تدلّ روزنامة سوريا السياسية على أن النظام يواجه تحديات إضافية وضغوطاً على الصعيد السياسي وتخبطاً في جناحه الاقتصادي، لم يعد خافياً على أحد. فالتسلسل الزمني للخضات الأخيرة ينبئ بأنّ حاكم القصر والبلاد وحاكم جحيم المعتقلات سيئة الذكر ومفجّر البراميل في أجساد الأطفال، سيكون على موعد مع ارتدادة أو أكثر من ارتدادات الزمن، التي لا مفرّ منها.
أولاّ، التسريبات الروسية التي طرحت سيناريو تخلي روسيا عن بشار الأسد، ثمّ تلزيم البلوك رقم 12 في سوريا للإيرانيين، بعدما كان من حصة شركة روسية، أحد مساهميها البنك المركزي الروسي، وفق المعلومات المتوافرة. ما يدلّ على بلبلة بين الحلفاء والأصدقاء، حامي نظام الأسد.
وأخيراً فيديو رامي مخلوف في 30 نيسان/ أبريل، وهو رجل النظام الأول وصاحب مئات الشركات، إذ خرج ليشكو من الضرائب و”القسوة”، معلناً صراحة الصراع الواضح بين النظام ورجاله. ثم أتت أخبار اعتقالات موظفين من “سيريتل” التي يملكها مخلوف، الذي ظهر مجدداً في فيديو يشكو فيه الطريقة “اللاإنسانية” التي اعتُقل فيها موظفوه.
حكم الترقيع
دعم روسيا النظام منذ 2011 حتى اليوم كلّفها أن تستخدم الفيتو 12 مرة في مجلس الأمن لحمايته من السقوط والمحاسبة، عدا عن الثمن المادي والعسكري، وبالتالي كان على النظام أن يردّ الجميل، وأن يبقى مديناً للروس متحمّلاً أي شيء منهم. لكن التسريبات الروسية تحدّثت عن تنحية بشار وتشكيل حكومة انتقالية، وبغض النظر عن صحة التسريبات أو عدمها لكنّ تزامنها مع فيديوات رامي مخلوف، يدلّ على أن تغييرات حقيقية قد تكون بانتظار سوريا في الفترة المقبلة. علماً أن سوريا تشهد إضافةً إلى صراع القوى، حصاراً اقتصادياً مستفحلاً، وهي تتصدّر قائمة أفقر دول العالم بنسبة 83 في المئة من الفقر بين أهلها. ويحاول النظام ترقيع الجوع بتوزيع بطاقات ذكية على العائلات للحصول على مواد غذائية غير كافية بأسعار مدعومة. تماماً كما حاول ترقيع وصول فايروس “كورونا” إلى سوريا، بالإنكار، وها هو بشار الأسد الأسد الآن يحاول سدّ الحفرة التي حفرها رامي مخلوف، بالصمت المطبق. فقد حصل ما حصل، وفضح رامي مخلوف صراع الأقرباء، فيما بقي القصر الجمهوري في دمشق هادئاً محجوراً عن الردّ.
في المقابل، قال موقع “ميدل إيست آي” الإلكتروني البريطاني إن رجل الأعمال السوري رامي مخلوف لا يزال مقيماً في سوريا، على رغم انتقاده العلني الرئيس بشار الأسد. وهو أمر إن أثبتت صحّته، فهو يحتاج إلى تفكير آخر حول الجدوى من رشق النظام والبقاء في كنفه في الوقت نفسه، ومن قد يستفيد من ذلك.
“الأجنحة المتكسّرة”
وفق الباحث في الشأن الاقتصادي السوري يونس الكريم: “رامي مخلوف لا يمثّل الجناح الاقتصادي للنظام وحسب، بل أيضاً جناح حرس النظام الذي دخل في صدام مع أسماء الأسد منذ بداية التدخل الروسي في سوريا، واستلائه على استثمارات كان جزء كبير منها للنظام ذاته، مثلاً ميناء طرطوس، الذي تم تجريد النظام (ممثلاً بمخلوف) من استثماراته في مناجم الفوسفات والملح لمصلحة الروس مع الكثير من التسهيلات والمنح. ورامي مخلوف كان يستثمر هناك في الكثير من المشاريع كالكهرباء. لكنّ الصراع انفجر حقاً مع إقالة دريد ضرغام (حاكم البنك المركزي السوري)، وتعيين حازم قرفول الذي أصدر الكثير من القرارات التي أعاقت عمل شركات النظام”.
