fbpx

“أُقفل حديثنا إلى الأبد”… رصاصة عرس تهشم رأس شاب عراقي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هو أخي وسندي حزنت عليه أكثر من والدي. فرغت بيوتنا بوفاته أبو غيرة ويسرع في عمل الخير”، كانت هذه آخر الكلمات التي يستطيع أحمد البوح بها عن أخيه… الدموع منعته من قول المزيد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان محمد باسم (20 سنة) يقف أمام منزله في منطقة الجعيفر، وسط العاصمة العراقية بغداد، ويتجاذب مع أخيه الذي يكبره أطراف الحديث ومشاغل الحياة اليومية، لكن رصاصة طائشة مصدرها حفل زفاف، قطعت حديث الأخوين إلى الأبد، بعدما استقرت في رأسه.

كان محمد يعمل في أحد أفران بغداد ويعيل عائلته المكونة من 4 بنات وأمه بعد وفاة والده قبل 4 أشهر، ضحية الرصاص العشوائي والسلاح المنفلت في العراق. بلغة تكاد تكون مفهومة إثر البكاء والدموع يتحدث أحمد باسم عن مساء سقوط أخيه برصاصة عشوائية.

يقول أحمد لـ”درج”: “كنت أقود دراجتي النارية في منطقتنا التي تتوسط بغداد، ورأيت محمد يقف أمام منزلنا، وقفت أحدّثه، وعلى بعد 500 متر كان يقام حفل زفاف لأحد السكان القريبين من منزلنا، وكان إطلاق النار منه كثيفاً جداً، فجأة سقط محمد والدماء ملأت المكان، ورأسه تناثر أمامي، تيقنت أن كل شيء انتهى بالنسبة إلى محمد إلينا”.

تنقل محمد بين 3 مستشفيات في بغداد لـ5 ساعات حتى استقر به الحال في مستشفى اليرموك، لكن شدة الإصابة لم تسعفه، إذ فارق الحياة في اليوم الثاني متأثرا برصاصة هشمت رأسه.

منطقة محصنة أمنياً!

في منطقة الجعيفر التي سقط فيها محمد، مراكز أمنية وقيادة شرطة بغداد ودورية للشرطة ومنازل قادة أمنيين وهي محصنة أمنياً، لكن ذلك لم يوفر ملاذاً آمناً خالياً من السلاح المنفلت لمحمد وسكان المنطقة، قصة المنطقة تحاكي وطناً كبيراً يرزح تحت السلاح المنفلت.

لم يفقد أحمد العسكري في الجيش العراقي والذي يعيش في بيت منفصل مع زوجته وأطفاله؛ الأمل في عودة أخيه إلى الحياة مرة أخرى حتى وهو يرى رأسه المتناثر، يتمالك نفسه ويسرع في نقل أخيه إلى مستشفى الكرامة في بغداد، لكنه كان خالياً من قسم للعناية المركزية، واضطرت عائلة محمد إلى نقله إلى مستشفى الكاظمية لكنهم لم يجدوا طبيباً مختصاً يعاينه.

تنقل محمد بين 3 مستشفيات في بغداد لـ5 ساعات حتى استقر به الحال في مستشفى اليرموك، لكن شدة الإصابة لم تسعفه، إذ فارق الحياة في اليوم الثاني متأثرا برصاصة هشمت رأسه.

 19 ضحية وعشرات المصابين

لا أرقام رسمية حول حصيلة ضحايا إطلاق النار في المناسبات العراقية، غير أن سقوط قتلى ومصابين في تلك المناسبات بات أمراً عادياً ومتوقعاً. 

وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بلغ عدد ضحايا إطلاق النار العشوائي خلال المناسبات الاجتماعية في العراق، مثل الزواج والعزاء والختان، أو الاشتباكات العشائرية، 19 عراقياً، وأصيب عشرات آخرون، فيما تصدرت بغداد وميسان والمثنى والبصرة قائمة المدن في عدد الضحايا.

وبينما يواصل أحمد البكاء شديداً، يناشد وزير الداخلية عثمان الغانمي التدخل لمحاسبة المقصرين في وفاة أخيه، ويقول إنه رفع دعوى قضائية على أهل العرس من حيث أطلق الرصاص العشوائي.

إقرأوا أيضاً:

الرمزيات الثلاث!

تواجه السلطات العراقية ظاهرة الرصاص العشوائي بنص قانوني منذ عهد صدام حسين ويشير النص المعتمد، وهو قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 570 لسنة 1982 بمعاقبة مطلق العيارات النارية بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات، ويقول الخبراء إن النص لا يطبق حالياً ولا يوافق المتغيرات في مواجهة الظاهرة الآخذة بالتزايد والتي وجدت طريقاً أوسع في ظل السلاح المنفلت والفوضى الأمنية بعد 2003. 

ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتور علي طاهر الحمود إن الظاهرة “ترتبط بـ3 رمزيات هي عشائرية وسياسية والثراء الفاحش الفجائي، وتنتشر في المناطق العشائرية وأطراف العاصمة بغداد وضواحيها وفي مدن جنوب العراق وغربها”.

وكانت الظاهرة تحصل في مناسبات محدودة قبل عام 2003 لكنها أصبحت متفشية في الوقت الحاضر ليصبح إطلاق النار العشوائي كأنه السبيل الوحيد للتعبير عن الأفراح والأحزان.

ويضيف الحمود لـ”درج” أن “الظاهرة ترتبط برمزية سياسية إذ شاعت ثقافة إطلاق العيارات النارية في تسعينات القرن الماضي، عندما كان يظهر الرئيس الأسبق صدام حسين وهو يحمل سلاحه الشهير “البرنو” ويطلق العيارات في الهواء تعبيراً عن السلطة والقوة والهيمنة. أما الرمزية الثالثة فسببها الثراء الفاحش لدى بعض الأشخاص، إذ يطلقون العيارات النارية في حفلات خاصة يقيمونها”.

وفي بعض المدن الجنوبية تنتشر ظاهرة إطلاق النار من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في العراق حتى باتت تقليداً عشائرياً وشعبياً، لا يمكن الاستغناء عنه، على رغم تسببه في مقتل عشرات سنوياً.

وتعد “العراضة” من الطقوس الشعبية وأبرز التقاليد العشائرية، التي أخذت بالاتساع، في وسط العراق وجنوبه، وتقترن بإطلاق العيارات النارية، التي تمارسها العشائر تعبيراً عن تضامنها في ما بينها.

لا أرقام رسمية حول حصيلة ضحايا إطلاق النار في المناسبات العراقية، غير أن سقوط قتلى ومصابين في تلك المناسبات بات أمراً عادياً ومتوقعاً. 

الأهالي يستذكرون محمد بالشموع!

وعلى رغم أن الظاهرة أصبحت تعبيراً مستهجناً في العراق، خصوصاً في الفترة الحالية، في ظل مواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم حملات إلكترونية ضد إطلاق العيارات النارية، إلا أن مشاهد الرصاص المتطاير لم تختفِ، إذ ما زالت حاضرة في الكثير من الأفراح والأحزان وحتى في انتصارات المنتخب الوطني.

ويستذكر أهالي “الجعيفر” مساء كل يوم محمد ومواقفه معهم من خلال إضاءة الشموع في المكان الذي سقط فيه برصاصة طائشة ويحملون صوره في طقوس مسائية تستمر ساعات يومياً.

“هو أخي وسندي حزنت عليه أكثر من والدي. فرغت بيوتنا بوفاته أبو غيرة ويسرع في عمل الخير”، كانت هذه آخر الكلمات التي يستطيع أحمد البوح بها عن أخيه… الدموع منعته من قول المزيد. 

إقرأوا أيضاً:

15.07.2021
زمن القراءة: 4 minutes

“هو أخي وسندي حزنت عليه أكثر من والدي. فرغت بيوتنا بوفاته أبو غيرة ويسرع في عمل الخير”، كانت هذه آخر الكلمات التي يستطيع أحمد البوح بها عن أخيه… الدموع منعته من قول المزيد.

كان محمد باسم (20 سنة) يقف أمام منزله في منطقة الجعيفر، وسط العاصمة العراقية بغداد، ويتجاذب مع أخيه الذي يكبره أطراف الحديث ومشاغل الحياة اليومية، لكن رصاصة طائشة مصدرها حفل زفاف، قطعت حديث الأخوين إلى الأبد، بعدما استقرت في رأسه.

كان محمد يعمل في أحد أفران بغداد ويعيل عائلته المكونة من 4 بنات وأمه بعد وفاة والده قبل 4 أشهر، ضحية الرصاص العشوائي والسلاح المنفلت في العراق. بلغة تكاد تكون مفهومة إثر البكاء والدموع يتحدث أحمد باسم عن مساء سقوط أخيه برصاصة عشوائية.

يقول أحمد لـ”درج”: “كنت أقود دراجتي النارية في منطقتنا التي تتوسط بغداد، ورأيت محمد يقف أمام منزلنا، وقفت أحدّثه، وعلى بعد 500 متر كان يقام حفل زفاف لأحد السكان القريبين من منزلنا، وكان إطلاق النار منه كثيفاً جداً، فجأة سقط محمد والدماء ملأت المكان، ورأسه تناثر أمامي، تيقنت أن كل شيء انتهى بالنسبة إلى محمد إلينا”.

تنقل محمد بين 3 مستشفيات في بغداد لـ5 ساعات حتى استقر به الحال في مستشفى اليرموك، لكن شدة الإصابة لم تسعفه، إذ فارق الحياة في اليوم الثاني متأثرا برصاصة هشمت رأسه.

منطقة محصنة أمنياً!

في منطقة الجعيفر التي سقط فيها محمد، مراكز أمنية وقيادة شرطة بغداد ودورية للشرطة ومنازل قادة أمنيين وهي محصنة أمنياً، لكن ذلك لم يوفر ملاذاً آمناً خالياً من السلاح المنفلت لمحمد وسكان المنطقة، قصة المنطقة تحاكي وطناً كبيراً يرزح تحت السلاح المنفلت.

لم يفقد أحمد العسكري في الجيش العراقي والذي يعيش في بيت منفصل مع زوجته وأطفاله؛ الأمل في عودة أخيه إلى الحياة مرة أخرى حتى وهو يرى رأسه المتناثر، يتمالك نفسه ويسرع في نقل أخيه إلى مستشفى الكرامة في بغداد، لكنه كان خالياً من قسم للعناية المركزية، واضطرت عائلة محمد إلى نقله إلى مستشفى الكاظمية لكنهم لم يجدوا طبيباً مختصاً يعاينه.

تنقل محمد بين 3 مستشفيات في بغداد لـ5 ساعات حتى استقر به الحال في مستشفى اليرموك، لكن شدة الإصابة لم تسعفه، إذ فارق الحياة في اليوم الثاني متأثرا برصاصة هشمت رأسه.

 19 ضحية وعشرات المصابين

لا أرقام رسمية حول حصيلة ضحايا إطلاق النار في المناسبات العراقية، غير أن سقوط قتلى ومصابين في تلك المناسبات بات أمراً عادياً ومتوقعاً. 

وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بلغ عدد ضحايا إطلاق النار العشوائي خلال المناسبات الاجتماعية في العراق، مثل الزواج والعزاء والختان، أو الاشتباكات العشائرية، 19 عراقياً، وأصيب عشرات آخرون، فيما تصدرت بغداد وميسان والمثنى والبصرة قائمة المدن في عدد الضحايا.

وبينما يواصل أحمد البكاء شديداً، يناشد وزير الداخلية عثمان الغانمي التدخل لمحاسبة المقصرين في وفاة أخيه، ويقول إنه رفع دعوى قضائية على أهل العرس من حيث أطلق الرصاص العشوائي.

إقرأوا أيضاً:

الرمزيات الثلاث!

تواجه السلطات العراقية ظاهرة الرصاص العشوائي بنص قانوني منذ عهد صدام حسين ويشير النص المعتمد، وهو قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 570 لسنة 1982 بمعاقبة مطلق العيارات النارية بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات، ويقول الخبراء إن النص لا يطبق حالياً ولا يوافق المتغيرات في مواجهة الظاهرة الآخذة بالتزايد والتي وجدت طريقاً أوسع في ظل السلاح المنفلت والفوضى الأمنية بعد 2003. 

ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتور علي طاهر الحمود إن الظاهرة “ترتبط بـ3 رمزيات هي عشائرية وسياسية والثراء الفاحش الفجائي، وتنتشر في المناطق العشائرية وأطراف العاصمة بغداد وضواحيها وفي مدن جنوب العراق وغربها”.

وكانت الظاهرة تحصل في مناسبات محدودة قبل عام 2003 لكنها أصبحت متفشية في الوقت الحاضر ليصبح إطلاق النار العشوائي كأنه السبيل الوحيد للتعبير عن الأفراح والأحزان.

ويضيف الحمود لـ”درج” أن “الظاهرة ترتبط برمزية سياسية إذ شاعت ثقافة إطلاق العيارات النارية في تسعينات القرن الماضي، عندما كان يظهر الرئيس الأسبق صدام حسين وهو يحمل سلاحه الشهير “البرنو” ويطلق العيارات في الهواء تعبيراً عن السلطة والقوة والهيمنة. أما الرمزية الثالثة فسببها الثراء الفاحش لدى بعض الأشخاص، إذ يطلقون العيارات النارية في حفلات خاصة يقيمونها”.

وفي بعض المدن الجنوبية تنتشر ظاهرة إطلاق النار من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في العراق حتى باتت تقليداً عشائرياً وشعبياً، لا يمكن الاستغناء عنه، على رغم تسببه في مقتل عشرات سنوياً.

وتعد “العراضة” من الطقوس الشعبية وأبرز التقاليد العشائرية، التي أخذت بالاتساع، في وسط العراق وجنوبه، وتقترن بإطلاق العيارات النارية، التي تمارسها العشائر تعبيراً عن تضامنها في ما بينها.

لا أرقام رسمية حول حصيلة ضحايا إطلاق النار في المناسبات العراقية، غير أن سقوط قتلى ومصابين في تلك المناسبات بات أمراً عادياً ومتوقعاً. 

الأهالي يستذكرون محمد بالشموع!

وعلى رغم أن الظاهرة أصبحت تعبيراً مستهجناً في العراق، خصوصاً في الفترة الحالية، في ظل مواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم حملات إلكترونية ضد إطلاق العيارات النارية، إلا أن مشاهد الرصاص المتطاير لم تختفِ، إذ ما زالت حاضرة في الكثير من الأفراح والأحزان وحتى في انتصارات المنتخب الوطني.

ويستذكر أهالي “الجعيفر” مساء كل يوم محمد ومواقفه معهم من خلال إضاءة الشموع في المكان الذي سقط فيه برصاصة طائشة ويحملون صوره في طقوس مسائية تستمر ساعات يومياً.

“هو أخي وسندي حزنت عليه أكثر من والدي. فرغت بيوتنا بوفاته أبو غيرة ويسرع في عمل الخير”، كانت هذه آخر الكلمات التي يستطيع أحمد البوح بها عن أخيه… الدموع منعته من قول المزيد. 

إقرأوا أيضاً: