fbpx

أي أمل لمجتمع المثليّين والمتحوّلين جنسياً في لبنان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعميم مشهد متخيل عن مجتمع الميم بتنوعه، على أنه متقدم وصورة لبنان العصري، ليس إلا هواية ماكرة ومتلاعبة عن “لبناننا العنيف” ومحاولة لتحميله مضامين غير واقعية، تشبه إلى حدٍّ بعيد ما يرسمه المغتربون عن بلدهم لدى الأغراب، بأنه بقعة العصرنة والانفتاح وسط خراب الشرق الأوسط وعنفه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تزال طريق المجتمع المثلي وعابري الجنس والمتحولين في لبنان شاقة وطويلة. هذا أقل ما يمكن وصفه في ظل العنف الذي يتعرض له المثليون والمثليات وقبلهم المتحولون وعابرو الجنس، الذين تنتهك حقوقهم ويتعرضون لشتى أنواع العنف الجسدي واللفظي. ولا أستثني الغبن والتعنيف الحاصل في مجتمع المثليين نفسه. إذ يتعرض عابرو الجنس والمتحولين والمتحولات لتحقير نابع من جهل متفش بين بعض المجموعات المثلية. هذا للأسف نتيجة ثقافة محدودة حول الجندرة وتنوع الصنوف الجنسانية والهويات، وتماثل مضمر مع ذكورية المجتمع.

وعلى رغم التهليل الحاصل لقرار قضائي صدر مؤخراً لكونه صادر عن محكمة استئناف ولم يجرّم المثلية، إلا أن الواقع القانوني لا يزال يعد الأمر “خروجاً عن الطبيعة” في المادة 534 من قانون العقوبات، وكأن الطبيعة لها أشكال ورغبات محددة والقانون اللبناني، الذي يعتوره الكثير من البنود المجحفة، يملك تصنيفاً وضعياً لها. يتعاطى القانون مع هذه الشريحة بشكل تمييزي تقمع الحرية الشخصية للأفراد ولا تحترم خياراتهم والأهم تعاقبهم على هوياتهم الجنسية.

والحال تجعلنا نسأل عن الآمال التي نعلقها أفراداً ومواطنين على قرارات لم تصل مع منتصف عام 2018 إلى الضغط الكافي لإلغاء مادة مجحفة، لا بل قاتلة لمواطنين يُعتبر القانون سندهم الوحيد. فهم يعيشون في مجتمع يحتقر وجودهم وينبذهم ويعرّضهم لشتى أنواع التنكيل والمهانة، بدءاً من الشارع وصولاً إلى مخافر الدرك وفحوص العار، التي على رغم التنديد بها من قبل نقابة الأطباء، إلا أنها ما برحت سارية المفعول.

وتعميم مشهد متخيّل عن مجتمع الميم بتنوّعه، على أنه متقدّم وصورة لبنان العصري، ليس إلا هواية ماكرة ومتلاعبة عن “لبناننا العنيف” ومحاولة لتحميله مضامين غير واقعيّة، تشبه إلى حدٍّ بعيد ما يرسمه المغتربون عن بلدهم لدى الأغراب، بأنه بقعة العصرنة والانفتاح وسط خراب الشرق الأوسط وعنفه. واعتبار بيروت “ملاذاً آمناً” للمثليّين والمتحوّلين، هو ضرب من ضروب المبالغة التي يحب لبنانيون وصف ذاتهم بها وتخيّل تفوّق مزعوم على المجتمعات العربية.

اعتبار بيروت “ملاذاً آمناً” للمثليين والمتحولين، هو ضرب من ضروب المبالغة التي يحب لبنانيون وصف ذاتهم بها وتخيل تفوق مزعوم على المجتمعات العربية.  ربما شارعان في بيروت، هما أفضل حالاً من مدن عربية أخرى ويتوقف الأمر هنا. فهذا المجتمع المفكك أصلاً، يكاد يحطم كل أقلية وفرد في ظل منظومة قمعيّة متمثلة بالطوائف والأحزاب ومراكز أمنية

 

ربما شارعان في بيروت، هما أفضل حالاً من مدن عربية أخرى ويتوقف الأمر هنا. فهذا المجتمع المفكك أصلاً، يكاد يحطم كل أقلية وفرد في ظل منظومة قمعية متمثلة بالطوائف والأحزاب ومراكز أمنية باتت تعلي من شأن التخويف والملاحقة والقمع، ولبنان يعيش على وقع ملاحقات بحق ناشطين على مواقع التواصل بحجج واهية وبمنطق تسلّطي. بعض التهم يتعلق بالدفاع عن أشخاص رحلوا (على أنهم رموز دينية)، وبعضها عن سلطة سياسية تكاد تقدّس نفسها وهي تنمو في ظلال الفساد والرشى وتقاسم الحصص والوراثة العائلية.

والواقع أن معاقبة المثليّين والمتحوّلين على حياتهم الطبيعية في ممارسة عيشهم اليومي كأفراد أحرار، ينطلي في جوهره على عقاب جماعي تمارسه السلطة باسم سلطة المجتمع الأهلي. فالسلطة هنا تمثّل صورة دالة عن المجتمع الطائفي والمذهبي والمناطقي والقبلي، الذي يكره أي تمايز أو اختلاف ويمعن في التطابق والانتظام في المتعارف والمقبول، حتى لو كان هذا المتعارف عليه مذموماً كالثأر والشليفة وتعنيف النساء والاغتصاب.

إذاً، هذا التهليل على مواقع التواصل نمارسه كصوت افتراضي لكنه في الحقيقة لا يغيّر في الوضع المأسوي للمثليّين والمتحوّلين  والعابرين جنسياً شيئاً. والفيديو الذي انتشر أخيراً لرجل يعتدي على متحوّلة جنسية ويكيل لها الشتائم، ليس سوى دلالة صارخة على ما يتعرّض له المتحوّلون، حتى لو كانوا “عمّال جنس”، كما أشير إلى المتحوّلة. هذه القسوة التي ظهرت في الفيديو، قابلها عنف شديد على مواقع التواصل ومن بعض المثليّين أيضاً، حيث اعتبروا أن المتحوّلة تستحق الاعتداء والإساءة لكونها تعمل في البغاء، وللأسف لن يسعفها أي قانون ولن تحميها أي سلطة أمنية.

هناك أفراد من مجتمع الميم لا يستطيعون العيش في بيروت لأسباب مختلفة (اقتصادية أولاً)، وهناك مثليّون ومثليّات ومتحوّلون ومتحوّلات يتعايشون مع الخوف والرهاب والتعنيف في مجتمعات الأطراف (المناطق البعيدة والمدن الكبرى الأخرى كطربلس وصيدا وصور وبعلبك وغيرها). هذا أيضاً يطرح مسؤولية على الجمعيّات المعنيّة بمجتمع الميم التي تتكاثر وتزداد برامجها وتكاد تصل فقط إلى مجتمع ضيّق هو في الأصل متحرّر بعض الشيء من قيود الأهل ويعيش أفراده حرية مبتورة في العاصمة وبين مقاهيها وبعض أماكنها التي تعدّ “غاي فرندلي”. وهنا أنوّه بجهود قامت بها ناشطات وناشطون في جمعية “حلم”، لإقامة نقاط تواصل مع مدن لبنانية أخرى والتشبيك مع مجموعات لا يمكنها الانتقال إلى بيروت.

لكن كل هذه الجهود ومدى صعوبتها تجعلنا أيضاً نسأل عن المجتمع التضامني في مجتمع الميم وفكرة التطوع والنضال لقضايا الجندرة والتنوع الهوياتي والجنساني، وهو ما يُعد مسؤولية هذا المجتمع قبل غيره. أعلم الصعوبات، وليس المطلوب تعريض مزيد من أفراد هذا المجتمع للخطر، لكن الخطط تتبدل والأفكار هنا مسؤولية نقدية علينا التعامل معها بمرونة أكبر وانفتاح، وهنا مسؤولية الناشطين في تفعيل الضغط المدني واستقطاب أفراد ومجموعات أخرى للنزول إلى الشارع وزيارة النواب والعمل مع كتل نيابية من أجل إزالة هذه المادة. هذا إضافة إلى ضرورة عمل هذه الجمعيات مع بعضها بعضاً، مع العلم أنها تحاول دوماً، ولمحاولات الجميع أفراداً ومجموعات تحيّة، لكن النداء الدائم بعمل شفاف وواضح ومكثّف على الأقل في مرحلة الضغط لإلغاء هذه المادة، ووضعها في طي النسيان وطي معها صفحات من الإذلال والعنف وقمع فئة مهمشة تغادر البلد أو تموت فيه.