عند الساعة الحادية عشر وخمسة عشر دقيقة ليلاً، تتصل الفتاة التي تقود سيارتها متجهة من جسر الجادرية في بغداد إلى منطقة البياع بمدير شركتها. انتاب المدير الفزع حين سمع صرخات من الجانب الاخر للهاتف، ثُم أغلَق الاتصال بعد ثواني…
حادثةٌ تُطفئ الصباح العراقي، وترهب بعضاً من ثوار ساحات التحرير. تمّ اختطاف الناشطة والمتظاهرة، صبا المهداوي، التي حرصت خلال الأسابيع الماضية من بدء الحراك الاحتجاجي العراقي، على اسعاف المتظاهرين المصابين خلال تظاهرات تشرين الأول/اكتوبر.
لم تكُن الصورة جليّة، المعلومات متضاربة، بين النفي والتأكيد. وعائلة المهداوي وأصدقاؤها لا يريدون تصديق الخبر، أو أنهم اعتقدوا أن ما حصل ممكن أن يكون نكتة سمجة، تماماً كالصور التي كانت تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن قتل نشطاء او اختفائهم منذ انطلاق التظاهرات وحتى اليوم، ليظهر فيما بعد أن الأمر خدعة، ومحض إشاعة لا أكثر …
إلا أن خبر اختفاء صبا المهداوي لم يكن إشاعة…
GPS
عبر مواقع التواصل الاجتماعي نشرت الصفحات المعنية بأمن وسلامة مستخدمي الهواتف النقال المعلومة التالية:” كان بحوزة صبا هاتفي نقال، أحدهما استخدمته للاتصال بشخص، واثناء الاتصال وحينما كانت تقود سيارتها تم اختطافها، وأغلقت الجهة الخاطفة هاتف صبا بعد دقائق، أما الثاني فلم تكُن الجهات الخاطفة على دراية به، ما منح الفرصة لاتباع موقعها من خلاله.” وبحسب ما ذكرته هذه الصفحات “أن الـ GPS أكد انها انتقلت بعد اختطافها من منطقة البياع إلى منطقة زيونة.” فيما أكدت صفحات أخرى “أن خاطفيها اتجهوا بها إلى شارع الصناعة مقابل الجامعة التكنولوجية.”
تعطيل الفيسبوك
بعد ساعات ليست بالقليلة من انتشار خبر اختطاف صبا، زار العديد من الإعلاميين والمدونين والنشطاء موقع الناشطة المختطفة عبر فيسبوك، محاولين التأكد من الخبر، إلا إن المُفاجئة حدثت مع صباح اليوم التالي من ليلة الاختطاف، وهي أن حساب الفيسبوك الخاص بصبا المهداوي قد تم تعطيله لأسباب مجهولة.
والدة صبا
“بادرت ابنتي الى مساعدة المتظاهرين منذ اليوم الاول للتظاهرة، كحال اي مواطنٍ عراقي، إلا أنها لم تقم بأكثر من ذلك”، بكلماتٍ غلبت عليها الدموع والألم، تحدثت والدة المختطفة صبا المهداوي وتقول: “ابنتي عمدت الى جمع التبرعات من صديقاتها واقاربها، ومنا نحن ايضاً اسرتها لغرض دعم التظاهرة، وتوفير الطعام والاسعاف الاولي للمتظاهرين، لكنها لم تقم بأكثر من ذلك، كانت تزور ساحة التحرير وتساعد زملائها كل يوم في إسعاف المصابين جراء التظاهرات .”
الأم طالبت الجهات المعنية بضرورة اعادة ابنتها التي لم ترتكب اي اثم تحاسب عليه وتقول ” اناشد الجهات المعنية من الحكومة العراقية والسيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، ورئيس الجمهورية برهم صالح، واناشد اي جهة باستطاعتها اعادة ابنتي لي، فأنا غير متوازنة منذ ليلة اختطافها.”
شقيقها
احمد شقيق صبا، الذي يراقب هاتفه النقال بقلق، في حال اتصال اي رقم غريب، قد يكون يحمل معلومات عن المختطفة يقول ” لقد اتصلت بها عند الساعة العاشرة مساءً ليلة يوم السبت 2 تشرين الثاني 2019، وقبل ان يتم اختطافها بساعة تقريباً، واخبرتني انها ستخرج من ساحة التحرير لتتوجه نحو البيت، إلا أننا تلقينا اتصالاً من مديرها ليُفاجئنا بقوله إن هناك من اختطف ابنتكم.”
يحاول أحمد وباقي العائلة التواصل مع كل الأطراف التي يمكن ان تساعد في كشف مصير شقيقته، ” اتصلت بجهات أمنية وحكومية للبحث عن اختي، وحتى أنني اتصلت بجهات غير حكومية كالميليشيات المسلحة، فضلاً عن جهات من الأمن الوطني ولكن الجميع يخبرونا أن لا وجود لها، سجلت محضراً في مركز الشرطة وانا بانتظار خبر يشفي غليلي.”
لم يكُن لأحمد علم بأن هنالك من تتبع هاتف صبا النقال، وان الهاتف يُنبئ عن انتقال شقيقته من منطقة البياع الى منطقة زيونة وقال ” في الواقع لا علم لي بذلك ولا اعرف حتى من الذين تتبعوا الهاتف النقال الخاص بها، كل ما اعرفه انها اختفت ولم يتصل بنا أي شخص من الجهة الخاطفة بعد.”
وتحدثنا مع شخص من الشركة حيث تعمل صبا لكنه رفض الكشف عن اسمه، وهو اكد انه صديق العائلة، وهذا ما دفعه للاتصال بعائلة صبا التي كانت تحادثه في وقت الحادث تماماً، ومدهم ببعض المتطلبات والأمور المتعلقة بعملها معه في الشركة وهي شركة معدات الثقيلة ومقرها في شارع السعدون ويقول ” بين الساعة الحادية عشر والحادية عشر وخمسة عشر دقيقة، كنت على اتصال مع صبا، وأثناء اتصالي بها سمعت صوت فرامل السيارة، وصرخات صبا مُستنجدة، ثم أُغلق الهاتف النقال بعد ثواني من تلك الصرخات، لم اجد وسيلة سوى الاتصال بأسرتها لأخبرهم بما حصل.”
مكتب العصائب
عصائب أهل الحق، هي واحدة من أبرز الميلشيات الناشطة في بغداد، ولها مقر في منطقة زيونة، وقد وجهت العديد من الاتهامات لهذه الميلشيا باختطاف الناشطة صبا المهداوي. هذه الأنباء انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي تستند الى تتبع هاتف صبا، وبحسب المعلومات فإن رصد الهاتف أثبت خطفها من منطقة البياع باتجاه منطقة زيونة، لكن العصائب نفت الأمر وأكدت أن ” لا علاقة لهم باختطاف الناشطة نهائياً.”
في الوقت ذاته أكدت جهات حكومية لعائلة صبا أن اسم ابنتهم لم يندرج ضمن قوائم المعتقلين وأنها “غير مُعتقلة من قبل اي جهة امنية او حكومية.”
تهديد المتظاهرين والنشطاء
اختفاء صبا أثار موجة قلق واستنكار واسعة داخل العراق وخارجه، ونشطت أوسمة تضامن عديدة معها وسط قلق زملائها واصدقائها،
“نحن قلقون من استمرار قمع المتظاهرين والنشطاء، سواء بالقتل الذي يحدث في ساحة التحرير وجسر الجمهورية والسنك، أو عن طريق الاختطاف.” تعبر الناشطة رسل اكرم عن مخاوفها من استمرار حالة الاختطاف هذه وتقول :” سبق وان تم اختطاف الناشط سيف الربيعي، واليوم تُختطف الناشطة صبا المهداوي، بالواقع لسنا متأكدين من اختطاف صبا من قبل ميليشيات، او اعتقالها من قبل جهات حكومية، وقد تكون هنالك عصابات اخرى قامت بخطفها مع هذه الفوضى التي نعيشها اليوم، وتخلي الحكومة عن اداء مهامها، وإصرارها على التمسك بكرسي الحكم دون الالتفات الى المصلحة العامة للشعب، فقبل ذلك تم اختطاف الدكتور ميثم الحلو واكتشفنا انه مختطف من قبل عصابات طمعاً بمبلغ مالي لا أكثر بعد أن قاموا باطلاق سراحه مقابل مبلغ مالي.”
اختطاف صبا محطة مقلقة في سياق الحراك الاحتجاجي العراقي الذي ينذر بمزيد من التصعيد مع رفض السلطات على التراجع ازاء المطالب واستمرار المتظاهرين باحتجاجاتهم…