fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

اصفرّ الماء ومات الزرع… مكبّ القمامة الذي لوّث آبار قرية الهبّاط شمال إدلب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ساد الهلع في قرية الهباط منذ مطلع شهر أيار/ مايو 2024 مع تلوث جميع آبار البلدة، وأصبح الشغل الشاغل لأبنائها، الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة، وبعد البحث تبين أن السبب هو وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ التي حولت مقلع الحجارة الملاصق للقرية منذ 4 سنوات الى مكب نفايات طبية وغذائية سالت عصاراتها الى جوف الأرض واختلطت بالمياه ولوّثتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ سنوات طويلة مضت، زرع أبو أحمد أشجار الزيتون في أرضه بمحيط منزله في قرية الهباط شمال مدينة إدلب بكيلومترات قليلة، ومع مرور كل عام كان سالم وعائلته ينتظرون نضوج تلك الأشجار وجني ثمارها وتذوق زيتها والأمل يحدوا العائلة بمستقبل مليء بالخير والعطاء.

ومع إشراقة شمس كل يوم سواء في الشتاء أو في الصيف، يتفقد سالم أشجار الزيتون، تارة يقلمها وتارة أخرى يسقيها من بئر المياه المتموضع وسط الأشجار التي تشكل بدورها مكاناً لنزهة العائلة في فصل الربيع وانفراجة وهرباً من الحر في فصل الصيف. 

كانت اللحظات الأولى لثمر أشجار الزيتون البالغ عددها 38 شجرة، لحظة مفصلية في تاريخ العائلة التي شرعت في العام الأول من حمل الأشجار في تأمين مونة الزيتون والزيت والتوزيع للمعارف والأقارب، فيما تحولت العائلة في العام الذي بعده وهو العام 2019 لبيع الثمار والزيت بعد تأمين مونة العام. 

مرت السنوات سريعاً منذ العام 2018 حتى العام 2024 وعائلة أبو أحمد تنتظر فصل الخريف لجني ثمار أشجارها التي تعطي كل عام محصولاً ممتازاً بفضل السقاية المستمرة للأشجار، بخاصة في فصل الصيف. بيد أن تلك الفرحة لم تكتمل حين شاهد أبناء سالم لون مياه البئر المتدفقة بين أشجار الزيتون تتحول الى اللون الأصفر، ليهرعوا لإعلام والدهم بالأمر الذي احتار في ما شاهده بالتزامن مع انتشار رائحة كريهة من المياه ليتبين بعد اجتماع الجيران أن المياه ملوّثة ولا تصلح لسقاية الأشجار أو الشرب. 

المياه في أحد آبار قرية الهباط                                                 المصدر: الصحفي مصعب الياسين

لم تكن تلك اللحظات سهلة على أبو أحمد، إذ اسودّت الدنيا بعينيه بحسب وصفه، ولم يعد يرى سوى الحزن. والسؤال الذي شغل باله: هل ستيبس أشجار الزيتون ومن أين سيأتي بالماء ولماذا تحولت مياه البئر الذي شربوا منه لأكثر من 10 سنوات إلى هذا اللون؟!

بالقرب من منزل أبو أحمد، يحتاج أحمد أبو طلال يومياً الى نحو 10 براميل مياه تستعملها عائلته للشرب والاستحمام لا سيما في أيام الصيف الحارة. 

 يقول أبو طلال: “حين كان بئر المياه نظيفاً وعذباً لم نكن نعرف كم هو مصروفنا من الماء، ربما أكثر من 10 براميل، ومن يسأل وفي فناء منزلي بئر يعطي ماء بكمية لا محدودة، لكن لم تعد هناك فائدة بعد اليوم من الكلام وتذكر غزارة المياه وصفائها، لتتحول اليوم إلى مصدر لرائحة كريهة وصلت إلى كل غرفة بالمنزل، وها أنا ذا غطيت البئر ببعض ألواح الحديد بعد تلوّثه وربما سيغلق إلى الأبد.

يقول أحمد وعيناه تخفيان دمعاً كثيراً يكاد يفيض كالبئر الذي ينظر إليه خلال حديثه معنا: “منذ الشهر الرابع بدأت بشراء مياه الشرب بتكلفة 200 ليرة تركية للخزان الذي لا يتعدى مخزونه الـ10 براميل. في كثير من الأحيان، أستدين مالاً من أشقائي وأبناء عمومتي لشراء مياه الشرب والاستحمام، ولا يسعني أن أقول إلا ما ذنبنا لنشتري المياه ولماذا وصل التلوث الى مياه البئر الذي كان يستر فقري وعوزي؟!”.

