fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

أكراد سوريا: هواجس دمشق ورسالة أوجلان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بين مؤتمر الحوار الوطني و رسالة أوجلان الأخيرة، أسئلة وانتقادات ومخاوف تشغل كرد سوريا ومستقبل علاقتهم مع الإدارة الجديدة في دمشق

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعث رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يوم 27 شباط/ فبراير 2025 من معتقله في جزيرة إيمرالي التركية رسالة “الدعوة من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” عبر وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.

ركز أوجلان في الرسالة على أهمية الحوار والتواصل والسلام بين الكرد وتركيا ، ودعا فيها إلى نزع السلاح قائلاً إنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، مختتماً: “يجب على كل المجموعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يفسخ نفسه”.

تركت رسالة أوجلان صدى واضحاً بين كرد سوريا، حيث الوجود الفعلي لحزب العمال الكردستاني سواء ضمن قوات قسد، أو تحت سيطرة الإدارة الذاتية، إذ قال مظلوم عبدي قائد “قسد” إن “دعوة أوجلان لا تتعلق بالوضع السوري، بل تقتصر على حزب العمال الكردستاني فقط، وإذا تحقق السلام في تركيا فلا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.

 وأضاف: “أوجلان أرسل لنا رسالة قبل إصدار إعلانه تؤكد خيار السلام، وأن دعوة أوجلان إيجابية لإنهاء ذرائع تركيا لمهاجمتنا”. 

رحب المجلس الوطني الكردي، وهو جسم سياسي مؤلف من 17 حزباً سياسياً وممثلين عن تنظيمات شبابية ونسائية ومستقلين، بالنداء عبر بيان جاء فيه أن “نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة ، إذ تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكُردية في تركيا، داعياً تركيا للتعاطي الإيجابي مع النداء، وإطلاق حوار جاد يساهم في إيجاد حل عادل للقضية الكردية وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية”. 

يقول الناشط أمين أمين لموقع “درج”: “أكراد سوريا لا علاقة لهم بهذا النداء، وإن واقعهم لن يتغير ما لم يتوصل الشرع ومظلوم عبدي الى اتفاق شامل، وما لم يُعقد اتفاق بين الأطراف الكردية”، ويرى أن “حل الحزب ووضع السلاح جانباً، سيكون مشروطاً بوجود خطوات جدية من الجانب التركي كضمان للمستقبل السياسي لكرد تركيا، حينها ينحصر قرار كرد سوريا بيدهم فقط، وستنعكس النتائج عليهم، أما في حال بقاء الوضع كما هو فلن تتغير المعادلة”.

في حديثه مع “درج”، يقول الصحافي سلام حسن: “كان يمكن للخطاب أن يؤثر على الواقع الكردي السوري لو أُصدر في فترات زمنية سابقة. كما أن “قسد” نأت بنفسها عن الخطاب، لذلك لا تأثير كبير له رغم أنه تاريخي ومفصلي، لكن الكرد في سوريا يتحضرون للاستقلال عن أي تأثيرات خارجية أو سيطرة العمال الكردستاني، وكانت هذه خطة عمل مشتركة بين ممثلي الإدارة الأميركية والفرنسية والمجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية، لذلك فإن نتائج هذا الخطاب ستكون ضعيفة على مستوى الداخل الكردي السوري بسبب تأخره عن السياق السوري”.

مؤتمر الحوار الوطني: هاجس جديد للكرد

لا تقتصر مخاوف بعض الكرد في سوريا على هجمات ومعارك جديدة بين قسد وتركيا، أو فشل وساطة أوجلان للسلام، فهم يقولون إنها حلقة ضمن سلسلة حلقات أخرى تلعب دوراً محورياً في مستقبلهم ضمن سوريا ككل وكقضية قومية خاصة. إذ ركز الناشطون والسياسيون الكرد على انعقاد  مؤتمر الحوار السوري يومي 24-25 شباط/ فبراير 2025. 

وعلى رغم التأييد الكردي لمؤتمر الحوار لكن فئة كبيرة منهم، قاموا بمقاطعته، في ظل آراء سياسية وشعبية واضحة تحمل مخاوف ومطالب في آن، فهي من جهة ترى ألا سبيل للحل في سوريا من دون حوار بين الأطراف السياسية والمكونات من جهة، ومن جهة ثانية تقول النخب السياسية الكردية إنه بدون وضع حل جذري للقضية الكردية في سوريا لن تشهد سوريا استقراراً وتنمية مستدامة. 