ودرغام المدرج اسمه على قوائم العقوبات الغربية، تعرض وزوجته، عام 2011 للحجز الاحتياطي على أموالهما، بتهمة فساد بسبب تسهيلات ممنوحة من فرع المصرف التجاري رقم 8 في حلب، أثناء عمل درغام السابق كمدير عام لـ”المصرف التجاري السوري” 2003-2011. درغام استطاع رفع الحجز الاحتياطي عام 2018. علماً أنه عيّن حاكماً لـ”المركزي” عام 2016، وإقالته الآن وفق وسائل إعلام موالية للنظام في إطار “مكافحة الفساد”، إلا أن الواقع يقول أنّ إقالته لا تخلو من كونها جزءاً من الصراع القائم بين أجنحة النظام الاقتصادية، والحاجة إلى حاكم يخدم وجه سوريا الجديد كما يراه نظام الأسد وحلفاؤه. وسبقت إقالة درغام بشهر، إقالة صديقه مدير عام “المصرف التجاري السوري” فراس سلمان، وتعيين علي محمد يوسف مكانه.
يوضح الكريم لـ”درج” أن “الصراع اليوم في سوريا يقود إلى حقيقة واحدة وهي وجود تغييرات كبيرة وتحديات وضغوط أمام النظام بكل أجنحته. هذا الأمر يعطي فكرة أن هناك تغييراً محتملاً في الساحة السورية، إذ تزامنت رسائل عدة مع بعضها بعضاً، التسريبات الأولى من الروس حول فشل إدارة الدولة السورية، وأيضاً فيديوات رامي مخوف، وانسحاب إيران أو تغيير استراتيجيتها في سوريا. وبالتالي نحن نشاهد اليوم حلفاء النظام غير مهتمين بدعم الأسد. كما أن تيار أسماء الأسد عوّل كثيراً على دخول الصين، لكن مساعدات الصين فضحت أن تدخلها لمصلحة الأسد، هو أمر مستبعد”. ويتابع: “وبالتالي هذا التغير في المشهد السياسي، ستكون له انعكاسات كبيرة على المشهد الاقتصادي، فالتغيير السياسي اليوم متزامن مع وضع اقتصادي سيئ نتيجة “كورونا”، إغلاق الحدود، الاحتياطات النقدية التي تمر في أسوأ أوضاعها، وكذلك الزراعة واحتياط الأمن الغذائي، إضافة إلى الفقر المستشري، وانعدام الأمن الغذائي بنسبة 65 إلى 70 في المئة”. ويرى الكريم أن “الصراع اليوم يرسّخ الخوف لدى المستثمرين الموجودين حالياً أو المحتملين، ويخيف أيضاً أمراء الحرب، وبالتالي هؤلاء سيقومون بعملية تسييل لأملاكهم وأصولهم إلى الدولار، ومحاولة الفرار من سوريا للابتعاد من هذه المعركة بين رامي مخلوف وبشار الأسد، ما سيؤدي إلى تضخّم ركودي، مع توقف الأعمال والاستيراد، مقابل ارتفاع الأسعار بشكل كبير، في ظل كمية غير كافية من السلع، وبالتالي نحن الآن ندخل في حالة سيئة جداً بالنسبة إلى المواطن السوري والبلد ككل. وهذا ما تحدّث عنه رامي مخلوف، حين حذّر من الفترة المقبلة مع عدم وجود حلول للمشكلات، فيما ما زال الأسد صامتاً، على رغم كل ما قاله رامي مخلوف”.
ويوضح الكريم أن “رامي مخلوف يمثّل 65 في المئة من الاقتصاد السوري، إذ لديه أقنية واسعة جداً من الصناعات والتجار والاستيراد والتصدير. وكل العاملين في دائرته سوف يصابون بالرعب الآن، ما دام كبيرهم تخلّى عنه النظام. هناك 6500 موظف في “سيريتل” وحدها، علماً أن مخلوف يملك مئات الشركات وبالتالي هؤلاء سيشعرون بالخوف على أمنهم أولاً، وقد يفكّرون باللجوء أو الهرب، وقد نشهد موجة ثانية من اللجوء في هذه المعركة المستشرية مع النظام”.
ويشير الكريم إلى إعطاء بشار الأسد الإيرانيين حق التنقيب في البلوك رقم 12، بعدما كان منح عام 2013 لشركة روسية حق التنقيب عليه، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك. ويسأل: “هل العلاقة بين النظام وروسيا انتهت؟ هذا سؤال بالغ الأهمية. هل زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سوريا وملاقاته بشار الأسد ضمن هذا السياق؟”.
“هناك تغيّر في الساحة السياسية في سوريا. وهذا عبء إضافي على المواطنين”، يختم الكريم.