تعود قصة الضابط السوري أمجد يوسف إلى الظهور مجدداً، هذه المرة ليس لكونه مرتكب مجزرة مروعة وحسب، بل لأنه متهم محكوم عليه بالإعدام، من قبل النظام الذي عمل لأجله وارتكب مجازرَ تحت رعايته.
ظهر أمجد راهناً في فيديو مصور يعود لعام 2013، يرتكب فيه مجزرة في حي التضامن بدمشق بحق 41 ضحية، وكانت شائعات تحدثت عن قيام النظام باحتجاز أمجد او “الإبقاء” عليه، حتى أكد تقرير صدر منذ أيام عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن أمجد محتجز بالفعل منذ بداية شهر أيار/ مايو 2022، فهل سيعدم النظام السوري أمجد بالفعل؟
أمجد محتجز في مكان عمله!
نشر صدام حسين وهو صحافي سوري مقيم في لبنان ومتابع بشكل وثيق للوضع السوري الداخلي منشوراً على “فيسبوك” يقول فيه إن أمجد يوسف، مرتكب مجزرة التضامن سيعدم قريباً في ساحة عامة.
الأنباء انتشرت سريعاً وكل التأكيدات أتت من مصادر لكن ما من موقف رسمي بشأن مصير، أمجد إلا أن معظم التسريبات نقلت أن أمجد محتجز في فرع المنطقة 227 أو ما يعرف بالأمن العسكري، وهو المكان الذي كان يعمل فيه خلال ارتكاب جريمته، لكن لا معلومات دقيقة أو رسمية بشأن مصيره وإن كان سيعدم أم لا.
لم يعرف عن النظام السوري يوماً شفافية في التوقيفات والمحاكمات، لذلك لا ينتظر أن يتغير الأمر في هذه الحالة.
الأكيد هو أن قصة أمجد أربكت النظام، ووضعته في موقع ملتبس، فمن جهة، ارتكب ضابط من جهازه الأمني مجزرة بحق المدنيين العزّل أمام الكاميرات مباشرة ولا يمكن بأي طريقة تكذيب ذلك، ومن جهة ثانية على النظام تبرير فعلة أمجد، ليس أمام العالم فقط بل أمام الموالين مِمَن استنكروا المجزرة.
الأهم هو كيف سيتعامل نظام الأسد مع مجرم حرب ينتمي لمنظومته القائمة على الجريمة؟ فلو صفح عنه سيبقى الدليل على وحشية النظام حراً يمكن استخدامه في محاكم دولية كما حصل في محاكمات “كوبلنز” الألمانية، ولو تخلص منه سيكون القتل بمثابة دليلٍ ضده، لكن يبدو أن النظام سيختار التخلص من أمجد وتحويله كبش فداء عوضاً عن النظام.
لماذا يختار النظام الإعدام سواء حدث في ساحة عامة أو في أحد أقبية الأفرع الأمنية؟ بداية من البدهي أن النظام سيتخلص من أمجد سواء حدث ذلك على العلن أو في السرّ، لا يُبقي النظام على أدلة ضده، حتى ولو بقي أمجد داخل سوريا، إلّا أنه يظل دليلاً قاطعاً ضده، لذلك فأول خطوة ستكون الاحتجاز، وفي جميع الأحوال أمجد غير قادر على الخروج من سوريا لأنه سيحاكم باعتباره مجرم حرب. تتنوع فرضياتُ أسباب نهاية أمجد وليس أقواها الضغط الروسي على النظام للتعامل مع فضيحة مجزرة التضامن بخاصة في ظل انشغال الروس بالحرب على أوكرانيا، لن يكون من أولوياتها أمجد على الرغم من أهمية قضيته، إلا أنه يبدو منطقياً سعي النظام إلى تبييض صفحته وإثبات نيته الحسنة، في ظل عودة علاقاتها العربية للصعود وأحلامه في العودة إلى الساحة العالمية كنظام حاكم وليس كمجرم حرب.
إقرأوا أيضاً:
نظامٌ لا يؤتمن
لا يستطيع عاقل تجاوز ما ارتكبه أمجد، حتى النظام يعرف ذلك، ومهما أبدى هذا النظام من وحشية في السرّ ضد شعبه أو عبر صور وفيديوات لضباط وعناصر له كان ينكرها جميعها، إلّا أنه يدرك أن فعلة أمجد ما كان يجب أن تظهر إلى العلن، ويجب التعامل معها، حتى لو كان ذلك اعترافاً ضمنياً بمئات المجازر الأخرى، إنه الاختيار بين أهون الشرين بتصفية أمجد.
سيكون إعدام أمجد إذا ما حصل فعلاً لحظة مفصلية في علاقة النظام مع أجهزته الأمنية من أفرادٍ أوفياء، إذ سيثير شكوكهم حول الجرائم التي ارتكبوها وإن كان سيأتي دورهم يوماً!
هي رسالة شديد الوضوح، هذا النظام لا يؤتمن، مهما كنتَ وفياً له، لن يتوانى عن التخلص منك في حال شكلت تهديداً له، فبينما اعتقد أمجد أن أفعاله ستكون بمثابة خدمات جليلة يقدمها للنظام ليربت الأخير على كتفه، إلّا ان العكس هو ما حدث، قصة أمجد رسالة قاسية للموالين والعاملين في هذه المنظومة الديكتاتورية.
كل هذا وضع المؤيدين في حيرة من أمرهم بخاصة الذين دعموا أمجد بحجة أنه يقوم بعمله أو ممن قارنوا بين ضحايا المجزرة ومن فقدوهم في سجون المعارضة المسلحة والإسلامية، فمن جهة سيشعر البعض بأن النظام خانه بإعدام أحد مخلّصيه ومن جهة أخرى سيفشل آخرون في شرح ما حدث في قصة أمجد، والفشل هو اعتراف بالجريمة.
بداية التصدع في جبل النظام الجليدي
ما يحدث مع أمجد من احتجاز أو حتى إعدام محتمل في المستقبل القريب أو تصفية في السرّ، له دلالات أوسع، أمجد ارتكب غلطة الشاطر، ليس لأنه أقل ذكاء بل لأن المنظومة بحد ذاتها تقف على أرضية هشة، وأمجد ليس الأول، فالضابط أنور رسلان حكم بالسجن مدى الحياة في ألمانيا لارتكابه جرائم حرب وكذلك الطبيب علاء موسى ما زال يخضع للمحاكمة. يمتلك هذا النظام من الجرائم ما يفوق قدرته على إخفائها، والتحكم بجميع أفراد منظومته الأمنية وإبقاؤهم تحت نظره هو أمر شبه مستحيل، إذاً ولأن الجريمة أكبر مما نتوقع ستستمر قصصٌ كأمجد وأنور وعلاء تظهر شيئاً فشيئاً وعلى رغم المأساة إلا أن تحقيق العدالة على هذا النحو هو خطوة أولى للسوريين.
مجزرة التضامن وجريمة أمجد المروعة، هما بداية التصدع في جبل النظام الجليدي، بخاصة في العلاقات التي تجمع الأفراد المنتمين إلى الجهاز الأمني وتلك التي تربطهم بالنظام، فمن التالي؟
هل سيثق القتلة من ضباط وجنود بأن النظام سيحميهم فيما لو اكتشف أمرهم، وبدون شك ستغدو رحمة الغرب في حكمٍ بالسجن المؤبد كما حدث مع الضابط السابق أنور رسلان أهون من تصفيته وعائلته على يد النظام. لا شك في أن عدداً من المجرمين سيفكرون على هذا النحو.
من المثير للسخرية كيف يتعامل النظام السوري مع قصة أمجد كتعامله مع معتقليه، وشتان بين التشبيهين، لكنه يكرر الأمر ذاته فيحتجز أمجد من دون مذكرة توقيف، اختفاء قسري، لا محاكمة ولا أي فرصة لتبرير ما فعله، لا فرصة للتواصل مع محامٍ أو الدفاع عن نفسه، وبينما يفترض أن يكون التعامل مع قضية أمجد يوسف إثباتاً لعدالته، يأتي الاحتجاز والإعدام المتوقع ليقولا إن عدالة هذا النظام مجرد كذبة أخرى.
إقرأوا أيضاً: