fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“استراتيجيّة القضم البطيء”: الأوكرانيون يغرقون في مستنقع دمويّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كانت مفاوضات إسطنبول الورقة الرابحة الوحيدة بيد الأوكرانيين، وحرقها زيلينسكي تماماً، ولم يتبق بعد أكثر من عامين أمام أوكرانيا سوى خيارين كلاهما شديد المرارة: الاستسلام والرضوخ للشروط الروسية القاسية، أو القتال في حربٍ غير متكافئة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتسارع الأحداث على الجبهة الأوكرانية، بخاصة بعد سقوط مدينة أفدييفكا ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، بيد القوات الروسية في شباط/ فبراير 2024، قبل أن تتمكن القوات الروسية خلال الأيام الأخيرة فقط من التقدّم بشكل كبير على الجبهة الشرقية، واختراق المزيد من التحصينات الأوكرانية عند نهر فوفشا.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 3 أيار/ مايو الحالي، إن “قواته سيطرت على 547 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في أوكرانيا هذا العام”، معلناً ضم تلك الأراضي إلى روسيا!

(خريطة تكشف التقدم المتسارع للقوات الروسية على محور دونباس بعد احتلال أفدييفكا. المصدر: موقع DeepStateMAP)

يستمر التقدّم الروسي فيما يتضاعف إنتاج الذخائر في المصانع الروسية، التي تعمل 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع، بنوبتَي عمل يوميتين مدة كل واحدة منها 12 ساعة، بما يرقى إلى مستوى “حالة الحرب”، إذ زادت شركة روستيخ الحكومية الروسية للدفاع، وهي تنتج حوالي 80 في المئة من المعدات العسكرية التي تستخدمها القوات الروسية، إنتاجها “من طلقات الذخيرة للدبابات ومركبات المشاة القتالية بنسبة 900 في المئة، وقذائف المدفعية بنسبة 600 في المئة، والذخائر لصواريخ MLRS (أرض-أرض) بنسبة 800 في المئة”.

في الوقت نفسه، تستمر الخسائر على الجانب الأوكراني بالتزايد، في ظل نقصٍ فادح في الذخائر والأسلحة، وبالتحديد أنظمة الدفاع الجوي والقذائف المدفعية، وتأخر وصول الدفعة الثالثة من المساعدات الأميركية، وعدم كفاية المساعدات العسكرية الأوروبية على رغم أهميتها الدفاعية بالنسبة الى الأوكرانيين، ما ينبئ بأن صيف أوكرانيا سيكون حاراً جداً. 

والأخطر من ذلك كله، هو استنزاف الجيش الأوكراني بشرياً بينما يعجز عن تجنيد أعداد كافية من الشباب، مقابل ارتفاع كبير في أعداد المقاتلين في القوات الروسية، بخاصة بعد توقيع بوتين مرسوم التجنيد الإجباري الأخير في آذار/ مارس 2024، والذي على أساسه استُدعي 150 ألف مواطن روسي للخدمة العسكرية، بعدما وقّع في أيلول/ سبتمبر 2023 مرسوماً لاستدعاء 130 ألف مواطن روسي. وبذلك، تكون القوات الروسية عزّزت عديدها بـ 280 ألف جندي إضافي خلال فترة ستة أشهر فقط، إضافة إلى تعزيز عتادها بأضعاف مضاعفة.

الفجوة بين إنتاج الصواريخ المضادة للطائرات والاحتياجات الأوكرانية

في مقابل مضاعفة روسيا إنتاجها من الذخائر والأسلحة، تبرز في الجهة المقابلة فجوة كبيرة ما بين إنتاج الذخائر واحتياجات أوكرانيا منها، وبخاصة السلاح المضاد للطائرات. بحسب تقرير أصدرته وزارة الدفاع الإستونية، فإن أوكرانيا تحتاج إلى 7500 صاروخ مضاد للطائرات سنوياً للتمكن من الدفاع عن أراضيها ومدنها بوجه الهجمات الروسية، بينما يبلغ مجموع ما ينتجه حلف الناتو بكامله 4600 صاروخ سنوياً، إذ تنتج الولايات المتحدة الأميركية 3600 صاروخ، وتوزّع بقية الإنتاج على دول حلف الناتو الأخرى. 

الغريب أن دول حلف الناتو لم تضاعف إنتاج الذخائر والصواريخ بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، ما يشير، بشكل أو بآخر، إلى استخفاف ما بالقضية الأوكرانية وبحق الأوكرانيين في الدفاع عن أرضهم وإخلال بالوعود التي قطعها قادة الحلف للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بخاصة بعدما تحولت أوكرانيا إلى فخ مالي بالنسبة الى دول الحلف، وبخلاف الخطة المرسومة، وهي تحويل أوكرانيا إلى فخ للقوات الروسية.

يستمر التقدّم الروسي فيما يتضاعف إنتاج الذخائر في المصانع الروسية، التي تعمل 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع، بنوبتَي عمل يوميتين مدة كل واحدة منها 12 ساعة، بما يرقى إلى مستوى “حالة الحرب”

الآمال الأوكرانية تتضاءل

إثر هذه التطورات العسكرية، فإنه من المحتمل أن يفقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اهتمامه بالتفاوض مع نظيره الأوكراني، وأن يرفض حتى القبول بالتنازلات عن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس من الجانب الأوكراني، وذلك بعد تأكّده من إحراز تفوّق عسكري كميّ (جنوداً وعتاداً) على أوكرانيا، يضمن له التقدّم على المدى الطويل عبر “استراتيجية القضم البطيء” بأقل قدرٍ من الخسائر البشرية. في حين تتجه دول الاتحاد الأوروبي إلى اتباع استراتيجية دفاعية منغلقة على نفسها تحت “المظلة النووية” الأميركية من جهة، والبريطانية والفرنسية من جهة أخرى، بينما تستمر الولايات المتحدة الأميركية بخفض حجم دعمها الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا.ٍ

السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه التطورات، لماذا يستمر الأوكرانيون بالتضحية وتحمّل الفاتورة البشرية القاسية، بينما يماطل كلاً من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في قبول طلب أوكرانيا دخولهما، إذ يضع الاتحاد الأوروبي شروطاً معقدة وغامضة، على رغم تأييد جزء كبير من مواطني الاتحاد الأوروبي انضمام أوكرانيا الى الاتحاد حسب إحصاء أجرته مؤسسة يوروباروميتر Eurobarometer، إضافة إلى تأييد دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا حسب الإحصاء نفسه، بينما ترفض دول حلف الناتو وضع جدول زمني لانضمام أوكرانيا للحلف؟

تبدو الصورة بشعة جداً بالنسبة الى الأوكرانيين بعد أكثر من عامين على بدء الغزو الروسي لبلادهم، فالحكومات الغربية التي عرقلت اتفاق إسطنبول في نيسان/ أبريل 2022 بين الطرفين الروسي والأوكراني، لم تفِ بوعودها لأوكرانيا واكتفت بتحويل أراضيها إلى جبهة قتالٍ متقدّمة لحلف الناتو.

انكشف المشهد الحقيقي بعد مرور الزمن، فحلف الناتو غير مستعد لضمّ أوكرانيا، بالتالي فهو غير مستعد لتأجيج التوترّ ضد الاتحاد الروسي على رغم دعمه العسكري المستمر لأوكرانيا، وأنه ربما سيقاتل “حتى آخر أوكراني” كما قال بوتين في 21 آذار 2023، وفي الوقت نفسه فهو لا يريد للمواجهة أن تتوسّع خارج الحدود الأوكرانية. فالحكومات الغربية أثبتت أنها مهتمة بإطالة أمد الحرب واستنزاف الجانب الروسي، أكثر بكثير من اهتمامها بإنقاذ أوكرانيا من الغزو الروسي وآثاره المدمّرة.

القدرة التفاوضية لأوكرانيا و”مجرم الحرب” بوريس جونسون

كانت مفاوضات إسطنبول الورقة الرابحة الوحيدة بيد الأوكرانيين، وحرقها زيلينسكي تماماً، ولم يتبق بعد أكثر من عامين أمام أوكرانيا سوى خيارين كلاهما شديد المرارة: الاستسلام والرضوخ للشروط الروسية القاسية، أو القتال في حربٍ غير متكافئة.