في حديثه لـ “درج” قال نافع عبد الله، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا،  النظام مارس على مدار الحكومات المتعاقبة أبشع أنواع الاضطهاد بحق الشعب الكردي، ويضيف “طبق  النظام السوري سياسات وممارسات عنصرية كالإحصاء الاستثنائي عام 1962، الذي تم بموجبه تجريد أكثر من ثلاث مئة ألف كردي من الجنسية السورية  وخطة الحزام العربي عام 1973 حيث جُلب سوريين عرب من محافظتي حلب والرقة وتم الاستيلاء على آلاف الهكتارات  وتوزيعها عليهم، كما أصدرت حكومة الأسد المرسوم رقم 49 الذي حرم على الكورد الاستملاك وبناء أي عقار إلا بموافقة خمس أجهزة أمنية”.

 مضيفاً “كان يتم  بشكل ممنهج استبعاد الكورد من أماكن صنع القرار السياسي  وتم تهميشهم واقصائهم من كافة مؤسسات الدولة  بشكل متعمد واتهامهم دوما بجهات خارجية” ووفقاً لعبد الله فإن تلك السياسات والإجراءات تسببت بخلق هواجس الخوف والفوبيا لدى الشعب الكوردي من  الحكومات المتعاقبة كون لديهم تجارب عدة لا فقط تجربة واحدة”.

 ووفقاً لعبد الله فإن الوضع في سوريا لا يمكن له أن يستقر “بمعزل عن إيجاد حل للقضية الكوردية في سوريا ، والسبب هو وجود شعب تم تقسيم  وطنه بين أربعة دول ، إثر اتفاقية سايكس بيكو وأصبحنا بعد رسم الحدود شركاء مع الأخوة العرب في سوريا وكونهم أغلبية عددية استأثروا بالسلطة وبكافة مقدرات البلاد وحرم على الكرد حتى التكلم بلغتهم، ولا أعتقد أن يستقر الوضع في سوريا حتى يتم الاعتراف بالهوية القومية للشعب الكوردي كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وضمان ذلك  دستوريا ورفع المظالم وإلغاء سياسات النظام البائد” 

يضيف عبد الله:”التهديدات الأمنية على سوريا عامة وكلية وشاملة لكامل الجغرافية السورية، والكورد أصبحوا جزء خاضع لتلك التهديدات التي تستهدف مصيرهم ومستقبلهم في مناطقهم التاريخية مثل عفرين وكوباني والحسكة، ومصدر تلك التهديدات سواء الإقليمية أو حالياً خطاب الكراهية ومحاولات إقصاء وتهميشهم من المشهد السياسي والدستوري لا تزال قائمة”.

يختم نافع عبد الله:”لا مؤشرات على حملات ومعارك عسكرية أو مواجهات عسكرية، لكن عدم اتفاق الكورد فيما بينهم، وعدم الاتفاق مع دمشق يخلق تهديداً جدياً على مناطقنا التاريخية”

من جهته أضاف الناشط السياسي أمين أمين إن: “الكورد يخشون من وجود سياسات حكومية في دمشق لا تغير من الواقع الكوردي، خاصة تفضيل حكومة  دمشق علاقتها مع تركيا على مصلحة الشعب الكوردي، أو عدم حل قضية الأراضي الكوردية التي صادرها النظام السوري ومنحها للعرب الوافدين من الرقة والمعروفين باسم المغمورين، نسبة لغمر نهر الفرات لمنازلهم في الرقة، واستغلال تركيا لتواجد العمال الكوردستاني في سوريا، وشن عملية عسكرية جديدة على مناطقنا” .

يضيف أمين: “عقدت حكومة تصريف الاعمال مؤتمراً قالت عنه إنه للحوار السوري، لكن بطريقة غريبة من حيث سرعة انجاز اللقاءات الحوارية، إلى سرعة تحديد الموعد وجدول العمل الغريب، حيث تم مناقشة مصير سوريا خلال يوم واحد فقط، وسبقه نصف يوم لتناول العشاء والتعارف” .

يختتم أمين حديثه: “تسعى السلطة الحالية لمعالجة القضايا خلال يوم واحد، والأكثر غرابة أن الكورد أنفسهم وجدوا أن لا وجود لهم في هذا المؤتمر، خاصة مع تصريحات من قيادات في الحكومة السورية واللجنة التحضيرية حول عدم وجود خصوصيات سياسية أو قومية في الحكومة القادمة، وما نخشاه أن تواصل الحكومة المقبلة السياسات السابقة التي طبقت تجاه الكورد ما سيزيد من عمق التوترات، وصعوبات في بناء هوية وطنية مستقلة وآمنة”.

الصحفي سلام حسن يذهب في اتجاه آخر لتفسير  طبيعة العلاقة بين دمشق والكورد في مستقبل البلاد قائلاً إن “العلاقة بين الطرفين ستكون تشاركية وتفاعل، فالكرد في سوريا الجديدة هم جزء من دمشق  عضويا، والعلاقة سوف تكون بينية داخلية وليس كما كانت علاقة تصادم أو انفصام وهذا طبعا يعني على اي حكومة جديدة ان تكون حكومة تمثل كل السوريين وهذا ما سوف نجده متبلورا ربما بعد ارساء الاستقرار وحدوث عمليات انتخابية نزيهة وحرة”.

ويضيف :”لا نستطيع ان نقول العلاقة مأزومة فقط بين الكرد والمركز، هناك علاقات مأزومة منذ عقود بين حكومات المركز وكل القوى والأحزاب السياسية في سورية بما فيها القوى والأحزاب السياسية الكردية، وازالة هذا الارث ربما يتطلب بعض الوقت وبناء أسس الثقة وايضا ايجاد وخلق آليات”.

 من الجانب القانوني فإن الكثير من المخاوف والمطالب الكوردية تتكرر دوماً، حيث يقول المحامي جكر سلو لموقع “درج”: “نخشى الرجوع الى نقطة الصفر وتكرار  إقصاء وتهميش الكرد كما فعل النظام البائد وهو ما نراه الآن من خلال عقد مؤتمر الحوار الوطني وذلك وفق قالب على مقاسهم، ولا يجوز إعادة السياسات السابقة من خلال إقرار قرارات بعيدة عن المنطق وتتعارض مع واقع التعددية التي تتشكل منها سوريا”.

 ويذكر سلو أن واحدة من الممارسات “التمييزية” و”التعسف القانوني” تتضح في قرار نقابة المحامين بدمشق بتعيين أعضاء مجلس نقابة الحسكة في ظل حل الدستور والقوانين الاستثنائية، يقول سلو” تم التعيين دون الرجوع الى مبادئ ومعايير دولية وقانونية، فهُمش الكرد فيها”.

رفض كوردي رسمي لآليات المؤتمر الوطني

أصدر المجلس الوطني الكوردي، بياناً يؤيد فيه الحوار ورافضاً سياسة إقصاء المكونات والتنظيمات السياسية والقومية، وجاء في البيان إنهم يدعمون أي “جهد يسهم في الوصول إلى انتقال سياسي شامل ينهي معاناة السوريين، ويؤسس لدولة ديمقراطية لامركزية، متعددة القوميات والأديان والثقافات” كما انتقد البيان الاستعجال في عقد مؤتمر الحوار الوطني والإعلان عنه قبل يوم واحد واقصائهم “في الاعداد والتحضير” ما يعد “انتهاكاً لمبدأ  وحق الشراكة الوطنية للشعب الكردي”

من جهتها أصدرت الإدارة الذاتية بياناً وصفت فيه المؤتمر بــــ”المخيب للآمال” وأن اللجنة التي “شُكِّلَت للتحضير للمؤتمر لا تمثِّلُ مكونات الشعبِ السوري… وإن المؤتمر لا يمثِّلُ الشعب السوري، ونحنُ، كجزءٍ من سوريا، ولم يتمَّ تمثيلُنا، نتحفَّظُ على هذا المؤتمر شكلًا ومضمونًا، ولن نكونَ جزءًا من تطبيقِ مُخرجاتِه”.

لا تزال هواجس الهويّة ونظام الحكم وشكل الدولة، إضافة لطبيعة العلاقة بين الدولة والدين، وقضية الحريات الفردية والعامة، وحقوق المرأة، والشراكة في السلطة والثروة، تشكل أبرز الهواجس والعوائق أمام شعور الانتماء الكردي لسورية الجديدة، فعقود التهميش  المظلومية التاريخية تخيم بظلالها على العقل السياسي الكوردي.

01.03.2025
زمن القراءة: 7 minutes

بين مؤتمر الحوار الوطني و رسالة أوجلان الأخيرة، أسئلة وانتقادات ومخاوف تشغل كرد سوريا ومستقبل علاقتهم مع الإدارة الجديدة في دمشق

بعث رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يوم 27 شباط/ فبراير 2025 من معتقله في جزيرة إيمرالي التركية رسالة “الدعوة من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” عبر وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.

ركز أوجلان في الرسالة على أهمية الحوار والتواصل والسلام بين الكرد وتركيا ، ودعا فيها إلى نزع السلاح قائلاً إنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، مختتماً: “يجب على كل المجموعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يفسخ نفسه”.

تركت رسالة أوجلان صدى واضحاً بين كرد سوريا، حيث الوجود الفعلي لحزب العمال الكردستاني سواء ضمن قوات قسد، أو تحت سيطرة الإدارة الذاتية، إذ قال مظلوم عبدي قائد “قسد” إن “دعوة أوجلان لا تتعلق بالوضع السوري، بل تقتصر على حزب العمال الكردستاني فقط، وإذا تحقق السلام في تركيا فلا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.

 وأضاف: “أوجلان أرسل لنا رسالة قبل إصدار إعلانه تؤكد خيار السلام، وأن دعوة أوجلان إيجابية لإنهاء ذرائع تركيا لمهاجمتنا”. 

رحب المجلس الوطني الكردي، وهو جسم سياسي مؤلف من 17 حزباً سياسياً وممثلين عن تنظيمات شبابية ونسائية ومستقلين، بالنداء عبر بيان جاء فيه أن “نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة ، إذ تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكُردية في تركيا، داعياً تركيا للتعاطي الإيجابي مع النداء، وإطلاق حوار جاد يساهم في إيجاد حل عادل للقضية الكردية وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية”. 

يقول الناشط أمين أمين لموقع “درج”: “أكراد سوريا لا علاقة لهم بهذا النداء، وإن واقعهم لن يتغير ما لم يتوصل الشرع ومظلوم عبدي الى اتفاق شامل، وما لم يُعقد اتفاق بين الأطراف الكردية”، ويرى أن “حل الحزب ووضع السلاح جانباً، سيكون مشروطاً بوجود خطوات جدية من الجانب التركي كضمان للمستقبل السياسي لكرد تركيا، حينها ينحصر قرار كرد سوريا بيدهم فقط، وستنعكس النتائج عليهم، أما في حال بقاء الوضع كما هو فلن تتغير المعادلة”.

في حديثه مع “درج”، يقول الصحافي سلام حسن: “كان يمكن للخطاب أن يؤثر على الواقع الكردي السوري لو أُصدر في فترات زمنية سابقة. كما أن “قسد” نأت بنفسها عن الخطاب، لذلك لا تأثير كبير له رغم أنه تاريخي ومفصلي، لكن الكرد في سوريا يتحضرون للاستقلال عن أي تأثيرات خارجية أو سيطرة العمال الكردستاني، وكانت هذه خطة عمل مشتركة بين ممثلي الإدارة الأميركية والفرنسية والمجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية، لذلك فإن نتائج هذا الخطاب ستكون ضعيفة على مستوى الداخل الكردي السوري بسبب تأخره عن السياق السوري”.

مؤتمر الحوار الوطني: هاجس جديد للكرد

لا تقتصر مخاوف بعض الكرد في سوريا على هجمات ومعارك جديدة بين قسد وتركيا، أو فشل وساطة أوجلان للسلام، فهم يقولون إنها حلقة ضمن سلسلة حلقات أخرى تلعب دوراً محورياً في مستقبلهم ضمن سوريا ككل وكقضية قومية خاصة. إذ ركز الناشطون والسياسيون الكرد على انعقاد  مؤتمر الحوار السوري يومي 24-25 شباط/ فبراير 2025. 

وعلى رغم التأييد الكردي لمؤتمر الحوار لكن فئة كبيرة منهم، قاموا بمقاطعته، في ظل آراء سياسية وشعبية واضحة تحمل مخاوف ومطالب في آن، فهي من جهة ترى ألا سبيل للحل في سوريا من دون حوار بين الأطراف السياسية والمكونات من جهة، ومن جهة ثانية تقول النخب السياسية الكردية إنه بدون وضع حل جذري للقضية الكردية في سوريا لن تشهد سوريا استقراراً وتنمية مستدامة. 

