fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“أعرف أين يختبئ صدام حسين”: عن العراق عقب الغزو الأميركي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أعرف أين يختبئ صدام حسين، بإمكاني إخبارك عن مكانه وكيف تقبض عليه”، هكذا قال الشيخ عرضياً وبمنتهى الهدوء بينما يعدل جلسته على أريكتي المصنوعة من جلود الجمال لدرجة أنني تيقّنت أن ما يقوله هو الحقيقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيما يلي مقتطفات من كتاب “منتصف الليل في سامراء” القصة الحقيقية لأسلحة الدمار الشامل والجرائم في العراق” لـ غريغوري فورد واليانور كوني. كان فورد عميل مخابرات ومسعف أميركي وعمل في العراق منذ بداية الغزو حتى آذار/مارس 2003 حيث أعلن حينها أنه يعاني مشاكل صحية. هذا الكتاب هو رواية فورد الحصرية والمباشرة بصفته شاهد عيان…

“أعرف أين يختبئ صدام حسين، بإمكاني إخبارك عن مكانه وكيف تقبض عليه”، هكذا قال الشيخ عرضياً وبمنتهى الهدوء بينما يعدل جلسته على أريكتي المصنوعة من جلود الجمال لدرجة أنني تيقّنت أن ما يقوله هو الحقيقة.

كالعادة، ظهر من دون سابق إنذار. وعلمت من الطريقة المدروسة المتأنية التي أخرج بها سيجارة “جولوسيس” من علبتها الذهبية ومن ثمّ فحصها والتربيت عليها وإشعالها ثم أخذ نفس منها وإخراجه بينما يختار كلماته، أنّ ما سيخبرني به كان في غاية الأهمية.

في الواقع، لم أتخيل أن حتى بيروقراطيي البلد قادرون على انتزاع مثل هذه المعلومات.

حاولت أن أبقى طبيعياً، لكنني أصبحت شديد الحذر واليقظة. فهذا الرجل الوجيه لم يكن فقط كبير شيوخ عشائر محافظة صلاح الدين، والتي تضم الأراضي الممتدة من سامراء إلى تكريت وجميع القرى المحاذية لنهر دجلة، بل كان يعرف صدام حسين أيضاً مذ كانا طفلين. وحتى اللحظة، ثبتت صحة كل ما أخبرني به وثبت أن قيمته كانت لا تقدر بثمن. سمعت وقتها شائعات أن وكالة المخابرات المركزية (CIA) تريد أن يعمل الشيخ لمصلحتها. لو كان ذلك صحيحاً، فأعلم جيداً ما قد يؤول إليه مصيره من بؤس.

سألته باستغرابٍ حقيقي، “لماذا ستكشف عن مكان صدام حسين؟ فعل ذلك سيعرض حياتك لخطرٍ بالغ”.

أجابني قائلاً: “حياتي وحياة شعبي في خطرٍ بكل الأحوال. بل إن الاضطرابات والتعقيدات جراء وجود صدام بيننا تُضاعف ذاك الخطر أضعافاً كثيرة، أريده أن يرحل عنا”. صمت قليلاً ثم أضاف، “كما أن عهده قد ولى”.

قبل شهرين

سرعان ما انتشرت الأخبار عن أنه إذا أردت التحدث مع الأميركان فعليك التوجه إلى مخفر الشرطة في سامراء (المكان الذي تمركزنا فيه بعد فترة وجيزة من وصولنا). يمكنك القول إننا كنا منفتحين ومقبلين على العمل للغاية. كنت مضيافاً وجعلت مكتبي مريحاً وجذاباً قدر استطاعتي. أحياناً كنت أفتح النافذة حتى تلطف نسمات الهواء الجو القائظ. وكانت لدي أكواب شاي وماء مثلج جاهزة على طاولة أمام كراسي مريح. عندما كنت أتحدث مع الناس، كنت أدون ملاحظاتي بقلمي في مفكرة صفراء صغيرة. وأعتقد أن هذه اللمسة البسيطة -الكتابة بالقلم على ورق وليس النقر على لوحة مفاتيح- كانت تطمئن الناس وتمدهم بالثقة.

زارنا المئات في الأيام الأولى، معظمهم مواطنون عاديون، وحكى بعضهم قصصاً عن سوء المعاملة والتعذيب وأساليب العقاب في عهد صدام حسين، في حين أتى آخرون من باب الفضول فقط. كانت أيامنا طويلة تبدأ من بزوغ الفجر وحتى آخر الليل. فقد شعرنا أننا ملزمون بسماع كل من أتى، لأننا لا نعلم أبداً من منهم يحوز كنزاً من المعلومات الحيوية.

“حياتي وحياة شعبي في خطرٍ بكل الأحوال. بل إن الاضطرابات والتعقيدات جراء وجود صدام بيننا تُضاعف ذاك الخطر أضعافاً كثيرة، أريده أن يرحل عنا”. صمت قليلاً ثم أضاف، “كما أن عهده قد ولى”.

قابلت على سبيل المثال محامياً مصرياً يعمل مترجماً قانونياً لدى شركة هاليبرتون لخدمات الطاقة، أخبرني أنه خلال حرب الخليج الأولى، تم إطلاق برنامج تعذيب أميركي في قاعدة الملك خالد الجوية فبالمملكة العربية السعودية، حيث كان العراقيون يتعرضون لتعذيب ممنهج خلال الفترة التي سبقت عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية)، وأُتقنت هناك “أساليب” بعينها، لا تنطوي على الضرب والعنف البدني وحسب، وإنما أيضاً الاستخدام التطبيقي للإذلال الجنسي وارتكاب ممارسات مخزية في الثقافة العربية.

وقدم المحامي ادعاءً مروعاً وإن كان قابلاً للتصديق، وهو أن شركة هاليبرتون، بالتنسيق مع مؤسسة راند، كانت لديها خطة كبرى مركزية تهدف إلى الحضّ على هذا النوع من التعذيب -على غرار الإذلال الجنسي- في مواقع لـ”عمليات سرية”، وتسجيله على مقاطع فيديو والتقاط صور للضحايا خلاله، ومن ثمّ إبقاء هذه المواد تحت الحراسة في أماكن مأمونة وكأنها “عتاد حربي”، حتى تحين اللحظة التي قد يحتاجونها فيها لِصرف الانتباه عما يحدث في الخليج العربي وصراع أباطرة النفط (الستة الكبار) الدائر هناك.

سيعرف هذا الصراع في ما بعد بـ”لعبة هاليبرتون الاحتيالية”، إذ ستُشحن ناقلات مماوءة بالنفط العراقي في مدينة الكويت، وستُبحر منها إلى موانئ نفطية أميركية، حيث يُستخدم نظام تحديد مواقع لإثبات وصولها إلى تلك الموانئ، ويُدفع ثمن النفط. ثم ومن دون تفريغ ولو نقطة واحدة من النفط، تُبحر الناقلات عائدة إلى الخليج العربي، حيث سيُفرغ النفط في مدينة الكويت، ويحوَّل إلى وقودٍ لتغذية جبهة القتال المشتعلة في الخليج، ثم ستبيعه هاليبرتون بعد ذلك إلى الجيش الأميركي محققةً أرباحاً خرافية. باختصار، كان دافع الضرائب الأميركي سيضمن مليارات الدولارات من غنائم تلك الشركات الخاصة العملاقة. وبطبيعة الحال، لم يرغب الممسكون بزمام الأمور في أن يدقق أحد وراءهم، لذا كان المخزون المُخبأ من صور التعذيب البذيء جاهزاً ومُعداً للتسريب لتحويل الأنظار عنهم. دبروا الخطة وفكروا أن ضجة الصور الشهوانية ستغطي على أيّ شيء آخر. وسوف تثبت الأهمية البالغة لهذه المعلومات بعد أقل من عام عندما ستصدم جرائم سجن أبو غريب الذاكرة الجماعية العالمية.

من بين أوائل من زارنا كان هناك، شاب غربي يشبه إنديانا جونز، كان يرتدي ملابس عسكرية مغبرة ويلف كوفية حول رقبته ويضع على رأسه قبعة فيدورا قديمة وينتعل صندلاً ويحمل حقيبة ظهر مهترئة. وقد اكتسب سُمرة بفعل الشمس. عندما تكلم، دُهشت بأن لكنته كانت أميركية واضحة. توقعت أن يكون بريطانياً أو ربما إسكندنافياً.

أخبرني أنه كان يعمل بشكل مستقل في مجال البحث عن الأحجار الكريمة. وقد أتى لتوه من أفغانستان بعدما أمضى بضع سنوات، حيث توجد -مدفونة في باطن الأرض- بعض أغنى مناجم الأحجار الكريمة في العالم، مثل الزمرد والياقوت الأحمر والياقوت الأزرق. يُعتبر الباحثون عن الأحجار الكريمة الناجحون خبراء جيولوجيين، لذا فقد أتى إلى العراق للتعاقد مع مهندسين بترول استأجروه للمساعدة في تحديد أماكن المستودعات النفطية.

قال لي “أسامة بن لادن في أفغانستان الآن. يتنقل ما بين قندوز، الواقعة في شمال أفغانستان بالقرب من طاجيكستان، ومدينة أخرى تسمى هوندون Hundun. وتعتبر التضاريس على طول المسافة بين المدينتين واحدة من أكثر التضاريس وعورة وخطورة التي يمكن أن تراها في حياتك، كما أنها أرض جرداء قاحلة كسطح القمر. وهو محاط بحاشية تتكون من 200 شخص تقريباً. وكل ما تحتاجه لتحديد مكانه والإمساك به هو دراسة تركيز الموارد المستخدمة حالياً في تلك القفار الممتدة. بالتأكيد سيترك 200 شخص في وسط العدم آثاراً ملحوظة واضحة يمكن تتبعها. يعلم الجميع في هذا الجزء من أفغانستان أنه هناك. يمكنكم بسهولة الإمساك به. ثم أضاف وهو يضحك ويهز رأسه “أنتم الأمريكيين أغبياء جداً”.

وما لبثت أن قدمت تقريراً إلى قيادتي يُفيد بأنه من المحتمل وجود بن لادن في أفغانستان. بَيْد أنّي لم أتلق رداً.

من بين أوائل من زارنا كان هناك، شاب غربي يشبه إنديانا جونز، كان يرتدي ملابس عسكرية مغبرة ويلف كوفية حول رقبته ويضع على رأسه قبعة فيدورا قديمة وينتعل صندلاً ويحمل حقيبة ظهر مهترئة.

في ظهيرة أحد الأيام الأولى التي تلت وصولنا، جاءت سيارة مرسيدس سوداء اللون من طراز ليموزين، يقودها سائق إلى مركز الشرطة. وخرج منها رجل وقور ذو مظهر غربي، لكنه يرتدي بالكامل عباءة عربية، توضح أنه أحد شيوخ المنطقة، وصرح بأن لديه معلومات يود أن يُدلي بها.

في ذلك اليوم، كنت مستيقظاً منذ بزوغ الفجر، وتحدثت بالفعل مع عشرين شخصاً على الأقل. كنت مُنهكاً. لذا تركت الرجل ينتظر بينما أخذت استراحة قصيرة. عندما رأيت الرجل لا يزال جالساً بصبرٍ بعد مضي ربع ساعة، يدخن سجائر جولوسيس (لم تكن الرائحة مستساغة على الإطلاق، بل اعتقدت أنها تشبه الروائح في المواقع العسكرية المُخصصة لحرق النفايات في الهواء الطلق، وهي الطريقة الشائعة للتخلص من النفايات في المواقع العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان)، ظننت أن هذا الرجل قد يكون لديه شيء يستحق الإنصات إليه. وقد كان بالفعل.

بدأ حديثه قائلاً بلغة إنجليزية ممتازة، “أنا شّيخ عشائر محافظة صلاح الدين أباً عن جد”. وقد أحضر معه أوراقه لإثبات نسبه الذي يمتد على مدى قرون من الزمان. وكلما تحدثنا أكثر، أدركت أنه كان شخصاً على درجة عالية من التعليم، ويتمتع بقدر هائل من المعرفة والنفوذ، فقد عمل مصرفياً في “مصرف العراق الاشتراكي” آنذاك، وكان بمثابة مصدراً حياً للبيانات الشخصية والعلاقات والمعلومات السرية التي لا تقدر بثمن. فقد بدا إلى حد بعيد الوجه المناقض للبغدادي؛ فلم يكتنفه الغموض، ولم تبدو عليه القداسة، أو ملامح التعصب المتأججة. فقد بدا أنه شخص مُحنك، وجذاب، ويتمتع بحس ماكر مليء بالدعابة، ولديه بريق في عينيه، واعتاد أن يرتدي نظارة بإطار ذهبي، فضلاً عن أنه كان نظيفاً وحليق الذقن ما عدا شاربه. حين أظهر لي أوراقه، قال مازحاً، “يُمكنك أن ترى أنني لست شيخاً زائفاً!”، كان ذلك أكثر من مجرد تلاعب بالكلمات، فقد كان من المعروف أن صدّام يمنح لقب “الشيخ” بكلّ حرية على المُتملقين والموالين له، لذا كان هناك في واقع الأمر الكثير من الشيوخ المزيفين في كل مكان. لم يكن هذا الرجل بالتّأكيد واحداً من هؤلاء، فضلاً عن أنه حرص كل الحرص على معرفتنا لذلك. كما أنه لم يُدين بالولاء الأعمى لصدّام.

كان صريحاً وبدا مُتلهفاً ومُتحمساً للغاية للحديث في ذلك اليوم الأول حين التقيته. استمعت فقط، ولم أتجرأ على مقاطعته أو تشتيت انتباهه. فقد كان مثل منجم غني بالمعلومات المباشرة، ذلك النوع الذي يحلم به عملاء الاستخبارات.

أخبرني أنه “يعمل مصرفياً لدى الرجل الذي يتولى الشؤون المصرفية الخاصة بصدّام حسين”. وأشار إلى أن اسم ذلك الرجل هو “علي سعد حسن، ولكنه يُعرف أيضاً باسم أبو ساجر، وأنا أعرف كل شيء عن شؤونه المالية”. وأضاف “ستكون مهتماً للغاية بما ستجده في بيت هذا الرجل، الذي يقع على بُعد بضعة مبانٍ من هنا”.

قدم الشّيخ خلال زياراته في الأيام اللاحقة، بيانات وأوراق وأدلة تخص أبو ساجر. وأخبرنا عن الكميات الهائلة من الأموال النقدية والذهب التي تم شحنها ونقلها إلى سامراء. بدأنا في التجهيز للقضية ووضع خطة للقبض على أبو ساجر. تطورت بيني وبين الشّيخ علاقة صداقة بسرعة. فقد كان من دواعي سروري دائماً رؤية السيارة المرسيدس السوداء تتوقف أمام مركز الشرطة.

لم يكن كل شخص يأتي إلى مركز الشرطة يصل في سيارة ليموزين يقودها سائق، ويحمل معلومات استخباراتية بالغة الأهمية. فقد جاء البعض تحت جنح الظلام ولم يتركوا شيئاً سوى ذكريات عن أنفسهم، أعلم أنني لن أنساها أبداً. مثل تلك الفتاة الشابة التي كانت تغطي وجهها بالنقاب، وتتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، وتدفع جدتها المقعدة على كرسي متحرك.

قالت الفتاة إنها “تحيا حياة العبودية والرق. ولم أعد أريد هذه الحياة بعد الآن”. لم تنبس الجدة ببنت شفة، ولم يكن لدي أدنى فكرة عما إذا كانت تفهم اللغة الإنكليزية من الأساس، ولكنني استطعت أن أرى من خلال تعابير وجهها وسلوكها أنها تؤيد حفيدتها تماماً.

وعلى الفور عرض مُترجمي الأميركي على المرأة الشابة وظيفة مُترجمة.

قائلاً، “نريدك أن تبدئي العمل معنا على الفور”. بدت المشاعر المتلاحقة على وجه الفتاة مُختلطة، فقد كانت سعيدة تارةً، وخائفة تارةً أخرى، بينما كانت تفكر في هذا العرض.

أجابت قائلةً، “حسناً، قد تكون هناك مشكلة. إذ يتعين عليّ أن أذهب إلى المنزل أولاً. وآمل بأن أتمكن من العودة غداً”.

أوصلتها إلى خارج المركز. وقلت لها “أتمنى أن تعودي مرة أخرى. ولكن من فضلك، كوني حذرةً للغاية. ولا تفعلي أي شيء قد يعرضكِ للخطر”. لا يسعني سوى تخيل الوضع الذي تعاني منه في المنزل. ربما كانت مضطهدة من أب، أو زوج أو أخوة، فليست لدي معرفة كبيرة بطبيعة الحياة تحت قبضة مثل هذا المجتمع الذكوري المستبد.

عندما غادرت، استاثرتني مشاعر الاستسلام لوضع بدا محتوماً، بينما كنت أشاهدها وهي تدفع جدتها على الكرسي المتحرك مُبتعدةً خلف مصابيح الشارع المتوهجة. وظلت عيناي تراقبها إلى أن غابت عن الأنظار. ولم أرها مجدداً، بعد هذه اللحظة.

بعد ذلك بليلة أو أكثر، جاءت فتاة أصغر منها سناً بكثير بمفردها إلى مركز الشرطة، بعدما خيم الظلام، ربما كانت في الحادية عشرة من عمرها. وكانت ترتدي معطفاً وتضع وشاحاً على رأسها، وتنتعل أفضل أحذيتها، وكانت تحمل حقيبة سفر صغيرة.

وقالت، “أنا في حاجة ماسة إلى المساعدة. أريد أن أرحل من هنا. إذ إن والدي وأعمامي يجبرونني على القيام بأمور لا أريد القيام بها”.

أثار ما قالته جزعي، وأحضرتها إلى الداخل. ولكن في اللحظة التي وقع نظرها على اثنين من رجال الشرطة الشيعة، وهم يضعون حبات الكاجو في أفواههم، ويحدقون إليها مثل الثعالب التي تنظر إلى أرنب صغير وكأنه وجبة لذيذة، تراجعت مرة أخرى.

وقالت، “لا أستطيع. لا أستطيع”. وفي اللحظة التالية كانت خارج الباب، تهرع في الظلام جارة حقيبتها الصغيرة.

بينما كنت أشاهدها تبتعد وتختفي، لم يسبق لي أن شعرت أبداً بالعجز إلى هذا الحد. فقد ذهبت هي الأخرى، ولم أرها مجدداً، بعد هذه اللحظة.

هذا المقال مترجم عن salon.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

حين اكتشف مؤرّخان إسرائيليّان الإبادة الجماعيّة التي ارتكبتها تركيا

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 15.02.2025

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!

التنوع في التقارير و"المصادر" الاستخباراتيّة يكشف أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز "الأعداء" هم " هيئة تحرير الشام" ، التي أحاطت بها من وجهة نظر المخابرات الكثير من الفرضيات التي يصل بعضها إلى مستوى نظريات المؤامرة !
06.11.2019
زمن القراءة: 9 minutes

“أعرف أين يختبئ صدام حسين، بإمكاني إخبارك عن مكانه وكيف تقبض عليه”، هكذا قال الشيخ عرضياً وبمنتهى الهدوء بينما يعدل جلسته على أريكتي المصنوعة من جلود الجمال لدرجة أنني تيقّنت أن ما يقوله هو الحقيقة.

فيما يلي مقتطفات من كتاب “منتصف الليل في سامراء” القصة الحقيقية لأسلحة الدمار الشامل والجرائم في العراق” لـ غريغوري فورد واليانور كوني. كان فورد عميل مخابرات ومسعف أميركي وعمل في العراق منذ بداية الغزو حتى آذار/مارس 2003 حيث أعلن حينها أنه يعاني مشاكل صحية. هذا الكتاب هو رواية فورد الحصرية والمباشرة بصفته شاهد عيان…

“أعرف أين يختبئ صدام حسين، بإمكاني إخبارك عن مكانه وكيف تقبض عليه”، هكذا قال الشيخ عرضياً وبمنتهى الهدوء بينما يعدل جلسته على أريكتي المصنوعة من جلود الجمال لدرجة أنني تيقّنت أن ما يقوله هو الحقيقة.

كالعادة، ظهر من دون سابق إنذار. وعلمت من الطريقة المدروسة المتأنية التي أخرج بها سيجارة “جولوسيس” من علبتها الذهبية ومن ثمّ فحصها والتربيت عليها وإشعالها ثم أخذ نفس منها وإخراجه بينما يختار كلماته، أنّ ما سيخبرني به كان في غاية الأهمية.

في الواقع، لم أتخيل أن حتى بيروقراطيي البلد قادرون على انتزاع مثل هذه المعلومات.

حاولت أن أبقى طبيعياً، لكنني أصبحت شديد الحذر واليقظة. فهذا الرجل الوجيه لم يكن فقط كبير شيوخ عشائر محافظة صلاح الدين، والتي تضم الأراضي الممتدة من سامراء إلى تكريت وجميع القرى المحاذية لنهر دجلة، بل كان يعرف صدام حسين أيضاً مذ كانا طفلين. وحتى اللحظة، ثبتت صحة كل ما أخبرني به وثبت أن قيمته كانت لا تقدر بثمن. سمعت وقتها شائعات أن وكالة المخابرات المركزية (CIA) تريد أن يعمل الشيخ لمصلحتها. لو كان ذلك صحيحاً، فأعلم جيداً ما قد يؤول إليه مصيره من بؤس.

سألته باستغرابٍ حقيقي، “لماذا ستكشف عن مكان صدام حسين؟ فعل ذلك سيعرض حياتك لخطرٍ بالغ”.

أجابني قائلاً: “حياتي وحياة شعبي في خطرٍ بكل الأحوال. بل إن الاضطرابات والتعقيدات جراء وجود صدام بيننا تُضاعف ذاك الخطر أضعافاً كثيرة، أريده أن يرحل عنا”. صمت قليلاً ثم أضاف، “كما أن عهده قد ولى”.

قبل شهرين

سرعان ما انتشرت الأخبار عن أنه إذا أردت التحدث مع الأميركان فعليك التوجه إلى مخفر الشرطة في سامراء (المكان الذي تمركزنا فيه بعد فترة وجيزة من وصولنا). يمكنك القول إننا كنا منفتحين ومقبلين على العمل للغاية. كنت مضيافاً وجعلت مكتبي مريحاً وجذاباً قدر استطاعتي. أحياناً كنت أفتح النافذة حتى تلطف نسمات الهواء الجو القائظ. وكانت لدي أكواب شاي وماء مثلج جاهزة على طاولة أمام كراسي مريح. عندما كنت أتحدث مع الناس، كنت أدون ملاحظاتي بقلمي في مفكرة صفراء صغيرة. وأعتقد أن هذه اللمسة البسيطة -الكتابة بالقلم على ورق وليس النقر على لوحة مفاتيح- كانت تطمئن الناس وتمدهم بالثقة.

زارنا المئات في الأيام الأولى، معظمهم مواطنون عاديون، وحكى بعضهم قصصاً عن سوء المعاملة والتعذيب وأساليب العقاب في عهد صدام حسين، في حين أتى آخرون من باب الفضول فقط. كانت أيامنا طويلة تبدأ من بزوغ الفجر وحتى آخر الليل. فقد شعرنا أننا ملزمون بسماع كل من أتى، لأننا لا نعلم أبداً من منهم يحوز كنزاً من المعلومات الحيوية.

“حياتي وحياة شعبي في خطرٍ بكل الأحوال. بل إن الاضطرابات والتعقيدات جراء وجود صدام بيننا تُضاعف ذاك الخطر أضعافاً كثيرة، أريده أن يرحل عنا”. صمت قليلاً ثم أضاف، “كما أن عهده قد ولى”.

قابلت على سبيل المثال محامياً مصرياً يعمل مترجماً قانونياً لدى شركة هاليبرتون لخدمات الطاقة، أخبرني أنه خلال حرب الخليج الأولى، تم إطلاق برنامج تعذيب أميركي في قاعدة الملك خالد الجوية فبالمملكة العربية السعودية، حيث كان العراقيون يتعرضون لتعذيب ممنهج خلال الفترة التي سبقت عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية)، وأُتقنت هناك “أساليب” بعينها، لا تنطوي على الضرب والعنف البدني وحسب، وإنما أيضاً الاستخدام التطبيقي للإذلال الجنسي وارتكاب ممارسات مخزية في الثقافة العربية.

وقدم المحامي ادعاءً مروعاً وإن كان قابلاً للتصديق، وهو أن شركة هاليبرتون، بالتنسيق مع مؤسسة راند، كانت لديها خطة كبرى مركزية تهدف إلى الحضّ على هذا النوع من التعذيب -على غرار الإذلال الجنسي- في مواقع لـ”عمليات سرية”، وتسجيله على مقاطع فيديو والتقاط صور للضحايا خلاله، ومن ثمّ إبقاء هذه المواد تحت الحراسة في أماكن مأمونة وكأنها “عتاد حربي”، حتى تحين اللحظة التي قد يحتاجونها فيها لِصرف الانتباه عما يحدث في الخليج العربي وصراع أباطرة النفط (الستة الكبار) الدائر هناك.

سيعرف هذا الصراع في ما بعد بـ”لعبة هاليبرتون الاحتيالية”، إذ ستُشحن ناقلات مماوءة بالنفط العراقي في مدينة الكويت، وستُبحر منها إلى موانئ نفطية أميركية، حيث يُستخدم نظام تحديد مواقع لإثبات وصولها إلى تلك الموانئ، ويُدفع ثمن النفط. ثم ومن دون تفريغ ولو نقطة واحدة من النفط، تُبحر الناقلات عائدة إلى الخليج العربي، حيث سيُفرغ النفط في مدينة الكويت، ويحوَّل إلى وقودٍ لتغذية جبهة القتال المشتعلة في الخليج، ثم ستبيعه هاليبرتون بعد ذلك إلى الجيش الأميركي محققةً أرباحاً خرافية. باختصار، كان دافع الضرائب الأميركي سيضمن مليارات الدولارات من غنائم تلك الشركات الخاصة العملاقة. وبطبيعة الحال، لم يرغب الممسكون بزمام الأمور في أن يدقق أحد وراءهم، لذا كان المخزون المُخبأ من صور التعذيب البذيء جاهزاً ومُعداً للتسريب لتحويل الأنظار عنهم. دبروا الخطة وفكروا أن ضجة الصور الشهوانية ستغطي على أيّ شيء آخر. وسوف تثبت الأهمية البالغة لهذه المعلومات بعد أقل من عام عندما ستصدم جرائم سجن أبو غريب الذاكرة الجماعية العالمية.

من بين أوائل من زارنا كان هناك، شاب غربي يشبه إنديانا جونز، كان يرتدي ملابس عسكرية مغبرة ويلف كوفية حول رقبته ويضع على رأسه قبعة فيدورا قديمة وينتعل صندلاً ويحمل حقيبة ظهر مهترئة. وقد اكتسب سُمرة بفعل الشمس. عندما تكلم، دُهشت بأن لكنته كانت أميركية واضحة. توقعت أن يكون بريطانياً أو ربما إسكندنافياً.

أخبرني أنه كان يعمل بشكل مستقل في مجال البحث عن الأحجار الكريمة. وقد أتى لتوه من أفغانستان بعدما أمضى بضع سنوات، حيث توجد -مدفونة في باطن الأرض- بعض أغنى مناجم الأحجار الكريمة في العالم، مثل الزمرد والياقوت الأحمر والياقوت الأزرق. يُعتبر الباحثون عن الأحجار الكريمة الناجحون خبراء جيولوجيين، لذا فقد أتى إلى العراق للتعاقد مع مهندسين بترول استأجروه للمساعدة في تحديد أماكن المستودعات النفطية.

قال لي “أسامة بن لادن في أفغانستان الآن. يتنقل ما بين قندوز، الواقعة في شمال أفغانستان بالقرب من طاجيكستان، ومدينة أخرى تسمى هوندون Hundun. وتعتبر التضاريس على طول المسافة بين المدينتين واحدة من أكثر التضاريس وعورة وخطورة التي يمكن أن تراها في حياتك، كما أنها أرض جرداء قاحلة كسطح القمر. وهو محاط بحاشية تتكون من 200 شخص تقريباً. وكل ما تحتاجه لتحديد مكانه والإمساك به هو دراسة تركيز الموارد المستخدمة حالياً في تلك القفار الممتدة. بالتأكيد سيترك 200 شخص في وسط العدم آثاراً ملحوظة واضحة يمكن تتبعها. يعلم الجميع في هذا الجزء من أفغانستان أنه هناك. يمكنكم بسهولة الإمساك به. ثم أضاف وهو يضحك ويهز رأسه “أنتم الأمريكيين أغبياء جداً”.

وما لبثت أن قدمت تقريراً إلى قيادتي يُفيد بأنه من المحتمل وجود بن لادن في أفغانستان. بَيْد أنّي لم أتلق رداً.

من بين أوائل من زارنا كان هناك، شاب غربي يشبه إنديانا جونز، كان يرتدي ملابس عسكرية مغبرة ويلف كوفية حول رقبته ويضع على رأسه قبعة فيدورا قديمة وينتعل صندلاً ويحمل حقيبة ظهر مهترئة.

في ظهيرة أحد الأيام الأولى التي تلت وصولنا، جاءت سيارة مرسيدس سوداء اللون من طراز ليموزين، يقودها سائق إلى مركز الشرطة. وخرج منها رجل وقور ذو مظهر غربي، لكنه يرتدي بالكامل عباءة عربية، توضح أنه أحد شيوخ المنطقة، وصرح بأن لديه معلومات يود أن يُدلي بها.

في ذلك اليوم، كنت مستيقظاً منذ بزوغ الفجر، وتحدثت بالفعل مع عشرين شخصاً على الأقل. كنت مُنهكاً. لذا تركت الرجل ينتظر بينما أخذت استراحة قصيرة. عندما رأيت الرجل لا يزال جالساً بصبرٍ بعد مضي ربع ساعة، يدخن سجائر جولوسيس (لم تكن الرائحة مستساغة على الإطلاق، بل اعتقدت أنها تشبه الروائح في المواقع العسكرية المُخصصة لحرق النفايات في الهواء الطلق، وهي الطريقة الشائعة للتخلص من النفايات في المواقع العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان)، ظننت أن هذا الرجل قد يكون لديه شيء يستحق الإنصات إليه. وقد كان بالفعل.

بدأ حديثه قائلاً بلغة إنجليزية ممتازة، “أنا شّيخ عشائر محافظة صلاح الدين أباً عن جد”. وقد أحضر معه أوراقه لإثبات نسبه الذي يمتد على مدى قرون من الزمان. وكلما تحدثنا أكثر، أدركت أنه كان شخصاً على درجة عالية من التعليم، ويتمتع بقدر هائل من المعرفة والنفوذ، فقد عمل مصرفياً في “مصرف العراق الاشتراكي” آنذاك، وكان بمثابة مصدراً حياً للبيانات الشخصية والعلاقات والمعلومات السرية التي لا تقدر بثمن. فقد بدا إلى حد بعيد الوجه المناقض للبغدادي؛ فلم يكتنفه الغموض، ولم تبدو عليه القداسة، أو ملامح التعصب المتأججة. فقد بدا أنه شخص مُحنك، وجذاب، ويتمتع بحس ماكر مليء بالدعابة، ولديه بريق في عينيه، واعتاد أن يرتدي نظارة بإطار ذهبي، فضلاً عن أنه كان نظيفاً وحليق الذقن ما عدا شاربه. حين أظهر لي أوراقه، قال مازحاً، “يُمكنك أن ترى أنني لست شيخاً زائفاً!”، كان ذلك أكثر من مجرد تلاعب بالكلمات، فقد كان من المعروف أن صدّام يمنح لقب “الشيخ” بكلّ حرية على المُتملقين والموالين له، لذا كان هناك في واقع الأمر الكثير من الشيوخ المزيفين في كل مكان. لم يكن هذا الرجل بالتّأكيد واحداً من هؤلاء، فضلاً عن أنه حرص كل الحرص على معرفتنا لذلك. كما أنه لم يُدين بالولاء الأعمى لصدّام.

كان صريحاً وبدا مُتلهفاً ومُتحمساً للغاية للحديث في ذلك اليوم الأول حين التقيته. استمعت فقط، ولم أتجرأ على مقاطعته أو تشتيت انتباهه. فقد كان مثل منجم غني بالمعلومات المباشرة، ذلك النوع الذي يحلم به عملاء الاستخبارات.

أخبرني أنه “يعمل مصرفياً لدى الرجل الذي يتولى الشؤون المصرفية الخاصة بصدّام حسين”. وأشار إلى أن اسم ذلك الرجل هو “علي سعد حسن، ولكنه يُعرف أيضاً باسم أبو ساجر، وأنا أعرف كل شيء عن شؤونه المالية”. وأضاف “ستكون مهتماً للغاية بما ستجده في بيت هذا الرجل، الذي يقع على بُعد بضعة مبانٍ من هنا”.

قدم الشّيخ خلال زياراته في الأيام اللاحقة، بيانات وأوراق وأدلة تخص أبو ساجر. وأخبرنا عن الكميات الهائلة من الأموال النقدية والذهب التي تم شحنها ونقلها إلى سامراء. بدأنا في التجهيز للقضية ووضع خطة للقبض على أبو ساجر. تطورت بيني وبين الشّيخ علاقة صداقة بسرعة. فقد كان من دواعي سروري دائماً رؤية السيارة المرسيدس السوداء تتوقف أمام مركز الشرطة.

لم يكن كل شخص يأتي إلى مركز الشرطة يصل في سيارة ليموزين يقودها سائق، ويحمل معلومات استخباراتية بالغة الأهمية. فقد جاء البعض تحت جنح الظلام ولم يتركوا شيئاً سوى ذكريات عن أنفسهم، أعلم أنني لن أنساها أبداً. مثل تلك الفتاة الشابة التي كانت تغطي وجهها بالنقاب، وتتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، وتدفع جدتها المقعدة على كرسي متحرك.

قالت الفتاة إنها “تحيا حياة العبودية والرق. ولم أعد أريد هذه الحياة بعد الآن”. لم تنبس الجدة ببنت شفة، ولم يكن لدي أدنى فكرة عما إذا كانت تفهم اللغة الإنكليزية من الأساس، ولكنني استطعت أن أرى من خلال تعابير وجهها وسلوكها أنها تؤيد حفيدتها تماماً.

وعلى الفور عرض مُترجمي الأميركي على المرأة الشابة وظيفة مُترجمة.

قائلاً، “نريدك أن تبدئي العمل معنا على الفور”. بدت المشاعر المتلاحقة على وجه الفتاة مُختلطة، فقد كانت سعيدة تارةً، وخائفة تارةً أخرى، بينما كانت تفكر في هذا العرض.

أجابت قائلةً، “حسناً، قد تكون هناك مشكلة. إذ يتعين عليّ أن أذهب إلى المنزل أولاً. وآمل بأن أتمكن من العودة غداً”.

أوصلتها إلى خارج المركز. وقلت لها “أتمنى أن تعودي مرة أخرى. ولكن من فضلك، كوني حذرةً للغاية. ولا تفعلي أي شيء قد يعرضكِ للخطر”. لا يسعني سوى تخيل الوضع الذي تعاني منه في المنزل. ربما كانت مضطهدة من أب، أو زوج أو أخوة، فليست لدي معرفة كبيرة بطبيعة الحياة تحت قبضة مثل هذا المجتمع الذكوري المستبد.

عندما غادرت، استاثرتني مشاعر الاستسلام لوضع بدا محتوماً، بينما كنت أشاهدها وهي تدفع جدتها على الكرسي المتحرك مُبتعدةً خلف مصابيح الشارع المتوهجة. وظلت عيناي تراقبها إلى أن غابت عن الأنظار. ولم أرها مجدداً، بعد هذه اللحظة.

بعد ذلك بليلة أو أكثر، جاءت فتاة أصغر منها سناً بكثير بمفردها إلى مركز الشرطة، بعدما خيم الظلام، ربما كانت في الحادية عشرة من عمرها. وكانت ترتدي معطفاً وتضع وشاحاً على رأسها، وتنتعل أفضل أحذيتها، وكانت تحمل حقيبة سفر صغيرة.

وقالت، “أنا في حاجة ماسة إلى المساعدة. أريد أن أرحل من هنا. إذ إن والدي وأعمامي يجبرونني على القيام بأمور لا أريد القيام بها”.

أثار ما قالته جزعي، وأحضرتها إلى الداخل. ولكن في اللحظة التي وقع نظرها على اثنين من رجال الشرطة الشيعة، وهم يضعون حبات الكاجو في أفواههم، ويحدقون إليها مثل الثعالب التي تنظر إلى أرنب صغير وكأنه وجبة لذيذة، تراجعت مرة أخرى.

وقالت، “لا أستطيع. لا أستطيع”. وفي اللحظة التالية كانت خارج الباب، تهرع في الظلام جارة حقيبتها الصغيرة.

بينما كنت أشاهدها تبتعد وتختفي، لم يسبق لي أن شعرت أبداً بالعجز إلى هذا الحد. فقد ذهبت هي الأخرى، ولم أرها مجدداً، بعد هذه اللحظة.

هذا المقال مترجم عن salon.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

حين اكتشف مؤرّخان إسرائيليّان الإبادة الجماعيّة التي ارتكبتها تركيا