتدائية التهمة وحكمت على المتّهم بعقوبة لا تتناسب مع جسامة الجريمة”. وأضاف: “نطالب بإعادة محاكمة المتهم أمام محكمة أعلى درجة، وتطبيق أقصى العقوبات المنصوص عليها في القانون، بما في ذلك عقوبة الإعدام. ونؤكد أننا لن نتوانى عن استخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة لتحقيق العدالة للطفلة وعائلتها”.

حالة الطفلة ج.س واحدة من عشرات الحالات غير الموثّقة بسبب غياب المعلومات والتضييق على عمل الصحافيين والمنظمات الإنسانيّة منذ  بداية الحرب عام 2015 ، إذ أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2022  إلى 1.596 طفلاً وطفلة تعرضوا لانتهاكات جسيمة في اليمن تشمل التجنيد والقتل والتشويه، والعنف الجنسي، والخطف،  ناهيك بالهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.

غياب التوثيق وآلية مساءلة دولية يمكنها ردع أطراف الحرب عن ارتكاب الانتهاكات، زاد من وطأة الانتهاكات المتعلقة بالاعتداء الجنسي، غالباً بسبب الوصمة التي تلاحق الناجين، لكن قصص وحوادث تسللت الى وسائل التواصل الاجتماعي، وحرّكت الرأي العام بعد فقدان الأمل بحل الأمور من دون إشهار، وعلى رغم انتهاك خصوصية الأطفال واستغلال قضاياهم من رواد التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه القصص تلفت النظر إلى كم المسكوت عنه من جرائم لم تلق طريقها الى العدالة.

غياب التوثيق والخوف من العار 

في تقرير استقصائي يرصد الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، بين فترة إعلان الهدنة بداية نيسان/ إبريل 2022، وبين إعلان التوقيع على اتفاق مبادئ لإنهاء النزاع في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وثقت منظمة “رصد” أو “التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان” 7 حالات اغتصاب ضد أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 – 15 عاماً، وهم في غالبيتهم من المقيمين في مجتمعاتهم وطفل من النازحين، سُجلت هذه الحالات ضد الحوثيين، الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي. 

لا يعكس التقرير عنف الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال وبشاعتها بصورة شاملة، فقط الحالات التي استطاع فريق الرصد توثيقها ضمن فترة زمنية قصيرة، إذ يشير التقرير إلى خشية ضحايا هذا النوع من انتهاك خصوصيتهم، والوصم الذي قد يلاحق عائلاتهم، إذ يعيشون حالة خوف وترهيب كرَّسه الجناة على نفسياتهم، ما يمنعهم من الاستجابة لعمليات التحقيق والتوثيق التي يجريها الباحثون. 

تقول المدافعة عن حقوق الإنسان كوكب الذيباني: “الحرب هي السبب الرئيسي لجميع الانتهاكات ضد الأطفال، إذ عمل جميع أطراف النزاع في اليمن على جعلهم أداة ورأس مال لتجار الحرب، لقد فقدوا الرعاية من الأهل والدولة وجميع المؤسسات والخدمات الحيوية، مثل الصحة والقضاء، بالتالي أي طفل معرض للاعتداء الجنسي بل وحتى القتل، ووجود المعادلة السياسية المضطربة في البلد لا يتيح العمل لآليات للعدالة، خصوصاً مع الهجوم الممنهج على المنظمات الحقوقية التي قد ترصد انتهاكات وجرائم ضد الأطفال وتوثقها”.

تضيف الذيباني: “هذا الملف قنبلة موقوتة، وكل هذه التحديات لا يفترض أن تجعلنا نقف مكتوفي الأيدي، علينا المطالبة بوقف الحرب بالدرجة الأولى، وإيجاد دولة حقيقية تفرض القانون على الجميع، وتُلزمهم باحترام معايير حقوق الإنسان الدولية والعرفيّة، ولكن حالياً ما نستطيع القيام به هو دعم المنظمات الدولية والمحلية من أجل استمرار عملهم، إيجاد آليات حماية مجتمعية من خلال توعية الأسر، وعلى الأقل يمكننا حماية الأطفال من الأخطار الواضحة التي يتفق عليها الجميع مثل التحرش”.

الجناة يفلتون من العقاب

تعرض الأخوان س (طفل) و ع (طفلة) للاغتصاب مراراً من أحد المتنفذين في عدن، وكان المغتصب يجبر الفتاة على مشاهدة أخيها يُغتصب، والعكس كذلك،  وأحياناً كان يفعل ذلك أمام الأبوين تحت التهديد.

 حاولت المحامية تهاني الصراري ملاحقة القضية لأكثر من عام، ولكنها فجأة فقدت أثر الأسرة ولم تستطع الوصول إليها،  علماً أنها جمعت أدلة وبراهين على هذه الجريمة البشعة حسب قولها، والتي كانت من أكثر القضايا إرهاقاً على المستوى النفسي بالنسبة إليها. 

وثقت تهاني الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في كامل مدينة عدن، وترافعت في 10 قضايا اغتصاب أطفال في عدن وأبين، وبنت ثقة مع أشخاص في مراكز الأمن والبحث الجنائي، الذين نصحوا الأسر بتوكيلها للدفاع عنهم في مثل هذه القضايا.

عُرفت تهاني أيضاً على المستوى العام، إذ تواصل معها الكثيرون عن طريق فايسبوك للإبلاغ عن حالة اغتصاب أو لتوكيلها، غير أنها تعرضت للتهديد والتخويف مراراً بسبب نشاطها الحقوقي، الذي يشمل  توثيق انتهاكات أطراف الصراع ضد الأطفال في جنوب اليمن.

 تقول تهاني إن التعامل مع هذه القضايا حساس جداً ويتطلب موثوقية وسرية، وغالباً ما تنصح الأسر برؤية معالج نفسي، وهذا يساعد كثيراً حتى على مستوى تطور القضايا في المحاكم. وتضيف أنها  لا ترى أن هنالك أي قصور أو تخاذل من السلطات القضائية في عدن منذ أن استعاد القضاء نشاطه بعد فترات من التوقف الجزئي أو الكلي على مدار سنوات في عدن ومناطق سيطرة الشرعيّة والمجلس الانتقالي ومناطق سيطرة الحوثيين. وتختم حديثها مع “درج” قائلةً: “وصمة العار، الخوف والقلق خصوصاً عندما يكون الجناة ذوي نفوذ كبير يمنع الأهالي من الإبلاغ أو الملاحقة القضائية”.

بحسب المحامي خالد الكمال، زادت حالات اغتصاب الأطفال  منذ بداية الحرب بشكل كبير. يرى الكمال أن مفرزات الحرب والأزمات المرتبطة به  قد تكون أحد أهم الأسباب الرئيسية في ازدياد هذه الحالات، إذ  يتلقى بصورة شبه يوميّة قضايا جديدة  في مكتب المحاماة الخاص به، عكس الفترة قبل الحرب حيث كان يصادف قضية أو اثنتين من هذا النوع خلال الشهر الواحد.

وثّقت منظمة العفو الدولية عام 2018 اغتصاب مراهق بعمر الـ16 عاماً في مدينة تعز على يد أحد رجال الميليشيات الموالية لجماعة “الإصلاح”، حينها قدمت الأم بلاغاً بالاغتصاب إلى إدارة البحث الجنائي في تعز، التي أصدرت أمراً، بتكليف أحد الأطباء الشرعيين بإعداد تقرير. إلا أن الطبيب، الذي يعمل في مستشفى تسيطر عليه جماعة “الإصلاح”، رفض ذلك، ثم طلبت المستشفى من الأم مبلغاً كبيراً من المال مقابل إصدار التقرير، لكنها لم تكن قادرة على تحمّل التكلفة مقدماً؛ فقالت إنها ستدفع عند استلامها التقرير، لكن التقرير لم يكتمل أبداً. 

يكشف التقرير أن الولاءات السياسيّة خلقت نمطاً  من ثقافة الإفلات من العقاب، ما أدى إلى تثبيط الأسر في الإبلاغ عن هذه الحوادث، لا سيما أن التقارير تشير إلى أن المشتبه بهم متوائمون سياسياً مع السلطات المحلية التي تسيطر عليها جماعة “الإصلاح”.

يعاني قانون العقوبات اليمني أيضاً من قصور في تعريف الاغتصاب، فالمادة (269) تتخللها ثغرات بحسب “منتدى الشقائق العربي” الذي قدم مقترحاً لتعديلها، والسبب أنها  لم تُعَرِّف بشكل واضح وشامل جريمة الاغتصاب، ولا تشديد العقوبة على المتهم حين يكون من المقربين، وهو ما يصعب إثباته، كما أن الجناة لا يُحكم عليهم حتى  بالحد الأدنى من هذا القانون إذا كانوا ذوي نفوذ. 

غياب الدعم النفسي وآثار مدى الحياة 

أخبرتني مريم (اسم مستعار)، ناشطة نسوية في اليمن، كيف تعرضت أختها للاغتصاب، وحاولت إيجاد طبيبي نفسي لمتابعتها، بعيداً من أعين والديهما اللذين لا يعلمان شيئاً عن الحادثة، ما اضطرها لاحقاً للانتقال إلى مصر مع أختها بحثاً عن حل يساعدها. تقول مريم: “لا أريد أن يعلم والداي اللذان يعانيان من أمراض مزمنة، أخاف من عدم تحمّلهما الأمر، ما قد يعرض أختي لضغوط نفسية أكبر، لا أحد يعلم عن الأمر  إلا أخواتي البنات، ونحاول وحدنا مساعدتها بقدر استطاعتنا”.

اغتُصبت الفتاة في محل يقع تحت منزلها، ولم تتمكن مريم من الإبلاغ عن الحادثة بسبب التحقيق والاستجواب الذي يعني معرفة الأهل به، وخصوصاً الذكور منهم، والذين لا تعلم مريم كيف سيتعاملون مع الأمر، عدا عن الفضيحة، إذ لم تستطع حتى مراجعة طبيب لأن المستشفى سيبلغ الأمن بالتأكيد. تقول مريم: “قد يحول الأمن المجني عليها إلى جانية، ويتم تلفيق ادعاءات بناء على التفكير القبلي الذكوري تستهدف أختى أو تستهدفني بسبب حساسية المهنة والنشاط الحقوقي النسوي الذي أمارسه”.

الاعتداء الجنسي على الأطفال يمكن أن تكون له عواقب واسعة النطاق وخطيرة وقد تمتد مدى الحياة، يزداد ذلك قسوة في ظل نظام الرعاية الصحية الضعيف بالفعل في اليمن، والذي تدهور أكثر بسبب الحرب وأصبح غير قادر على تلبية متطلبات أزمة الصحة العقلية والنفسية، إذ تعمل 51 في المئة فقط من جميع المرافق الصحية بكامل طاقتها، ولم تُدفع رواتب العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى حد كبير، ناهيك بالنقص في الأدوية الأساسية.