في حديثه لـ “درج” قال نافع عبد الله، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا،  النظام مارس على مدار الحكومات المتعاقبة أبشع أنواع الاضطهاد بحق الشعب الكردي، ويضيف “طبق  النظام السوري سياسات وممارسات عنصرية كالإحصاء الاستثنائي عام 1962، الذي تم بموجبه تجريد أكثر من ثلاث مئة ألف كردي من الجنسية السورية  وخطة الحزام العربي عام 1973 حيث جُلب سوريين عرب من محافظتي حلب والرقة وتم الاستيلاء على آلاف الهكتارات  وتوزيعها عليهم، كما أصدرت حكومة الأسد المرسوم رقم 49 الذي حرم على الكورد الاستملاك وبناء أي عقار إلا بموافقة خمس أجهزة أمنية”.

 مضيفاً “كان يتم  بشكل ممنهج استبعاد الكورد من أماكن صنع القرار السياسي  وتم تهميشهم واقصائهم من كافة مؤسسات الدولة  بشكل متعمد واتهامهم دوما بجهات خارجية” ووفقاً لعبد الله فإن تلك السياسات والإجراءات تسببت بخلق هواجس الخوف والفوبيا لدى الشعب الكوردي من  الحكومات المتعاقبة كون لديهم تجارب عدة لا فقط تجربة واحدة”.

 ووفقاً لعبد الله فإن الوضع في سوريا لا يمكن له أن يستقر “بمعزل عن إيجاد حل للقضية الكوردية في سوريا ، والسبب هو وجود شعب تم تقسيم  وطنه بين أربعة دول ، إثر اتفاقية سايكس بيكو وأصبحنا بعد رسم الحدود شركاء مع الأخوة العرب في سوريا وكونهم أغلبية عددية استأثروا بالسلطة وبكافة مقدرات البلاد وحرم على الكرد حتى التكلم بلغتهم، ولا أعتقد أن يستقر الوضع في سوريا حتى يتم الاعتراف بالهوية القومية للشعب الكوردي كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وضمان ذلك  دستوريا ورفع المظالم وإلغاء سياسات النظام البائد” 

يضيف عبد الله:”التهديدات الأمنية على سوريا عامة وكلية وشاملة لكامل الجغرافية السورية، والكورد أصبحوا جزء خاضع لتلك التهديدات التي تستهدف مصيرهم ومستقبلهم في مناطقهم التاريخية مثل عفرين وكوباني والحسكة، ومصدر تلك التهديدات سواء الإقليمية أو حالياً خطاب الكراهية ومحاولات إقصاء وتهميشهم من المشهد السياسي والدستوري لا تزال قائمة”.

يختم نافع عبد الله:”لا مؤشرات على حملات ومعارك عسكرية أو مواجهات عسكرية، لكن عدم اتفاق الكورد فيما بينهم، وعدم الاتفاق مع دمشق يخلق تهديداً جدياً على مناطقنا التاريخية”

من جهته أضاف الناشط السياسي أمين أمين إن: “الكورد يخشون من وجود سياسات حكومية في دمشق لا تغير من الواقع الكوردي، خاصة تفضيل حكومة  دمشق علاقتها مع تركيا على مصلحة الشعب الكوردي، أو عدم حل قضية الأراضي الكوردية التي صادرها النظام السوري ومنحها للعرب الوافدين من الرقة والمعروفين باسم المغمورين، نسبة لغمر نهر الفرات لمنازلهم في الرقة، واستغلال تركيا لتواجد العمال الكوردستاني في سوريا، وشن عملية عسكرية جديدة على مناطقنا” .

يضيف أمين: “عقدت حكومة تصريف الاعمال مؤتمراً قالت عنه إنه للحوار السوري، لكن بطريقة غريبة من حيث سرعة انجاز اللقاءات الحوارية، إلى سرعة تحديد الموعد وجدول العمل الغريب، حيث تم مناقشة مصير سوريا خلال يوم واحد فقط، وسبقه نصف يوم لتناول العشاء والتعارف” .

يختتم أمين حديثه: “تسعى السلطة الحالية لمعالجة القضايا خلال يوم واحد، والأكثر غرابة أن الكورد أنفسهم وجدوا أن لا وجود لهم في هذا المؤتمر، خاصة مع تصريحات من قيادات في الحكومة السورية واللجنة التحضيرية حول عدم وجود خصوصيات سياسية أو قومية في الحكومة القادمة، وما نخشاه أن تواصل الحكومة المقبلة السياسات السابقة التي طبقت تجاه الكورد ما سيزيد من عمق التوترات، وصعوبات في بناء هوية وطنية مستقلة وآمنة”.

الصحفي سلام حسن يذهب في اتجاه آخر لتفسير  طبيعة العلاقة بين دمشق والكورد في مستقبل البلاد قائلاً إن “العلاقة بين الطرفين ستكون تشاركية وتفاعل، فالكرد في سوريا الجديدة هم جزء من دمشق  عضويا، والعلاقة سوف تكون بينية داخلية وليس كما كانت علاقة تصادم أو انفصام وهذا طبعا يعني على اي حكومة جديدة ان تكون حكومة تمثل كل السوريين وهذا ما سوف نجده متبلورا ربما بعد ارساء الاستقرار وحدوث عمليات انتخابية نزيهة وحرة”.

ويضيف :”لا نستطيع ان نقول العلاقة مأزومة فقط بين الكرد والمركز، هناك علاقات مأزومة منذ عقود بين حكومات المركز وكل القوى والأحزاب السياسية في سورية بما فيها القوى والأحزاب السياسية الكردية، وازالة هذا الارث ربما يتطلب بعض الوقت وبناء أسس الثقة وايضا ايجاد وخلق آليات”.

 من الجانب القانوني فإن الكثير من المخاوف والمطالب الكوردية تتكرر دوماً، حيث يقول المحامي جكر سلو لموقع “درج”: “نخشى الرجوع الى نقطة الصفر وتكرار  إقصاء وتهميش الكرد كما فعل النظام البائد وهو ما نراه الآن من خلال عقد مؤتمر الحوار الوطني وذلك وفق قالب على مقاسهم، ولا يجوز إعادة السياسات السابقة من خلال إقرار قرارات بعيدة عن المنطق وتتعارض مع واقع التعددية التي تتشكل منها سوريا”.

 ويذكر سلو أن واحدة من الممارسات “التمييزية” و”التعسف القانوني” تتضح في قرار نقابة المحامين بدمشق بتعيين أعضاء مجلس نقابة الحسكة في ظل حل الدستور والقوانين الاستثنائية، يقول سلو” تم التعيين دون الرجوع الى مبادئ ومعايير دولية وقانونية، فهُمش الكرد فيها”.

رفض كوردي رسمي لآليات المؤتمر الوطني

أصدر المجلس الوطني الكوردي، بياناً يؤيد فيه الحوار ورافضاً سياسة إقصاء المكونات والتنظيمات السياسية والقومية، وجاء في البيان إنهم يدعمون أي “جهد يسهم في الوصول إلى انتقال سياسي شامل ينهي معاناة السوريين، ويؤسس لدولة ديمقراطية لامركزية، متعددة القوميات والأديان والثقافات” كما انتقد البيان الاستعجال في عقد مؤتمر الحوار الوطني والإعلان عنه قبل يوم واحد واقصائهم “في الاعداد والتحضير” ما يعد “انتهاكاً لمبدأ  وحق الشراكة الوطنية للشعب الكردي”

من جهتها أصدرت الإدارة الذاتية بياناً وصفت فيه المؤتمر بــــ”المخيب للآمال” وأن اللجنة التي “شُكِّلَت للتحضير للمؤتمر لا تمثِّلُ مكونات الشعبِ السوري… وإن المؤتمر لا يمثِّلُ الشعب السوري، ونحنُ، كجزءٍ من سوريا، ولم يتمَّ تمثيلُنا، نتحفَّظُ على هذا المؤتمر شكلًا ومضمونًا، ولن نكونَ جزءًا من تطبيقِ مُخرجاتِه”.

لا تزال هواجس الهويّة ونظام الحكم وشكل الدولة، إضافة لطبيعة العلاقة بين الدولة والدين، وقضية الحريات الفردية والعامة، وحقوق المرأة، والشراكة في السلطة والثروة، تشكل أبرز الهواجس والعوائق أمام شعور الانتماء الكردي لسورية الجديدة، فعقود التهميش  المظلومية التاريخية تخيم بظلالها على العقل السياسي الكوردي.

01.03.2025
زمن القراءة: 7 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية