fbpx

“إلا رسول الله”: السكين مقابل الرسوم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنها مقتلة متنقلة تحت شعار “إلا رسول الله”، لكن هذا الشعار ليس سوى تمويه خبيث يراد منه الحفاظ على “قداسة” زعماء وحكام، وتزخيم شعبية متوهمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إشهار سكين وقطع رؤوس وطعن أبرياء مقابل رسوم ساخرة. هذه معادلة يستحيل أن تستقيم.

ما حصل في الأيام الأخيرة من أزمة حول الرسوم الساخرة الفرنسية وما تبعها من حملات تحريض غلبت فيها التعمية على الدم المراق والروح المسلوبة لمصلحة “المقدس”، هو أمر لن يدفع ثمنه أحد بقدر ضحايا التضليل باسم الدين.

والجرائم المرتكبة سواء بحق المدرّس صامويل باتي أو بحق مصلين في كنيسة في نيس، هي من البشاعة والقوة بحيث يصعب حصر الجرم بمرتكبيه، خصوصاً حين ينحرف النقاش ليصبح عن صوابية نشر رسوم ساخرة، بدل حصره بفظاعة القتل والذبح بسبب فكرة مهما اعتبرناها مزعجة.

كنيسة “نوتردام” في مدينة نيس الفرنسية

وحين يكرر قادة وزعماء ووسائل إعلام عبارات من نوع “الرسوم المسيئة للإسلام” على نحو ما تفعل قناة “الجزيرة”، بما يثبت في ذهن الرأي العام التلازم بين الرسوم وحق التعبير وبين الإساءة للمقدس بوصفه كبيرة من الكبائر، فهم عملياً يشرعون الباب أمام موتورين ممن هجموا وقتلوا الأستاذ والمصلين وأبرياء آخرين.

إنها مقتلة متنقلة تحت شعار “إلا رسول الله”، لكن هذا الشعار ليس سوى تمويه خبيث يراد منه الحفاظ على “قداسة” زعماء وحكام، وتزخيم شعبية متوهمة. فأن يظهر الرئيس التركي ينشد “طلع البدر علينا” ويتصدر حملة الهجوم على فرنسا كونه “يذود عن كرامة المسلمين”، فيما هو ينتهك يومياً حقوق وكرامات شعبه وشعوب أخرى تورط نظامه بدمها فهو أمر بالغ الرثاثة. 

كيف نصدق من انبروا يهاجمون الرسوم الساخرة وهم منتهكون مستبدون فاسدون تنبغي محاكمتهم؟

لكن كيف السبيل لمثل هؤلاء في البقاء في حكمهم وكسب ودّ البسطاء والمحابين سوى باستخدام سطوة القداسة والشعبوية، سلاحاً في وجه من يقول فكرة أو ينشر رسماً ساخراً. 

والمقدس هنا كلمة تضيق وتتسع بحسب الحاجة، ولن تتوقف عند حدود رسوم، بل شهدنا كيف يساق كثيرون في دول “إسلامية” وعربية الى المحاكم والمقاصل بتهم لا تختلف عن تلك التي قتل رسامو “شارلي ايبدو” بسببها.

الغرب العنصري

والنقاش حول الرسوم الساخرة وما تبعه من جرائم، حاول البعض استدراجه نحو نقاش العنصرية في فرنسا والغرب وهذا نقاش محق وضروري، لكن محاولة كثيرين الهروب من نقاش واقع المجتمعات المسلمة للقفز نحو مسؤولية الغرب هو سقوط آخر. 

فالعلمانية الفرنسية والغربية عموماً ليست نفياً للحق في الإيمان بل هي تتمحور حول حياد الدولة والفكر إزاء الدين، وهذا ما فشلت به مجتمعاتنا العربية والاسلامية. 

مذ أعلن أبو بكر البغدادي خلافته المزعومة عام 2014 وشرع تنظيمه الإرهابي بارتكاب مجازر مرعبة باسم الإسلام، تعالت مطالبات لأكبر مؤسسات الإسلام السني أي الأزهر، بإعلان تكفير التنظيم، لكنه لم يفعل.

دان الأزهر إرهاب التنظيم ودعا إلى محاربته لكنه رفض حسم تكفيره وإخراجه من الإسلام.

بالأمس قرر مجلس حكماء المسلمين في الأزهر مقاضاة صحيفة “شارلي ايبدو” التي نشرت رسوماً ساخرة عن النبي وطلب تجريم السخرية من الإسلام.

ليس هذا الموقف محصوراً بالأزهر، لكنه موقف يمتد ليشمل قياديين إسلاميين كثر. صحيح أنهم أدانوا إرهاب “داعش” لكنها إدانة لم ترق إلى الشراسة والحماسة اللتين أثارتاهم حيال رسوم ساخرة. 

فما الذي يجعل رسوماً أكثر إزعاجاً من قتل أبرياء؟ وما الذي يجعل من السهل قتل كتّاب ومفكرين وسجنهم وتكفيرهم كما حصل مع عشرات المثقفين والنشطاء في دول عربية واسلامية.

لا تمكن محاصرة الفكرة والرسوم بفتوى أو قانون أو حتى بالقتل.

ففي عصر لا إمكان فيه لتمويه التعبير الفني أو الموقف الفكري أو السياسي أو إخفائه، من الصعب الطلب من أحد ألا يسخر أو ينتقد أو أن يجدف من معتقد مهما كان يراه البعض مقدساً.

إشهار سكين وقطع رؤوس وطعن أبرياء مقابل رسوم ساخرة.

هذه معادلة يستحيل أن تستقيم.

يتابع العالم ما يحدث في فرنسا، وما يفعله الرئيس ايمانويل ماكرون في مقاربته الإسلام الراديكالي بحسب وصفه. 

مقاربة مواقف ماكرون من زاوية تاريخ فرنسا الاستعماري الذي حتماً يستحق النقد، قد تكون مشروعة، لكنها الآن في هذا الوقت والظرف ليست سوى تمويه رخيص وهروب من مسؤولية القيادات الإسلامية وزعماء المنطقة عن إنتاج هذه الثقافة.

فرنسا دفعت أثماناً باهظة للتخلص من هيمنة الدين على الفضاء العام، 

وهذا إنجاز تاريخي ما زالت تفتخر به، بل وتدافع عنه في وجه اليمين السياسي واليسار الراديكالي والرجعية الظلامية، وهو تلازم مع إخفاق أوروبي بدأ منذ ثورات الربيع العربي، التي أجهضها بأبشع الوسائل حكام ديكتاتوريون، ما أخرج ملايين المهاجرين العرب والمسلمين إلى دول أوروبا بحثاً عن الأمان والاستقرار والحياة.

ومسألة السخرية من الأديان والأنبياء ومعتنقيها أمر تجاوزه الفرنسيون والغربيون عموماً، ولا يثير الكثير من الجلبة. إذاً، المشكلة ليست في صحيفة “شارلي إيبدو” بل هي أولاً في الثقافة التي تواجه المختلف بالقتل، والمرأة بالحجب، والحريات بالتحريم، والعلمانية بالتكفير، والمغاير بالازدراء والسجن والنفي والقتل. 

هذه ثقافة مؤسساتية لها مساحتها في مناهج التعليم ومؤسسات الدول وفي قرارات الحكام ورجال الدين بل وحتى المثقفين التابعين لهم.

هذه الثقافة جندت قتلة وإرهابيين من أقاصي الدنيا وهي نمت بوصاية إسلام سياسي وبسلطة حكام مستبدين.

تلك الثقافة قتلت مدرّس التاريخ الفرنسي وقبله وبعده أبرياء كثر، فرسوم “شارلي إيبدو”، لم تكشف لنا إلا عمق أزمة النص الديني والاستعصاء السياسي في فهم معنى الحريات وحقوق الإنسان. 

إنها مقتلة متنقلة تحت شعار “إلا رسول الله”، لكن هذا الشعار ليس سوى تمويه خبيث يراد منه الحفاظ على “قداسة” زعماء وحكام، وتزخيم شعبية متوهمة.

إشهار سكين وقطع رؤوس وطعن أبرياء مقابل رسوم ساخرة. هذه معادلة يستحيل أن تستقيم.

ما حصل في الأيام الأخيرة من أزمة حول الرسوم الساخرة الفرنسية وما تبعها من حملات تحريض غلبت فيها التعمية على الدم المراق والروح المسلوبة لمصلحة “المقدس”، هو أمر لن يدفع ثمنه أحد بقدر ضحايا التضليل باسم الدين.

والجرائم المرتكبة سواء بحق المدرّس صامويل باتي أو بحق مصلين في كنيسة في نيس، هي من البشاعة والقوة بحيث يصعب حصر الجرم بمرتكبيه، خصوصاً حين ينحرف النقاش ليصبح عن صوابية نشر رسوم ساخرة، بدل حصره بفظاعة القتل والذبح بسبب فكرة مهما اعتبرناها مزعجة.

كنيسة “نوتردام” في مدينة نيس الفرنسية

وحين يكرر قادة وزعماء ووسائل إعلام عبارات من نوع “الرسوم المسيئة للإسلام” على نحو ما تفعل قناة “الجزيرة”، بما يثبت في ذهن الرأي العام التلازم بين الرسوم وحق التعبير وبين الإساءة للمقدس بوصفه كبيرة من الكبائر، فهم عملياً يشرعون الباب أمام موتورين ممن هجموا وقتلوا الأستاذ والمصلين وأبرياء آخرين.

إنها مقتلة متنقلة تحت شعار “إلا رسول الله”، لكن هذا الشعار ليس سوى تمويه خبيث يراد منه الحفاظ على “قداسة” زعماء وحكام، وتزخيم شعبية متوهمة. فأن يظهر الرئيس التركي ينشد “طلع البدر علينا” ويتصدر حملة الهجوم على فرنسا كونه “يذود عن كرامة المسلمين”، فيما هو ينتهك يومياً حقوق وكرامات شعبه وشعوب أخرى تورط نظامه بدمها فهو أمر بالغ الرثاثة. 

كيف نصدق من انبروا يهاجمون الرسوم الساخرة وهم منتهكون مستبدون فاسدون تنبغي محاكمتهم؟

لكن كيف السبيل لمثل هؤلاء في البقاء في حكمهم وكسب ودّ البسطاء والمحابين سوى باستخدام سطوة القداسة والشعبوية، سلاحاً في وجه من يقول فكرة أو ينشر رسماً ساخراً. 

والمقدس هنا كلمة تضيق وتتسع بحسب الحاجة، ولن تتوقف عند حدود رسوم، بل شهدنا كيف يساق كثيرون في دول “إسلامية” وعربية الى المحاكم والمقاصل بتهم لا تختلف عن تلك التي قتل رسامو “شارلي ايبدو” بسببها.

الغرب العنصري

والنقاش حول الرسوم الساخرة وما تبعه من جرائم، حاول البعض استدراجه نحو نقاش العنصرية في فرنسا والغرب وهذا نقاش محق وضروري، لكن محاولة كثيرين الهروب من نقاش واقع المجتمعات المسلمة للقفز نحو مسؤولية الغرب هو سقوط آخر. 

فالعلمانية الفرنسية والغربية عموماً ليست نفياً للحق في الإيمان بل هي تتمحور حول حياد الدولة والفكر إزاء الدين، وهذا ما فشلت به مجتمعاتنا العربية والاسلامية. 

مذ أعلن أبو بكر البغدادي خلافته المزعومة عام 2014 وشرع تنظيمه الإرهابي بارتكاب مجازر مرعبة باسم الإسلام، تعالت مطالبات لأكبر مؤسسات الإسلام السني أي الأزهر، بإعلان تكفير التنظيم، لكنه لم يفعل.

دان الأزهر إرهاب التنظيم ودعا إلى محاربته لكنه رفض حسم تكفيره وإخراجه من الإسلام.

بالأمس قرر مجلس حكماء المسلمين في الأزهر مقاضاة صحيفة “شارلي ايبدو” التي نشرت رسوماً ساخرة عن النبي وطلب تجريم السخرية من الإسلام.

ليس هذا الموقف محصوراً بالأزهر، لكنه موقف يمتد ليشمل قياديين إسلاميين كثر. صحيح أنهم أدانوا إرهاب “داعش” لكنها إدانة لم ترق إلى الشراسة والحماسة اللتين أثارتاهم حيال رسوم ساخرة. 

فما الذي يجعل رسوماً أكثر إزعاجاً من قتل أبرياء؟ وما الذي يجعل من السهل قتل كتّاب ومفكرين وسجنهم وتكفيرهم كما حصل مع عشرات المثقفين والنشطاء في دول عربية واسلامية.

لا تمكن محاصرة الفكرة والرسوم بفتوى أو قانون أو حتى بالقتل.

ففي عصر لا إمكان فيه لتمويه التعبير الفني أو الموقف الفكري أو السياسي أو إخفائه، من الصعب الطلب من أحد ألا يسخر أو ينتقد أو أن يجدف من معتقد مهما كان يراه البعض مقدساً.

إشهار سكين وقطع رؤوس وطعن أبرياء مقابل رسوم ساخرة.

هذه معادلة يستحيل أن تستقيم.

يتابع العالم ما يحدث في فرنسا، وما يفعله الرئيس ايمانويل ماكرون في مقاربته الإسلام الراديكالي بحسب وصفه. 

مقاربة مواقف ماكرون من زاوية تاريخ فرنسا الاستعماري الذي حتماً يستحق النقد، قد تكون مشروعة، لكنها الآن في هذا الوقت والظرف ليست سوى تمويه رخيص وهروب من مسؤولية القيادات الإسلامية وزعماء المنطقة عن إنتاج هذه الثقافة.

فرنسا دفعت أثماناً باهظة للتخلص من هيمنة الدين على الفضاء العام، 

وهذا إنجاز تاريخي ما زالت تفتخر به، بل وتدافع عنه في وجه اليمين السياسي واليسار الراديكالي والرجعية الظلامية، وهو تلازم مع إخفاق أوروبي بدأ منذ ثورات الربيع العربي، التي أجهضها بأبشع الوسائل حكام ديكتاتوريون، ما أخرج ملايين المهاجرين العرب والمسلمين إلى دول أوروبا بحثاً عن الأمان والاستقرار والحياة.

ومسألة السخرية من الأديان والأنبياء ومعتنقيها أمر تجاوزه الفرنسيون والغربيون عموماً، ولا يثير الكثير من الجلبة. إذاً، المشكلة ليست في صحيفة “شارلي إيبدو” بل هي أولاً في الثقافة التي تواجه المختلف بالقتل، والمرأة بالحجب، والحريات بالتحريم، والعلمانية بالتكفير، والمغاير بالازدراء والسجن والنفي والقتل. 

هذه ثقافة مؤسساتية لها مساحتها في مناهج التعليم ومؤسسات الدول وفي قرارات الحكام ورجال الدين بل وحتى المثقفين التابعين لهم.

هذه الثقافة جندت قتلة وإرهابيين من أقاصي الدنيا وهي نمت بوصاية إسلام سياسي وبسلطة حكام مستبدين.

تلك الثقافة قتلت مدرّس التاريخ الفرنسي وقبله وبعده أبرياء كثر، فرسوم “شارلي إيبدو”، لم تكشف لنا إلا عمق أزمة النص الديني والاستعصاء السياسي في فهم معنى الحريات وحقوق الإنسان. 

|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية