سيطرت المعارضة المسلحة تحت تسمية “ردع العدوان” المدن السورية غرباً من حلب إلى دمشق، في حين أطلق “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا حملة خاصة تحت مسمى “فجر الحرية” توجهت صوب مخيم الشهباء وتل رفعت ومطار منغ، وهي مناطق كانت قسد تسيطر عليها، وحالياً السيطرة على منبج.
في المقابل، سيطرت قسد على /7/ قرى كانت خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، تقع إلى الغرب من شرق الفرات في محافظة دير الزور، لكن الفصل الأكبر كان عبر سيطرة قسد على كامل دير الزور والميادين والبوكمال ومعبر القائم مع العراق، في حين تتوارد أخبار عن وصول قوات من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”إدارة العمليات العسكريّة” إلى المنطقة لاستعادتها.
الأشرفية والشيخ مقصود معاقل أكراد سوريا في حلب
تُعتبر أحياء الأشرفية والشيخ مقصود، المعقل التاريخي للأكراد الذين سكنوا في حلب منذ ما قبل تشكيل الدولة السورية، إضافة الى انتشارهم في أحياء الميدان، السريان، والصاخور. لذلك، فإن القضية لا تتوقف، وفقاً للصيدلاني بسام حنان (49 عاماً) في حديثه مع “درج”، على أحياء محددة، “صحيح أن الغالبية العظمى من الكرد يسكنون في حييّ الشيخ مقصود والأشرفية، وهما تحت حماية وسيطرة قوات الحماية الشعبية، لكن ماذا بالنسبة الى باقي الكرد في الأحياء الأخرى، ومصالحهم الاقتصادية والتجارية في أسواق ومحلات حلب”، مضيفاً: “صيدليتي تقع في حيّ الفرقان، لو لم تتفق الأطراف لن أتمكن أو غيري من العمل خارج هذين الحيين، والمواجهة مع الفصائل هو خيار الانتحار، لذلك أفضل الحلول هو الاتفاق على إدارة المدينة”.
وبدا واضحاً نية “قسد” استغلال انسحاب النظام السوري من مواقعه للدخول إليها والسيطرة عليها، كسيطرتها على مطار حلب الدولي لبضع ساعات. ووفق معلومات من مصادر موثقة، فإن شخصيات كردية سياسية تواصلت مع وسيط دولي والفصائل العسكرية في حلب، للتريث إلى حين إخراج قسد من الأماكن التي دخلت إليها. وبالفعل نجحت الوساطة وأُخرجت قسد من المطار.
وتعقيباً على ما دار في حلب، قال الدكتور عبد الحكيم بشار، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا ونائب رئيس الائتلاف السوري المعارض في حديثه مع “درج”: “الأخطاء والسلبيات التي ارتكبتها قسد في حلب وبخاصة سيطرتها على مناطق خرج منها قوات النظام السوري، كانت ستقود لعواقب كارثية وخيمة على الكرد”.
وخلال الأيام الماضية، أشيع عن إعلان اتفاق بين هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشر (أبو محمد الجولاني سابقاً)، وقوات الحماية الشعبية، تضمن خروجهم مع سلاحهم وتخيير المدنيين سواء من عمل مع الإدارة الذاتية أو من لم يشتغل معهم، بحرية الاختيار ما بين البقاء أو الخروج معهم”.
ووفقاً لبسام حنان، “لم يتغير أيّ شيء، ولم تخرج القوات، علماً أن عددهم قليل وتسليحهم خفيف، ولا يمكنهم من المقاومة أو الصمود، لكن بقاءهم في الأحياء يثير الكثير من الأسئلة والاستفهامات”. وحول حقيقة الانسحاب أو البقاء، تواصلنا مع صحافي كردي موجود بالقرب من مناطق سيطرة قوات الحماية الشعبية، فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية،
يقول حنان: “لن تخرج القوات الكردية، وأساساً لا يمكنهم المواجهة، يوجد اتفاق على بقائهم مقابل عدم تدخلهم في شؤون المدينة والأحياء الكردية التي ستخضع لقرارات مجلس محافظة حلب وبلدياتها ومديرية التربية فيها، وبقاؤهم هو فقط لحفظ الأمن والنظام المفروض عليهم من مسؤولي المحافظة. المؤسف أنهم لم يتخلوا عن سياساتهم في التعاون والاتفاق مع الجميع، مع الكل المتناقض، فأي أتفاق مع النظام في أي مكان آخر سيعرضنا للخطر المحتم”.
وحول مصير الطلاب الذين وثقوا بالعملية التعليمية للإدارة الذاتية، قال الصحافي: ” هذه واحدة من المشاكل العميقة التي ستواجه الكرد، بمجرد ربط التعليم بمستويات السيطرة العسكرية، فهذا يعني ألا مستقبل للطلبة في هذه البلاد، مع تغير الجهة العسكرية، وحتى على مستوى التعليم السوري سواء في المدارس أو جامعة حلب، لو لم ننخرط مع المعارضة في حلب، كيف سيواصل الطلبة الكرد تعليمهم؟”.
ووفقاً للصحافي، فإن الأهالي قرروا البقاء في الأحياء في حلب، حيث التاريخ والمشاركة في بناء البلد، “لذلك فضلوا البقاء في بيوتهم بخاصة بعد التطمينات والضمانات المقدمة من الجولاني والمعارضة وأطراف إقليمية بعدم المساس بالكرد. وقالوا حرفياً، نتعامل مع من يدخل ويخرج من هذه الأحياء على أنهم من القومية الكردية، وهو ما دفع بالاتحاد الديمقراطي الى إصدار قرار بعدم الخروج؛ لاقتناعهم بعدم خروج أيّ مدني معهم”، مُضيفاً: “ما أخشاه أن تُلقي سيطرة قسد على دير الزور بظلالها على الكرد في حلب”.
تل رفعت والشهباء تسليمٌ بهدوء واتهام للنظام
شنت فصائل “الجيش الوطني السوري” عملية عسكرية أطلقت عليها “فجر الحرية” بالتوازي مع عملية “ردع العدوان”، استهدفت خلالها مناطق سيطرة “وحدات حماية الشعب” في تل رفعت والشهباء.
وصرح مصدران وأحد السكان الباقين فيها: “بأن وحدات حماية الشعب انسحبت من الشهباء وتل رفعت بموجب اتفاق مع الفصائل، نص على الخروج بسلاحهم مقابل تسليم البلدة من دون مواجهة، بخاصة بعد انسحاب النظام السوري من بلدتي نبل والزهراء، واللتين كانتا تشكلان شريان الإمداد لقسد، وخرج قسم من الكوادر العسكرية الرفيعة المستوى بين المدنيين وبالزيّ المدني ومن دون سلاح”.
يضيف بكر علو، رئيس مجلس مقاطعة عفرين والشهباء التابعة للإدارة الذاتية، عبر اتصال هاتفي لـ”درج”، “إنهم قبلوا الانسحاب والخروج لحماية الأهالي من المجازر وحقناً للدماء”، في حين أكد الصحافي أن الانسحاب جاء “بعد معرفة قيادات قسد باستحالة المواجهة والصمود في وجه فصائل المعارضة، وجاء انسحاب القوات السورية من نبل والزهراء انتقاماً ورداً على رفض قسد استلام معركة حلب؛ لمعرفتها مسبقاً باستحالة الانتصار في هذه المعركة”.
وتضم منطقة الشهباء أربع بلدات، هي (تل رفعت، فافين، أحداث، أحرص) ، وتتألف من خمسة مخيمات هي (سردم، العودة، عفرين، برخدان والشهباء) أنشأتها الإدارة الذاتية، بعد معركة سيطرة الفصائل السورية المعارضة على عفرين منذ عام 2018، فلجأ قرابة 200 ألف نازح الى مناطق ومخيمات الشهباء وفقاً للإدارة الذاتية ، فضّلوا في غالبيتهم العودة الى عفرين.
دير الزور نقاط مواجهة مغايرة
هذا التطور في المناطق الداخلية لسوريا من حلب إلى حماة وصولاً الى حمص والسيطرة على العاصمة دمشق، فرض أوضاعاً أمنية استثنائية من غرب سوريا وصولاً الى البادية، مع وجود مخاطر جدية تتعلق بتحرك خلايا داعش، إضافة الى احتمالية توجه فصائل المعارضة السورية وقوات الجولاني صوب البادية وغرب الفرات في دير الزور، وهو ما سيعجّل من المواجهة بين قسد وعملية “ردع العدوان”.
شنت قسد عملية عسكرية محدودة لبسط سيطرتها على سبع قرى كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية، وهي “الصالحية، طابية، حطلة، خشام، مرّأط، مظلوم، الحسينية”، وهي قرى بريف دير الزور الشرقي، وتقع إلى الغرب من مواقع سيطرة قسد وقوى التحالف.
قائد عسكري ميداني في قسد من دير الزور قال لــ”درج”: “كانت عملية محدودة، وحملت اسم معركة العودة، والهدف منها عودة النازحين من تلك القرى إلى بيوتهم التي هجروا منها منذ 2017، وهذا التقدم جاء بتغطية من طيران التحالف”.
لكن المستجدات التي غيرت المعادلات مُجدداً كانت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على دير الزور والميادين والبوكمال خلال لحظات، بعد انسحاب قوات النظام السوري وتسليمها للاتحاد الديمقراطي. وفي هذا الصدد، أضاف عبدالحكيم بشار حول ملابسات السيطرة السريعة لقسد على دير الزور والبوكمال والميادين، ” إنها عملية استلام وتسليم، وتمت بإيعاز مباشر من إيران. صحيح أن قسد تتعاون مع أميركا في محاربة داعش، لكن قرارها مرتبط بإيران وقنديل، ومن الصعب إعلان فصل العلاقة مع العمال الكردستاني أو إيران، على عكس ما فعله الجولاني وإعلانه فصل العلاقة مع القاعدة”.
منبج في مرمى نيران المعارضة
وأعلنت فصائل المعارضة السورية يوم السبت 7-12-2024، بدء عملية عسكرية شاملة بهدف السيطرة على منبج التي تعتبر آخر مناطق نفوذ قسد في غرب نهر الفرات. وأكد الناشط علاء الدين إبراهيم من أهالي منبج، “سيطرة الجيش الوطني السوري على 85 في المئة من المدينة، بخاصة بعد شن هجمات من المحور الشمالي والغربي”.
يضيف علاء الدين ابراهيم: “غالبية الأهالي نهضوا وانتفضوا ضد قسد وسيطرتها على المنطقة، وحاول الكثير منهم تحرير السجناء من معتقلاتهم، وتم اعتقال قرابة 8 عناصر لقوى الأمن الداخلي الأسايش”.
ويكمن جوهر الصراع على منبج في سببين، الأول: رفض تركيا وجود عناصر موالية للعمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، والثاني كون منبج بوابة عبور غرب سوريا نحو شرقها، ومركزاً اقتصادياً حيوياً على الطريق الدولي “إم 4″، بالإضافة الى الأهمية الحيوية والاستراتيجية لسد تشرين، أكبر السدود السورية.
مأزق قسد الجديد
وخلال الساعات الماضية، وبعد تأكيد هروب بشار الأسد عبر طائرة خاصة مع عائلته وتقديمهم للجوء الإنساني في روسيا، شعرت قسد بحراجة الموقف، خاصة سيطرتها على دير الزور ورفض الأهالي لوجودهم، واحتمالية توجيه الجولاني والمعارضة بوصلة المعارك صوبهم.
من جهته قال الناشط المدني أمين عبدالله من دير الزور (49 عاماً): “اشتباكات عنيفة شهدتها بلدة البوكمال بين عشيرة البوسراي وقوات قسد، عملت على تهدئة الجبهة حالياً، بعد خبر هروب بشار الأسد، وسط ترقب وخوف بين صفوف الطرفين”.
يضيف أمين عبد الله أن قسد تعاني من مشكلة كبيرة، وهي “تحكم قيادات العمال الكردستاني الأتراك والإيرانيين بقرار السلم والحرب، وهو أقوى من جناح مظلوم عبدي الذي يدعمه أكراد سوريا ضمن قسد”. ويرى أن اتفاق الاستلام والتسليم كان رداً على “اتفاق جناح مظلوم عبدي مع قوات الجولاني في الأحياء الكردية في حلب، ومع المعارضة السورية في تل رفعت والشهباء”.
كما نشر الصحافي والأديب الكردي السوري هوشنك أوسي عبر صفحته على فيسبوك: “العمال الكردستاني سيجر كرد سوريا إلى الويلات والكوارث، ما لم يعلن مظلوم عبدي قطع العلاقة نهائياً مع الحزب الكردستاني التركي”.
في حين اختتم حكيم بشار حديثه لـ”درج” قائلاً: “دخول قسد تلك المناطق يعرض الكرد للخطر، كان يمكن أن تكون لقسد مكانة بعد مرحلة انهيار النظام، لكنها تصر على وضع الكرد في مواجهة مع المعارضة، علماً أن المكان والخيار الأفضل للكرد هما الوقوف مع السوريين في معارضة النظام”.
لحظات سقوط النظام في القامشلي
أكد ناشطون مدنيون من القامشلي لــ”درج” عبر الهاتف: “سيطرة قوات الأمن الداخلي والقوى الأمنية التابعة للإدارة الذاتية، وقوات الشبيبة الثورية على المباني والمقار الحكومية والأمنية، ومنع المواطنين من الدخول إليها، فيما حطّم المواطنون صور وتماثيل حافظ الأسد وابنه بشار، ومزقوا العلم السوري وعلم حزب البعث”.
وأكدت إيتان ديركي، وهي مقاتلة ضمن صفوف قوات الأسايش، “أنهم سيحمون هذه المقرات، وسيسعون الى منع الفوضى أو النهب، إلى حين معرفة مصير البلاد وكيفية إدارتها”. في حين أشار لافا علي (19 عاماً)، طالبة جامعية، الى “كمية الرصاص المطلق في الهواء مستفز، الفوضى في كل مكان، عرقلة للسير، وغياب شرطة المرور، الكل يطلق النار، شجارات ومسبات وحوادث سير خفيفة، الناس تريد الاحتفال، لكن الغريب أن قوى الأمن الداخلي، وعوضاً عن فرض الانضباط، هي من كانت تطلق الرصاص الحيّ في الهواء، فرحاً بسقوط النظام”.
حاولنا كثيراً الحصول على رد وتصريح من قيادات قسد والاتحاد الديمقراطي، لكن من دون جدوى.
إقرأوا أيضاً: