fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

اختطاف نائب ليبي يعيد ملف الإخفاء القسري في ليبيا إلى الواجهة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يزال مصير النائب إبراهيم الدرسي مجهولاً منذ اختفائه مساء الخميس 16 أيار/ مايو 2024 في مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر شرق ليبيا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على وقع انقسام سياسي حادّ، أُعلن عن خطف النائب الليبي إبراهيم الدرسي من أمام منزله في مدينة بنغازي، من دون معرفة مصيره أو الجهة التي تقف وراء العملية. الحادثة التي أثارت سجالاً كبيراً في البلاد، فتحت مجدداً ملف الإخفاء القسري المستشري في عموم ليبيا منذ دخول البلاد في قتال داخلي لسنوات، والذي لم يتوقف حتى مع حالة الهدوء الأمني النسبي التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. وانضم الدرسي الى عدد كبير من النواب والناشطين والقضاة والموظفين والمدنيين الذين اختُطفوا في ظروف مماثلة ولم يُعرف مصير بعضهم حتى الآن على رغم مرور سنوات على اختفائهم. 

لا يزال مصير النائب إبراهيم الدرسي مجهولاً منذ اختفائه مساء الخميس 16 أيار/ مايو 2024 في مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر شرق ليبيا. ووفق تصريحات مقربين من الدرسي، قام مجهولون باعتقاله واقتادوه إلى جهة مجهولة بعد وصوله مباشرة إلى منزله عائداً من احتفال أقامه “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، لمناسبة مرور عشر سنوات على ذكرى “عملية الكرامة”. 

وتحدّث أقرباء الدرسي عن آثار عبث بالمنزل والسيارة التي عثرت عليها قوات الأمن في منطقة سيدي فرج شرق المدينة.

وأعلنت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المنبثقة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، فتحها تحقيقاً شاملاً في الحادثة، موضحة أن مديرية أمن بنغازي تلقت بلاغاً بشأن اختفاء الدرسي إثر دخوله إلى منزله وسرقته في ساعات متأخرة من الليل.

وأكدت الوزارة تكليف مدير أمن بنغازي وجهاز الأمن الداخلي وجهاز البحث الجنائي، بفتح تحقيق شامل وعاجل للوقوف على ملابسات اختفاء الدرسي، نافية الأخبار المتداولة على أكثر من صعيد حول مقتله.

تورّط السلطات الليبية؟!

لم تقدّم سلطات شرق ليبيا أي تعهد رسمي بإمكانية عثورها على الدرسي حياً وإعادته الى منزله، واكتفت بتمرير ما تعودت على ترويجه للرأي العام الليبي مع كل عملية اختطاف تطاول أحد المسؤولين أو الناشطين، وهو ادعاء فتح تحقيق في القضية. وفي كل مرة، تجدد القول إن التحقيقات جارية ولم يتم التوصل بعد الى الفاعل ومكان الضحية. ومع مرور الزمن، يبدأ الليبيون في نسيان الحادثة وربما الانشغال بحادثة جديدة، وهكذا تُطمر حوادث الاختطاف التي تؤكد ظروفها فرضية تورّط السلطات الليبية فيها.

 من المستبعد أن يتم الإعلان قريباً عن مصير الدرسي أو الإفراج عنه، بل إن فرضية عودته حياً تبدو صعبة لاعتبارات عدة، أبرزها أولاً، أن عملية الاختطاف التي نفّذتها جهات مجهولة تمت في مكان يفترض أنه يحظى بتغطية أمنية كبيرة نظراً الى تزامنها مع احتفالات ذكرى”عملية الكرامة” التي اجتمعت فيها قيادات كبرى وما تبعها من إجراءات أمنية مشدّدة. وبالتالي، فإن الإقدام على عملية كهذه في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يتم إلا من خلال جهات أمنية رسمية أو على الأقل جهة أخذت الضوء الأخضر من السلطات لتنفيذها. 

لهذا، فإن الإفراج عن الدرسي وعودته حياً قد يكشفان للرأي العام حقيقة ما جرى، وهو ما لن ترغب الجهة التي نفذت الاختطاف في كشفه. وهذه الفرضية يرجّحها ما يروَّج له داخل الأوساط الليبية عن أن الدرسي أثار غضب أبناء المشير خليفة حفتر عندما انتقدهم أخيراً. 

ثانياً، تؤكد ظروف الاختطاف أن هناك خطة أُعدت سلفاً للإيقاع بالدرسي وإخفائه قسرياً أو قتله، وانتظار مدة قد تطول للإعلان أن مجموعة مسلّحة منفلتة أو إرهابيين قاموا بتصفيته. وهذا التبرير من السهل استخدامه في ليبيا نظراً الى انتشار الميليشيات المسلّحة التي تهدد أمن الليبيين.

عملية تثير الريبة!

الناشط الحقوقي عقيلة الأطرش انتقد تعامل السلطات في شرق ليبيا مع الحادثة، متسائلاً عن أسباب نفي وزارة الداخلية مقتل الدرسي وإصرارها على أنه اختفاء. 

وقال الأطرش لـ”درج”، “تزامن اختفاء الدرسي مع احتفال الكرامة الذي حضره حفتر وأبناؤه وعقيلة صالح، والذي يتطلب بالضرورة جاهزية أمنية عالية. بمعنى أن الدرسي كان موجوداً في بيئة آمنة جداً، وبالتالي فإن عملية اختطافه في ظل ظروف كهذه تثير الريبة والشكوك والتساؤلات حول الجهة التي تقف وراء عملية اختطافه واقتياده إلى جهة مجهولة”.

وأضاف “أن تمسّك وزارة الداخلية برواية الاختفاء ونفيها مقتله يعني أنها علمت مكان وجوده والجهة التي اختطفته وتخفيه لديها”.

يخشى ليبيون كثر أن يكون مصير الدرسي نفس مصير زميلته النائبة سهام سرقيوة، التي اختُطفت في 17 تموز/ يوليو 2019، ومذاك لم يُعرف عنها شيء. 

يُذكر أنه في ذاك التاريخ، داهمت مجموعة من المسلحين الملثمين منزل سرقيوة، النائبة عن مدينة بنغازي، عقب عودتها من لقاء برلماني في القاهرة، فأصابوا زوجها في إحدى ساقيه بالرصاص، ودمروا كاميرات مراقبة مثبتة في محيط منزلها لإخفاء معالم الجريمة، واقتادوها معهم إلى وجهة غير معلومة.

اختُطفت سرقيوة بسبب مواقفها السياسية، بخاصة الانتقادات التي وجهتها إلى السلطات الحاكمة في المنطقة الشرقية، ومنها موقفها الرافض للهجوم الذي شنّه الجيش الليبي بقيادة حفتر على طرابلس، وهناك إجماع على أنها تعرضت للتصفية الجسدية.

غموض في ظل جدل واسع 

فتح المصير الغامض للنائب الدرسي باب الجدل على مصراعيه حول مصائر المختطفين ومن تعرضوا للإخفاء القسري بسبب مواقفهم السياسية أو تصريحاتهم الإعلامية أو تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل حالة الانفلات الأمني التي تعيشها البلاد والانقسام السياسي وتنفُّذ الميليشيات التي تُستخدم كأذرع لدى سلطات الشرق والغرب.

كذلك، هناك إجماع ليبي على أن ظاهرة الاختطاف والإخفاء القسري التي لا تزال منتشرة في البلاد، تقوم بها ظاهرياً مجموعات مسلّحة وميليشيات، فيما في الحقيقة تتم بأمر من السلطات الرسمية أو على الأقل بموافقتها، وهذا الأمر ينطبق على شرق البلاد وغربها، حيث ما زال الممسكون بالسلطة في الجهتين يعتمدون على جماعات مسلّحة وميليشيات خارج إطار الدولة والقانون لإنجاز مهمات عدة.

الناشط الليبي محمود الطوير قال لـ”درج” تعليقاً على الحادثة، “إن ما حصل يعتبر جريمة إخفاء قسري، وما تصدره المؤسسات الأمنية والعسكرية في شرق ليبيا من تصريحات وتأكيد على أنها تقوم بجهودها لإيجاد الدرسي والوقوف على تفاصيل الحادثة، ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وتكراراً لخطابات دأبت السلطات الليبية على تمريرها مع كل حادثة مشابهة، من دون أن يتم حسم أي جريمة مشابهة، على رغم أن هذه الجرائم تتكرر باستمرار في البلاد وتطاول أصواتاً عدة عادة ما تكون آراؤهم على غير هوى السلطة”.

أضاف الطوير: “الحوادث كثيرة، لكني أستحضر خطف عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة من منزلها بعد الاعتداء على زوجها في مدينة بنغازي عام 2019، ولكن حتى اليوم لا أحد يعلم مصيرها ولم نشهد أي جهود حقيقية من سلطات البلاد لكشف ملابسات الحادثة وما ألمّ بالنائبة، بل يتم التعامل مع الأمر وكأنه حادثة وطُويت بكل أسئلتها وغموضها. من المخجل الحديث عن خطف نائب يتمتع بحصانة برلمانية في منطقة آمنة تعج بالحضور الأمني والعسكري”.

وتتفاقم في السنوات الأخيرة، عمليات الإخفاء القسري في ليبيا وتطاول أساساً الناشطين والسياسيين المنتقدين السلطات في شرق البلاد وغربها، وهذا ما أكده تحقيق أجرته منظمة “رصد الجرائم في ليبيا” عن عام 2023، كشف عن وقوع 90 شخصاً ضحية للإخفاء القسري، تبعه أحياناً اعتقال قصير الأمد وإفراج من دون أي إجراءات قانونية، كما لا تـ/يزال 50 معتقلا/ـة تعسفياً رهن الاحتجاز.

عدد الضحايا لا حصر له

حسب بعثة الأمم المتحدة، لا حصر لعدد ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في ليبيا. وفي أواخر آب/ أغسطس الماضي، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تضامنها مع عدد لا حصر له من ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في ليبيا، داعية السلطات المعنية الى معالجة حالات الاختفاء القسري كجزء من عملية مصالحة وطنية تقوم على الحقوق، وتؤكد حق العائلات في معرفة مصير أحبائها والعدالة الحقيقية.

وكشفت منظمة العفو الدولية عن جملة من المجموعات المسلّحة التابعة لجهات حكومية، والمتورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان على غرار الاختطاف، من بينها جهاز دعم الاستقرار وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب في طرابلس، وقوة العمليات المشتركة في مصراتة، إضافة الى جماعات مسلّحة من بينها كتيبة طارق بن زياد، والكتيبة 128. ووفقاً للمنظمة، مارست هذه المجموعات كافة انتهاكات عدة، بما فيها الضرب والصعق بالكهرباء والإعدامات الوهمية والجلد، والإيهام بالغرق، والتعليق فضلاً عن العنف الجنسي.

ومن بين الأشخاص الذين ذكرتهم منظمة “رصد الجرائم في ليبيا”، الناشط سعد علي موسى العبدلي (34 عاماً)، الذي اختُطف من مكان عمله بمنطقة برسس شرق بنغازي، في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي على يد مسلحين يرتدون ملابس عسكرية تابعين للواء 106 بالقوات المسلحة الليبية ويستقلون ثلاث سيارات عسكرية معتمة الزجاج. اقتحم المسلحون مكان عمله واقتادوه بالقوة إلى إحدى السيارات ونقلوه إلى مكان مجهول، وأُخلي سبيله بعد ثلاثة أيام من دون أي إجراءات قانونية.

وفي 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اختُطف الناشط ناصر الهواري من منطقة جنزور بمدينة طرابلس، من كتيبة فرسان جنزور، واقتيد الى مكان غير معروف قبل أن ينقطع الاتصال به. وحسب إفادة أحد أفراد أسرة الهواري، فقد وردتهم معلومات تفيد بوجوده في الاحتجاز بسجن معيتيقة التابع لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وفي الأول من أيار/ مايو 2023، اختُطف حبيب محمد القذافي(35 عاماً)، في وسط مدينة سرت من عناصر مسلحة تابعة للكتيبة 604 التابعة للقوات المسلحة الليبية، واقتيد إلى مكان غير معلوم، ولا يزال مصيره مجهولاً.

وفي الفترة نفسها أيضاً، اختُطف المحامي أسامة عمران الصفراني(27 عاماً)، بالقرب من مركز طرابلس الطبي، من جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة، واقتيد إلى سجن مطار معيتيقة، حيث لا يزال محتجزاً تعسفياً من دون اتخاذ إجراءات قانونية أو إحالته إلى النيابة العامة، بالإضافة إلى منع عائلته من زيارته.

وفي التاسع من أيار 2024، اختُطف الناشط السياسي وأستاذ القانون الدولي بجامعة سرت، مفتاح عمر درباش (56 عاماً)، بالقرب من منزله في مدينة سرت من مسلحين مجهولين، ولا يزال مختفياً قسرياً حتى الآن.

وفي 11 نيسان 2024، اعتُقل خمسة رجال تعسفياً بمدينة سبها، من جهاز الأمن الداخلي، وذلك على خلفية رفع شعارات مؤيدة لنظام القذافي في شوارع المدينة خلال احتفالات عيد الفطر، ونُقلوا إلى مكان مجهول.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 13.01.2025

“إعادة الانتشار”… تقارير استخباراتيّة عن انسحاب الجيش السوري أمام “ردع العدوان”

تشير الوثائق إلى اختلاف بين الأوامر الأمنية التي تكشف "إعادة الانتشار" والأوامر العسكريّة التي تشير إلى الجاهزية والاستعداد للمعركة، التي اختارت الغالبية من جنود النظام ألا تخوضها.
05.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

لا يزال مصير النائب إبراهيم الدرسي مجهولاً منذ اختفائه مساء الخميس 16 أيار/ مايو 2024 في مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر شرق ليبيا.

على وقع انقسام سياسي حادّ، أُعلن عن خطف النائب الليبي إبراهيم الدرسي من أمام منزله في مدينة بنغازي، من دون معرفة مصيره أو الجهة التي تقف وراء العملية. الحادثة التي أثارت سجالاً كبيراً في البلاد، فتحت مجدداً ملف الإخفاء القسري المستشري في عموم ليبيا منذ دخول البلاد في قتال داخلي لسنوات، والذي لم يتوقف حتى مع حالة الهدوء الأمني النسبي التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. وانضم الدرسي الى عدد كبير من النواب والناشطين والقضاة والموظفين والمدنيين الذين اختُطفوا في ظروف مماثلة ولم يُعرف مصير بعضهم حتى الآن على رغم مرور سنوات على اختفائهم. 

لا يزال مصير النائب إبراهيم الدرسي مجهولاً منذ اختفائه مساء الخميس 16 أيار/ مايو 2024 في مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر شرق ليبيا. ووفق تصريحات مقربين من الدرسي، قام مجهولون باعتقاله واقتادوه إلى جهة مجهولة بعد وصوله مباشرة إلى منزله عائداً من احتفال أقامه “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، لمناسبة مرور عشر سنوات على ذكرى “عملية الكرامة”. 

وتحدّث أقرباء الدرسي عن آثار عبث بالمنزل والسيارة التي عثرت عليها قوات الأمن في منطقة سيدي فرج شرق المدينة.

وأعلنت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المنبثقة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، فتحها تحقيقاً شاملاً في الحادثة، موضحة أن مديرية أمن بنغازي تلقت بلاغاً بشأن اختفاء الدرسي إثر دخوله إلى منزله وسرقته في ساعات متأخرة من الليل.

وأكدت الوزارة تكليف مدير أمن بنغازي وجهاز الأمن الداخلي وجهاز البحث الجنائي، بفتح تحقيق شامل وعاجل للوقوف على ملابسات اختفاء الدرسي، نافية الأخبار المتداولة على أكثر من صعيد حول مقتله.

تورّط السلطات الليبية؟!

لم تقدّم سلطات شرق ليبيا أي تعهد رسمي بإمكانية عثورها على الدرسي حياً وإعادته الى منزله، واكتفت بتمرير ما تعودت على ترويجه للرأي العام الليبي مع كل عملية اختطاف تطاول أحد المسؤولين أو الناشطين، وهو ادعاء فتح تحقيق في القضية. وفي كل مرة، تجدد القول إن التحقيقات جارية ولم يتم التوصل بعد الى الفاعل ومكان الضحية. ومع مرور الزمن، يبدأ الليبيون في نسيان الحادثة وربما الانشغال بحادثة جديدة، وهكذا تُطمر حوادث الاختطاف التي تؤكد ظروفها فرضية تورّط السلطات الليبية فيها.

 من المستبعد أن يتم الإعلان قريباً عن مصير الدرسي أو الإفراج عنه، بل إن فرضية عودته حياً تبدو صعبة لاعتبارات عدة، أبرزها أولاً، أن عملية الاختطاف التي نفّذتها جهات مجهولة تمت في مكان يفترض أنه يحظى بتغطية أمنية كبيرة نظراً الى تزامنها مع احتفالات ذكرى”عملية الكرامة” التي اجتمعت فيها قيادات كبرى وما تبعها من إجراءات أمنية مشدّدة. وبالتالي، فإن الإقدام على عملية كهذه في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يتم إلا من خلال جهات أمنية رسمية أو على الأقل جهة أخذت الضوء الأخضر من السلطات لتنفيذها. 

لهذا، فإن الإفراج عن الدرسي وعودته حياً قد يكشفان للرأي العام حقيقة ما جرى، وهو ما لن ترغب الجهة التي نفذت الاختطاف في كشفه. وهذه الفرضية يرجّحها ما يروَّج له داخل الأوساط الليبية عن أن الدرسي أثار غضب أبناء المشير خليفة حفتر عندما انتقدهم أخيراً. 

ثانياً، تؤكد ظروف الاختطاف أن هناك خطة أُعدت سلفاً للإيقاع بالدرسي وإخفائه قسرياً أو قتله، وانتظار مدة قد تطول للإعلان أن مجموعة مسلّحة منفلتة أو إرهابيين قاموا بتصفيته. وهذا التبرير من السهل استخدامه في ليبيا نظراً الى انتشار الميليشيات المسلّحة التي تهدد أمن الليبيين.

عملية تثير الريبة!

الناشط الحقوقي عقيلة الأطرش انتقد تعامل السلطات في شرق ليبيا مع الحادثة، متسائلاً عن أسباب نفي وزارة الداخلية مقتل الدرسي وإصرارها على أنه اختفاء. 

وقال الأطرش لـ”درج”، “تزامن اختفاء الدرسي مع احتفال الكرامة الذي حضره حفتر وأبناؤه وعقيلة صالح، والذي يتطلب بالضرورة جاهزية أمنية عالية. بمعنى أن الدرسي كان موجوداً في بيئة آمنة جداً، وبالتالي فإن عملية اختطافه في ظل ظروف كهذه تثير الريبة والشكوك والتساؤلات حول الجهة التي تقف وراء عملية اختطافه واقتياده إلى جهة مجهولة”.

وأضاف “أن تمسّك وزارة الداخلية برواية الاختفاء ونفيها مقتله يعني أنها علمت مكان وجوده والجهة التي اختطفته وتخفيه لديها”.

يخشى ليبيون كثر أن يكون مصير الدرسي نفس مصير زميلته النائبة سهام سرقيوة، التي اختُطفت في 17 تموز/ يوليو 2019، ومذاك لم يُعرف عنها شيء. 

يُذكر أنه في ذاك التاريخ، داهمت مجموعة من المسلحين الملثمين منزل سرقيوة، النائبة عن مدينة بنغازي، عقب عودتها من لقاء برلماني في القاهرة، فأصابوا زوجها في إحدى ساقيه بالرصاص، ودمروا كاميرات مراقبة مثبتة في محيط منزلها لإخفاء معالم الجريمة، واقتادوها معهم إلى وجهة غير معلومة.

اختُطفت سرقيوة بسبب مواقفها السياسية، بخاصة الانتقادات التي وجهتها إلى السلطات الحاكمة في المنطقة الشرقية، ومنها موقفها الرافض للهجوم الذي شنّه الجيش الليبي بقيادة حفتر على طرابلس، وهناك إجماع على أنها تعرضت للتصفية الجسدية.

غموض في ظل جدل واسع 

فتح المصير الغامض للنائب الدرسي باب الجدل على مصراعيه حول مصائر المختطفين ومن تعرضوا للإخفاء القسري بسبب مواقفهم السياسية أو تصريحاتهم الإعلامية أو تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل حالة الانفلات الأمني التي تعيشها البلاد والانقسام السياسي وتنفُّذ الميليشيات التي تُستخدم كأذرع لدى سلطات الشرق والغرب.

كذلك، هناك إجماع ليبي على أن ظاهرة الاختطاف والإخفاء القسري التي لا تزال منتشرة في البلاد، تقوم بها ظاهرياً مجموعات مسلّحة وميليشيات، فيما في الحقيقة تتم بأمر من السلطات الرسمية أو على الأقل بموافقتها، وهذا الأمر ينطبق على شرق البلاد وغربها، حيث ما زال الممسكون بالسلطة في الجهتين يعتمدون على جماعات مسلّحة وميليشيات خارج إطار الدولة والقانون لإنجاز مهمات عدة.

الناشط الليبي محمود الطوير قال لـ”درج” تعليقاً على الحادثة، “إن ما حصل يعتبر جريمة إخفاء قسري، وما تصدره المؤسسات الأمنية والعسكرية في شرق ليبيا من تصريحات وتأكيد على أنها تقوم بجهودها لإيجاد الدرسي والوقوف على تفاصيل الحادثة، ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وتكراراً لخطابات دأبت السلطات الليبية على تمريرها مع كل حادثة مشابهة، من دون أن يتم حسم أي جريمة مشابهة، على رغم أن هذه الجرائم تتكرر باستمرار في البلاد وتطاول أصواتاً عدة عادة ما تكون آراؤهم على غير هوى السلطة”.

أضاف الطوير: “الحوادث كثيرة، لكني أستحضر خطف عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة من منزلها بعد الاعتداء على زوجها في مدينة بنغازي عام 2019، ولكن حتى اليوم لا أحد يعلم مصيرها ولم نشهد أي جهود حقيقية من سلطات البلاد لكشف ملابسات الحادثة وما ألمّ بالنائبة، بل يتم التعامل مع الأمر وكأنه حادثة وطُويت بكل أسئلتها وغموضها. من المخجل الحديث عن خطف نائب يتمتع بحصانة برلمانية في منطقة آمنة تعج بالحضور الأمني والعسكري”.

وتتفاقم في السنوات الأخيرة، عمليات الإخفاء القسري في ليبيا وتطاول أساساً الناشطين والسياسيين المنتقدين السلطات في شرق البلاد وغربها، وهذا ما أكده تحقيق أجرته منظمة “رصد الجرائم في ليبيا” عن عام 2023، كشف عن وقوع 90 شخصاً ضحية للإخفاء القسري، تبعه أحياناً اعتقال قصير الأمد وإفراج من دون أي إجراءات قانونية، كما لا تـ/يزال 50 معتقلا/ـة تعسفياً رهن الاحتجاز.

عدد الضحايا لا حصر له

حسب بعثة الأمم المتحدة، لا حصر لعدد ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في ليبيا. وفي أواخر آب/ أغسطس الماضي، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تضامنها مع عدد لا حصر له من ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في ليبيا، داعية السلطات المعنية الى معالجة حالات الاختفاء القسري كجزء من عملية مصالحة وطنية تقوم على الحقوق، وتؤكد حق العائلات في معرفة مصير أحبائها والعدالة الحقيقية.

وكشفت منظمة العفو الدولية عن جملة من المجموعات المسلّحة التابعة لجهات حكومية، والمتورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان على غرار الاختطاف، من بينها جهاز دعم الاستقرار وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب في طرابلس، وقوة العمليات المشتركة في مصراتة، إضافة الى جماعات مسلّحة من بينها كتيبة طارق بن زياد، والكتيبة 128. ووفقاً للمنظمة، مارست هذه المجموعات كافة انتهاكات عدة، بما فيها الضرب والصعق بالكهرباء والإعدامات الوهمية والجلد، والإيهام بالغرق، والتعليق فضلاً عن العنف الجنسي.

ومن بين الأشخاص الذين ذكرتهم منظمة “رصد الجرائم في ليبيا”، الناشط سعد علي موسى العبدلي (34 عاماً)، الذي اختُطف من مكان عمله بمنطقة برسس شرق بنغازي، في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي على يد مسلحين يرتدون ملابس عسكرية تابعين للواء 106 بالقوات المسلحة الليبية ويستقلون ثلاث سيارات عسكرية معتمة الزجاج. اقتحم المسلحون مكان عمله واقتادوه بالقوة إلى إحدى السيارات ونقلوه إلى مكان مجهول، وأُخلي سبيله بعد ثلاثة أيام من دون أي إجراءات قانونية.

وفي 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اختُطف الناشط ناصر الهواري من منطقة جنزور بمدينة طرابلس، من كتيبة فرسان جنزور، واقتيد الى مكان غير معروف قبل أن ينقطع الاتصال به. وحسب إفادة أحد أفراد أسرة الهواري، فقد وردتهم معلومات تفيد بوجوده في الاحتجاز بسجن معيتيقة التابع لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وفي الأول من أيار/ مايو 2023، اختُطف حبيب محمد القذافي(35 عاماً)، في وسط مدينة سرت من عناصر مسلحة تابعة للكتيبة 604 التابعة للقوات المسلحة الليبية، واقتيد إلى مكان غير معلوم، ولا يزال مصيره مجهولاً.

وفي الفترة نفسها أيضاً، اختُطف المحامي أسامة عمران الصفراني(27 عاماً)، بالقرب من مركز طرابلس الطبي، من جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة، واقتيد إلى سجن مطار معيتيقة، حيث لا يزال محتجزاً تعسفياً من دون اتخاذ إجراءات قانونية أو إحالته إلى النيابة العامة، بالإضافة إلى منع عائلته من زيارته.

وفي التاسع من أيار 2024، اختُطف الناشط السياسي وأستاذ القانون الدولي بجامعة سرت، مفتاح عمر درباش (56 عاماً)، بالقرب من منزله في مدينة سرت من مسلحين مجهولين، ولا يزال مختفياً قسرياً حتى الآن.

وفي 11 نيسان 2024، اعتُقل خمسة رجال تعسفياً بمدينة سبها، من جهاز الأمن الداخلي، وذلك على خلفية رفع شعارات مؤيدة لنظام القذافي في شوارع المدينة خلال احتفالات عيد الفطر، ونُقلوا إلى مكان مجهول.

05.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية