fbpx

“أهلاً بهالطلّة”… رقصٌ فوق مسرح الجريمة اللبنانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحاول السلطة تغطية البركان الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم. فقصر المسافة بين الساحل والجبل، وتنوّع المناخ، وجماليّة المناطق اللبنانية لا تعني أنّ لبنان تمكن من لثم المأساة واخفائها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“في علاقة صارت مختلّة بين البلد وولادو والمغترب شايفها وحاسسها وفات باللعبة لأنو طبعاً بدو يجي يطل عأهلو. وهو طالع من المطار وعم بشوف لافتة مكتوب عليها (أهلا بهالطلّة) عم بيركّب الشنط بالسيارة اللي جزء كبير منها أدوية وسلع غذائية”، تعلق الكاتبة الصحافية رشا الأطرش بمرارة ساخرة على الحملة التي تنتشر في لبنان لجذب المغتربين للمجيء الى لبنان خلال العطلة الصيفية. 

معظم اللبنانيين الذين يزورون ذويهم يأتون محملين بأدوية وسلع وحاجيات تفتقدها شريحة واسعة من المقيمين، من هنا بدت الحملة الإعلامية والإعلانية الصاخبة بعيدة من الواقع اللبناني حيث العتمة ونقص الخبز والدواء.

 “أهلاً بهالطّلة” هو شعار الحملة السياحية التي أطلقتها وزارة السياحة لهذا الموسم. ربّما تعني أهلاً بالـ”فريش دولار” لاستقطاب السيّاح اللبنانيين، ومحاولة استقطاب العرب “الأشقّاء” وغيرهم لدعم السياحة.

“أهلاً بهالطلّة” و”مشتاق للبنان طل هالصيفيّة”، شعارات تغض الطرف عن الأزمات التي سيضطر السائح إلى مواجهتها من اللحظة التي يصل فيها إلى مطار بيروت، إلى أن يغادر، من شح المياه إلى التقنين الكهربائي مروراً بالفقر والكآبة العامة… 

“بجنونك بحبّك” هكذا يستقبل مطار بيروت السياح والمغتربين، ثم في الشارع الخارجي تكون بانتظارهم لافتات “أهلا بهالطلّة” التي رُفعت بعد إزالة صور مرجعيّات سياسيّة وحزبيّة مثل صور قائد فيلق القدس (الذي اغتيل في بغداد) قاسم سليماني وأمين عام “حزب الله” حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. 

تعتبر الأطرش أن هذا المشهد “أشبه بالكوميديا السوداء حيث تم استبدال هذه الصور في أثناء الموسم السياحي بـ(أهلا بهالطلّة) وعندما يعود المغتربون والسيّاح إلى بلادهم ينتهي هذا الوهم”.

المنتجعات السياحيّة وخزينة الدولة لا تملك سوى هذا الموسم لتعويض بعض الخسائر عبر إدخال العملة الصعبة وإنعاش الاقتصاد. لكن هذا ما اعتبرته الأطرش “مثيراً للشفقة”: “رغم الوضع الاقتصادي السيّئ وضرورة تشجيع السياحة لكن أسلوب الترويج للحملة السياحية محزن ويعكس فصاماً”. 

يكمُن هذا السرد في ما تحاول المنظومة اللبنانية تصويره والذي يندرج تحت مسمّى “الكذب السياسي”. وهو مصطلح استُخدم سابقاً في حروبٍ عالمية وإقليميّة، وتعاد ترجمته اليوم في لبنان إلى جانب الانتهازيّة وحملة إعلامية تعج بالوهم.

إقرأوا أيضاً:

كيف تنتهز المنظومة المأساة اللبنانيّة؟

الانتهازية تعني، قاموسياً، السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف وغالباً ما تكون نفعية، “ما تقوم به السلطة اليوم هو Pause على مأساة اللبنانيّين، لتدعم صمودها في وقتٍ محدد. هو مشهد محزن ومثير للشفقة”، تردف الأطرش.

تحاول السلطة تغطية البركان الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم. فقصر المسافة بين الساحل والجبل، وتنوّع المناخ، وجماليّة المناطق اللبنانية لا تعني أنّ لبنان تمكن من لثم المأساة واخفائها. 

“قد نصل في نهاية أيلول/ سبتمبر إلى مليون و200 ألف سائح، 25 في المئة منهم من دول عربية”، قال وزير السياحة وليد نصار. وإذ تعوّل الدولة على القطاع السياحي لينهض، ولو قليلاً، بالقطاعات الأخرى، يوضح محمد دقدوق، رئيس “نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة”، أن نسبة التشغيل في هذا القطاع “وصلت إلى ما بين 95 و100 في المئة خلال فترة عيد الأضحى”. يعني ذلك أن من يعيش في أزمته اليومية، وجد وظيفة موقّتة في هذا الموسم تعيله لفترة عابرة.

 يأتي ذلك بعد معاناة بدأت من عام 2019، وصولاً إلى جائحة “كورونا” في 2020 وانفجار مرفأ بيروت، والأزمات المتتالية والمستمرة حتى اليوم. المنفس الوحيد المتاح أمام الدولة هو السياحة، فعلى رغم “الإقبال الكبير والحجوزات المكتملة” يصعب على اللبنانيين غض النظر على الجوانب الأخرى. فإطلاق “أهلاً بهالطلة” أثار جدلاً وحمل حركة اعتبرها البعض “مستفزّة”، مع العلم أن الإيرادات التي ستدخل على خزينة الدولة ستكون بـ”الفريش دولار”. 

من المفارقات الفاقعة هو استعانة الحملة الإعلانية بالمغنّي اللبناني معين شريف الذي ظهر مع فريق من طيران الشرق الأوسط وهم يستقبلون المغتربين والسيّاح في مطار بيروت على أغنية بعدك بيروت: “مشتاق شوفك والدّني بعدها دني” في صالة المطار المهترئة. هي كلمات لا تمت لبيروت بصلة، ولا ببقائها كما هي، ولا “الدني بعدها دني”. أثناء مشاهدة المواطن اللبناني لهذه الحملة الغنائية على إحدى القنوات التي تبنّتها، يُحتَمل كثيراً أن تنقطع الكهرباء. “شركة الطيران الوطنية التي كان تأسيسها وتوسعها رمزاً لمرحلة ذهبية باتت تُحتّم عليك كلبناني أن تدفع لها بالفريش دولار”، تقول الأطرش. 

هذا الاحتفاء الوطني الفني لم يقتصر على شريف فحسب، بل اجتهدت فيه المغنّية اللبنانية باسكال مشعلاني وأطلقت فيديو كليب أغنية “ع بيروت”، محوّلةً مرفأ بيروت إلى ساحة للاستعراض السياحي. ويبدو لافتاً في الفيديو المشهد الليلي للعاصمة وهي مُضاءة بالكامل. يشعر المغترب أو السائح أنه في بلد عادي لا يموت من العتمة والفساد… تقول مشعلاني في أغنيتها الوطنية شديدة الرومانسية “يلّلي رايح رح يرجع”… لا تُحلّ الأزمات بالأغاني!

إقرأوا أيضاً:

13.07.2022
زمن القراءة: 4 minutes

تحاول السلطة تغطية البركان الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم. فقصر المسافة بين الساحل والجبل، وتنوّع المناخ، وجماليّة المناطق اللبنانية لا تعني أنّ لبنان تمكن من لثم المأساة واخفائها. 

“في علاقة صارت مختلّة بين البلد وولادو والمغترب شايفها وحاسسها وفات باللعبة لأنو طبعاً بدو يجي يطل عأهلو. وهو طالع من المطار وعم بشوف لافتة مكتوب عليها (أهلا بهالطلّة) عم بيركّب الشنط بالسيارة اللي جزء كبير منها أدوية وسلع غذائية”، تعلق الكاتبة الصحافية رشا الأطرش بمرارة ساخرة على الحملة التي تنتشر في لبنان لجذب المغتربين للمجيء الى لبنان خلال العطلة الصيفية. 

معظم اللبنانيين الذين يزورون ذويهم يأتون محملين بأدوية وسلع وحاجيات تفتقدها شريحة واسعة من المقيمين، من هنا بدت الحملة الإعلامية والإعلانية الصاخبة بعيدة من الواقع اللبناني حيث العتمة ونقص الخبز والدواء.

 “أهلاً بهالطّلة” هو شعار الحملة السياحية التي أطلقتها وزارة السياحة لهذا الموسم. ربّما تعني أهلاً بالـ”فريش دولار” لاستقطاب السيّاح اللبنانيين، ومحاولة استقطاب العرب “الأشقّاء” وغيرهم لدعم السياحة.

“أهلاً بهالطلّة” و”مشتاق للبنان طل هالصيفيّة”، شعارات تغض الطرف عن الأزمات التي سيضطر السائح إلى مواجهتها من اللحظة التي يصل فيها إلى مطار بيروت، إلى أن يغادر، من شح المياه إلى التقنين الكهربائي مروراً بالفقر والكآبة العامة… 

“بجنونك بحبّك” هكذا يستقبل مطار بيروت السياح والمغتربين، ثم في الشارع الخارجي تكون بانتظارهم لافتات “أهلا بهالطلّة” التي رُفعت بعد إزالة صور مرجعيّات سياسيّة وحزبيّة مثل صور قائد فيلق القدس (الذي اغتيل في بغداد) قاسم سليماني وأمين عام “حزب الله” حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. 

تعتبر الأطرش أن هذا المشهد “أشبه بالكوميديا السوداء حيث تم استبدال هذه الصور في أثناء الموسم السياحي بـ(أهلا بهالطلّة) وعندما يعود المغتربون والسيّاح إلى بلادهم ينتهي هذا الوهم”.

المنتجعات السياحيّة وخزينة الدولة لا تملك سوى هذا الموسم لتعويض بعض الخسائر عبر إدخال العملة الصعبة وإنعاش الاقتصاد. لكن هذا ما اعتبرته الأطرش “مثيراً للشفقة”: “رغم الوضع الاقتصادي السيّئ وضرورة تشجيع السياحة لكن أسلوب الترويج للحملة السياحية محزن ويعكس فصاماً”. 

يكمُن هذا السرد في ما تحاول المنظومة اللبنانية تصويره والذي يندرج تحت مسمّى “الكذب السياسي”. وهو مصطلح استُخدم سابقاً في حروبٍ عالمية وإقليميّة، وتعاد ترجمته اليوم في لبنان إلى جانب الانتهازيّة وحملة إعلامية تعج بالوهم.

إقرأوا أيضاً:

كيف تنتهز المنظومة المأساة اللبنانيّة؟

الانتهازية تعني، قاموسياً، السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف وغالباً ما تكون نفعية، “ما تقوم به السلطة اليوم هو Pause على مأساة اللبنانيّين، لتدعم صمودها في وقتٍ محدد. هو مشهد محزن ومثير للشفقة”، تردف الأطرش.

تحاول السلطة تغطية البركان الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم. فقصر المسافة بين الساحل والجبل، وتنوّع المناخ، وجماليّة المناطق اللبنانية لا تعني أنّ لبنان تمكن من لثم المأساة واخفائها. 

“قد نصل في نهاية أيلول/ سبتمبر إلى مليون و200 ألف سائح، 25 في المئة منهم من دول عربية”، قال وزير السياحة وليد نصار. وإذ تعوّل الدولة على القطاع السياحي لينهض، ولو قليلاً، بالقطاعات الأخرى، يوضح محمد دقدوق، رئيس “نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة”، أن نسبة التشغيل في هذا القطاع “وصلت إلى ما بين 95 و100 في المئة خلال فترة عيد الأضحى”. يعني ذلك أن من يعيش في أزمته اليومية، وجد وظيفة موقّتة في هذا الموسم تعيله لفترة عابرة.

 يأتي ذلك بعد معاناة بدأت من عام 2019، وصولاً إلى جائحة “كورونا” في 2020 وانفجار مرفأ بيروت، والأزمات المتتالية والمستمرة حتى اليوم. المنفس الوحيد المتاح أمام الدولة هو السياحة، فعلى رغم “الإقبال الكبير والحجوزات المكتملة” يصعب على اللبنانيين غض النظر على الجوانب الأخرى. فإطلاق “أهلاً بهالطلة” أثار جدلاً وحمل حركة اعتبرها البعض “مستفزّة”، مع العلم أن الإيرادات التي ستدخل على خزينة الدولة ستكون بـ”الفريش دولار”. 

من المفارقات الفاقعة هو استعانة الحملة الإعلانية بالمغنّي اللبناني معين شريف الذي ظهر مع فريق من طيران الشرق الأوسط وهم يستقبلون المغتربين والسيّاح في مطار بيروت على أغنية بعدك بيروت: “مشتاق شوفك والدّني بعدها دني” في صالة المطار المهترئة. هي كلمات لا تمت لبيروت بصلة، ولا ببقائها كما هي، ولا “الدني بعدها دني”. أثناء مشاهدة المواطن اللبناني لهذه الحملة الغنائية على إحدى القنوات التي تبنّتها، يُحتَمل كثيراً أن تنقطع الكهرباء. “شركة الطيران الوطنية التي كان تأسيسها وتوسعها رمزاً لمرحلة ذهبية باتت تُحتّم عليك كلبناني أن تدفع لها بالفريش دولار”، تقول الأطرش. 

هذا الاحتفاء الوطني الفني لم يقتصر على شريف فحسب، بل اجتهدت فيه المغنّية اللبنانية باسكال مشعلاني وأطلقت فيديو كليب أغنية “ع بيروت”، محوّلةً مرفأ بيروت إلى ساحة للاستعراض السياحي. ويبدو لافتاً في الفيديو المشهد الليلي للعاصمة وهي مُضاءة بالكامل. يشعر المغترب أو السائح أنه في بلد عادي لا يموت من العتمة والفساد… تقول مشعلاني في أغنيتها الوطنية شديدة الرومانسية “يلّلي رايح رح يرجع”… لا تُحلّ الأزمات بالأغاني!

إقرأوا أيضاً: