أطل وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي ليشير إلينا نحن النساء بأن علينا أن “نطبخ شوي يوم الأحد”، لأنّ الحكومة التي فهمي في عضويتها، منعت حركة المطاعم والديليفري تبعاً لحظر التجوّل المفروض أيام الآحاد، في سياق اجراءات الحد من انتشار وباء كوفيد 19.
يريد السيد فهمي أن يحمّلنا نحن النساء مهمّة معالجة الخلل في قرار الحكومة العتيد. الحلّ برأيه لهذا القرار غير المدروس والمتسرّع لناحية إقفال قطاعات أساسية وترك أخرى مفتوحة خلال فترة الحجر، هو أن تطبخ النساء يوم الأحد.
قبل مدّة قصيرة أخبرتنا مدام حسان دياب زوجة رئيس حكومة تصريف الأعمال، بأنّ علينا نحن “الصبايا” أن “نعمل في البيوت” وألا نكون متكبّرات (لمعالجة أزمة البطالة والأوضاع المعيشية المتردية)، والآن أكمل فهمي المشهد التنميطي الرائع: “نظّفن البيوت واطبخن يوم الأحد”.
التقصير أن تُفقأ أعين متظاهرين ويخسر آخرون أعضاء من أجسادهم بسبب عناصرك والأوامر التي عليهم تنفيذها، ويخسر آخرون حياتهم، ولا يحاسَب أحد.أما بخصوص يوم الأحد، فاطبخ أنت!
لعلم فهمي وغيره، نساء كثيرات يفعلن أكثر من هذا بأشواط، النساء في بلادنا يعملن ويربين ويطبخن وينظّفن، ويتابعن دروس “الأونلاين” مع أولادهنّ، وغالباً لا يحصلن على أي مساعدة من شركائهن، في معظم المهمات الكثيرة المرتبطة بهنّ حصراً، وفق الثقافة السائدة. وعلى رغم ذلك، يكون عليهنّ الوقوف طول الوقت، وليس في أيام الآحاد فقط، في مواجهة القوانين التمييزية والسياسات الذكورية وقادتها، الذين يرسمون ابتسامةً ساخرة قائلين: “خلي النسوان يطبخوا شوي”.
الغريب أن رجلاً اعترف بعضمة لسانه في مقابلة تلفزيونية بأنه قتل رجلين في معركة من معارك الحرب اللبنانية، وقد حماه الجنرال ميشال عون الذي أصبح رئيس الجمهورية الآن، الغريب أن رجلاً كهذا ما زال في منصبه يخبرنا بما يجب وبما لا يجب، ويحدّثنا من مقام الحكيم العارف الذي يملك الحلول السحرية.
“خلي النسوان يطبخوا شوي”. يوم الأحد كنا ننزل إلى الشوارع لنتظاهر ضدّ المنظومة الحاكمة كلها والتي يشكل فهمي جزءاً منها، يوم الأحد كنتَ ترشّ الناس بالغاز مسيل الدموع حتى يتفرّقوا، ولم يكن جنودك يفرّقون بين رجل وامرأة وهم يعتدون على المتظاهرين، لكنك الآن بحنكتك العسكرية ذاتها، تطلب من النساء، معالجة فشل حكومتك، بالطبخ يوم الأحد، حتى لا تحتاج العائلات إلى خدمة توصيل الطعام إلى المنازل.
لعلمك يا سيّد فهمي، يوم الأحد عندنا نحن النساء يفترض أن يكون يوم عطلة ويوم راحة بعد أسبوع نمضيه في وظائفنا وأعمالنا… نحن نعمل ولدينا طموح ومسؤوليات، ولا ضرورة لنكون طباخات، مع احترامنا للطبخ! لكن كثيرات لا يحصلن على يوم العطلة هذا، ويضطررن للعمل في البيت بين طبخ وتعزيل وعناية بالأطفال، وقد يفعلن ذلك بحب وفرح، لكنه ليس تحصيلاً حاصلاً أو واجباً أساسياً مرتبطاً بنا كإناث، حتى تتفضل وتمليه علينا، بشيء من العتب والملامة والمحاسبة على ما تراه أنت تقصيراً. لكنّ التقصير يا سيد فهمي أن يموت 200 إنسان في انفجار مرفأ بيروت، وتمضي أشهر ولا تكشف التحقيقات أي شيء يذكر، وهي تحقيقات يفترض أن تشرف عليها وزارتك العتيدة التي لا تعطّل يوم الأحد وحسب، بل في أيام كثيرة. التقصير أن تُفقأ أعين متظاهرين ويخسر آخرون أعضاء من أجسادهم بسبب عناصرك والأوامر التي عليهم تنفيذها، ويخسر آخرون حياتهم، ولا يحاسَب أحد.
أما بخصوص يوم الأحد، فاطبخ أنت!