اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي أخيرا صور مروعة لحادثة اغتيال رجل سوري لجأ إلى ألمانيا لزوجته. ونشر الرجل الملقب ب “أبو مروان” فيديو يفتخر فيه بجريمته، واصفا زوجته بألقاب بذيئة ومتهما إياها بمحاولة أن تأخذ منه أولادهما بعد انفصالهما. وزيادة في البشاعة، أعلن “أبو مروان” أن ما حدث هو رسالة إلى جميع النساء الواتي يزعجن أزواجهن، إذ سينتهي بهن المطاف بالشكل ذاته حسب قوله.
المريع في القصة طبعا هو مستوى العنف الذي اعتبر الزوج أن من حقه أن يستخدمه ضد زوجته. لكن المرعب أيضا في الموضوع هو كم التعليقات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تبرر لأبي مروان جريمته تحت ذريعة العرض أو الشرف وما إلى ذلك من أحكام أطلقها الناس من خلف شاشاتهم وهم يهللون لجريمة قتل، غيرمكترثين بأنهم وبتهليلهم يحرضون على قتل قادم.
طبعا من المفجع أن تحدث جريمة بهذه البشاعة، وما يزيد من وقعها هو حدوثها خلال أسبوع تجتهد فيه المنظمات الحقوقية والمؤسسات النسوية حول العالم بالتذكير بحقوق المرأة، أو بالأحرى تحتفل فيه بما حصلت عليه المرأة وتعيد التذكير بلائحة طويلة من المستحقات المؤجلة.
ونحن في المنطقة العربية نسمع يوميا عن حوادث تعنيف المرأة سواء على يد الوصي عنها من الذكور، من الأب إلى الأخ إلى الزوج، أو بسبب قوانين لا تنصفها. ويرتبط تعنيف المرأة عموما بأسباب قانونية ودينية ومجتمعية ترسخ نظرة المجتمع إليها بصفتها أقل درجة في الحقوق والمكانة عن الرجل. فحتى تكريم المجتمع والأديان للمرأة يكون تكريما لشخص ملحق برجل، فهي زوجة أو أم أو أخت، الخ، بينما يؤكد المدخل الحقوقي على التعامل مع المرأة ككيان مستقل وليس كتابع للرجل.وهنا، قبل أن ينبري المدافعون عن مكانة المرأة بالاستشهاد بالأحاديث الدينية والنبوية التي تؤكد على ضرورة معاملة الزوجة برفق وأهمية الوصاية على الأخت ومراعاة الأم، ينبغي الإشارة إلى أنه، ومن الجانب الحقوقي، لا يهم إن كانت مكانة السيدة محفوظة في الأعراف والأديان، بقدر ما أنه أصبح ملحا اليوم أن تحفظ القوانين حقوق النساء ويتم تفعيلها إجرائيا على أرض الواقع.
لذا فموقف صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو الوكالة الأممية المعنية بالحقوق الإنجابية وبمناهضة العنف الموجه ضد النساء، هو موقف قانوني: ما هي القوانين التي تضمن للمرأة حقوقها فيما يتعلق بمساواتها بالرجل؟ ما هي البنود المتضمنة في الدساتير العربية والتي تقي المرأة من العنف والاستغلال؟
قد يكون من المفيد أن نراجع بصدق أولا القوانين التي تم تبنيها، إذ سوف نجد أن عام 2017 كان عاما مثمرا في تونس ولبنان والأردن والمغرب من حيث تبني مجالس النواب في هذه البلاد قوانين لحماية المرأة من كافة أنواع العنف. إنما العملية الأكثر تعقيدا هي مراجعة ثقافة مجتمعات هذه البلاد وغيرها في المنطقة، لنتأكد من عدم تغاضيها عن حادثة قتل زوج لزوجته أو تعنيف أخ لأخته بسبب ما يراه على أنه تدنيس لشرفه مثلا، أوعدم تغاضي المجتمع عن تصرفات راسخة في الأذهان إلا أنها، وبحسب تعريف اتفاقية مناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة هي عادات تحط من شأن المرأة كفرد في المجتمع.
وتعقيبا على موضوع إعطاء بعض الثقافات المجتمعية والأديان مكانة خاصة للأم أو الأخت أو الزوجة، وذلك طبعا أمر محمود، إلا أنه بات من الضروري التأكيد على أن الإطار القانوني المشفوع بتطبيق على أرض الواقع هو الضامن الوحيد لمساواة أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات بغض النظر عن جنسهم واختلافاتهم الدينية والعرقية. لا يجب ان تترك الامور لتفسير الأفراد للنصوص الدينية، لذا فالفرق مثلا بين قصة أبو مروان الذي قتل زوجته ونظير محتمل له ألماني أو فرنسي هو أن جريمة كهذه حين تحصل في مجتمع تبنى القوانين كثقافة فأنها ستفجر قطعا إجماعا في المجتمع على أنها جريمة فقط، ولن يكون هناك من يشجعها ويهلل لها تحت ذريعة القيم والأخلاق وغيرها. ففي دول اجتهد فيها فعلا خبراء القانون والمجتمع المدني من أجل التقدم في مفهوم المساواة، لن نجد مواربة في تعريف العنف ولا في شجبه حين يتم فضحه.
تبدي معظم الدول العربية رغبة في مكافحة العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، إلا أن التمييز الثقافي التقليدي والممارسات الضارة لا يزالان يمثلان تحديا للنساء والفتيات. فوفقا لبحث أجراه البنك الدولي، تؤثر المعايير الاجتماعية على التوقعات والقيم والسلوكيات، ومن ثم قد تحول دون تطبيق القوانين وتوفير الخدمات والدخول التى تؤدى الى تحسين أوضاع المرأة وحقوقها، بالإضافة إلى انتشار أنظمة مجتمعية في البلاد العربية تسود فيها السلطة الأبوية والأنظمة العائلية فتعطي حتما امتيازات للرجال دون النساء.
في اليوم العالمي للمرأة، نوجه تحية لكل فتاة وسيدة تناضل يوميا في البيت وفي الشارع وفي مكان العمل من أجل أن يمر يومها بسلام، وتحية إلى كل مدافع ومدافعة عن حقوق المرأة ساهم في الضغط بهدف وضع قوانين منصفة لنصف المجتمع. العنف ضد المرأة والذي يطال أكثر من ثلث نساء العالم بحسب الدراسات هو من أكثر انتهاكات حقوق الانسان انتشارا ويشكل مشكلة صحية وعائق أمام تحقيق المساواة والتنمية والأمن والسلام. في اليوم العالمي للمرأة يجب أن نضع زوجة “أبو مروان” أمام أعيننا وأن نتعهد ألا تقتل امرأة مرة أخرى لأن رجلا رأى أن ذلك من حقه.
*لؤي شبانه – مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية
[video_player link=””][/video_player]