fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“إفلاس فرنسبنك”: ما خلفيّات الإشاعة “المشبوهة” وما مصير الودائع المحجوزة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبقى المودعون الضحايا الحقيقيين الذين يتخبّطون مع كل “إشاعة” وخبر وتعميم، لمحاولة استرجاع ما أمكنهم من ودائعهم المنهوبة، في خضمّ المدّ والجزر بين كلّ من المصارف التجارية والمصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل بدأت بعض المصارف التجارية تلوّح بورقة “الإفلاس” في وجه مودعيها ووجه المصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة؟ هل هي محض إشاعات أم رسائل مبطّنة توجّهها المصارف للبنانيين؟ معرفة اللبنانييّن بالمصارف منذ اندلاع الأزمة لا تبشّر بأي شيء إيجابي، فالمصارف لا تتخذ أي خطوة من دون أن تصبّ في مصلحتها ومصلحة النافذين فيها على حساب صغار المودعين.

على رغم نفي إشاعة إفلاس فرنسبنك، إلّا أنّ توقيتها وخلفيّاتها ما زالت مجهولة، فيما يتخبّط مودعو فرنسبنك كما المصارف الأخرى بما قد تحمله الأيام المقبلة عن مصير ودائعهم المحجوزة في سيناريو “الإفلاس”. عبّر أحد المودعين في فرنسبنك، في مقابلة لموقع “درج”، عن قلقه من هذا السيناريو، معتبراً أنّ هذا السيناريو هو “عمليّة احتيال رسمية برعاية الدولة والمصرف المركزي”، خصوصاً في ظلّ وضع القضاء الحالي، إذ هو غير مؤهّل وبالتالي ستدخل التبعات القانونيّة لإعلان الإفلاس في ما سمّاه “الخبيصة القانونية” قائلًا: “لا أثق بأن تجري عملية قضائية وقانونيّة محايدة… ولا أثق بمن سيدير عمليّة الإفلاس، إذ ستكون المجموعة نفسها والعقليّة نفسها، وهي الانحياز الكامل الى أصحاب المصارف ومصالحهم”.

هل تأتي هذه الأخبار “الكاذبة” ضمن حرب إشاعات أو حرب إعلامية بين المصارف التجارية والمصرف المركزي، بهدف الضغط لتسهيلات معيّنة أم محاولات للضغط على المصرف نفسه؟ ومن المستفيد من بثّ هذه الإشاعات والقلق بين المودعين؟ ألم يكن من الأجدر أن تعلن المصارف إفلاسها منذ اليوم الأوّل للحفاظ على الودائع، أمّا اليوم وبعد 4 سنوات، تطرح هذه الإشاعات علامات استفهام حول احتمالية إعلان إفلاس بعض المصارف، والخطوات التي ستتبع ذلك وتأثيرها على المودعين. 

كان باستطاعة المصارف تجنّب الكارثة واستدراك الأزمة منذ البداية، وتطبيق القانون 67/2، خصوصاً بعدما وصفه رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين كريم ضاهر، بـ”تهوّر بعضها باستثمارات في الخارج” التي على أساسها أقرّ المصرف المركزي الهندسات المالية عام 2016، وبعدها بدأت “مزايدات بين المصارف على الهندسات المالية”، بحسب ضاهر. فعندها ارتفعت نسبة ودائع المصارف في مصرف لبنان من نحو 38 في المئة عام 2015، إلى نحو 80 في المئة عام 2019، بحسب دراسة د. توفيق كسبار بعنوان: “إلى مودعي المصارف اللبنانية: مواجهة المصارف، مصرف لبنان والحكومة”، الصادرة في أيلول/ سبتمبر 2022 عن منظّمة KAS الألمانية.

تواصل فريق “درج” مع فرنسبنك أكثر من مرّة عبر الهاتف والبريد الالكتروني، إلّا أنّ المصرف فضّل عدم الردّ على أي أسئلة تخصّ “هذه الإشاعات”.

يستغرب المحامي كريم ضاهر، في مقابلة لموقع “درج”، توقيت هذه “الإشاعة”: هل إعلان الإفلاس اليوم هو توبة؟ أم رجوع عن الخطأ بعد هذه السنوات كلها؟ قائلًا إنّه كان من الأجدر بهذه المصارف أن تعلن حالة التوقف عن الدفع عندما توقّفت عن سداد أموال المودعين وفقًا لقانون رقم 2 الصادر عام 1967: “إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة”. فبدلًا من تطبيق القانون الذي يتناوله هذا المقال تفصيلاً في مرحلة لاحقة، حاول مجلس الوزراء تنفيذ قرار جديد يغطي التجاوزات الحاصلة والتعاميم المخالفة الصادرة منذ بداية الأزمة، لكن مجلس شورى الدولة أوقف تنفيذه في 11 تمّوز/ يوليو 2023، بناءً على طعن من نقابة المحامين.

وقف قرار مجلس الوزراء 22… انتصار للمودعين ولنقابة المحامين 

صدر عن مجلس الوزراء في 18 نيسان/ أبريل 2023 القرار رقم 22، والذي يطلب من مصرف لبنان إلزام المصارف بسقف للسحوبات المتاحة، والتمييز بين الودائع “القديمة”، أي المودعة قبل الأزمة المالية، والأموال الفريش. إلّا أنّ نقابة المحامين طعنت بهذا القرار أمام مجلس شورى الدولة، وذلك بناءً على:

“إنّ القرار المطعون فيه قوننة وشرعنة هذه التعاميم المخالفة للقوانين وتمييز بين ودائع قديمة وودائع جديدة.

إنّ القرار المطعون فيه محاولة بائسة لإعطاء غطاء قانوني للتعاميم غير الشرعية التي أصدرها المصرف المركزي بشأن الودائع المجمّدة منذ شهر نيسان 2020 ولغاية تاريخه.

إنّ القرار المطعون فيه باطل ومغتصب للسلطة كونه صادراً عن سلطة غير صالحة لأن الاختصاص في التشريع يعود الى مجلس النواب”.

وغيرها من الأسباب. 

بناءً على ذلك، قرّر مجلس شورى الدولة في 11 تمّوز/ يوليو 2023، وقف تنفيذ القرار.

ما هي فترة الريبة التي تُقلق المصارف؟

عندما اندلعت الأزمة المصرفية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، سارع المصرف المركزي الى إصدار تعميمات لحماية المصارف على حساب المودعين بدلًا من اللجوء إمّا الى قانون 91/110 (إصلاح الوضع المصرفي لمعالجة وتصفية وإقفال المصارف المتعثّرة)، أو الى قانون 67/2 (إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة)، علماً أنّ الأخير يعطي 3 أطراف الحق لتطبيقه: حاكم مصرف لبنان، المصرف نفسه (تحت مادة 495 من قانون التجارة)، كل مودع أو دائن. والجدير ذكره أنّ قانون 67/2 لا يعني إفلاساً حتميّاً، لا بل هو إعطاء فرصة لإعادة هيكلة المصرف، وتغيير حوكمته وإدارته وكف يد المسؤولين عن المصارف، وانتخاب لجنة إدارة جديدة، تتضمّن ممثلين عن الدائنين والمساهمين وعضواً من كل من مصرف لبنان ووزارة المالية وخبيراً أو أكثر شرط أن لا يقل عدد الممثلين الدائنين والمساهمين عن نصف أعضاء اللجنة. وتعطى الأخيرة مهلة 6 أشهر لتجد حلاً للمصرف، بحسب المادة 18 من القانون،أما في حالة عدم تقديم اللجنة تقريرها في مهلة ستة اشهر من تعيينها يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء تعيين لجنة نظامية خاصة تتابع خلال شهرين من تاريخ تعيينها مهام اللجنة السابقة مع تفويضها بالسعي لايجاد حلول تؤمن مصالح اصحاب الحقوق بافضل الوسائل وسيما اجراء مساع لايجاد مشتر او عدة مشترين للمؤسسة المصرفية وفروعها او لاسهمها. إمّا في حال فشل أو تعذّر كل ما سبق من مساعي وإذا تبين أن المصرف لا يستطيع متابعة أعماله، فيحال الملف إلى المحكمة من أجل تصفية المصرف بإشراف لجنة خاصة مهمتها إيجاد حلول تؤمّن مصالح أصحاب الحقوق بأفضل الوسائل السريعة ومنها بيع المصرف أو أسهمه وفروعه وأصوله.، كما يوضح ضاهر.

يتمّ التحقيق مع المسؤولين الذين تمّ كف يدهم، وعندها يمكن استخدام أموالهم لإعادة تمويل المصرف، وفقًا لضاهر، الذي أكّد أنّه لو تحقّق ذلك في بداية الأزمة، لتجنّبنا تذويب الودائع والتحويلات الى الخارج غير الأصولية و/ أو الاستنسابية، لكنهم لم يريدوا ذلك… بسبب الأنانية وباتفاق ضمني مع حاكم مصرف لبنان والطبقة السياسية، ليتجنبوا تحمّل المسؤوليّة”، أو ما يُعرف بالـ Waterfall أي المسؤولية الهرمية التي تبدأ من المسؤول الأكبر (رؤساء مجلس إدارة المصارف) إلى الأصغر (المودع)، لا بل “قلبوا الهرم والمسؤولية”.

لم يُطبّق هذا القانون لخوف المصارف مما يُعرف بفترة الريبة. وينصّ قانون 67/2 على هذه

المدّة التي يتمّ فيها التحقيق في الـ 18 شهراً التي تسبق مدّة توقّف المصرف عن السداد، 

وتجميد أموال وأصول رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة ومفوّضي المراقبة ورفع السرية المصرفية عنهم، بحسب المادة 13.

فلو أعلنت المصارف إفلاسها في بداية الأزمة، كان من المرجّح أن تكشف فترة الريبة الكثير من التجاوزات أو التحويلات إلى الخارج، إلّا أنّه اليوم وبعد أزمة الكوفيد-19 وانفجار المرفأ ومرور سنوات عدة، فالتحقيق في الـ 18 شهراً سيكون بلا جدوى حقيقيّة، خصوصاً أنّ المصرف لم تعد لديه الضمانات للمودعين التي كانت لديه في بداية الأزمة.

ما هي الإجراءات القانونية؟

ينصّ القانون رقم 2 تاريخ: 16/01/1967 بعنوان: “إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة”، مع تعديلاته على الأحكام المتعلقة بالمصارف التي تتوقّف عن العمل أو الموضوع اليد عليها.

“فور ثبوت توقف أحد المصارف عن الدفع يترتب على حاكم مصرف لبنان أن يطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام هذا القانون” (المادة 2 من القانون)

“على المحكمة أن تعيّن… مديراً موقتاً من ذوي الخبرة في الشؤون المصرفية أو المالية لتصريف أعمال المصرف العادية واتخاذ التدابير الاحتياطية” تحت إشرافها. (المادة 5 من القانون)

“تنتهي مهمة المدير الموقت فور تعيين اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا القانون” (المادة 5)

تصدر المحكمة قراراً معجل التنفيذ بإعلان التوقف عن الدفع وتحديد تاريخه، وبتنحية أعضاء مجلس إدارة المصرف المتوقف عن الدفع، وبتنحية الإدارات المحلية للمصارف الأجنبية العاملة في لبنان في حال توقف أحدها عن الدفع. (المادة 6)

تعين المحكمة لجنة إدارة من ستة الى عشرة أعضاء، وتسمي من بينهم رئيساً مستقلّاً عن وزارة المالية ومصرف لبنان. (المادة 7)

تتألف اللجنة من عضو يقترحه وزير المالية، عضو يقترحه حاكم مصرف لبنان، عضو أو أكثر من ذوي الخبرة في الشؤون المصرفية أو المالية، عضو أو أكثر من الدائنين، عضو أو أكثر من المساهمين. (المادة 8)

تتولى اللجنة صلاحيات مجلس الإدارة والجمعية العمومية العادية وتتخذ التدابير التي تؤمن مصالح أصحاب الحقوق وتتناول إدارتها المصرف وفروعه. (المادة 10)

تتخذ هذه اللجنة التدابير التي تراها ضرورية للحفاظ على فروع المصرف في الخارج كلها أو بعضها وعلى موجوداتها كلياً أو جزئياً شرط ان يكون ذلك في مصلحة مجموع الدائنين وبموافقة المحكمة.

ماذا عن مصرف لبنان؟

يتوقّع ضاهر أن تكون هذه الإشاعات في سياق محاولات استنجاد أو ابتزاز المصارف التجارية مصرف لبنان لعدم التضييق عليها وتحميلها مسؤوليات، إذ إنّ مصرف لبنان يتخوّف من الـ Domino effect أي أن تطلب مصارف عدة إعلان إفلاسها، وبالتالي يصبح مصرف لبنان بمواجهة المودعين بشكل مباشر، فضلًا عن تأثير ذلك على التقييم الدولي للقطاع المصرفي الذي قد يضع لبنان عندها على القائمة السوداء في حال أصبح الإقتصاد نقدي بالكامل.

لذلك، لا بدّ من إقرار قانون عصري وعادل لإعادة هيكلة المصارف وإجراء تدقيق جنائي من تاريخ إقرار الهندسات المالية لتحديد المسؤوليّات ومعاقبة من أساء ائتمان الودائع، وفقًا لضاهر الذي حمّل المسؤولية أيضًا لشركات التدقيق المالي التي كانت منوطة مهام التدقيق والمراقبة في حسابات المصرف المركزي والمصارف التجارية على حدٍ سواء والتي ساهمت، من حيث تدري أو لا تدري،  في التعتيم على الأزمة المصرفية وفي مشاركة حاكم مصرف لبنان في إشاعة أنّ “الليرة بخير” والنظام المصرفي قوي ومتماسك.

ملكيّة فرنسبنك!

بالعودة إلى فرنسبنك، لا بدّ من الإضاءة على ملكيّة المصرف، فهو “بيزنس عائلي” بصورة عامة، يملكه آل القصّار بداية مع عادل وعدنان القصّار عام 1980. 

في دراسة أعدّها د. جاد شعبان، أستاذ جامعي في العلوم السياسية، بعنوان: “لدي القوة: تحديد الروابط بين القطاع المصرفي في لبنان والطبقة الحاكمة”، الصادرة عام 2016 عن منتدى البحوث الاقتصادية، يذكر شعبان أنّ فرنسبنك هو:

خامس أكثر مصرف (بالتساوي مع الـ BBAC الذي يمتلك فرنسبنك أسهماً فيه) يمتلكه مساهمون ذوو انتماء سياسي بشكل غير مباشر بنسبة نحو 73 في المئة ومناصفة بين نوعين من الانتماء السياسي غير المباشر: أ) مساهم كان نائباً أو وزيراً أو موظّفاً عاماً سابقاً،
ب) أحد أفراد عائلة المساهم هو سياسي حالي أو سابق.

ثالث أكثر مصرف من ناحية الروابط السياسية داخل مجلس إدارة البنوك (بعد BLC وبنك الموارد)، وذلك بنسبة 55 في المئة بحيث تجتمع ثلاثة عناصر: أ) رابط مباشر من خلال نائب أو وزير (9 في المئة)، ونوعان من الانتماء السياسي غير المباشر عبر: أ) مساهم كان نائباً أو وزيراً أو موظّفاً عاماً سابقاً، ب) أحد أفراد عائلة المساهم هو سياسي حالي أو سابق.

قائمة مالكي الأسهم حتى 28 نيسان 2023 بحسب موقع فرنسبنك هم:

يتضمّن مجلس إدارة المصرف كلّاً من:

نديم القصّار: رئيس مجلس الإدارة والمدير العام، وهو أيضاً رئيس مجلس الإدارة 

والمدير العام لشركة BLC Bank SAL ومؤسس ورئيس مجلس إدارة 

Fransabank El Jazaïr SPA. في عام 2019، تم انتخاب القصار نائباً لرئيس جمعية مصارف لبنان (ABL)، إذ كان عضواً في مجلس الإدارة منذ عام 2001، بحسب موقع البنك. وهو ابن عادل القصار، وابن أخ عدنان القصّار، وزير دولة سابق ووزير الاقتصاد والتجارة السابق.

وليد الداعوق (Cedars I): محام متخصص في القانون التجاري وقانون الشركات المدنية وقانون الملكية. في عام 2005، شغل منصب نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في نقابة المحامين في بيروت، وفي عام 2008 أصبح عضواً في هيئة التحكيم. في 2011، عُيّن وزيراً للإعلام والعدل بالوكالة، وانتهى تعيينه عام 2014.

عادل القصّار (Cedars II): نائب المدير العام التنفيذي لشركة Fransabank SAL وعضو مجلس إدارة شركة Fransabank SA (فرنسا). وهو عضو في مجلس إدارة BLC Bank SAL. استحوذ هو وشقيقه عدنان القصّار على فرنسبنك عام 1980. وهو رئيس سابق لجمعية مصارف لبنان والقنصل الفخري العام لجمهورية المجر في لبنان.

نبيل القصّار (K One (holding) SAL): نائب المدير العام لـ Fransabank SAL، ونائب رئيس مجلس إدارة BLC Bank SAL، والمدير العام لمجلس إدارة بنك Fransa Invest Bank SAL (الذراع الاستثماري لـ Fransabank SAL).

رفيق شرف الدين 

هنري دي كورتيفرون

غنطوس الجميّل: قبل انضمامه إلى مجموعة فرنسبنك، كان المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء اللبناني عامي 1999 و2000.

ويبقى المودعون الضحايا الحقيقيين الذين يتخبّطون مع كل “إشاعة” وخبر وتعميم، لمحاولة استرجاع ما أمكنهم من ودائعهم المنهوبة، في خضمّ المدّ والجزر بين كلّ من المصارف التجارية والمصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة.

18.07.2023
زمن القراءة: 9 minutes

يبقى المودعون الضحايا الحقيقيين الذين يتخبّطون مع كل “إشاعة” وخبر وتعميم، لمحاولة استرجاع ما أمكنهم من ودائعهم المنهوبة، في خضمّ المدّ والجزر بين كلّ من المصارف التجارية والمصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة.

هل بدأت بعض المصارف التجارية تلوّح بورقة “الإفلاس” في وجه مودعيها ووجه المصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة؟ هل هي محض إشاعات أم رسائل مبطّنة توجّهها المصارف للبنانيين؟ معرفة اللبنانييّن بالمصارف منذ اندلاع الأزمة لا تبشّر بأي شيء إيجابي، فالمصارف لا تتخذ أي خطوة من دون أن تصبّ في مصلحتها ومصلحة النافذين فيها على حساب صغار المودعين.

على رغم نفي إشاعة إفلاس فرنسبنك، إلّا أنّ توقيتها وخلفيّاتها ما زالت مجهولة، فيما يتخبّط مودعو فرنسبنك كما المصارف الأخرى بما قد تحمله الأيام المقبلة عن مصير ودائعهم المحجوزة في سيناريو “الإفلاس”. عبّر أحد المودعين في فرنسبنك، في مقابلة لموقع “درج”، عن قلقه من هذا السيناريو، معتبراً أنّ هذا السيناريو هو “عمليّة احتيال رسمية برعاية الدولة والمصرف المركزي”، خصوصاً في ظلّ وضع القضاء الحالي، إذ هو غير مؤهّل وبالتالي ستدخل التبعات القانونيّة لإعلان الإفلاس في ما سمّاه “الخبيصة القانونية” قائلًا: “لا أثق بأن تجري عملية قضائية وقانونيّة محايدة… ولا أثق بمن سيدير عمليّة الإفلاس، إذ ستكون المجموعة نفسها والعقليّة نفسها، وهي الانحياز الكامل الى أصحاب المصارف ومصالحهم”.

هل تأتي هذه الأخبار “الكاذبة” ضمن حرب إشاعات أو حرب إعلامية بين المصارف التجارية والمصرف المركزي، بهدف الضغط لتسهيلات معيّنة أم محاولات للضغط على المصرف نفسه؟ ومن المستفيد من بثّ هذه الإشاعات والقلق بين المودعين؟ ألم يكن من الأجدر أن تعلن المصارف إفلاسها منذ اليوم الأوّل للحفاظ على الودائع، أمّا اليوم وبعد 4 سنوات، تطرح هذه الإشاعات علامات استفهام حول احتمالية إعلان إفلاس بعض المصارف، والخطوات التي ستتبع ذلك وتأثيرها على المودعين. 

كان باستطاعة المصارف تجنّب الكارثة واستدراك الأزمة منذ البداية، وتطبيق القانون 67/2، خصوصاً بعدما وصفه رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين كريم ضاهر، بـ”تهوّر بعضها باستثمارات في الخارج” التي على أساسها أقرّ المصرف المركزي الهندسات المالية عام 2016، وبعدها بدأت “مزايدات بين المصارف على الهندسات المالية”، بحسب ضاهر. فعندها ارتفعت نسبة ودائع المصارف في مصرف لبنان من نحو 38 في المئة عام 2015، إلى نحو 80 في المئة عام 2019، بحسب دراسة د. توفيق كسبار بعنوان: “إلى مودعي المصارف اللبنانية: مواجهة المصارف، مصرف لبنان والحكومة”، الصادرة في أيلول/ سبتمبر 2022 عن منظّمة KAS الألمانية.

تواصل فريق “درج” مع فرنسبنك أكثر من مرّة عبر الهاتف والبريد الالكتروني، إلّا أنّ المصرف فضّل عدم الردّ على أي أسئلة تخصّ “هذه الإشاعات”.

يستغرب المحامي كريم ضاهر، في مقابلة لموقع “درج”، توقيت هذه “الإشاعة”: هل إعلان الإفلاس اليوم هو توبة؟ أم رجوع عن الخطأ بعد هذه السنوات كلها؟ قائلًا إنّه كان من الأجدر بهذه المصارف أن تعلن حالة التوقف عن الدفع عندما توقّفت عن سداد أموال المودعين وفقًا لقانون رقم 2 الصادر عام 1967: “إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة”. فبدلًا من تطبيق القانون الذي يتناوله هذا المقال تفصيلاً في مرحلة لاحقة، حاول مجلس الوزراء تنفيذ قرار جديد يغطي التجاوزات الحاصلة والتعاميم المخالفة الصادرة منذ بداية الأزمة، لكن مجلس شورى الدولة أوقف تنفيذه في 11 تمّوز/ يوليو 2023، بناءً على طعن من نقابة المحامين.

وقف قرار مجلس الوزراء 22… انتصار للمودعين ولنقابة المحامين 

صدر عن مجلس الوزراء في 18 نيسان/ أبريل 2023 القرار رقم 22، والذي يطلب من مصرف لبنان إلزام المصارف بسقف للسحوبات المتاحة، والتمييز بين الودائع “القديمة”، أي المودعة قبل الأزمة المالية، والأموال الفريش. إلّا أنّ نقابة المحامين طعنت بهذا القرار أمام مجلس شورى الدولة، وذلك بناءً على:

“إنّ القرار المطعون فيه قوننة وشرعنة هذه التعاميم المخالفة للقوانين وتمييز بين ودائع قديمة وودائع جديدة.

إنّ القرار المطعون فيه محاولة بائسة لإعطاء غطاء قانوني للتعاميم غير الشرعية التي أصدرها المصرف المركزي بشأن الودائع المجمّدة منذ شهر نيسان 2020 ولغاية تاريخه.

إنّ القرار المطعون فيه باطل ومغتصب للسلطة كونه صادراً عن سلطة غير صالحة لأن الاختصاص في التشريع يعود الى مجلس النواب”.

وغيرها من الأسباب. 

بناءً على ذلك، قرّر مجلس شورى الدولة في 11 تمّوز/ يوليو 2023، وقف تنفيذ القرار.

ما هي فترة الريبة التي تُقلق المصارف؟

عندما اندلعت الأزمة المصرفية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، سارع المصرف المركزي الى إصدار تعميمات لحماية المصارف على حساب المودعين بدلًا من اللجوء إمّا الى قانون 91/110 (إصلاح الوضع المصرفي لمعالجة وتصفية وإقفال المصارف المتعثّرة)، أو الى قانون 67/2 (إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة)، علماً أنّ الأخير يعطي 3 أطراف الحق لتطبيقه: حاكم مصرف لبنان، المصرف نفسه (تحت مادة 495 من قانون التجارة)، كل مودع أو دائن. والجدير ذكره أنّ قانون 67/2 لا يعني إفلاساً حتميّاً، لا بل هو إعطاء فرصة لإعادة هيكلة المصرف، وتغيير حوكمته وإدارته وكف يد المسؤولين عن المصارف، وانتخاب لجنة إدارة جديدة، تتضمّن ممثلين عن الدائنين والمساهمين وعضواً من كل من مصرف لبنان ووزارة المالية وخبيراً أو أكثر شرط أن لا يقل عدد الممثلين الدائنين والمساهمين عن نصف أعضاء اللجنة. وتعطى الأخيرة مهلة 6 أشهر لتجد حلاً للمصرف، بحسب المادة 18 من القانون،أما في حالة عدم تقديم اللجنة تقريرها في مهلة ستة اشهر من تعيينها يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء تعيين لجنة نظامية خاصة تتابع خلال شهرين من تاريخ تعيينها مهام اللجنة السابقة مع تفويضها بالسعي لايجاد حلول تؤمن مصالح اصحاب الحقوق بافضل الوسائل وسيما اجراء مساع لايجاد مشتر او عدة مشترين للمؤسسة المصرفية وفروعها او لاسهمها. إمّا في حال فشل أو تعذّر كل ما سبق من مساعي وإذا تبين أن المصرف لا يستطيع متابعة أعماله، فيحال الملف إلى المحكمة من أجل تصفية المصرف بإشراف لجنة خاصة مهمتها إيجاد حلول تؤمّن مصالح أصحاب الحقوق بأفضل الوسائل السريعة ومنها بيع المصرف أو أسهمه وفروعه وأصوله.، كما يوضح ضاهر.

يتمّ التحقيق مع المسؤولين الذين تمّ كف يدهم، وعندها يمكن استخدام أموالهم لإعادة تمويل المصرف، وفقًا لضاهر، الذي أكّد أنّه لو تحقّق ذلك في بداية الأزمة، لتجنّبنا تذويب الودائع والتحويلات الى الخارج غير الأصولية و/ أو الاستنسابية، لكنهم لم يريدوا ذلك… بسبب الأنانية وباتفاق ضمني مع حاكم مصرف لبنان والطبقة السياسية، ليتجنبوا تحمّل المسؤوليّة”، أو ما يُعرف بالـ Waterfall أي المسؤولية الهرمية التي تبدأ من المسؤول الأكبر (رؤساء مجلس إدارة المصارف) إلى الأصغر (المودع)، لا بل “قلبوا الهرم والمسؤولية”.

لم يُطبّق هذا القانون لخوف المصارف مما يُعرف بفترة الريبة. وينصّ قانون 67/2 على هذه

المدّة التي يتمّ فيها التحقيق في الـ 18 شهراً التي تسبق مدّة توقّف المصرف عن السداد، 

وتجميد أموال وأصول رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة ومفوّضي المراقبة ورفع السرية المصرفية عنهم، بحسب المادة 13.

فلو أعلنت المصارف إفلاسها في بداية الأزمة، كان من المرجّح أن تكشف فترة الريبة الكثير من التجاوزات أو التحويلات إلى الخارج، إلّا أنّه اليوم وبعد أزمة الكوفيد-19 وانفجار المرفأ ومرور سنوات عدة، فالتحقيق في الـ 18 شهراً سيكون بلا جدوى حقيقيّة، خصوصاً أنّ المصرف لم تعد لديه الضمانات للمودعين التي كانت لديه في بداية الأزمة.

ما هي الإجراءات القانونية؟

ينصّ القانون رقم 2 تاريخ: 16/01/1967 بعنوان: “إخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة”، مع تعديلاته على الأحكام المتعلقة بالمصارف التي تتوقّف عن العمل أو الموضوع اليد عليها.

“فور ثبوت توقف أحد المصارف عن الدفع يترتب على حاكم مصرف لبنان أن يطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام هذا القانون” (المادة 2 من القانون)

“على المحكمة أن تعيّن… مديراً موقتاً من ذوي الخبرة في الشؤون المصرفية أو المالية لتصريف أعمال المصرف العادية واتخاذ التدابير الاحتياطية” تحت إشرافها. (المادة 5 من القانون)

“تنتهي مهمة المدير الموقت فور تعيين اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا القانون” (المادة 5)

تصدر المحكمة قراراً معجل التنفيذ بإعلان التوقف عن الدفع وتحديد تاريخه، وبتنحية أعضاء مجلس إدارة المصرف المتوقف عن الدفع، وبتنحية الإدارات المحلية للمصارف الأجنبية العاملة في لبنان في حال توقف أحدها عن الدفع. (المادة 6)

تعين المحكمة لجنة إدارة من ستة الى عشرة أعضاء، وتسمي من بينهم رئيساً مستقلّاً عن وزارة المالية ومصرف لبنان. (المادة 7)

تتألف اللجنة من عضو يقترحه وزير المالية، عضو يقترحه حاكم مصرف لبنان، عضو أو أكثر من ذوي الخبرة في الشؤون المصرفية أو المالية، عضو أو أكثر من الدائنين، عضو أو أكثر من المساهمين. (المادة 8)

تتولى اللجنة صلاحيات مجلس الإدارة والجمعية العمومية العادية وتتخذ التدابير التي تؤمن مصالح أصحاب الحقوق وتتناول إدارتها المصرف وفروعه. (المادة 10)

تتخذ هذه اللجنة التدابير التي تراها ضرورية للحفاظ على فروع المصرف في الخارج كلها أو بعضها وعلى موجوداتها كلياً أو جزئياً شرط ان يكون ذلك في مصلحة مجموع الدائنين وبموافقة المحكمة.

ماذا عن مصرف لبنان؟

يتوقّع ضاهر أن تكون هذه الإشاعات في سياق محاولات استنجاد أو ابتزاز المصارف التجارية مصرف لبنان لعدم التضييق عليها وتحميلها مسؤوليات، إذ إنّ مصرف لبنان يتخوّف من الـ Domino effect أي أن تطلب مصارف عدة إعلان إفلاسها، وبالتالي يصبح مصرف لبنان بمواجهة المودعين بشكل مباشر، فضلًا عن تأثير ذلك على التقييم الدولي للقطاع المصرفي الذي قد يضع لبنان عندها على القائمة السوداء في حال أصبح الإقتصاد نقدي بالكامل.

لذلك، لا بدّ من إقرار قانون عصري وعادل لإعادة هيكلة المصارف وإجراء تدقيق جنائي من تاريخ إقرار الهندسات المالية لتحديد المسؤوليّات ومعاقبة من أساء ائتمان الودائع، وفقًا لضاهر الذي حمّل المسؤولية أيضًا لشركات التدقيق المالي التي كانت منوطة مهام التدقيق والمراقبة في حسابات المصرف المركزي والمصارف التجارية على حدٍ سواء والتي ساهمت، من حيث تدري أو لا تدري،  في التعتيم على الأزمة المصرفية وفي مشاركة حاكم مصرف لبنان في إشاعة أنّ “الليرة بخير” والنظام المصرفي قوي ومتماسك.

ملكيّة فرنسبنك!

بالعودة إلى فرنسبنك، لا بدّ من الإضاءة على ملكيّة المصرف، فهو “بيزنس عائلي” بصورة عامة، يملكه آل القصّار بداية مع عادل وعدنان القصّار عام 1980. 

في دراسة أعدّها د. جاد شعبان، أستاذ جامعي في العلوم السياسية، بعنوان: “لدي القوة: تحديد الروابط بين القطاع المصرفي في لبنان والطبقة الحاكمة”، الصادرة عام 2016 عن منتدى البحوث الاقتصادية، يذكر شعبان أنّ فرنسبنك هو:

خامس أكثر مصرف (بالتساوي مع الـ BBAC الذي يمتلك فرنسبنك أسهماً فيه) يمتلكه مساهمون ذوو انتماء سياسي بشكل غير مباشر بنسبة نحو 73 في المئة ومناصفة بين نوعين من الانتماء السياسي غير المباشر: أ) مساهم كان نائباً أو وزيراً أو موظّفاً عاماً سابقاً،
ب) أحد أفراد عائلة المساهم هو سياسي حالي أو سابق.

ثالث أكثر مصرف من ناحية الروابط السياسية داخل مجلس إدارة البنوك (بعد BLC وبنك الموارد)، وذلك بنسبة 55 في المئة بحيث تجتمع ثلاثة عناصر: أ) رابط مباشر من خلال نائب أو وزير (9 في المئة)، ونوعان من الانتماء السياسي غير المباشر عبر: أ) مساهم كان نائباً أو وزيراً أو موظّفاً عاماً سابقاً، ب) أحد أفراد عائلة المساهم هو سياسي حالي أو سابق.

قائمة مالكي الأسهم حتى 28 نيسان 2023 بحسب موقع فرنسبنك هم:

يتضمّن مجلس إدارة المصرف كلّاً من:

نديم القصّار: رئيس مجلس الإدارة والمدير العام، وهو أيضاً رئيس مجلس الإدارة 

والمدير العام لشركة BLC Bank SAL ومؤسس ورئيس مجلس إدارة 

Fransabank El Jazaïr SPA. في عام 2019، تم انتخاب القصار نائباً لرئيس جمعية مصارف لبنان (ABL)، إذ كان عضواً في مجلس الإدارة منذ عام 2001، بحسب موقع البنك. وهو ابن عادل القصار، وابن أخ عدنان القصّار، وزير دولة سابق ووزير الاقتصاد والتجارة السابق.

وليد الداعوق (Cedars I): محام متخصص في القانون التجاري وقانون الشركات المدنية وقانون الملكية. في عام 2005، شغل منصب نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في نقابة المحامين في بيروت، وفي عام 2008 أصبح عضواً في هيئة التحكيم. في 2011، عُيّن وزيراً للإعلام والعدل بالوكالة، وانتهى تعيينه عام 2014.

عادل القصّار (Cedars II): نائب المدير العام التنفيذي لشركة Fransabank SAL وعضو مجلس إدارة شركة Fransabank SA (فرنسا). وهو عضو في مجلس إدارة BLC Bank SAL. استحوذ هو وشقيقه عدنان القصّار على فرنسبنك عام 1980. وهو رئيس سابق لجمعية مصارف لبنان والقنصل الفخري العام لجمهورية المجر في لبنان.

نبيل القصّار (K One (holding) SAL): نائب المدير العام لـ Fransabank SAL، ونائب رئيس مجلس إدارة BLC Bank SAL، والمدير العام لمجلس إدارة بنك Fransa Invest Bank SAL (الذراع الاستثماري لـ Fransabank SAL).

رفيق شرف الدين 

هنري دي كورتيفرون

غنطوس الجميّل: قبل انضمامه إلى مجموعة فرنسبنك، كان المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء اللبناني عامي 1999 و2000.

ويبقى المودعون الضحايا الحقيقيين الذين يتخبّطون مع كل “إشاعة” وخبر وتعميم، لمحاولة استرجاع ما أمكنهم من ودائعهم المنهوبة، في خضمّ المدّ والجزر بين كلّ من المصارف التجارية والمصرف المركزي والحكومة اللبنانيّة.