في السابع والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، قررت اللجنة المنظمة لمنافسات الملاكمة في دورة الألعاب الأولمبية رقم 33، المقامة في العاصمة الفرنسية باريس، استبعاد لاعبة منتخب مصر يمنى عياد من منافسات وزن تحت 54 كجم، بسبب عدم تخطيها جلسة الميزان الخاصة لهذه المنافسة، لتجاوز وزنها المعدل المطلوب بنحو 700 جراماً، لتخرج أمام اللاعبة الأوزبكستانية.
وأثار بيان الاتحاد المصري للملاكمة بشأن استبعاد أول ملاكمة مصرية تتأهل للأولمبياد في تاريخ اللعبة الفردية، حالة واسعة من الجدل؛ بخاصة في الأوساط النسوية، حول صياغة البيان “غير المناسبة وغير المهنية”، بحسب ما جاء في بيان مبادرة “سوبر وومن” النسوية، التي اعتبرت أن البيان يشير إلى “الإهمال الجسيم الذي تعرضت له اللاعبة من عدم إعداد نظام غذائي يناسبها ويضع في الحسبان طبيعتها كأنثى، بينما المسؤول عن ذلك بشكل مباشر هو الجهاز الطبي وليس اللاعبة”.
آية منير الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمؤسسة “سوبر وومن” تحدثت إلى موقع “درج” عن التمييز الذي تعرضت له بعض اللاعبات المصريات أثناء الأولمبياد التي أقيمت في الفترة 26 يوليو/ تموز حتى 11 أغسطس/ آب الجاري، وقالت “إن اللجنة الأولمبية المصرية تجاهلت تماماً الهجوم على اللاعبات السيدات، وكان عليها أن تقدم اعتذاراً رسمياً بشأن بيان الاتحاد المصري للملاكمة، في ما يخص واقعة اللاعبة يمنى عياد”، الذي وصفته منير بـ “المخزي”، حيث “استخدم البيان مصطلحات غير مهينة صورت الدورة الشهرية للسيدات كأنها مسبة أو وصم”.
ورأت منير أنه “كان على اللجنة أن تخرج ببيان في ما يخص الهجوم التي تعرضت له لاعبة سلاح السيف (السابر) المصرية ندى حافظ، حينما كشفت عن مشاركتها في منافسات دورة الألعاب الأولمبية وهي حامل، ويوضح أن اللاعبة مستحقة للتأهل وأنها لم ترتكب خطأ بمشاركتها وهي حامل، لأن ندى ليست الأولى، ففي السنوات الماضية شاركت رياضيات في بطولات عالمية أثناء حملهن”.
الرياضيات النساء أكثر عرضة للإساءة
أظهرت نتائج دراسة للاتحاد الدولي لألعاب القوى حول الإساءة عبر “الإنترنت” في دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 2020، أن 87 في المئة من الرياضيات النساء كن هدفاً للإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن هناك 16 امرأة من بين 23 رياضياً تلقوا إساءة، حيث تم تحديد 115 من أصل 132 منشوراً مسيئاً موجهاً إلى الرياضيات، بحسب الدراسة.
في حين تشير دراسة أوروبية حديثة أن الفتيات يتعرضن إلى معدلات أعلى من العنف النفسي القائم على النوع الاجتماعي في الرياضة مقارنة بالفتيان، حيث تتعرض الفتيات إلى العنف النفسي في الرياضة على شكل تعليقات مهينة، وإهانة الجسد، والتغطية الإعلامية غير العادلة والتمويل، بالإضافة إلى المراقبة المستمرة لأجساد النساء في الرياضة من خلال الملابس الرياضية والاختبارات الفسيولوجية.
لارين أحمد الفائزة بالمركز الأول في بطولة العالم لرياضتي “الكيك بوكسينج” و”الكونغ فو” ثلاث مرات، وهي مدربة ولاعبة فنون قتالية تبلغ من العمر 19 عاماً، تقول إنها “أنثى واحدة في فريق مكون من لاعبين رجال”، لذلك كان عليها دائماً أن تكون حذرة، وتشرح كيف كانت دائماً تخبر الشباب في فريقها أنها بمثابة “أخ لهم” في محاولة لحماية نفسها من أي تعدٍ أثناء التدريبات، وقد نجحت في ذلك، لكنها لم تسلم بشكل كامل “عندما يأتي شاب جديد للتدريب، قد يرى أن أنثى واحدة في فريق مكون من مجموعة من اللاعبين، قد تكون أنثى “سهلة”، لكني دائماً ما أدافع عن نفسي بيدي ضد أي تعدٍ”، تقول لارين.
تتذكر لارين واقعة تحرش تعرضت لها في شهر يونيو/ حزيران الماضي، حينما كانت تتدرب أمام أحد اللاعبين الجدد قبل مهرجان مفتوح ينظمه الاتحاد المصري “للكيك بوكسينج”، إذ شعرت بحركات يد اللاعب تتعدى حدود اللعبة، فقامت على الفور بضربه بشدة وإنهاء المباراة.
أسرة لارين لم تعارض ممارستها الرياضة قط، بل كانت داعمة ومرحبة؛ نظراً لوجود العديد من الرياضيين في العائلة، وعلى الرغم من ذلك، كثيراً ما تعرضت لارين لـ “نظرات سخرية” وعبارات مثل “يا واد يا بت” أو “مكانك المطبخ”، عن ذلك تقول لارين “الأمر يتعلق بطبيعة سكني في قرية ريفية، حيث تتزوج الفتيات في سن صغير، بالتالي يرون أن ما أفعله غريب وغير مألوف، لذلك كثيراً ما أواجه نظرات تنمر وسخرية”.
تروي هدير لاعبة منتخب الملاكمة كيف واجهت لوماً من الطبيبة السيكولوجية للمنتخب حينما اضطرت للتغيب عن تمرين صباحي؛ بسبب الآلام المصاحبة للدورة الشهرية للسيدات، أثناء إقامتها في المعسكر المغلق الذي أقيم في دولة المغرب لمنتخب الملاكمة استعداداً للمشاركة في بطولة إفريقيا 2023: “في الصباح حصلت على إذن المدرب للتغيب عن التدريب الصباحي، لكني فوجئت بالطبيبة تلومني وتتهمني بعدم المسؤولية، وقالت لي: ماذا لو أتت ليكِ الدورة الشهرية أثناء المباراة، هل ستغيبين عن المباراة”.
في عام 2020 أعلنت وزارة الشباب والرياضة المصرية إطلاق سياستها الداخلية لمناهضة التحرش بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي “GIZ”، ونصت السياسة على توفير بيئة عمل خالية من أشكال التحرش كافة وتوفير مساحات آمنة للشباب لمناهضة كل أشكال العنف والتمييز.
تخلل التعاون المشترك بين الوزارة والوكالة الألمانية تنفيذ مجموعة من المشروعات المتنوعة ومنها مبادرة “شباب ضد التحرش” كبرنامج تربوي يستهدف توعية الفتيات والشبان، وتعزيز قدراتهم الفردية، ونشر الوعي العام في ما يخص العواقب والآثار السلبية للتحرش.
في يونيو/ حزيران من العام الماضي، دعا خبراء الأمم المتحدة إلى وقف التمييز ضد المرأة في مجال الرياضة، وضمان الوصول إلى سبل فعالة للحد من انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالقواعد التي تحكم الأهلية للتنافس في الرياضات النسائية.
وبحسب بيان الأمم المتحدة، قال الخبراء، “لا ينبغي أن تتأثر الرياضة بالتمييز، ويجب أن تتمكن جميع النساء من المشاركة على قدم المساواة، ولا ينبغي استخدام خصائصهن الجنسية كسبب لاستبعادهن”، وشدد الخبراء على أن الدول “ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية الرياضيات، بمن فيهم الرياضيات ذوات الخصائص الجنسية المختلفة، من الخضوع للفحوصات والتدخلات الطبية التي تنتهك مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة والاستقلال والسلامة البدنية والنفسية للأشخاص”.
تحديات وتكاليف باهظة تتحملها اللاعبات
تأكيداً لما جاء في بيان “سوبر وومن” النسوية، حول الإهمال الذي تعرضت له اللاعبة يمنى عياد من قبل الجهاز الطبي، مما أدى إلى عدم تجاوزها جلسة الميزان، هناك تقصير على صعيد الدعم المادي تعانية اللاعبات، وعن هذا تشرح لارين فتقول إنها تحتاج شهرياً، إلى ما يقرب من عشرة آلاف جنيهاً أي ما يعادل 200 دولار تقريباً، للإنفاق على الاحتياجات الخاصة بتدريبها، من ملابس ونظام غذائي يتطلب نسبة عالية من البروتينات بالإضافة إلى مجموعة من الفيتامينات، هذا بخلاف اشتراك بطولات الجمهورية التي ينظمها الاتحاد المصري “للكيك بوكسينح”، التى تصل قيمة اشتراكها إلى 700 جنيه تقريباً أي ما يعادل 15 دولار، وأيضاً اشتراك “لجنة الميزان” الذي يخوضه اللاعبين قبل كل بطولة.
تتفق مدربة “الكيك بوكسنج” داليا أحمد (اسم مستعار) مع لارين حول ارتفاع تكاليف الاحتياجات الشهرية للاعبي الألعاب الفردية، فبحسب داليا البالغة من العمر 21 عاماً، قد تضطر إلى الاستغناء عن اتباع نظام غذائي مناسب؛ نظراً لارتفاع الأسعار، لكنها لا تستطيع الاستغناء عن شراء احتياجات التدريب من معدات واقية للرأس والأرجل والأسنان، وأشياء أخرى، التي تعتبر باهظة الثمن أيضاً.
قبل عام أصيبت لاعبة في منتخب مصر للملاكمة في كتفها الأيسر أثناء المباراة قبل النهائية لبطولة الجمهورية للملاكمة المقامة في المركز الأوليمبي في منطقة المعادي في محافظة القاهرة، لكنها برغم الإصابة أكملت المباراة وحصلت على المركز الأول في المباراة النهائية في اليوم التالي.
تروي الملاكمة هدير البالغة من العمر 24 عاماً تفاصيل الإصابة: “التدريبات قبل البطولة وأثنائها، كانت كثيفة جداً وسببت لي حملاً زائداً على جسمي، وأثناء لعبي في المباراة قبل النهائية حدث خلع لكتفي، لكني قمت برده على الفور وأكملت المباراة، وفي اليوم التاني لعبت المباراة النهائية بيد واحدة وفزت وحصلت على المركز الأول في بطولة الجمهورية للسيدات”.
فور انتهاء المباراة، شخص الطبيب الموجود في المركز الأوليمبى والمسؤول عن لاعبي الرياضات الفردية أثناء البطولة، إصابة هدير بـ “التهاب أوتار الكتف”، الذي يتطلب الراحة التامة لأسبوعين وأكثر وتجنب الأنشطة والتمارين الشاقة، بالإضافة إلى العلاج الدوائي المناسب.
في اليوم التالي، كان على هدير مواصلة التدريبات بناءً على تعليمات المدير الفني للمنتخب، تقول هدير “حينما كنت اشكو بسبب إصابتي وأنني أريد الحصول على فترة راحة بناءً على تعليمات الطبيب؛ حتى يُشفى كتفي، كان يُقال لي إذا عرف الاتحاد بذلك، قد يُخرجك من المنتخب، وإذا خرجت من المنتخب لن تستطيعي العودة مرة أخرى”، تكمل هدير “حينها اضطررت إلى استكمال التدريبات مما ضاعف إصابة كتفي وأثر على أدائي في المباريات التالية”.
بعد نحو شهرين، انطلقت منافسات بطولة إفريقيا للملاكمة في داكار عاصمة السنغال والمؤهلة لأولمبياد باريس 2024 بمشاركة مصر، وكانت هدير ضمن اللاعبات السيدات التي تم اختيارهن للمشاركة في البطولة، واجهت هدير لوماً من الاتحاد بسبب خسارتها في إحدى مباريات البطولة، وبالرغم من فوزها في الجولة الأولي لتلك المباراة، لكن مع بداية الجولة الثانية تعرضت مرة أخرى إلى خلع الكتف: “بعد إصابتي، قمت باستكمال الجولة لمدة ثلاث دقائق، وكنت مؤدية باليد اليمنى فقط، لكن كانت النتيجة خسارتي للمباراة”.
مؤخراً، علمت هدير بخطأ تشخيص طبيب المركز الأوليمبي، حينما ذهبت إلى طبيب متخصص في المحافظة التي تسكن فيها، فأخبرها أنها تعاني من خلع متكرر بالكتف الأيسر، أدى إهماله إلى مضاعفات، وتحتاج إلى تدخل جراحي في وقت سريع.
حاولنا الحصول على تعليق المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة محمد الشاذلي، لكننا لم نتلق رداً حتى موعد نشر التقرير.
حول الرياضيات النسائية يقول الناقد الرياضي سعيد علي “إن الفروق في توجيه الاهتمام بألعاب السيدات مقارنة بألعاب الفرق الرجالية، ترجع إلى أن الرياضة كصناعة قائمة بشكل أساسي على التسويق، أي ما يفضله الجمهور، بالتالي نجد أن حجم الصناعة والرعاية يتم توجيه الجزء الأكبر به إلى ألعاب الفرق الرجالية، حيث اهتمام المجتمع والجمهور”.
على الرغم من ذلك، يرى سعيد أن “تزايد اهتمام المجتمع الدولي مؤخراً بالرياضات النسائية، انعكس بشكل واضح على مصر وباقي دول المنطقة العربية، وهو ما انعكس بالإيجاب على الاهتمام بالرياضات النسائية في المنطقة العربية خلال الفترة الماضية”.
وبالإشارة إلى واقعة استبعاد اللاعبة يمنى عياد، يسأل عن “دور وزارة الشباب والرياضة في متابعة طرق اختيار اللاعبين للتأهل للبطولات العالمية، كذلك المعايير التي تضعها الوزارة للعمل على تأهيل اللاعبين وتوفير احتياجاتهم”، واصفاً ما حدث ب”سوء تنظيم وتوكيل مهام لأشخاص غير مؤهلين”.