fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

 أكراد سوريا يتشبّثون بهويّتهم بعد سقوط الأسد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد إطاحة نظام الأبد الأسدي، عادت قضايا مصيرية عدة متعلّقة بمستقبل سوريا إلى الواجهة مجدداً، من بينها قضية الهويّة الجامعة لسوريا التي بدأت تتفاعل مجدداً، بخاصة وأن سوريا تاريخياً لم تكن مقتصرة على قومية أو ديانة محددة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحدث هذا، في ظل مخاوف المكوّنات والقوميات الموجودة، من حرب سياسية ودستورية تنتظرهم، علاوة على تمسّك الكرد بمفاهيم العيش المشترك والديمقراطية والعدالة، ما يجعل رفض النظام المركزي، واستحالة عودة البلاد إلى سابق عهدها واستمرار سيناريو الإقصاء عن دوائر صنع القرار، أموراً ثابتة لديهم. 

وحول حجم المخاوف والهواجس الكردية، قال نافع عبدالله عضو اللجنة المركزية لـ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في سوريا: “وقف الشعب الكردي منذ اليوم الأول من الثورة السورية، مع الشعب السوري ومطالب الحرية والكرامة وتغيير النظام، وبعدما دفع الشعب السوري تضحيات كبيرة بجميع مكوناته، نجحت ثورته في إنهاء الاستبداد والظلم الذي عانينا منه جميعاً”، مضيفاً أن “الواقع الجديد في سوريا يضع جملة من المخاوف أو الهواجس أمام الكرد، منها عودة أساليب المحق والسحق القومي، والاستهداف على الهويّة، وتكرار سيناريوهات النظام السابق بخصوص إنكار حقوق الشعب الكردي، واتّباع سياسة التهميش والإقصاء”.

بعيداً عن العمق السوري، يتوجّس الكرد وفقاً لعبد الله من “الخروج الأميركي والتحالف الدولي من سوريا، وإمكانية فرض تركيا سياستها على سوريا، وعدم الموافقة على أي من حقوق الشعب الكردي”، لكنه في الوقت نفسه يُبدي تفاؤلاً حذراً “رغم كل تلك المخاوف توجد بارقة أمل في الأفق، متمثّلة في تصريح السيد أحمد الشرع بخصوص المكوّن الكردي، واعتباره جزءاً أساسياً من النسيج الوطني السوري، واستخدام وزير الخارجية أسعد الشيباني اللغة الكردية في مخاطبة الكرد”.

ويؤكد عبد الله أن ما يطمئن الكرد هو “مبادرة الرئيس مسعود البارزاني للوصول إلى اتفاق كردي كردي، ويأملون من أصدقائهم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، بالضغط على الأطراف المعنية لاحترام خصوصية الشعب الكردي، وتثبيت حقوقه في الدستور السوري الجديد”، التي يختصرها عبد الله بـ”سوريا لا مركزية ديمقراطية تعددية، تعترف بحقوق المكونات الإثنية والدينية والطائفية، تكون فيها هويّة الدولة قائمة على التعددية من دون إقصاء، وإبعاد شبح فرض هويّة أحادية على السوريين”.

تصوّر الناشطين السياسيين

زار مُعدّ التقرير الناشط السياسي خالد أمين، الذي أبدى تفاؤله بمستقبل البلاد، قائلاً: “سقوط النظام بحدّ ذاته انفراجه كبيرة، أؤمن بالدستور المقبل أنه سيتضّمن مواد فوق دستورية تحمي الكرد، لكني أخاف وسأبقى خائفاً من عودة سوريا إلى النظام المركزي والتفرّد بالحكم والقرار”. وحول التقارب بين الإدارة الجديدة في دمشق وأنقرة، قال: “تركيا تستوعب جيداً أن الحلول العسكرية والأمنية عقيمة وكارثية في عصر الديمقراطيات  والتعددية وحقوق الإنسان، وهي تدرك جيداً أن أبرز معوّقات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي هو ملف حقوق الإنسان، والكرد مكوّن أساسي وغير مهاجر وليس لاجئاً، ويعيش على أرضه التاريخية، وهو شريك موثوق في بناء الشرق الأوسط مع مكوّنات المنطقة وشعوبها”.

أما الصحافي  الكردي السوري علي نمر رئيس “شبكة الصحافيين الكرد السوريين”، ففسر المخاوف التي تعتري الكرد في المرحلة المقبلة، بأن “التحولات العميقة في الوضع السوري، لعبت دوراً كبيراً في دفع القضية الكردية إلى دائرة الضوء، فيما كانت سابقاً تعتبَر قضية معقدة نتيجة ارتباطها بخريطة سايكس بيكو، والمخططات الاستعمارية، وكان الأجدى بالسوريين اعتبارها قضية وطنية ويجب حلها ديمقراطياً”، وقال: “أعتقد أن بعض القيادات لعب دوراً سلبياً وخاطئاً في بعض المراحل، لذلك من الطبيعي أن يخاف الكرد من المنعطفات التي يمرون بها”.

وحول المخاوف من تقارب الشرع وتركيا يرى نمر أنها “تأتي من مواقف تركيا تاريخياً من القضية الكردية، أي أنها ليست وليدة اللحظة، أو لظهور شخص أحمد الشرع، وأنقرة تعي تماماً أن القضية الكردية جزء مهم من قضية شعوب الشرق العظيم، وأي تأخير في حلها، يعني بالضرورة استمرار النزاع والتوتر إقليمياً، وتركيا عملياً لعبت على هذا الوتر، إذ ساهمت في تصعيد الخلاف وإظهار الصراع على أنه كردي – عربي، بينما الصراع كان بين الشعب السوري بكل مكوّناته والنظام المستبد والفاسد”.

وختم نمر حديثه عن الآفاق التي تنتظر الكرد في سوريا، معتبراً أنه “لو أن الكرد خضعوا للظروف التي قاسوها، لكان نضالهم توقّف منذ عشرات السنين، واستمرار نضالهم يؤكد أن موقفهم من حقوقهم ثابت، بغض النظر عن المتغيّرات التي مرت بها القضية الكردية، أو حركتها السياسية”، وبرأيه أن سوريا “لن تستقر قبل إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، إذ لم تعدْ تنفع الحلول الجزئية أو التلاعب على الألفاظ والمصطلحات والمماطلة والتأجيل”.

من جهته، أشار الصحافي الكردي عبد الحليم لـ “درج” إلى أن “كتلة المخاوف الكردية تتمثّل في إمكانية استبعادهم من أي تشكيل جديد للدولة السورية، وتحول دون حضورهم السياسي والأمني والعسكري والفكري فيها، أو استمرار نظرة قسم من السوريين للكرد على أنهم غير متجانسين قومياً، النابعة من نظرة البعث ضد الكرد، أو بسبب ضغوط تركية على دمشق”. 

وبخصوص التقارب بين دمشق وأنقرة قال عبد الحليم: “من الطبيعي أن يحدث التقارب، والكرد غير معترضين عليه، لكن المشكلة تكمن في وجود فيتو على الاعتراف بالحقوق الكردية في الدستور المقبل وتثبيتها، إضافة إلى التفكير بمستقبل قوات قسد والإدارة الذاتية”، مقترحاً فكرة خروج “القوات المسيطرة على عفرين وسري كانيه سواء التركية أو الفصائلية”، معتبراً أنه “أمر مهم جداً، يضع الرئيس الشرع أمام استحقاق وطني كبير داخل الوطن السوري وخارجه”.

رسائل أوجلان والموقف بين “قسد” ودمشق

قالت المتحدثة باسم “حزب المساواة والشعوب الديمقراطية” عائشة غول دوغان لوسائل إعلام تركية يوم الاثنين 17 شباط/ فبراير الماضي، إن زعيم حزب “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان وجّه ثلاث رسائل إلى قادة حزبه ومقاتليه في جبال قنديل في شمال العراق، وفي شمال شرقي سوريا حيث “قسد”، وفي أوروبا حيث ينشط الكثير من تنظيمات الحزب هناك، وأضافت أن النداء سيكون شاملاً متضمناً الدعوة إلى إلقاء السلاح.

وقبل أيام أعلن مظلوم عبدي مباركته لتولّي أحمد الشرع رئاسة سوريا، مبدياً تفاؤله بمستقبل البلاد وإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل، مطالباً بـ”ضمانات لمشاركة الكرد في صياغة مستقبل البلاد”، ومع ذلك لا يزال مستقبل العلاقة بين “قسد” ودمشق مبهماً وغير واضح.

وفي ظل وصول الرسائل من أوجلان إلى الجهات المعنية، فإن المطلوب هو تحديد الموقف السياسي منها على الفور، بخاصة وأن تركيا ترغب في فرض واقع جديد أساسه وضع حد لنفوذ “قسد”، في حين تعمل دمشق على إعادة ترتيب الأوضاع والتموضع في شمال شرقي سوريا. 

تفاؤل كردي

تتشابه طريقة إدارة حزب “البعث” نظام الحكم في سوريا والعراق، من حيث الإقصاء الممنهج، والقمع والقتل على الهويّة، والظلم الذي ألحقه بالشعبين السوري والعراقي، ويقول كفاح شنكالي الباحث والمستشار الإعلامي للرئيس مسعود البارزاني في حديثه لـ”درج”: “مهما كان التقارب بين تركيا والنظام الجديد، يُفترض أن يكون مخالفاً للنظام الذي سقط خلال أيام، والذي كان جائراً في سياساته وتعامله مع السوريين جميعاً، وخصوصاً المكوّن الكردي”. ويضيف: “أزعم أن القادة الجدد في دمشق، أدركوا هذه الحقائق، كما أزعم أيضاً أنهم أيقنوا أن أهم أسباب سقوط نظام صدام حسين في العراق، هو عنصريته وتعامله المجحف مع القضية الكردية”. 

شنكالي يربط بين حل القضية الكردية في تركيا والوضع الكردي في سوريا، ويقول: “مع وجود قنوات اتصال بين الإدارة الجديدة في دمشق والفاعليات التي تمثّل الكرد في سوريا، وبدء مرحلة جديدة من التواصل بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، أستطيع القول إن الكرد أمام فرصة تاريخية في كل من سوريا وتركيا، لتحقيق الكثير مما ناضلوا من أجله”.

ومن هنا أيضاً أعتقد أنه “لا مبرر لأية مخاوف في حال نجح السياسيون الكرد في إنجاز تحالف وطني كردي، للتفاوض بعقلانية مع الإدارة الجديدة، بعيداً عن التأثيرات الخارجية”، معتبراً أن “زيارة عبدي أربيل عاصمة إقليم كردستان، واستقباله من الزعيم الكردي مسعود البارزاني، خطوة متقدمة للبدء بتوحيد الصف، والعمل تحت مظلة المصالح العليا للكرد وكردستان وليس للأحزاب، من خلال نظرة قومية وطنية خالصة”.

علاوة على المخاوف الآنفة الذكر، برزت مؤخراً مخاوف واعتراضات كردية جديدة، بسبب عدم شمل المكوّن الكردي بعضوية اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني المقبل، فأصدر المجلس الكردي بياناً أشار فيه إلى أنه “كان ينبغي أن تعكس اللجنة واقع التعددية السياسية والقومية في البلاد، وأن تضمن تمثيلاً حقيقياً لجميع المكوّنات الوطنية، نظراً لأهمية ذلك في إنجاح أية عملية حوارية تسعى إلى إيجاد حلول جادة للقضايا السورية”، مؤكداً أن “استبعاد التمثيل الكردي من هذه اللجنة، يشكّل إخلالاً بهذا المبدأ، ويثير مخاوف مشروعة بشأن نهج التعامل مع المكوّنات السورية كشركاء حقيقيين في رسم مستقبل البلاد”، مطالباً بـــ”تصحيح هذا الخلل من خلال إعادة النظر في تركيبة اللجنة”. 

ومع عقد الجلسة التحضيرية للجلسة الحوارية الخاصة بمحافظة الحسكة، تتالت ردود الفعل من الأحزاب والشخصيات الكردية الرافضة لها، حيث وصفوها بالإقصائية، معتبرين تغييب الحراك السياسي الكردي إخلالاً بالشراكة السياسية، ومن شأنه أن يستنهض هواجس عودة التفرّد والظلم والإقصاء مجدداً، مطالبين بإشراك الأحزاب والشخصيات السياسية الكردية من دون استثناء، بمسارات الحوار والحل.

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
05.03.2025
زمن القراءة: 6 minutes

بعد إطاحة نظام الأبد الأسدي، عادت قضايا مصيرية عدة متعلّقة بمستقبل سوريا إلى الواجهة مجدداً، من بينها قضية الهويّة الجامعة لسوريا التي بدأت تتفاعل مجدداً، بخاصة وأن سوريا تاريخياً لم تكن مقتصرة على قومية أو ديانة محددة.

يحدث هذا، في ظل مخاوف المكوّنات والقوميات الموجودة، من حرب سياسية ودستورية تنتظرهم، علاوة على تمسّك الكرد بمفاهيم العيش المشترك والديمقراطية والعدالة، ما يجعل رفض النظام المركزي، واستحالة عودة البلاد إلى سابق عهدها واستمرار سيناريو الإقصاء عن دوائر صنع القرار، أموراً ثابتة لديهم. 

وحول حجم المخاوف والهواجس الكردية، قال نافع عبدالله عضو اللجنة المركزية لـ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في سوريا: “وقف الشعب الكردي منذ اليوم الأول من الثورة السورية، مع الشعب السوري ومطالب الحرية والكرامة وتغيير النظام، وبعدما دفع الشعب السوري تضحيات كبيرة بجميع مكوناته، نجحت ثورته في إنهاء الاستبداد والظلم الذي عانينا منه جميعاً”، مضيفاً أن “الواقع الجديد في سوريا يضع جملة من المخاوف أو الهواجس أمام الكرد، منها عودة أساليب المحق والسحق القومي، والاستهداف على الهويّة، وتكرار سيناريوهات النظام السابق بخصوص إنكار حقوق الشعب الكردي، واتّباع سياسة التهميش والإقصاء”.

بعيداً عن العمق السوري، يتوجّس الكرد وفقاً لعبد الله من “الخروج الأميركي والتحالف الدولي من سوريا، وإمكانية فرض تركيا سياستها على سوريا، وعدم الموافقة على أي من حقوق الشعب الكردي”، لكنه في الوقت نفسه يُبدي تفاؤلاً حذراً “رغم كل تلك المخاوف توجد بارقة أمل في الأفق، متمثّلة في تصريح السيد أحمد الشرع بخصوص المكوّن الكردي، واعتباره جزءاً أساسياً من النسيج الوطني السوري، واستخدام وزير الخارجية أسعد الشيباني اللغة الكردية في مخاطبة الكرد”.

ويؤكد عبد الله أن ما يطمئن الكرد هو “مبادرة الرئيس مسعود البارزاني للوصول إلى اتفاق كردي كردي، ويأملون من أصدقائهم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، بالضغط على الأطراف المعنية لاحترام خصوصية الشعب الكردي، وتثبيت حقوقه في الدستور السوري الجديد”، التي يختصرها عبد الله بـ”سوريا لا مركزية ديمقراطية تعددية، تعترف بحقوق المكونات الإثنية والدينية والطائفية، تكون فيها هويّة الدولة قائمة على التعددية من دون إقصاء، وإبعاد شبح فرض هويّة أحادية على السوريين”.

تصوّر الناشطين السياسيين

زار مُعدّ التقرير الناشط السياسي خالد أمين، الذي أبدى تفاؤله بمستقبل البلاد، قائلاً: “سقوط النظام بحدّ ذاته انفراجه كبيرة، أؤمن بالدستور المقبل أنه سيتضّمن مواد فوق دستورية تحمي الكرد، لكني أخاف وسأبقى خائفاً من عودة سوريا إلى النظام المركزي والتفرّد بالحكم والقرار”. وحول التقارب بين الإدارة الجديدة في دمشق وأنقرة، قال: “تركيا تستوعب جيداً أن الحلول العسكرية والأمنية عقيمة وكارثية في عصر الديمقراطيات  والتعددية وحقوق الإنسان، وهي تدرك جيداً أن أبرز معوّقات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي هو ملف حقوق الإنسان، والكرد مكوّن أساسي وغير مهاجر وليس لاجئاً، ويعيش على أرضه التاريخية، وهو شريك موثوق في بناء الشرق الأوسط مع مكوّنات المنطقة وشعوبها”.

أما الصحافي  الكردي السوري علي نمر رئيس “شبكة الصحافيين الكرد السوريين”، ففسر المخاوف التي تعتري الكرد في المرحلة المقبلة، بأن “التحولات العميقة في الوضع السوري، لعبت دوراً كبيراً في دفع القضية الكردية إلى دائرة الضوء، فيما كانت سابقاً تعتبَر قضية معقدة نتيجة ارتباطها بخريطة سايكس بيكو، والمخططات الاستعمارية، وكان الأجدى بالسوريين اعتبارها قضية وطنية ويجب حلها ديمقراطياً”، وقال: “أعتقد أن بعض القيادات لعب دوراً سلبياً وخاطئاً في بعض المراحل، لذلك من الطبيعي أن يخاف الكرد من المنعطفات التي يمرون بها”.

وحول المخاوف من تقارب الشرع وتركيا يرى نمر أنها “تأتي من مواقف تركيا تاريخياً من القضية الكردية، أي أنها ليست وليدة اللحظة، أو لظهور شخص أحمد الشرع، وأنقرة تعي تماماً أن القضية الكردية جزء مهم من قضية شعوب الشرق العظيم، وأي تأخير في حلها، يعني بالضرورة استمرار النزاع والتوتر إقليمياً، وتركيا عملياً لعبت على هذا الوتر، إذ ساهمت في تصعيد الخلاف وإظهار الصراع على أنه كردي – عربي، بينما الصراع كان بين الشعب السوري بكل مكوّناته والنظام المستبد والفاسد”.

وختم نمر حديثه عن الآفاق التي تنتظر الكرد في سوريا، معتبراً أنه “لو أن الكرد خضعوا للظروف التي قاسوها، لكان نضالهم توقّف منذ عشرات السنين، واستمرار نضالهم يؤكد أن موقفهم من حقوقهم ثابت، بغض النظر عن المتغيّرات التي مرت بها القضية الكردية، أو حركتها السياسية”، وبرأيه أن سوريا “لن تستقر قبل إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، إذ لم تعدْ تنفع الحلول الجزئية أو التلاعب على الألفاظ والمصطلحات والمماطلة والتأجيل”.

من جهته، أشار الصحافي الكردي عبد الحليم لـ “درج” إلى أن “كتلة المخاوف الكردية تتمثّل في إمكانية استبعادهم من أي تشكيل جديد للدولة السورية، وتحول دون حضورهم السياسي والأمني والعسكري والفكري فيها، أو استمرار نظرة قسم من السوريين للكرد على أنهم غير متجانسين قومياً، النابعة من نظرة البعث ضد الكرد، أو بسبب ضغوط تركية على دمشق”. 

وبخصوص التقارب بين دمشق وأنقرة قال عبد الحليم: “من الطبيعي أن يحدث التقارب، والكرد غير معترضين عليه، لكن المشكلة تكمن في وجود فيتو على الاعتراف بالحقوق الكردية في الدستور المقبل وتثبيتها، إضافة إلى التفكير بمستقبل قوات قسد والإدارة الذاتية”، مقترحاً فكرة خروج “القوات المسيطرة على عفرين وسري كانيه سواء التركية أو الفصائلية”، معتبراً أنه “أمر مهم جداً، يضع الرئيس الشرع أمام استحقاق وطني كبير داخل الوطن السوري وخارجه”.

رسائل أوجلان والموقف بين “قسد” ودمشق

قالت المتحدثة باسم “حزب المساواة والشعوب الديمقراطية” عائشة غول دوغان لوسائل إعلام تركية يوم الاثنين 17 شباط/ فبراير الماضي، إن زعيم حزب “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان وجّه ثلاث رسائل إلى قادة حزبه ومقاتليه في جبال قنديل في شمال العراق، وفي شمال شرقي سوريا حيث “قسد”، وفي أوروبا حيث ينشط الكثير من تنظيمات الحزب هناك، وأضافت أن النداء سيكون شاملاً متضمناً الدعوة إلى إلقاء السلاح.

وقبل أيام أعلن مظلوم عبدي مباركته لتولّي أحمد الشرع رئاسة سوريا، مبدياً تفاؤله بمستقبل البلاد وإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل، مطالباً بـ”ضمانات لمشاركة الكرد في صياغة مستقبل البلاد”، ومع ذلك لا يزال مستقبل العلاقة بين “قسد” ودمشق مبهماً وغير واضح.

وفي ظل وصول الرسائل من أوجلان إلى الجهات المعنية، فإن المطلوب هو تحديد الموقف السياسي منها على الفور، بخاصة وأن تركيا ترغب في فرض واقع جديد أساسه وضع حد لنفوذ “قسد”، في حين تعمل دمشق على إعادة ترتيب الأوضاع والتموضع في شمال شرقي سوريا. 

تفاؤل كردي

تتشابه طريقة إدارة حزب “البعث” نظام الحكم في سوريا والعراق، من حيث الإقصاء الممنهج، والقمع والقتل على الهويّة، والظلم الذي ألحقه بالشعبين السوري والعراقي، ويقول كفاح شنكالي الباحث والمستشار الإعلامي للرئيس مسعود البارزاني في حديثه لـ”درج”: “مهما كان التقارب بين تركيا والنظام الجديد، يُفترض أن يكون مخالفاً للنظام الذي سقط خلال أيام، والذي كان جائراً في سياساته وتعامله مع السوريين جميعاً، وخصوصاً المكوّن الكردي”. ويضيف: “أزعم أن القادة الجدد في دمشق، أدركوا هذه الحقائق، كما أزعم أيضاً أنهم أيقنوا أن أهم أسباب سقوط نظام صدام حسين في العراق، هو عنصريته وتعامله المجحف مع القضية الكردية”. 

شنكالي يربط بين حل القضية الكردية في تركيا والوضع الكردي في سوريا، ويقول: “مع وجود قنوات اتصال بين الإدارة الجديدة في دمشق والفاعليات التي تمثّل الكرد في سوريا، وبدء مرحلة جديدة من التواصل بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، أستطيع القول إن الكرد أمام فرصة تاريخية في كل من سوريا وتركيا، لتحقيق الكثير مما ناضلوا من أجله”.

ومن هنا أيضاً أعتقد أنه “لا مبرر لأية مخاوف في حال نجح السياسيون الكرد في إنجاز تحالف وطني كردي، للتفاوض بعقلانية مع الإدارة الجديدة، بعيداً عن التأثيرات الخارجية”، معتبراً أن “زيارة عبدي أربيل عاصمة إقليم كردستان، واستقباله من الزعيم الكردي مسعود البارزاني، خطوة متقدمة للبدء بتوحيد الصف، والعمل تحت مظلة المصالح العليا للكرد وكردستان وليس للأحزاب، من خلال نظرة قومية وطنية خالصة”.

علاوة على المخاوف الآنفة الذكر، برزت مؤخراً مخاوف واعتراضات كردية جديدة، بسبب عدم شمل المكوّن الكردي بعضوية اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني المقبل، فأصدر المجلس الكردي بياناً أشار فيه إلى أنه “كان ينبغي أن تعكس اللجنة واقع التعددية السياسية والقومية في البلاد، وأن تضمن تمثيلاً حقيقياً لجميع المكوّنات الوطنية، نظراً لأهمية ذلك في إنجاح أية عملية حوارية تسعى إلى إيجاد حلول جادة للقضايا السورية”، مؤكداً أن “استبعاد التمثيل الكردي من هذه اللجنة، يشكّل إخلالاً بهذا المبدأ، ويثير مخاوف مشروعة بشأن نهج التعامل مع المكوّنات السورية كشركاء حقيقيين في رسم مستقبل البلاد”، مطالباً بـــ”تصحيح هذا الخلل من خلال إعادة النظر في تركيبة اللجنة”. 

ومع عقد الجلسة التحضيرية للجلسة الحوارية الخاصة بمحافظة الحسكة، تتالت ردود الفعل من الأحزاب والشخصيات الكردية الرافضة لها، حيث وصفوها بالإقصائية، معتبرين تغييب الحراك السياسي الكردي إخلالاً بالشراكة السياسية، ومن شأنه أن يستنهض هواجس عودة التفرّد والظلم والإقصاء مجدداً، مطالبين بإشراك الأحزاب والشخصيات السياسية الكردية من دون استثناء، بمسارات الحوار والحل.

05.03.2025
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية