ما أن أصدر نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، قراراً بمنع أغاني المهرجانات في مصر، اعتراضاً على مضمونها، وتحديداً عبارة “أشرب خمور وحشيش” في أغنية “بنت الجيران” للمغني حسن شاكوش، حتى طُرح النقاش حول حضور الخمر في الأغاني العربية، والعلاقة بين الكحول والغرام، وتحديداً لمدح الحبيب.
أوضح شاكر أن شروط عضوية النقابة أو تصاريح الغناء ليست قوامها صلاحية الصوت فقط، ولكن أيضاً هناك شروط عامة يتوجب أن تتوافر في طالب العضوية أو التصريح، وهي “الالتزام بالقيم العليا للمجتمع والعرف الأخلاقي واختيار الكلمات التي لا تحض على رذيلة أو عادات سيئة”.
وأضاف في بيان صادر عن “نقابة الموسيقيين المصريين” أن ما يعرف بـ”موسيقى المهرجانات”، وهي موسيقى شعبية مصرية تتناول الحياة العاطفية والاجتماعية في الواقع المصري، مع إيقاع شعبي سريع، تخلق حالة سيئة تهدد الفن والثقافة العامة. وشرح أنها تتضمن كلمات ترسخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية، أفرزت ما سمّاه “مستمعي الغريزة”.
الحقيقة أن الموسيقى هي وليدة المجتمع. فأغاني المهرجانات، على رغم ركاكتها فنياً، إلا أنها تشبه مزاج شرائح واسعة في المجتمع المصري ببساطة تركيبتها وروح الفرح فيها، وما ذكر الحشيش والخمر في الأغاني، سوى تعبير عن وجودها في حياة المصريين حالياً، علماً أن للخمرة حصة كبيرة في الموسيقى العربية.
وحضور الخمر والعشق والحشيش، بل وحتى العبارات الجريئة لم يكن يوماً أمراً جديداً في الموسيقى وكلمات الأغاني. فقد قارب الغناء العربي بين الخمرة والعشق والوله والحنين، من الطرب المصري والشامي، مروراً بالموشحات الأندلسية، وصولاً إلى الأغاني الحديثة الشعبية والخفيفة.
هنا بعض أغاني الخمر والحب:
تعتبر أم كلثوم من أكثر الفنانات اللواتي تغنّين بالخمرة وعلاقتها بالعشق، فقد غنّت قصيدة “الأطلال” لإبراهيم ناجي وألحان رياض السنباطي، فقالت جملتها الشهيرة “هل رأى الحب سكارى؟”… لتعود وتقول “اسقني واشرب على أطلاله… وأروي عني طالما الدمع روى”.
كما غنّت “الست” أغنية “حانة الأقدار”، فقالت “سألت عن الحب أهـل الهـوى/ سقاة الدمـوع ندامـى الجـوى، فقال حنانك من جمرة/ ومن صحو ساقية أو سكره/ ومن نهيه فيك، ففي حانـة الليـل خمارة/ وتلك النجيمات سمارة/ هذه الأزهار/ كيف نسقيها وساقيها/ بهـا مخمور/ كيف يا صاح”.
وتغنت بالخمرة أيضاً من كلمات طاهر أبوفاشا وألحان رياض السنباطي، “يا صحبة الراح عهدي بها وكؤوس الصفو مترعة/ بهن طاف على السكرى سكير، لا يشرب الراح إلا أنه ثمل/ نشوان والكأس في كفيه نشوان، ترى تعود الليالي والهوى/ معنا / يا غربة الكاس ما للكاس ندمان”.
ولحّن سيد درويش أغنية “يا بهجة الروح”، التي تتغنى بالراح، وهو الخمر. فقال، “هاتِ كاسِ الراح واسقني الأقداح/ وجهك الوضاح ماله من مثال”.
أسمهان أيضاً غنت لكؤوس الخمر، من كلمات بشارة الخوري، “إسقينيها بأبي أنت وأمي، إملأ الكأس ابتساما وغراما/ فلقد نام الندامى والخزامى، بأبي أنت وأمي إسقنيها/ لا لتجلو الهم عني/ أنت همي/غني واسكب غناك/ ولماك/في فمي، صبّها من شفتيك في شفتيّا/ ثمَ غرّق ناظريك في ناظريّا/ واختصرها، ما عليكَ أو عليّا”.
ويغني كارم محمود موال “قم يا نديمي واسقني”.
للموسيقار محمد عبد الوهاب عدة أغاني ذُكر فيها الخمر، ومنها “الدنيا سيجارة وكاس”.
كما قال: “الكاس بين إيديا… والشوق بين عينيا”.
يعاتب مارسيل خليفة الحبيبة لأنها سكبت كأس خمرٍ ولم تسقه. وتخلق نشوة الحب فيه قدرة تجعله قادراً على ترويض الكأس لتقبيل زجاجة الخمر.
للقدود الحلبية حصة من أغاني الخمر أيضاً. فقد غنّى صباح فخري، “خمرة الحب اسقنيها/ هم قلبي تنسيني/ عيشة لا حب فيها/ جدول لا ماء فيه، يا ربة الوجه الصبوح/ أنت عنوان الأمل/ أسكريني بلثم روحي/ خمرة الروح القبل”.
ومدح ثنائي الحبيب والخمر، فقال “إملا المدام يا جميل واسقيني”…
وبين أجمل الموشحات الأندلسية، موشح “أيها الساقي”، الذي غنته فيروز وفاديا الحاج وغيرهما…
ولائحة الأغاني العربية التي حوت عشقاً وولهاً وخمراً واسعة ومتنوعة وهي قديمة وحديثة، وما قرار المنع الذي أعلنه هاني شاكر سوى محطة هزلية وقمعية في آن لمسار لم يكتب له يوماً النجاح، نعني ضبط العبارة والفكرة…