fbpx

إسرائيل الاستعماريّة والعنصريّة والدينيّة كدولة طبيعيّة في الشرق الأوسط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الآن، وعبر تفحّص مواقف إسرائيل وسياساتها، يمكن ملاحظة أنها، حتى في علاقاتها العربية الجديدة، لا يمكن أن تقدم شيئاً مهماً للعالم العربي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يبدو أن التطوّر الأبرز في العام المنصرم (2022) يتمثّل في أن إسرائيل، رغم كل مشكلاتها الداخلية، وانكشافها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، وعدوانية إزاء الفلسطينيين، وكدولة لليمين القومي والديني المتطرف، استطاعت التموضع كدولة إقليمية في الشرق الأوسط، إذ اختفت معادلات الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي حكم النصف الثاني من القرن العشرين، بعد انفتاح دول عربية عدة على إسرائيل، بمستويات مختلفة، مباشرة أو غير مباشرة، فيما يمكن تعريفه بالموجة الثانية من التطبيع.

بيد أن تلك الموجة تتميز أيضاً عن سابقاتها (المصرية والأردنية) في الآتي:

أولاً، تجاهل قضية الفلسطينيين، على رغم أن إسرائيل باقية على موقفها بعدم تقديم أي شيء لهم، أو حتى لسلطتهم، وإصرارها على تعزيز وجودها الاستعماري في الضفة الغربية، وحؤولها دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، في التفاف على “المبادرة العربية للسلام” (الانسحاب مقابل التطبيع)، التي كانت أُقرّت في مؤتمر القمة العربي في بيروت (2002)، والتي رفضتها إسرائيل في حينه جملةً وتفصيلاً. 

ثانياً، تجاوز مستوى التطبيع بين دولتين عاديتين، كما في حالات الموجة الأولى، إلى مستوى أقرب إلى التعاون، أو التحالف، في منظومات سياسية واقتصادية، وهذا ما جرى في الفتح الجديد في الموجة الثانية من علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية.

 ثالثاً، غياب أي ردة فعل من الأنظمة الأخرى إزاء تلك الموجة، وحتى في الشارع العربي، قياساً لما حصل إبان رفض موجة التطبيع الأولى، التي جرت بعيد زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل (1977) ثم عقده اتفاقية كامب ديفيد (1978) مع إسرائيل؛ طبعاً باستثناء مظاهر التبرّم أو الرفض (الناعمة) لذلك المنحى.

رابعاً، استناد تلك الموجة إلى عوامل أخرى، ضمنها: التخوف من تغوّل نفوذ إيران في المشرق العربي واليمن، ومحاولة الاستقواء عليها من مدخل العلاقة، حتى الأمنية، مع إسرائيل، واستثمار ذلك في الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لدفعها الى الاهتمام أكثر بحاجات الدول العربية في مواجهة خطر إيران وميليشياتها الطائفية المسلّحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بدلاً من مهادنة الولايات المتحدة لها، ومعاودة عقد الاتفاق النووي معها، ال سيما على ضوء الانسحاب الأميركي من أفغانستان بالطريقة التي تم بها.

خامساً، ضعف النظام العربي وتفككه، والذي لم تعد له أولويات مشتركة، ولا يعمل بطريقة تكاملية أو تعاضدية، بقدر ما يعمل بطريقة تنافسية أو ضدية أو صراعية، ما يضعف قدرته على مواجهة الأطراف الإقليميين الآخرين، أي إيران وتركيا وإسرائيل.

سادساً، تآكل الحركة الوطنية الفلسطينية، وانقسام الفلسطينيين، بكياناتهم الجمعية، لا سيما بعد التحوّل إلى سلطة تحت الاحتلال، وانزياح القيادة الفلسطينية عن الرواية الوطنية المؤسسة، من ملف النكبة (1948) إلى ملف الاحتلال الذي بدأ في 1967، فهذا التحوّل المتضمّن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل، فتح أو شرعن أو سهّل التطبيع مع إسرائيل.

في الأحوال كافة، غدت إسرائيل، بناء على كل ما تقدّم، لا سيما بحكم علاقاتها الوطيدة والمتميزة مع الدول الكبرى وقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، في مثابة دولة عظمى فاعلة في الشرق الأوسط، مع بقائها على طبيعتها كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وعدوانية إزاء الفلسطينيين. بيد أنها فوق ذلك، للمفارقة، باتت أكثر حظوة في العالم العربي من الطرفين الإقليميين الآخرين، أي إيران وتركيا، اللتان لديهما خلافات مع الدول العربية الأكثر فاعلية في النظام العربي السائد، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية.

الآن، وعبر تفحّص مواقف إسرائيل وسياساتها، يمكن ملاحظة أنها، حتى في علاقاتها العربية الجديدة، لا يمكن أن تقدم شيئاً مهماً للعالم العربي، إذ تهتم لثلاثة جوانب استراتيجية، تحكم رؤيتها لذاتها ودورها وتموضعها في المنطقة العربية، وإزاء الأطراف الإقليمية الأخرى، أوّلها، أمنها الذاتي، وفي الإقليم، وضمن ذلك يأتي طمس قضية الفلسطينيين، أو  إزاحتها من جدول الأعمال الإقليمي والدولي، ما يفسّر كل ما جرى خلال العام المنصرم في الموجة الإسرائيلية التي يُقتل فيها فلسطينيون يومياً، مع هدم بيوت وإقامة نقاط استيطانية وانتهاكات للأماكن المقدسة. وثانيها، أمنها الإقليمي، ويشمل ذلك تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، والانخراط معها في منظومة أمنية واقتصادية وسياسية ما أمكن، وإزاحة القوى الإقليمية الأخرى، أو تحجيمها، بخاصة إيران. وثالثها، دعم مكانة الولايات المتحدة في العالم وفي الشرق الأوسط، والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي تربطها بها، لما لذلك من علاقة بأمنها وقوة مضافة تضفيها عليها.

في مرحلة ماضية، لم تنجح مشروعات الشرق الأوسط الكبير، التي نظّر وروّج لها شمعون بيريز (في التسعينات)، أحد قادة إسرائيل التاريخيين، بسبب تجاهل قضية الفلسطينيين، وسعي إسرائيل الى فرض ذاتها على الدول العربية كدولة مهيمنة في الشرق الأوسط، وهذان سببان أساسيان أيضاً لإخفاق مساعي إسرائيل الى تطبيع مكانتها في العالم العربي، مع إضافة سبب ثالث يتمثل في تموضعها وانكشافها كدولة يمينية، عنصرية، دينية، أصولية ومتطرفة، ما سيعزز من عزلتها دولياً وتفكّكها داخلياً، وثمة سبب رابع يتعلق بأن لا شيء يؤكد أنها ستضعف خطر إيران (الذي تستثمر فيه) إلا من ناحية تعزيز مكانتها الأمنية.

يقول المحلل الإسرائيلي يوسي هدار: “إسرائيل آخذة في التفكك ليس من الخارج بل من الداخل. نحن غير مبالين. من أودعت في أيديهم المسؤولية عن إدارة الدولة منشغلون بحروب سياسية قذرة، وغارقون في الفساد. الحديث لا يدور فقط حول التوترات بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين. الحديث عن كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وفقدان سيادة. في المفاوضات بيننا وبين الفلسطينيين، استخدم الزعماء الإسرائيليون عبارة “دولة ناقص”. إذا نظرنا جيداً، نحن الذين نعيش في “دولة ناقص”. (معاريف، 23/12) 

المشكلة عندنا تكمن في عدم وجود وضع فلسطيني أو عربي لديه إمكان الاستثمار في ذلك! 

04.01.2023
زمن القراءة: 4 minutes

الآن، وعبر تفحّص مواقف إسرائيل وسياساتها، يمكن ملاحظة أنها، حتى في علاقاتها العربية الجديدة، لا يمكن أن تقدم شيئاً مهماً للعالم العربي.

يبدو أن التطوّر الأبرز في العام المنصرم (2022) يتمثّل في أن إسرائيل، رغم كل مشكلاتها الداخلية، وانكشافها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، وعدوانية إزاء الفلسطينيين، وكدولة لليمين القومي والديني المتطرف، استطاعت التموضع كدولة إقليمية في الشرق الأوسط، إذ اختفت معادلات الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي حكم النصف الثاني من القرن العشرين، بعد انفتاح دول عربية عدة على إسرائيل، بمستويات مختلفة، مباشرة أو غير مباشرة، فيما يمكن تعريفه بالموجة الثانية من التطبيع.

بيد أن تلك الموجة تتميز أيضاً عن سابقاتها (المصرية والأردنية) في الآتي:

أولاً، تجاهل قضية الفلسطينيين، على رغم أن إسرائيل باقية على موقفها بعدم تقديم أي شيء لهم، أو حتى لسلطتهم، وإصرارها على تعزيز وجودها الاستعماري في الضفة الغربية، وحؤولها دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، في التفاف على “المبادرة العربية للسلام” (الانسحاب مقابل التطبيع)، التي كانت أُقرّت في مؤتمر القمة العربي في بيروت (2002)، والتي رفضتها إسرائيل في حينه جملةً وتفصيلاً. 

ثانياً، تجاوز مستوى التطبيع بين دولتين عاديتين، كما في حالات الموجة الأولى، إلى مستوى أقرب إلى التعاون، أو التحالف، في منظومات سياسية واقتصادية، وهذا ما جرى في الفتح الجديد في الموجة الثانية من علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية.

 ثالثاً، غياب أي ردة فعل من الأنظمة الأخرى إزاء تلك الموجة، وحتى في الشارع العربي، قياساً لما حصل إبان رفض موجة التطبيع الأولى، التي جرت بعيد زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل (1977) ثم عقده اتفاقية كامب ديفيد (1978) مع إسرائيل؛ طبعاً باستثناء مظاهر التبرّم أو الرفض (الناعمة) لذلك المنحى.

رابعاً، استناد تلك الموجة إلى عوامل أخرى، ضمنها: التخوف من تغوّل نفوذ إيران في المشرق العربي واليمن، ومحاولة الاستقواء عليها من مدخل العلاقة، حتى الأمنية، مع إسرائيل، واستثمار ذلك في الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لدفعها الى الاهتمام أكثر بحاجات الدول العربية في مواجهة خطر إيران وميليشياتها الطائفية المسلّحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بدلاً من مهادنة الولايات المتحدة لها، ومعاودة عقد الاتفاق النووي معها، ال سيما على ضوء الانسحاب الأميركي من أفغانستان بالطريقة التي تم بها.

خامساً، ضعف النظام العربي وتفككه، والذي لم تعد له أولويات مشتركة، ولا يعمل بطريقة تكاملية أو تعاضدية، بقدر ما يعمل بطريقة تنافسية أو ضدية أو صراعية، ما يضعف قدرته على مواجهة الأطراف الإقليميين الآخرين، أي إيران وتركيا وإسرائيل.

سادساً، تآكل الحركة الوطنية الفلسطينية، وانقسام الفلسطينيين، بكياناتهم الجمعية، لا سيما بعد التحوّل إلى سلطة تحت الاحتلال، وانزياح القيادة الفلسطينية عن الرواية الوطنية المؤسسة، من ملف النكبة (1948) إلى ملف الاحتلال الذي بدأ في 1967، فهذا التحوّل المتضمّن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل، فتح أو شرعن أو سهّل التطبيع مع إسرائيل.

في الأحوال كافة، غدت إسرائيل، بناء على كل ما تقدّم، لا سيما بحكم علاقاتها الوطيدة والمتميزة مع الدول الكبرى وقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، في مثابة دولة عظمى فاعلة في الشرق الأوسط، مع بقائها على طبيعتها كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وعدوانية إزاء الفلسطينيين. بيد أنها فوق ذلك، للمفارقة، باتت أكثر حظوة في العالم العربي من الطرفين الإقليميين الآخرين، أي إيران وتركيا، اللتان لديهما خلافات مع الدول العربية الأكثر فاعلية في النظام العربي السائد، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية.

الآن، وعبر تفحّص مواقف إسرائيل وسياساتها، يمكن ملاحظة أنها، حتى في علاقاتها العربية الجديدة، لا يمكن أن تقدم شيئاً مهماً للعالم العربي، إذ تهتم لثلاثة جوانب استراتيجية، تحكم رؤيتها لذاتها ودورها وتموضعها في المنطقة العربية، وإزاء الأطراف الإقليمية الأخرى، أوّلها، أمنها الذاتي، وفي الإقليم، وضمن ذلك يأتي طمس قضية الفلسطينيين، أو  إزاحتها من جدول الأعمال الإقليمي والدولي، ما يفسّر كل ما جرى خلال العام المنصرم في الموجة الإسرائيلية التي يُقتل فيها فلسطينيون يومياً، مع هدم بيوت وإقامة نقاط استيطانية وانتهاكات للأماكن المقدسة. وثانيها، أمنها الإقليمي، ويشمل ذلك تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، والانخراط معها في منظومة أمنية واقتصادية وسياسية ما أمكن، وإزاحة القوى الإقليمية الأخرى، أو تحجيمها، بخاصة إيران. وثالثها، دعم مكانة الولايات المتحدة في العالم وفي الشرق الأوسط، والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي تربطها بها، لما لذلك من علاقة بأمنها وقوة مضافة تضفيها عليها.

في مرحلة ماضية، لم تنجح مشروعات الشرق الأوسط الكبير، التي نظّر وروّج لها شمعون بيريز (في التسعينات)، أحد قادة إسرائيل التاريخيين، بسبب تجاهل قضية الفلسطينيين، وسعي إسرائيل الى فرض ذاتها على الدول العربية كدولة مهيمنة في الشرق الأوسط، وهذان سببان أساسيان أيضاً لإخفاق مساعي إسرائيل الى تطبيع مكانتها في العالم العربي، مع إضافة سبب ثالث يتمثل في تموضعها وانكشافها كدولة يمينية، عنصرية، دينية، أصولية ومتطرفة، ما سيعزز من عزلتها دولياً وتفكّكها داخلياً، وثمة سبب رابع يتعلق بأن لا شيء يؤكد أنها ستضعف خطر إيران (الذي تستثمر فيه) إلا من ناحية تعزيز مكانتها الأمنية.

يقول المحلل الإسرائيلي يوسي هدار: “إسرائيل آخذة في التفكك ليس من الخارج بل من الداخل. نحن غير مبالين. من أودعت في أيديهم المسؤولية عن إدارة الدولة منشغلون بحروب سياسية قذرة، وغارقون في الفساد. الحديث لا يدور فقط حول التوترات بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين. الحديث عن كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وفقدان سيادة. في المفاوضات بيننا وبين الفلسطينيين، استخدم الزعماء الإسرائيليون عبارة “دولة ناقص”. إذا نظرنا جيداً، نحن الذين نعيش في “دولة ناقص”. (معاريف، 23/12) 

المشكلة عندنا تكمن في عدم وجود وضع فلسطيني أو عربي لديه إمكان الاستثمار في ذلك!