دخلت العاملة المنزلية يسرا التي تساعدني إلى المطبخ صباحاً وشاهدت باقات البقدونس موضوعة على طاولة المطبخ وسألت فوراً: كم باقة؟ أجبتها: ثلاثاً.
ثم التفتت فوجدت عجينة الكبة موضوعة في وعاء والحشوة في وعاء ثانٍ. وقبل أن تستكشف بقية المواد المعدّة للتحضير والطبخ. سألتني : هل دعوتِ أحداً ؟ “عندك عزيمة ؟” أجبتها :نعم.
وعندها بدأت تصرخ: “ليش العزايم؟ مين عاد عمل عزايم؟ ما حدا عم يعزم حدا”.
أخذت أراقبها بصمت وهي تدور في مكانها وكأنها تبحث عن شيء أضاعته. وبين دهشتي التي أثارت حيرتها وخوفها وبين سكوتها الناقم بعد الصراخ، صار الجو ثقيلاً ولم يعد بإمكان إحدانا أن تجد الأوكسيجين اللازم للتنفس.
المعضلة أنني لم أتمكّن من مجابهة الغضب الذي ليس له مبرّر في الظروف الطبيعية.
كل ما هناك أن هذه مشاعر العوز والتقشف التي يعرفها العمال المنزليون تُكبت عادة ولا تُنطق بصوت عالٍ لكنها خرجت بطلاقة على لسانها، فقدرتها على التحمّل قد نفذت.
لقد انكسرت النفوس وانكسرت القيم. وأنا أيضاً شعرت بالانكسار. لم أطلب منها اعتذاراً وشعرت أنني أنا التي يجب أن تعتذر.
كيف سيستمرّ الناس ومنهم هذه المرأة بالعيش في مجتمع ظالم لا أمل بالخلاص فيه؟ لأي غاية ستبقى تعمل ساعات طويلة لتجد نفسها عاجزة عن تحصيل لقمتها؟
وكما أن بلدنا تحت المقاطعة الاقتصادية والسياسية وكما أننا ذُللنا لدرجة أننا لا نستطيع أن نعبر الحدود إلى البلدان المجاورة دون أن نقدّم أوراق اعتمادنا لجهات لا ندري ما علاقتنا بها ونبين لها براءتنا من الذنب الذي لم نقترفه. سيتحوّل الناس في الداخل إلى وحوش. يتربصون ببعضهم من أجل لقمة.
هذه اللقمة التي يقال أنّها تزيح النقمة. لكنها تزيحها فقط إذا كانت مشبِعة. ويبدو أنها لم تعد كذلك.
أيها السوريون. الزموا منازلكم و لاتدعوا أحداً إلى مائدتكم. واستعدّوا للمجاعة الآتية حتماً. يبدو أن المجاعة صارت بيننا ولكننا نأبى أن نعترف.
إقرأوا أيضاً: