تعاطى الإيرانيون مع الانتخابات الرئاسية الأميركية كأنها شأن داخلي إيراني، وتابعوا مجرياتها من لحظة انطلاقها، حتى ساعة إعلان فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن، وأطلق مغرّدون على الأيام الانتخابية الأميركية، ما بين 3 و7 تشرين الثاني/ نوفمبر، اسم “ليالي القدر”، فيما اعتبر آخرون هزيمة دونالد ترامب نصراً إلهياً.
وعلى نسق الناخبين الأميركيين، والشعوب التي تتأثر بالسياسات الخارجية الأميركية، انقسم الرأي العام الإيراني ما بين مؤيد لبقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض، ومتحمس لدخول جو بايدن إليه، ويمكن القول إن مؤيدي ترامب هم من معارضي النظام، وهم الأكثرية، بينما المتحمسون لبايدن هم من مناصري النظام.

يرى أنصار ترامب الإيرانيون، أن العقوبات الشديدة التي فرضها دونالد على إيران، استطاعت أن تهز أركان نظامها الحديدي، كما لم تهزه أي أزمة من قبل، واستمرارها أربع سنوات أخرى، لا بد أنه كان سيؤدي إلى انهيار هذا النظام بالكامل. أما مناصرو بايدن، فقد جمعتهم كراهية ترامب أولاً، ثم قناعتهم بأن الديموقراطيين حلفاء أوفياء لإيران، خصوصاً، من عمل منهم ضمن فريق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
الانقسام بين ترامب وبايدن شعبياً، لم ينسحب على المواقف الرسمية لجناحي السلطة (المحافظين والمعتدلين)، فكلاهما كان ينتظر هزيمة ترامب، إلا أن موقفيهما من وصول بايدن إلى الرئاسة، بديا متناقضين، تبعاً لتصريحاتهما، لكن التناقض العلني، لا يعني عدم وجود انسجام ضمني، أي الترحيب بفوز بايدن، ذلك أن مبدأ الازدواجية الديبلوماسية، التي يؤثرها الإيرانيون في مقاربة الملفات السياسية الملتهبة، تجلت بأعلى مستوياتها، في فترة الانتخابات الأميركية.
فالتيار المعتدل الذي يقوده حسن روحاني وحلفاؤه الإصلاحيون، رحبوا بإعلان فوز بايدن، في حين أكد المرشد السيد علي خامنئي وجماعته، أن إيران لن تغير موقفها من الولايات المتحدة، سواء كان الرئيس ديموقراطياً أم جمهورياً.
المحافظون
كان خامنئي غرّد عشية الانتخابات الأميركية أن “السبيل الوحيد للقضاء على عداء أميركا لنا، هو أن تصبح الجمهورية الإسلامية أقوى”. أما صحيفة “كيهان” المحافظة والناطقة باسم المرشد، فقد عنونت: “العداء الأميركي لإيران لم يبدأ مع ترامب لينتهي مع بايدن”، ذلك أنه نما للتيار المحافظ، أن بايدن يعتبر عقوبات ترامب القاسية، على إيران، فرصة لفرض المزيد من الضغط، بغية تحقيق مستوى أكبر من التنازلات، وأنه لن يعود إلى الالتزامات، التي تعهدت بها الولايات المتحدة في الاتفاق النووي.
يرى أنصار ترامب الإيرانيون،
أن العقوبات الشديدة التي فرضها دونالد على إيران،
استطاعت أن تهز أركان نظامها الحديدي،
كما لم تهزه أي أزمة من قبل.
مواقف بايدن المبكرة، ولدت انطباعاً لدى المحافظين أنه (بايدن) لن يمضي سنواته الرئاسية الأربع، بتصحيح ما أفسده ترامب، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع إيران، ولذلك، يعتقدون أنه من المبكر جداً الحديث عن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وأن عودتها لن تكون بلا شروط أو بشروط مخففة، ويشككون باحتمال تخفيف بايدن عبء العقوبات، لكنهم، على رغم ذلك، لم يخفوا شماتتهم بهزيمة ترامب.
في هذا السياق، تحدث خامنئي عن “سياسة واضحة” تلتزمها بلاده تجاه الولايات المتحدة، والسياسة الواضحة في عرف خامنئي، تعني أنه لن تكون هناك علاقات مع الإدراة الأميركية الجديدة، لكن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك مفاوضات.
تيار الاعتدال
حالياً، يظهر أن روحاني هو الطرف الأكثر استفادة من فوز بايدن، فعلى إثر إعلان فوز الأخير، برزت إشارات إيجابية في الواقع الاقتصاد الإيراني، كالهبوط الطفيف، الذي شهده سعر صرف الدولار والذهب والسلع المستوردة والمحروقات، وعلى محدوديتها، من شأنها أن تساعد هذه الإشارات روحاني، على ترك المشهد السياسي (الانتخابات الرئاسية على الأبواب) بصورة أقل إذلالاً، بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي شهدها عهده الثاني.

من جهة أخرى، يحتاج المعتدلون، إلى عودة الولايات المتحدة بأي ثمن إلى طاولة المفاوضات، ويبدو أنهم بدأوا الإعداد لإعادة إحياء مسار ظريف – كيري، ومن المرجح أن روحاني قد تحضر نفسياً، لاستئناف التفاوض، وبدأ التحضير العملي لمرحلة المفاوضات السرية، حتى قبل رصد أي إشارة من خامنئي.
ففي المراحل الأولى للمفاوضات، سبق للمرشد أن أعلن رفضه التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنه سمح في الوقت نفسه، للوفد الإيراني برئاسة علي أكبر صالحي آنذاك، بالتوجه إلى العاصمة العمانية مسقط، لملاقاة الوفد الأميركي برئاسة جون كيري، وبدء المفاوضات السرية الجدية حول البرنامج النووي الإيراني عام 2013.
وتعزيزاً لهذه الأجواء، اقترح الناشط السياسي أكبر كنجي على روحاني أن يهنئ بايدن، ويعلن استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، على رغم معارضة المرشد، مبدئياً، هذه الخطوة، فقد سبق أن سمح خامنئي للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بتهنئة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، برسالة مطولة تضمنت الكثير من السياسة والوجدانيات.
يبقى الموقف الأكثر وضوحاً، ضمن هذه الحلقة، هو لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي رحب بشكل واضح بفوز بايدن، وغرد عبر حسابه على “تويتر” مثنياً على الشعب الأميركي، الذي قال كلمته، مستغلاً هزيمة ترامب للسخرية من “الجيران” أي دول الخليج.
الإصلاحيون
الإصلاحيون، اعتبروا فوز بايدن، فرصة استثنائية سياسية وإيجابية لكل دول المنطقة وإيران، من شأنها أن تقلل احتمالات الحرب، عدا أنها ستؤدي بلا شك إلى تخفيف العقوبات على إيران وتحسن وضعها الاقتصادي.
الإصلاحيون على خطى المعتدلين، متحمسون لعودة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض، لأن ذلك سيؤدي حتماً، إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وإحياء الاتفاق النووي، الذي سيحيي إيران مجدداً، بعدما أنهكتها عقوبات ترامب، فهم ينظرون إلى اتفاق جنيف من خارج صفته النووية، ويعتبرونه فرصة سياسية وثقافية أتيحيت لإيران، لتنفتح مجدداً على العالم. وللوصول إلى هذا الواقع، عليهم أولاً، إقناع صناع القرار في الجمهورية الإسلامية، بأن الاتفاق النووي، لا يقتصر على تأطير البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل أن يصبح نهجاً ديبلوماسياً عليهم اعتماده والمحافظة عليه، لسلامة إيران الاقتصادية والسياسية والإنسانية.
من جهة أخرى، يأمل الإصلاحيون أيضاً، بأن يكون لفوز بايدن صدى إيجابي، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، بعد نحو 10 أشهر، يعزز وصول شخصية إصلاحية أو مدعومة من الإصلاحيين إلى موقع الرئاسة، هذا، في حال قرر بايدن إصلاح ما أفسده سلفه، وعمل على إظهار صورة ديبلوماسية للسياسة الخارجية الأميركية، بعيدة من العنصرية والتطرف.