حكومة الإنقاذ التي حولت مقلعاً إلى مكبّ قمامة

ساد الهلع في قرية الهباط منذ مطلع شهر أيار/ مايو 2024 مع تلوث جميع آبار البلدة، وأصبح الشغل الشاغل لأبنائها، لا سيما أنهم يعتمدون في معيشتهم على الزراعة التي تحتاج الى ري مستمر حتى يتواصل الإنتاج والحياة. كان السكان يأملون ببقاء بئر واحد غير ملوثة يشربون منها، بيد أن التلوث لم يقف عند قرية الهباط بل وصل الى عدد من المزارع حولها.

لم تمر أيام قليلة حتى عمّت الرائحة الكريهة واللون المائل الى الأصفر، آبار القرية ومحيطها، 18 بئراً ارتوازية يزيد عمقها عن الـ 100 متر أصبحت مصدراً لمياه تشوبها الأوساخ لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها بعدما كانت بالأمس مصدراً للحياة والعذوبة.

اجتمع أبناء القرية مرات عدة لحصر المشكلة، وبدأت النقاشات لساعات طوال أفضت إلى تحديد المتسبب، نعم إنها وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ التي حولت  مقلع الحجارة الملاصق للقرية منذ 4 سنوات الى مكب نفايات طبية وغذائية ومكان للتخلص من اللحوم التالفة وجلود الحيوانات والحيوانات النافقة، والكثير من الأوساخ التي سالت عصاراتها الى جوف الأرض واختلطت بالمياه ولوّثتها.

لن يكون الخلاص من التلوث قريباً بالنسبة الى قرية الهباط، بل على العكس ستشهد المياه مستويات تلوث أعلى في السنوات المقبلة مع استمرار وجود القمامة والقاذورات داخل المقلع وإفرازاتها التي تراكمات في طبقات الأرض وبات الخلاص منها شبه مستحيل بحسب قول العالم الجيولوجي طارق العدنان.

مع ولادة كل نعجة من قطيع أغنامه، كان أبو سامر ابن قرية الهباط يوزع الحليب لجيرانه فرحاً بزيادة عدد القطيع الذي يعتمد في غذائه على الأعشاب بين بساتين القرية، أما المياه فكانت متوافرة بشدة ولا يعيرها أبو سامر أي اهتمام إلى أن انتشر التلوّث ولم تعد حتى الأغنام تشرب من المياه الملوّثة. 

وبينما كان أبو سامر يُفرغ صهريج المياه في خزان مياه البيت، قال لـ”درج”: “بتنا نتشارك نحن وقطيع الأغنام خزان مياه واحداً بعدما كنت أعمد الى تشغيل البئر قبل تلوثها مرات عدة باليوم الواحد لسقاية الأغنام وغسيلها ورعايتها وتنظيف حظيرتها، بيد أن اليوم اقتصر ذلك كله على الشرب فقط لنا وللأغنام.

ويتابع: “ربما سأبيع من القطيع لتوفير ثمن المياه لأنني بحاجة الى سقاية الأغنام وتأمين المياه لمنزلي بشكل يومي، ما يعني أننا نحتاج كل يوم الى صهريج مياه بتكلفة 300 ليرة تركية لا أقوى على توفيرها يومياً حتى أبيع من القطيع لأتمكن من توفير المياه للبقية، فيما لم تعد الأعشاب تنمو ببساتين القرية بسبب تلوث المياه بالآبار، ما يجبرني على الذهاب بعيداً بقطيع الأغنام يومياً لتوفير الغذاء لها.

لم يقتصر تأثير مكب الهباط على القرى السكنية بل يتموضع حوله الكثير من مخيمات النازحين الذين يتخوفون من وصول التلوث إليهم، خصوصاً مع الروائح المنتشرة بالمكان والحشرات الناقلة للأمراض.                                            

محاولات لوقف التلوث

يقول العالم الجيولوجي ثابت كسحة إن عملية التلوث تحدث عند سقوط الأمطار وإصابتها النفايات داخل مقلع الهباط، فتتحلل النفايات وتتغلغل داخل الصخور الكتلية المتشققة، ما يؤدي إلى تسرب المياه الملوثة إلى المياه السطحية، وتكون الملوثات غالباً عبارة عن نترات ونتريت وأمونيا. 

ويؤكد أنه بحسب نوع الصخور الكتلية المتشققة في المنطقة، فإن التلوث سيمتد إلى مسافات بعيدة، وهذا بعكس الطبقات ذات النفاذ الضعيف التي لا تؤدي الى التلوث. 

ويرى أن الحل النهائي هو إيقاف رمي النفايات بالمقلع، وعلى الرغم من أن التلوث سيمتد لفترة معينة إلا أنه سيتوقف بعد حين.

يعود تاريخ تحويل مقلع الهباط إلى مكب نفايات إلى العام 2018 من وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ، بسبب موقعه الجغرافي الذي يتوسط المدن الرئيسية، وشرق المقلع لم يكن يوجد أي تجمع سكاني لمسافة تصل حتى 15 كيلومتراً بحسب المهندس محمد كوريني مدير المكبات في إدلب. 

وفي حديثه لـ”درج”، أكد كوريني أن المكب سابق لوجود المخيمات المحيطة، ويحوي3 محارق طبية موجودة ضمن المكب قبل اعتماده من المؤسسة.

ولفت إلى أن مؤسسة البيئة النظيفة في إدلب المعروفة باسم E-CLEAN  هي اليوم من تشرف على المكب، أي مقلع الهباط .

وفي اتصال مع لـ”درج” مع مؤسسة البيئة النظيفة في إدلب المعروفة باسم E-CLEAN، قالت على لسان مدير علاقاتها العامة الأستاذ فياض الحسين، إن سبب اختيار مقلع الهباط كمكان لرمي القمامة جاء بسبب الحاجة إلى أماكن عميقة تخفف الروائح والحشرات، وإن المؤسسة أوقفت رمي القمامة في المكب، وتم إيقاف خط الصرف الصحي. 

وأضاف أن المؤسسة شكلت لجنة جيولوجية لبحث ظاهرة العصارة في أرض المكب بسبب تحلّل القمامة وخط الصرف الصحي المسلط على المكب، ودعت اللجنة المنظمات العاملة كافة الى جلسة عن طريق مكتب التنسيق لشرح المخاطر البيئية المحتملة.

أما الحلول لإيقاف التلوث، والتي يتم السعي إليها بالتعاون مع المنظمات، فهي إما ترحيل القمامة وعزل أرض المكب، أو عزل جزء من الأرض كمرحلة أولى ثم نقل القمامة إليها وعزل القسم الثاني.

12.10.2024
زمن القراءة: 6 minutes

ساد الهلع في قرية الهباط منذ مطلع شهر أيار/ مايو 2024 مع تلوث جميع آبار البلدة، وأصبح الشغل الشاغل لأبنائها، الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة، وبعد البحث تبين أن السبب هو وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ التي حولت مقلع الحجارة الملاصق للقرية منذ 4 سنوات الى مكب نفايات طبية وغذائية سالت عصاراتها الى جوف الأرض واختلطت بالمياه ولوّثتها.

منذ سنوات طويلة مضت، زرع أبو أحمد أشجار الزيتون في أرضه بمحيط منزله في قرية الهباط شمال مدينة إدلب بكيلومترات قليلة، ومع مرور كل عام كان سالم وعائلته ينتظرون نضوج تلك الأشجار وجني ثمارها وتذوق زيتها والأمل يحدوا العائلة بمستقبل مليء بالخير والعطاء.

ومع إشراقة شمس كل يوم سواء في الشتاء أو في الصيف، يتفقد سالم أشجار الزيتون، تارة يقلمها وتارة أخرى يسقيها من بئر المياه المتموضع وسط الأشجار التي تشكل بدورها مكاناً لنزهة العائلة في فصل الربيع وانفراجة وهرباً من الحر في فصل الصيف. 

كانت اللحظات الأولى لثمر أشجار الزيتون البالغ عددها 38 شجرة، لحظة مفصلية في تاريخ العائلة التي شرعت في العام الأول من حمل الأشجار في تأمين مونة الزيتون والزيت والتوزيع للمعارف والأقارب، فيما تحولت العائلة في العام الذي بعده وهو العام 2019 لبيع الثمار والزيت بعد تأمين مونة العام. 

مرت السنوات سريعاً منذ العام 2018 حتى العام 2024 وعائلة أبو أحمد تنتظر فصل الخريف لجني ثمار أشجارها التي تعطي كل عام محصولاً ممتازاً بفضل السقاية المستمرة للأشجار، بخاصة في فصل الصيف. بيد أن تلك الفرحة لم تكتمل حين شاهد أبناء سالم لون مياه البئر المتدفقة بين أشجار الزيتون تتحول الى اللون الأصفر، ليهرعوا لإعلام والدهم بالأمر الذي احتار في ما شاهده بالتزامن مع انتشار رائحة كريهة من المياه ليتبين بعد اجتماع الجيران أن المياه ملوّثة ولا تصلح لسقاية الأشجار أو الشرب. 

المياه في أحد آبار قرية الهباط                                                 المصدر: الصحفي مصعب الياسين

لم تكن تلك اللحظات سهلة على أبو أحمد، إذ اسودّت الدنيا بعينيه بحسب وصفه، ولم يعد يرى سوى الحزن. والسؤال الذي شغل باله: هل ستيبس أشجار الزيتون ومن أين سيأتي بالماء ولماذا تحولت مياه البئر الذي شربوا منه لأكثر من 10 سنوات إلى هذا اللون؟!

بالقرب من منزل أبو أحمد، يحتاج أحمد أبو طلال يومياً الى نحو 10 براميل مياه تستعملها عائلته للشرب والاستحمام لا سيما في أيام الصيف الحارة. 

 يقول أبو طلال: “حين كان بئر المياه نظيفاً وعذباً لم نكن نعرف كم هو مصروفنا من الماء، ربما أكثر من 10 براميل، ومن يسأل وفي فناء منزلي بئر يعطي ماء بكمية لا محدودة، لكن لم تعد هناك فائدة بعد اليوم من الكلام وتذكر غزارة المياه وصفائها، لتتحول اليوم إلى مصدر لرائحة كريهة وصلت إلى كل غرفة بالمنزل، وها أنا ذا غطيت البئر ببعض ألواح الحديد بعد تلوّثه وربما سيغلق إلى الأبد.

يقول أحمد وعيناه تخفيان دمعاً كثيراً يكاد يفيض كالبئر الذي ينظر إليه خلال حديثه معنا: “منذ الشهر الرابع بدأت بشراء مياه الشرب بتكلفة 200 ليرة تركية للخزان الذي لا يتعدى مخزونه الـ10 براميل. في كثير من الأحيان، أستدين مالاً من أشقائي وأبناء عمومتي لشراء مياه الشرب والاستحمام، ولا يسعني أن أقول إلا ما ذنبنا لنشتري المياه ولماذا وصل التلوث الى مياه البئر الذي كان يستر فقري وعوزي؟!”.

حكومة الإنقاذ التي حولت مقلعاً إلى مكبّ قمامة

ساد الهلع في قرية الهباط منذ مطلع شهر أيار/ مايو 2024 مع تلوث جميع آبار البلدة، وأصبح الشغل الشاغل لأبنائها، لا سيما أنهم يعتمدون في معيشتهم على الزراعة التي تحتاج الى ري مستمر حتى يتواصل الإنتاج والحياة. كان السكان يأملون ببقاء بئر واحد غير ملوثة يشربون منها، بيد أن التلوث لم يقف عند قرية الهباط بل وصل الى عدد من المزارع حولها.

لم تمر أيام قليلة حتى عمّت الرائحة الكريهة واللون المائل الى الأصفر، آبار القرية ومحيطها، 18 بئراً ارتوازية يزيد عمقها عن الـ 100 متر أصبحت مصدراً لمياه تشوبها الأوساخ لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها بعدما كانت بالأمس مصدراً للحياة والعذوبة.

اجتمع أبناء القرية مرات عدة لحصر المشكلة، وبدأت النقاشات لساعات طوال أفضت إلى تحديد المتسبب، نعم إنها وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ التي حولت  مقلع الحجارة الملاصق للقرية منذ 4 سنوات الى مكب نفايات طبية وغذائية ومكان للتخلص من اللحوم التالفة وجلود الحيوانات والحيوانات النافقة، والكثير من الأوساخ التي سالت عصاراتها الى جوف الأرض واختلطت بالمياه ولوّثتها.

لن يكون الخلاص من التلوث قريباً بالنسبة الى قرية الهباط، بل على العكس ستشهد المياه مستويات تلوث أعلى في السنوات المقبلة مع استمرار وجود القمامة والقاذورات داخل المقلع وإفرازاتها التي تراكمات في طبقات الأرض وبات الخلاص منها شبه مستحيل بحسب قول العالم الجيولوجي طارق العدنان.

مع ولادة كل نعجة من قطيع أغنامه، كان أبو سامر ابن قرية الهباط يوزع الحليب لجيرانه فرحاً بزيادة عدد القطيع الذي يعتمد في غذائه على الأعشاب بين بساتين القرية، أما المياه فكانت متوافرة بشدة ولا يعيرها أبو سامر أي اهتمام إلى أن انتشر التلوّث ولم تعد حتى الأغنام تشرب من المياه الملوّثة. 

وبينما كان أبو سامر يُفرغ صهريج المياه في خزان مياه البيت، قال لـ”درج”: “بتنا نتشارك نحن وقطيع الأغنام خزان مياه واحداً بعدما كنت أعمد الى تشغيل البئر قبل تلوثها مرات عدة باليوم الواحد لسقاية الأغنام وغسيلها ورعايتها وتنظيف حظيرتها، بيد أن اليوم اقتصر ذلك كله على الشرب فقط لنا وللأغنام.

ويتابع: “ربما سأبيع من القطيع لتوفير ثمن المياه لأنني بحاجة الى سقاية الأغنام وتأمين المياه لمنزلي بشكل يومي، ما يعني أننا نحتاج كل يوم الى صهريج مياه بتكلفة 300 ليرة تركية لا أقوى على توفيرها يومياً حتى أبيع من القطيع لأتمكن من توفير المياه للبقية، فيما لم تعد الأعشاب تنمو ببساتين القرية بسبب تلوث المياه بالآبار، ما يجبرني على الذهاب بعيداً بقطيع الأغنام يومياً لتوفير الغذاء لها.

لم يقتصر تأثير مكب الهباط على القرى السكنية بل يتموضع حوله الكثير من مخيمات النازحين الذين يتخوفون من وصول التلوث إليهم، خصوصاً مع الروائح المنتشرة بالمكان والحشرات الناقلة للأمراض.                                            

محاولات لوقف التلوث

يقول العالم الجيولوجي ثابت كسحة إن عملية التلوث تحدث عند سقوط الأمطار وإصابتها النفايات داخل مقلع الهباط، فتتحلل النفايات وتتغلغل داخل الصخور الكتلية المتشققة، ما يؤدي إلى تسرب المياه الملوثة إلى المياه السطحية، وتكون الملوثات غالباً عبارة عن نترات ونتريت وأمونيا. 

ويؤكد أنه بحسب نوع الصخور الكتلية المتشققة في المنطقة، فإن التلوث سيمتد إلى مسافات بعيدة، وهذا بعكس الطبقات ذات النفاذ الضعيف التي لا تؤدي الى التلوث. 

ويرى أن الحل النهائي هو إيقاف رمي النفايات بالمقلع، وعلى الرغم من أن التلوث سيمتد لفترة معينة إلا أنه سيتوقف بعد حين.

يعود تاريخ تحويل مقلع الهباط إلى مكب نفايات إلى العام 2018 من وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ، بسبب موقعه الجغرافي الذي يتوسط المدن الرئيسية، وشرق المقلع لم يكن يوجد أي تجمع سكاني لمسافة تصل حتى 15 كيلومتراً بحسب المهندس محمد كوريني مدير المكبات في إدلب. 

وفي حديثه لـ”درج”، أكد كوريني أن المكب سابق لوجود المخيمات المحيطة، ويحوي3 محارق طبية موجودة ضمن المكب قبل اعتماده من المؤسسة.

ولفت إلى أن مؤسسة البيئة النظيفة في إدلب المعروفة باسم E-CLEAN  هي اليوم من تشرف على المكب، أي مقلع الهباط .

وفي اتصال مع لـ”درج” مع مؤسسة البيئة النظيفة في إدلب المعروفة باسم E-CLEAN، قالت على لسان مدير علاقاتها العامة الأستاذ فياض الحسين، إن سبب اختيار مقلع الهباط كمكان لرمي القمامة جاء بسبب الحاجة إلى أماكن عميقة تخفف الروائح والحشرات، وإن المؤسسة أوقفت رمي القمامة في المكب، وتم إيقاف خط الصرف الصحي. 

وأضاف أن المؤسسة شكلت لجنة جيولوجية لبحث ظاهرة العصارة في أرض المكب بسبب تحلّل القمامة وخط الصرف الصحي المسلط على المكب، ودعت اللجنة المنظمات العاملة كافة الى جلسة عن طريق مكتب التنسيق لشرح المخاطر البيئية المحتملة.

أما الحلول لإيقاف التلوث، والتي يتم السعي إليها بالتعاون مع المنظمات، فهي إما ترحيل القمامة وعزل أرض المكب، أو عزل جزء من الأرض كمرحلة أولى ثم نقل القمامة إليها وعزل القسم الثاني.