أكّد النائب الأوكراني ديفيد أراخاميا، وهو رئيس الكتلة البرلمانية لحزب زيلينسكي، في مقابلة تلفزيونية أجراها مع الصحافية الأوكرانية ناتاليا موسيشوك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أن “الحرب كانت ستنتهي في ربيع العام 2022 لو وافقت أوكرانيا على الحياد”. وأضاف: “كان هدف روسيا الرئيسي هو الضغط علينا حتى نلتزم الحياد. كانوا مستعدين لإنهاء الحرب إذا قبلنا الحياد، كما فعلت فنلندا ذات يوم، وتعهدنا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو”. 

والأخطر في ما قاله هو الآتي: “إن بوريس جونسون جاء إلى كييف في ذلك الوقت وقال إنه لا يريد التوقيع على أي شيء مع الروس”. وقد سبق أن أشارت صحيفة “أوكراينسكا برافدا” إلى ما حصل في أيار 2022، قبل أن يعود فيؤكّده أراخاميا.

“دعونا فقط نقاتل”، هذا ما قاله بوريس جونسون للأوكرانيين قبل استقالته من منصب رئاسة وزراء بريطانيا ببضعة أشهر. ليس على “مجرم الحرب” أن يظهر بهيئة قائد عسكري. يكفيه أحياناً أن يرتدي ربطة عنق أنيقة وأن يطلق الوعود الفارغة. لكن التصرف الأكثر عبثية أتى من جانب زيلينسكي وحكومته. كيف لرئيس دولة أن يهدر فرصة وقف حربٍ مدمّرة تأتي على الأخضر واليابس في بلاده؟

ليس من الممكن تبرير فشل المفاوضات الروسية-الأوكرانية من باب رفض تعديل الدستور الأوكراني، أو عدم إعطاء الروس أي ضمانات أمنية للأوكرانيين، فوقف الحرب لم يكن مشروطاً سوى بتعهّد أوكرانيا البقاء على الحياد والابتعاد عن حلف الناتو بالدرجة الأولى. 

وقف الحرب كان السبيل الوحيد لبدء الحوار بين الطرفين حول جميع المطالب الأخرى. لكن بعد كل ما حصل، فإن أوكرانيا قد فقدت الكثير من قدراتها التفاوضية، وانزلقت إلى مستنقع دموي لن تستطيع الخروج منه موحّدة، كما أنها لم تعد تملك مصلحة حقيقية في التفاوض في ظل اختلال موازين القوى العسكرية لمصلحة القوات الروسية.

13.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

كانت مفاوضات إسطنبول الورقة الرابحة الوحيدة بيد الأوكرانيين، وحرقها زيلينسكي تماماً، ولم يتبق بعد أكثر من عامين أمام أوكرانيا سوى خيارين كلاهما شديد المرارة: الاستسلام والرضوخ للشروط الروسية القاسية، أو القتال في حربٍ غير متكافئة.

تتسارع الأحداث على الجبهة الأوكرانية، بخاصة بعد سقوط مدينة أفدييفكا ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، بيد القوات الروسية في شباط/ فبراير 2024، قبل أن تتمكن القوات الروسية خلال الأيام الأخيرة فقط من التقدّم بشكل كبير على الجبهة الشرقية، واختراق المزيد من التحصينات الأوكرانية عند نهر فوفشا.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 3 أيار/ مايو الحالي، إن “قواته سيطرت على 547 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في أوكرانيا هذا العام”، معلناً ضم تلك الأراضي إلى روسيا!

(خريطة تكشف التقدم المتسارع للقوات الروسية على محور دونباس بعد احتلال أفدييفكا. المصدر: موقع DeepStateMAP)

يستمر التقدّم الروسي فيما يتضاعف إنتاج الذخائر في المصانع الروسية، التي تعمل 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع، بنوبتَي عمل يوميتين مدة كل واحدة منها 12 ساعة، بما يرقى إلى مستوى “حالة الحرب”، إذ زادت شركة روستيخ الحكومية الروسية للدفاع، وهي تنتج حوالي 80 في المئة من المعدات العسكرية التي تستخدمها القوات الروسية، إنتاجها “من طلقات الذخيرة للدبابات ومركبات المشاة القتالية بنسبة 900 في المئة، وقذائف المدفعية بنسبة 600 في المئة، والذخائر لصواريخ MLRS (أرض-أرض) بنسبة 800 في المئة”.

في الوقت نفسه، تستمر الخسائر على الجانب الأوكراني بالتزايد، في ظل نقصٍ فادح في الذخائر والأسلحة، وبالتحديد أنظمة الدفاع الجوي والقذائف المدفعية، وتأخر وصول الدفعة الثالثة من المساعدات الأميركية، وعدم كفاية المساعدات العسكرية الأوروبية على رغم أهميتها الدفاعية بالنسبة الى الأوكرانيين، ما ينبئ بأن صيف أوكرانيا سيكون حاراً جداً. 

والأخطر من ذلك كله، هو استنزاف الجيش الأوكراني بشرياً بينما يعجز عن تجنيد أعداد كافية من الشباب، مقابل ارتفاع كبير في أعداد المقاتلين في القوات الروسية، بخاصة بعد توقيع بوتين مرسوم التجنيد الإجباري الأخير في آذار/ مارس 2024، والذي على أساسه استُدعي 150 ألف مواطن روسي للخدمة العسكرية، بعدما وقّع في أيلول/ سبتمبر 2023 مرسوماً لاستدعاء 130 ألف مواطن روسي. وبذلك، تكون القوات الروسية عزّزت عديدها بـ 280 ألف جندي إضافي خلال فترة ستة أشهر فقط، إضافة إلى تعزيز عتادها بأضعاف مضاعفة.

الفجوة بين إنتاج الصواريخ المضادة للطائرات والاحتياجات الأوكرانية

في مقابل مضاعفة روسيا إنتاجها من الذخائر والأسلحة، تبرز في الجهة المقابلة فجوة كبيرة ما بين إنتاج الذخائر واحتياجات أوكرانيا منها، وبخاصة السلاح المضاد للطائرات. بحسب تقرير أصدرته وزارة الدفاع الإستونية، فإن أوكرانيا تحتاج إلى 7500 صاروخ مضاد للطائرات سنوياً للتمكن من الدفاع عن أراضيها ومدنها بوجه الهجمات الروسية، بينما يبلغ مجموع ما ينتجه حلف الناتو بكامله 4600 صاروخ سنوياً، إذ تنتج الولايات المتحدة الأميركية 3600 صاروخ، وتوزّع بقية الإنتاج على دول حلف الناتو الأخرى. 

الغريب أن دول حلف الناتو لم تضاعف إنتاج الذخائر والصواريخ بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، ما يشير، بشكل أو بآخر، إلى استخفاف ما بالقضية الأوكرانية وبحق الأوكرانيين في الدفاع عن أرضهم وإخلال بالوعود التي قطعها قادة الحلف للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بخاصة بعدما تحولت أوكرانيا إلى فخ مالي بالنسبة الى دول الحلف، وبخلاف الخطة المرسومة، وهي تحويل أوكرانيا إلى فخ للقوات الروسية.

يستمر التقدّم الروسي فيما يتضاعف إنتاج الذخائر في المصانع الروسية، التي تعمل 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع، بنوبتَي عمل يوميتين مدة كل واحدة منها 12 ساعة، بما يرقى إلى مستوى “حالة الحرب”

الآمال الأوكرانية تتضاءل

إثر هذه التطورات العسكرية، فإنه من المحتمل أن يفقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اهتمامه بالتفاوض مع نظيره الأوكراني، وأن يرفض حتى القبول بالتنازلات عن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس من الجانب الأوكراني، وذلك بعد تأكّده من إحراز تفوّق عسكري كميّ (جنوداً وعتاداً) على أوكرانيا، يضمن له التقدّم على المدى الطويل عبر “استراتيجية القضم البطيء” بأقل قدرٍ من الخسائر البشرية. في حين تتجه دول الاتحاد الأوروبي إلى اتباع استراتيجية دفاعية منغلقة على نفسها تحت “المظلة النووية” الأميركية من جهة، والبريطانية والفرنسية من جهة أخرى، بينما تستمر الولايات المتحدة الأميركية بخفض حجم دعمها الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا.ٍ

السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه التطورات، لماذا يستمر الأوكرانيون بالتضحية وتحمّل الفاتورة البشرية القاسية، بينما يماطل كلاً من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في قبول طلب أوكرانيا دخولهما، إذ يضع الاتحاد الأوروبي شروطاً معقدة وغامضة، على رغم تأييد جزء كبير من مواطني الاتحاد الأوروبي انضمام أوكرانيا الى الاتحاد حسب إحصاء أجرته مؤسسة يوروباروميتر Eurobarometer، إضافة إلى تأييد دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا حسب الإحصاء نفسه، بينما ترفض دول حلف الناتو وضع جدول زمني لانضمام أوكرانيا للحلف؟

تبدو الصورة بشعة جداً بالنسبة الى الأوكرانيين بعد أكثر من عامين على بدء الغزو الروسي لبلادهم، فالحكومات الغربية التي عرقلت اتفاق إسطنبول في نيسان/ أبريل 2022 بين الطرفين الروسي والأوكراني، لم تفِ بوعودها لأوكرانيا واكتفت بتحويل أراضيها إلى جبهة قتالٍ متقدّمة لحلف الناتو.

انكشف المشهد الحقيقي بعد مرور الزمن، فحلف الناتو غير مستعد لضمّ أوكرانيا، بالتالي فهو غير مستعد لتأجيج التوترّ ضد الاتحاد الروسي على رغم دعمه العسكري المستمر لأوكرانيا، وأنه ربما سيقاتل “حتى آخر أوكراني” كما قال بوتين في 21 آذار 2023، وفي الوقت نفسه فهو لا يريد للمواجهة أن تتوسّع خارج الحدود الأوكرانية. فالحكومات الغربية أثبتت أنها مهتمة بإطالة أمد الحرب واستنزاف الجانب الروسي، أكثر بكثير من اهتمامها بإنقاذ أوكرانيا من الغزو الروسي وآثاره المدمّرة.

القدرة التفاوضية لأوكرانيا و”مجرم الحرب” بوريس جونسون

كانت مفاوضات إسطنبول الورقة الرابحة الوحيدة بيد الأوكرانيين، وحرقها زيلينسكي تماماً، ولم يتبق بعد أكثر من عامين أمام أوكرانيا سوى خيارين كلاهما شديد المرارة: الاستسلام والرضوخ للشروط الروسية القاسية، أو القتال في حربٍ غير متكافئة.

أكّد النائب الأوكراني ديفيد أراخاميا، وهو رئيس الكتلة البرلمانية لحزب زيلينسكي، في مقابلة تلفزيونية أجراها مع الصحافية الأوكرانية ناتاليا موسيشوك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أن “الحرب كانت ستنتهي في ربيع العام 2022 لو وافقت أوكرانيا على الحياد”. وأضاف: “كان هدف روسيا الرئيسي هو الضغط علينا حتى نلتزم الحياد. كانوا مستعدين لإنهاء الحرب إذا قبلنا الحياد، كما فعلت فنلندا ذات يوم، وتعهدنا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو”. 

والأخطر في ما قاله هو الآتي: “إن بوريس جونسون جاء إلى كييف في ذلك الوقت وقال إنه لا يريد التوقيع على أي شيء مع الروس”. وقد سبق أن أشارت صحيفة “أوكراينسكا برافدا” إلى ما حصل في أيار 2022، قبل أن يعود فيؤكّده أراخاميا.

“دعونا فقط نقاتل”، هذا ما قاله بوريس جونسون للأوكرانيين قبل استقالته من منصب رئاسة وزراء بريطانيا ببضعة أشهر. ليس على “مجرم الحرب” أن يظهر بهيئة قائد عسكري. يكفيه أحياناً أن يرتدي ربطة عنق أنيقة وأن يطلق الوعود الفارغة. لكن التصرف الأكثر عبثية أتى من جانب زيلينسكي وحكومته. كيف لرئيس دولة أن يهدر فرصة وقف حربٍ مدمّرة تأتي على الأخضر واليابس في بلاده؟

ليس من الممكن تبرير فشل المفاوضات الروسية-الأوكرانية من باب رفض تعديل الدستور الأوكراني، أو عدم إعطاء الروس أي ضمانات أمنية للأوكرانيين، فوقف الحرب لم يكن مشروطاً سوى بتعهّد أوكرانيا البقاء على الحياد والابتعاد عن حلف الناتو بالدرجة الأولى. 

وقف الحرب كان السبيل الوحيد لبدء الحوار بين الطرفين حول جميع المطالب الأخرى. لكن بعد كل ما حصل، فإن أوكرانيا قد فقدت الكثير من قدراتها التفاوضية، وانزلقت إلى مستنقع دموي لن تستطيع الخروج منه موحّدة، كما أنها لم تعد تملك مصلحة حقيقية في التفاوض في ظل اختلال موازين القوى العسكرية لمصلحة القوات الروسية.