الفستق يفيد بجعل الحياة أكثر خفة، وفق دراسة أجريتها مع صديقاتي، كما أنه يفيدني شخصياً في خفض منسوب التوتر في دمي وفي رأسي.
القلق لا يفيد في شيء، كما أنه يجعل الحياة أكثر تعقيداً وثقلاً، لكن القلق ليس كالفستق الذي نشتريه من عند البائع ساعة نشاء ونرميه ساعة لا نشاء. القلق بدهي وقدريّ وربما، في بلد يحيا على المورفينات السياسية والأمنية والاقتصادية المتنوّعة، ومن الطبيعي أن يولد ناسه مع قلق زائد، حتى حين يبدون غير آبهين و”cool”، يتسكّعون في الشوارع ويرقصون على الشاطئ وتحت الأشجار، لا يهمّهم شيء ولا يكترثون للأزمات ولا للحروب.
الفستق والقلق جزءان أساسيان من حياتنا، مع العلم أنه يمكن استبدال الفستق بالبزر المصري أو الدخان، وهذا يرتبط بما يختاره كل واحد حتى يواصل قتاله ويخفف قلقه.
بالعودة إلى الحرب التي سبق أن بدأت، هدّدنا رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أيام خلال زيارته كريات شمونة بأن جيشه مستعد لشنّ حرب شاملة علينا، وتزامن ذلك مع تسريبات أخرى أنذرتنا بأن المعركة قد تبدأ خلال منتصف حزيران/ يونيو الحالي، بمعنى آخر، لن نملك وقتاً للهرب وسنموت بعد قليل!
سألني خطيبي عما يمكن أن نفعله إن بدأت الحرب بالفعل، علماً أن زفافنا بعد أسابيع، بقيت صامتة، ثمّ كررت سؤاله متوجّهة إليه، ذلك أننا نعتقد أحياناً أن من نحبّ يملك كل الإجابات الضائعة. لكنه كان يبحث بدوره عن إجابة ما في وجهي. انصرفنا بعدها إلى العمل، وكأن كل واحد اتّخذ قراراً شخصياً بعدم البحث في المسألة مجدداً. فلنواصل تحضيراتنا وكأن الحرب مزاح!
نتنياهو يهدّدنا وأنا أنهي آخر استعدادات يوم عرسي، نتنياهو يؤكد أنه قادم وأنه لن يرحمنا وقرى الجنوب باتت شبه فارغة من أهلها، فيما تناقشني منظّمة الحفل إن كنتُ أستطيع المرور لاستلام الدعوات لتوزيعها. نتنياهو يريد القضاء على أعدائه، فيما أفكّر إن كان عليّ تفتيح لون شعري، وهي مسألة بدأت تصيبني بالقلق بعد الثلاثين. قبل ذلك كنت لا أتردد في تغيير ألواني و”ستايلي”، وكان التجريب والتخريب عادييين ولا يخيفانني. لكنني كبرتُ الآن، وبات التغيير يخيفني، أكثر من نتنياهو ربما!
سألني مصفف الشعر بثقة القارئ النهم، “شو الحرب بتبلّش بـ15 حزيران؟”. قلت له إنني لا أعرف لكنني لم أسمع قط بحرب يتم تحديد يومها! لقد هددنا نتنياهو منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى اليوم، أكثر من كل التهديد الذي شهده التاريخ خلال الحرب الباردة (1947-1991) التي تلت الحرب العالمية الثانية، وقسمت العالم إلى معسكرين: شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي وليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة.
ماذا يفعل الناس العاديون في ظل هذا كله؟ ماذا يملكون بأيديهم؟ في أحسن الأحوال يغيّرون مكان سكنهم وينزحون إلى أماكن يعتقدون بأنها أكثر أماناً، وبأن الحرب لا تصل إلى هناك، وأن تهديدات نتنياهو لا يمكن أن تشملها.
أما الفستق والقلق فلزوم كل عرس وكل حرب!