fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

 إعادة إنتاج إسكوبار:
عن “الهيبة” وأسلحة وديع الشيخ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يريد المغني وديع الشيخ أن يفهمنا أنه زعيم ومستهدف وأنه شخصية مهمّة، وعلى الشبان اعتباره مثالاً عظيماً يحتذون به، تماماً كما يعمد كثيرون إلى تقليد جبل شيخ الجبل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتعدد الروايات حول موت بابلو إسكوبار، لكن الأكيد أن عام 1989 شهد  اغتيال “أخطر رجل في العالم”، قطب المخدرات والسياسي الكولومبي الشهير، وبذلك تم إنهاء مجده الذي دام طويلاً. 

حياة بابلو وقصة موته وكل ما فعله في العالم، تركت علامات استفهام مثيرة جداً، حتى حاولت الدراما والسينما تقديم شخصيات اسكوبارية أسطورية، لتخلق شيئاً من الجدل الذي ما زال بابلو يثيره حتى بعد سنوات من رحيله.

وكانت جملة قالتها أخته بعد موته تعني الكثير، إذ أكدت أن مقتله لا يمكن أن يوقف تجارة المخدرات والشر حول العالم… وهي على حق بطبيعة الحال، فالشر وتجارة المخدرات لم يختفيا مع نهاية بابلو.

في النسخ الهزيلة والكاريكاتورية اللبنانية المعاصرة للإسكوباريين، أمثلة كثيرة. إننا نرى اسكوباريين في الملاهي الليلية، في النوادي الرياضية، في العمل، في العلاقات العاطفية، في السياسة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي… 

إنتاج الرجال الضخام حتى المبالغة، أصحاب سلطة السلاح و”البادي غارد”، يمتد من الدراما إلى الحياة الواقعية، التي تتماهى في أحيان كثيرة مع ما تقدمه الشاشة من مغنين وسياسيين وممثلين يقدمون في سلوكهم أو أعمالهم نسخات منقحة من بابلو، رجل المافيا.

بالعودة إلى بعض مآثر إسكوبار، حاول الرجل في بداية الثمانينات تلميع صورته من خلال الأعمال الخيرية، والتوغل في السياسة. وعام 1982 أصبح نائباً في البرلمان الكولومبي، الذي كان جزءاً من الحركة الليبرالية البديلة، ومن خلالها كان مسؤولاً عن بناء المنازل وملاعب كرة القدم في غرب كولومبيا. اكتسب بذلك شعبية كبيرة لدى سكان المدن التي كان يتردد عليها. لكنه عام 1983، فقد مقعده، بعدما انتشرت أخبار عن أعماله غير الشرعية.

تعيدنا هذه القصة، إلى رجال أعمال وسياسة لبنانيين وشخصيات عامة من بينها فنانون، عملوا على الموازنة بين الفساد المحمي بالوجوه المسلحة، مقابل شعارات أو أعمال اجتماعية أو إنسانية أو فنية يختبئون خلفها، لا سيما في أيام الانتخابات والظروف الاقتصادية الصعبة، فيجمعون بذلك جماهيرهم حولهم، وتُنسى ممارساتهم القمعية أو فسادهم وانتهاكاتهم.

وهي صورة أصبحت شبه مكرسة، أن يحصد الرجل الفاسد المسلّح الاحترام ويصنف في خانة الرجال الأقوياء ويُغَض النظر عن كل مظاهر العنف والتخويف والفساد. وهي صورة انتقلت إلى الفن والدراما والسينما.

حين سألت قريبتي الصغيرة (12 سنة) عن الفيلم الذي شاهدته مع أصدقائها في السينما، ذُهلت بالفعل حين لفظت بملء فمها، “الهيبة”، وحين استفسرت، أكدت لي أنها لم تفهم شيئاً لأنها لم تكن من متابعي المسلسل بأجزائه الأربعة، لكن أصدقاءها أصروا على اختيار “الهيبة”. وهو فيلم يستكمل قصة المسلسل عن قرية في بقاع لبنان، تحكمها عائلة “شيخ الجبل” وتتولى عمليات تجارة الممنوعات بسطوة السلاح وبأفكار عشائرية تستسهل القتل والقمع والتحكّم بخيارات الآخرين. ويختبئ جبل شيخ الجبل ورجاله بفكرة حماية العشيرة وتأمين حاجات الأهالي ومساعدتهم، لتسيير أمورهم، تماماً على طريقة اسكوبار.

أستطيع أن أفهم طبعاً ماذا يمكن للصورة أن تفعل بالصغار، وكيف تستطيع أن تؤثر في عواطفهم ورؤيتهم للعالم. لكنني شعرت بالقلق بالفعل، بخاصة أن اليوم ذاته شهد، أخباراً عن توقيف رجل سلاح آخر يشبه كثيراً جبل شيخ الجبل الذي في الهيبة. لكن وديع الشيخ، المغني اللبناني، الذي نتحدث عنه ليس شخصية في فيلم.

شخصية الرجل الذي يتولى السلطة أو أمنه الشخصي أو أمن عشيرته عبر سلاح فردي لا يتوانى عن استعراضه، باتت حقيقة وموضة

وديع الشيخ شخصية واقعية تتغنى بالسلاح وبمظاهر القوة واستعراض حشد مرافقيه في كل حفلة يحييها وكل مكان يزوره أو صورة يلتقطها، وفي كل أغنية يؤديها، حتى يصبح الحب الذي يتحدث عنه، ذريعة لاستضعاف المرأة وقمعها وتحديد خياراتها والاستقواء عليها. يريد المغني وديع الشيخ أن يفهمنا أنه زعيم ومستهدف وأنه شخصية مهمّة، وعلى الشبان اعتباره مثالاً عظيماً يحتذون به، تماماً كما يعمد كثيرون إلى تقليد جبل شيخ الجبل (تمثيل تيم حسن): تسريحة شعره، اللباس الأسود، المشية، المصطلحات… وكأن هذا تحديداً ما تريده المرأة لتقع في الشباك، وهذا تحديداً ما يريده الرجل ليحظى بالسلطة.

يظهر وديع الشيخ مزنراً بالسلاح، يسير وسط «بادي غارد» لحمايته، وسيارات مصفّحة، وهو ما أدخل المغني في مشاكل استخدم فيها السلاح، وتعرّض الشيخ للتوقيف مرات عدة من قبل الأجهزة الأمنية، لكنه كان يخرج دائماً ويعود طليقاً.

شخصية الرجل الذي يتولى السلطة أو أمنه الشخصي أو أمن عشيرته عبر سلاح فردي لا يتوانى عن استعراضه، باتت حقيقة وموضة، وهي صورة فيها من الإثارة ما يسحر جزءاً غير قليل من المراهقين والشبان والشابات اللواتي قد يشعرن بالانبهار أمام رجل قوي قادر على تقديم الحماية والمال والسلطة. 

هي صورة طاعنة في الذكورية التي نحاول محاربتها، إلا أن شخصيات مثل جبل شيخ الجبل ووديع الشيخ ونوح زعيتر (تاجر مخدرات معروف، يخرج في مقابلات صحافية علناً) وغيرهم، تتولى تكريس الرجل الذكوري المسلّح الذي لا ينكسر حتى أمام القانون والدولة. وهذه طعنة أخرى في وجه هيبة الدولة والأمن.

والمشهد هنا لا ينفصل عن السياسة، ورجالها الذين يحمون المنطق الذكوري والسلطة البطريركية، التي تنتج رجالاً على هذه الشاكلة، مقابل تطويع الجماهير والنساء خصوصاً، وإسكاتهم وإجبارهم على الرضوخ والانبهار والتصفيق.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 13.01.2025

“إعادة الانتشار”… تقارير استخباراتيّة عن انسحاب الجيش السوري أمام “ردع العدوان”

تشير الوثائق إلى اختلاف بين الأوامر الأمنية التي تكشف "إعادة الانتشار" والأوامر العسكريّة التي تشير إلى الجاهزية والاستعداد للمعركة، التي اختارت الغالبية من جنود النظام ألا تخوضها.
27.10.2022
زمن القراءة: 4 minutes

يريد المغني وديع الشيخ أن يفهمنا أنه زعيم ومستهدف وأنه شخصية مهمّة، وعلى الشبان اعتباره مثالاً عظيماً يحتذون به، تماماً كما يعمد كثيرون إلى تقليد جبل شيخ الجبل.

تتعدد الروايات حول موت بابلو إسكوبار، لكن الأكيد أن عام 1989 شهد  اغتيال “أخطر رجل في العالم”، قطب المخدرات والسياسي الكولومبي الشهير، وبذلك تم إنهاء مجده الذي دام طويلاً. 

حياة بابلو وقصة موته وكل ما فعله في العالم، تركت علامات استفهام مثيرة جداً، حتى حاولت الدراما والسينما تقديم شخصيات اسكوبارية أسطورية، لتخلق شيئاً من الجدل الذي ما زال بابلو يثيره حتى بعد سنوات من رحيله.

وكانت جملة قالتها أخته بعد موته تعني الكثير، إذ أكدت أن مقتله لا يمكن أن يوقف تجارة المخدرات والشر حول العالم… وهي على حق بطبيعة الحال، فالشر وتجارة المخدرات لم يختفيا مع نهاية بابلو.

في النسخ الهزيلة والكاريكاتورية اللبنانية المعاصرة للإسكوباريين، أمثلة كثيرة. إننا نرى اسكوباريين في الملاهي الليلية، في النوادي الرياضية، في العمل، في العلاقات العاطفية، في السياسة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي… 

إنتاج الرجال الضخام حتى المبالغة، أصحاب سلطة السلاح و”البادي غارد”، يمتد من الدراما إلى الحياة الواقعية، التي تتماهى في أحيان كثيرة مع ما تقدمه الشاشة من مغنين وسياسيين وممثلين يقدمون في سلوكهم أو أعمالهم نسخات منقحة من بابلو، رجل المافيا.

بالعودة إلى بعض مآثر إسكوبار، حاول الرجل في بداية الثمانينات تلميع صورته من خلال الأعمال الخيرية، والتوغل في السياسة. وعام 1982 أصبح نائباً في البرلمان الكولومبي، الذي كان جزءاً من الحركة الليبرالية البديلة، ومن خلالها كان مسؤولاً عن بناء المنازل وملاعب كرة القدم في غرب كولومبيا. اكتسب بذلك شعبية كبيرة لدى سكان المدن التي كان يتردد عليها. لكنه عام 1983، فقد مقعده، بعدما انتشرت أخبار عن أعماله غير الشرعية.

تعيدنا هذه القصة، إلى رجال أعمال وسياسة لبنانيين وشخصيات عامة من بينها فنانون، عملوا على الموازنة بين الفساد المحمي بالوجوه المسلحة، مقابل شعارات أو أعمال اجتماعية أو إنسانية أو فنية يختبئون خلفها، لا سيما في أيام الانتخابات والظروف الاقتصادية الصعبة، فيجمعون بذلك جماهيرهم حولهم، وتُنسى ممارساتهم القمعية أو فسادهم وانتهاكاتهم.

وهي صورة أصبحت شبه مكرسة، أن يحصد الرجل الفاسد المسلّح الاحترام ويصنف في خانة الرجال الأقوياء ويُغَض النظر عن كل مظاهر العنف والتخويف والفساد. وهي صورة انتقلت إلى الفن والدراما والسينما.

حين سألت قريبتي الصغيرة (12 سنة) عن الفيلم الذي شاهدته مع أصدقائها في السينما، ذُهلت بالفعل حين لفظت بملء فمها، “الهيبة”، وحين استفسرت، أكدت لي أنها لم تفهم شيئاً لأنها لم تكن من متابعي المسلسل بأجزائه الأربعة، لكن أصدقاءها أصروا على اختيار “الهيبة”. وهو فيلم يستكمل قصة المسلسل عن قرية في بقاع لبنان، تحكمها عائلة “شيخ الجبل” وتتولى عمليات تجارة الممنوعات بسطوة السلاح وبأفكار عشائرية تستسهل القتل والقمع والتحكّم بخيارات الآخرين. ويختبئ جبل شيخ الجبل ورجاله بفكرة حماية العشيرة وتأمين حاجات الأهالي ومساعدتهم، لتسيير أمورهم، تماماً على طريقة اسكوبار.

أستطيع أن أفهم طبعاً ماذا يمكن للصورة أن تفعل بالصغار، وكيف تستطيع أن تؤثر في عواطفهم ورؤيتهم للعالم. لكنني شعرت بالقلق بالفعل، بخاصة أن اليوم ذاته شهد، أخباراً عن توقيف رجل سلاح آخر يشبه كثيراً جبل شيخ الجبل الذي في الهيبة. لكن وديع الشيخ، المغني اللبناني، الذي نتحدث عنه ليس شخصية في فيلم.

شخصية الرجل الذي يتولى السلطة أو أمنه الشخصي أو أمن عشيرته عبر سلاح فردي لا يتوانى عن استعراضه، باتت حقيقة وموضة

وديع الشيخ شخصية واقعية تتغنى بالسلاح وبمظاهر القوة واستعراض حشد مرافقيه في كل حفلة يحييها وكل مكان يزوره أو صورة يلتقطها، وفي كل أغنية يؤديها، حتى يصبح الحب الذي يتحدث عنه، ذريعة لاستضعاف المرأة وقمعها وتحديد خياراتها والاستقواء عليها. يريد المغني وديع الشيخ أن يفهمنا أنه زعيم ومستهدف وأنه شخصية مهمّة، وعلى الشبان اعتباره مثالاً عظيماً يحتذون به، تماماً كما يعمد كثيرون إلى تقليد جبل شيخ الجبل (تمثيل تيم حسن): تسريحة شعره، اللباس الأسود، المشية، المصطلحات… وكأن هذا تحديداً ما تريده المرأة لتقع في الشباك، وهذا تحديداً ما يريده الرجل ليحظى بالسلطة.

يظهر وديع الشيخ مزنراً بالسلاح، يسير وسط «بادي غارد» لحمايته، وسيارات مصفّحة، وهو ما أدخل المغني في مشاكل استخدم فيها السلاح، وتعرّض الشيخ للتوقيف مرات عدة من قبل الأجهزة الأمنية، لكنه كان يخرج دائماً ويعود طليقاً.

شخصية الرجل الذي يتولى السلطة أو أمنه الشخصي أو أمن عشيرته عبر سلاح فردي لا يتوانى عن استعراضه، باتت حقيقة وموضة، وهي صورة فيها من الإثارة ما يسحر جزءاً غير قليل من المراهقين والشبان والشابات اللواتي قد يشعرن بالانبهار أمام رجل قوي قادر على تقديم الحماية والمال والسلطة. 

هي صورة طاعنة في الذكورية التي نحاول محاربتها، إلا أن شخصيات مثل جبل شيخ الجبل ووديع الشيخ ونوح زعيتر (تاجر مخدرات معروف، يخرج في مقابلات صحافية علناً) وغيرهم، تتولى تكريس الرجل الذكوري المسلّح الذي لا ينكسر حتى أمام القانون والدولة. وهذه طعنة أخرى في وجه هيبة الدولة والأمن.

والمشهد هنا لا ينفصل عن السياسة، ورجالها الذين يحمون المنطق الذكوري والسلطة البطريركية، التي تنتج رجالاً على هذه الشاكلة، مقابل تطويع الجماهير والنساء خصوصاً، وإسكاتهم وإجبارهم على الرضوخ والانبهار والتصفيق.

27.10.2022
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية