fbpx

اعتزال كاظم الحائري: 
إيران قطعت صلة وصل بين التشيعين الفارسي والعربي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحائري يمثّل “حضور النجف في قم لكنه إيراني الهوى ويتبع ولاية الفقيه”، وهو يمثّل أيضاً، وبشكل أساسي، “حلقة ارتباط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي”. وبإزاحته “قطع الايرانيون هذه الحلقة من حيث لا يدرون. وزادوا التباعد بين التشيعين الفارسي والعربي”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فجأة ومن خارج السياق المعلن للحدث العراق، ظهر كاظم الحائري، المرجع الديني الشيعي المقيم في مدينة قم الإيرانية، بوصفه رجلاً مؤثراً في الوقائع اليومية العراقية، اذ ظهر أن لفتاويه دور في صياغة توجهات الصدريين، أي التيار الشيعي العراقي الأوسع. الحائري بدا أنه أقرب إلى ما نطلق عليه اسم “الدولة العميقة”، والدليل أن الذهول الصدري الذي خلفه قرار اعتزاله، كشف عن شعور لدى الصدريين بأن هناك من تخلى عنهم.

فموجة العنف الدموية الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد اندلعت على خلفية اعتزال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر العمل السياسي، بعد بيان صادر عن المرجع الشيعي كاظم الحائري، يعلن فيه بدوره، اعتزال المرجعية. بيان الحائري أغضب الصدر كما هو واضح، وجعله يردّ عليه بحركة الاعتزال التي يمارسها بشكل متكرر لمحاولة الضغط على خصومه، وتجييش جمهوره. لكن هل تحمل خطوة اعتزال الحائري مناورة سياسية أم أن التقدم بالعمر هو ما دفع بالرجل إلى الاعتزال؟

ليس شائعاً في الفقه الشيعي اعتزال المرجعيات الدينية، خصوصاً أن التقدم في العمر عادة ما يعزز موقع المرجعية واحترامها لدى مقلديها، كما ان التقدم بالعمر لدى المرجعية يعني تقدماً في الخبرة والعلم، وبالتالي فإن دورها يزداد قوة وحضوراً مع السنين، وتجربة روح الله الخميني في إيران ماثلة(توفي في عمر 87 عاماً وكان حتى لحظاته الأخيرة يقوم بدوره ولياً فقيهاً)، كذلك تجربة المرجع علي السيستاني في العراق الذي تخطى التسعين من عمره ولا يزال حاضراً بقوة في مجال المرجعية. ثم إن الحائري، الذي سلّم الراية في بيانه للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يكبر خامنئي بسنة واحدة فقط، فهو من مواليد العام 1938 وخامنئي من مواليد العام 1939، وبالتالي فإن التقدم بالعمر ليس حجة مقنعة لاعتزال المرجعية، خصوصاً أن بيان الاعتزال تضمّن كلاماً سياسياً واضحاً، ينتقد فيه مقتدى الصدر، ويصفه بأنه “فاقد للاجتهاد” وغير مؤهل للقيادة. وهنا بيت القصيد في البيان، الذي يعود بنا إلى جذور العلاقة بين الصدر والحائري. 

فالمرجع المعتزل، ولد في كربلاء، ثم انتقل الى النجف حيث لازَم المرجع الشيعي محمود الشاهرودي 14 سنة، ودرس عليه أصول فقه المذهب الاثني عشري، ثم أكمل دراسته عند المرجع محمد باقر الصدر، عمّ مقتدى الصدر، لمدة 12 سنة، وأصبح من مريديه. ثم في منتصف السبعينات هاجر إلى قم، ودرّس في حوزتها، وأسس مدرسة علمية لتدريس الطلاب العراقيين سماها باسم أستاذه. وكان مواكباً لتأسيس محمد باقر الصدر حزب “الدعوة”، ثم تعرف إلى والد مقتدى الصدر محمد صادق الصدر على مقاعد الدراسة، ورشحه والد مقتدى لتولي المرجعية الفقهية بعد وفاته، بقوله “أنا أعتقد أن الأعلم على الإطلاق بعد زوالي من الساحة جناب آية الله العظمى السيد كاظم الحائري”. وهذا ما جعل مقتدى الصدر يلتزم بمرجعية الحائري، وتقليد بعض أنصاره له. والعارفون في شؤون الصدريين، يؤكدون ان تأثير الحائري في الجمهور الصدري يقتصر على كبار السنّ، وأن الشباب لا يعرفون شيئاً عن الحائري وأغلبهم لم يسمع باسمه من قبل، ويتبعون زعيمهم مقتدى الصدر في كل شاردة وواردة.     

كان للحائري مواقف وفتاوى مثيرة للجدل في فترة الحرب الإيرانية العراقية في بداية الثمانينات، وفي فترة الانتفاضة الشيعية على نظام صدام حسين في بداية التسعينيات. فقد صدر قرار من مجلس الأمن(رقمه 479) لايقاف الحرب الايرانية العراقية بعد ستة ايام من اندلاعها، لكن إيران رفضت القرار وأصرّت على الاستمرار في الحرب. موقفها هذا جعل كثير من العراقيين المعادين لصدام حسين يترددون في المشاركة في الحرب لصالح إيران. حينها كتب الحائري كتاب “الكفاح المسلّح في الإسلام” لتبرير الحرب ووجوب المشاركة فيها إلى جانب إيران ضد العراق. وفيه نظّر الحائري إلى “حق استعمال القوة في نشر الإسلام عندما تعجز الوسائل السلمية عن ذلك”، وأن “جهاد الفتح أو الجهاد الابتدائي(الذي اصطلح على انه من صلاحية المعصوم- اي الإمام المهدي المنتظر لدى الشيعة الاثني عشرية) هو جهاد مشروع ويجب القيام به في كل زمان ومكان مع توفر شروطه ودواعيه”.

وخلال الانتفاضة الشيعية ضد نظام صدام حسين في جنوب العراق، أصدر الحائري فتاوى تبيح القتل العام للجنود العراقيين مثل وضع السم في طعام الجيش، وفتاوى أخرى تبيح قتل المدنيين اذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وأباح حرمة اي ممتلكات خاصة في خضمّ الحرب مع الكفار ويعني بهم البعثيين، ونهب الممتلكات والدوائر العامة وسواها من الفتاوى المثيرة للجدل والتي تجنح في معظمها إلى تغليب العنف والقتل. 

والمفارقة في سيرة الحائري، انه عاش في إيران لكنه لم يتصد للمرجعية هناك، ولا يتم ذكره مع باقي الفقهاء في إيران، وتعاملت معه المؤسسات الإيرانية كعراقي، وهو لم يسوق لمرجعيته او ينشر رسالته في إيران، بل اقتصر تأثيره على العراق، وقد تراجع هذا التأثير مع الوقت. والغريب بحسب متابعين لشؤون المرجعية، ان خطوة اعتزال الحائري، المدفوعة على ما يبدو من القيادة الإيرانية، تؤدي نتيجة عكسية على حضور ايران في العراق والعكس بالعكس. 

الحائري كما يقول متابعون عن كثب لتجربته، يمثّل “حضور النجف في قم، في الفقه والأصول هو خلاصة محمد باقر الصدر، لكنه إيراني الهوى ويتبع ولاية الفقيه، ويعيش في الحوزة في قم منذ سنوات طويلة”، وهو يمثّل أيضاً، وبشكل أساسي، “حلقة ارتباط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي، بين النجف وقم”. 

وبهذه الاستقالة، كما يقول متابعو شؤون المرجعية، “قطع الايرانيون هذه الحلقة من حيث لا يدرون. وزادوا التباعد بين التشيعين الفارسي والعربي”.  

إقرأوا أيضاً:

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 06.09.2024

“هالسيارة مش عم تمشي”… لكنها الحرب في ميس الجبل وليس في “ميس الريم”!

نعم، لقد تأخر الجنوبيون بالاعتراف أن هذه الحرب ليست نزهة، بل نكبة أخرى، وأنهم سوف يتجرعون مراراتها إلى أجل غير معروف، فالقافلة المغادرة، لا تعني سوى أن جنوبهم وليس ميس الجبل وحدها، على وشك فقدان الحياة.
04.09.2022
زمن القراءة: 4 minutes

الحائري يمثّل “حضور النجف في قم لكنه إيراني الهوى ويتبع ولاية الفقيه”، وهو يمثّل أيضاً، وبشكل أساسي، “حلقة ارتباط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي”. وبإزاحته “قطع الايرانيون هذه الحلقة من حيث لا يدرون. وزادوا التباعد بين التشيعين الفارسي والعربي”

فجأة ومن خارج السياق المعلن للحدث العراق، ظهر كاظم الحائري، المرجع الديني الشيعي المقيم في مدينة قم الإيرانية، بوصفه رجلاً مؤثراً في الوقائع اليومية العراقية، اذ ظهر أن لفتاويه دور في صياغة توجهات الصدريين، أي التيار الشيعي العراقي الأوسع. الحائري بدا أنه أقرب إلى ما نطلق عليه اسم “الدولة العميقة”، والدليل أن الذهول الصدري الذي خلفه قرار اعتزاله، كشف عن شعور لدى الصدريين بأن هناك من تخلى عنهم.

فموجة العنف الدموية الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد اندلعت على خلفية اعتزال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر العمل السياسي، بعد بيان صادر عن المرجع الشيعي كاظم الحائري، يعلن فيه بدوره، اعتزال المرجعية. بيان الحائري أغضب الصدر كما هو واضح، وجعله يردّ عليه بحركة الاعتزال التي يمارسها بشكل متكرر لمحاولة الضغط على خصومه، وتجييش جمهوره. لكن هل تحمل خطوة اعتزال الحائري مناورة سياسية أم أن التقدم بالعمر هو ما دفع بالرجل إلى الاعتزال؟

ليس شائعاً في الفقه الشيعي اعتزال المرجعيات الدينية، خصوصاً أن التقدم في العمر عادة ما يعزز موقع المرجعية واحترامها لدى مقلديها، كما ان التقدم بالعمر لدى المرجعية يعني تقدماً في الخبرة والعلم، وبالتالي فإن دورها يزداد قوة وحضوراً مع السنين، وتجربة روح الله الخميني في إيران ماثلة(توفي في عمر 87 عاماً وكان حتى لحظاته الأخيرة يقوم بدوره ولياً فقيهاً)، كذلك تجربة المرجع علي السيستاني في العراق الذي تخطى التسعين من عمره ولا يزال حاضراً بقوة في مجال المرجعية. ثم إن الحائري، الذي سلّم الراية في بيانه للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يكبر خامنئي بسنة واحدة فقط، فهو من مواليد العام 1938 وخامنئي من مواليد العام 1939، وبالتالي فإن التقدم بالعمر ليس حجة مقنعة لاعتزال المرجعية، خصوصاً أن بيان الاعتزال تضمّن كلاماً سياسياً واضحاً، ينتقد فيه مقتدى الصدر، ويصفه بأنه “فاقد للاجتهاد” وغير مؤهل للقيادة. وهنا بيت القصيد في البيان، الذي يعود بنا إلى جذور العلاقة بين الصدر والحائري. 

فالمرجع المعتزل، ولد في كربلاء، ثم انتقل الى النجف حيث لازَم المرجع الشيعي محمود الشاهرودي 14 سنة، ودرس عليه أصول فقه المذهب الاثني عشري، ثم أكمل دراسته عند المرجع محمد باقر الصدر، عمّ مقتدى الصدر، لمدة 12 سنة، وأصبح من مريديه. ثم في منتصف السبعينات هاجر إلى قم، ودرّس في حوزتها، وأسس مدرسة علمية لتدريس الطلاب العراقيين سماها باسم أستاذه. وكان مواكباً لتأسيس محمد باقر الصدر حزب “الدعوة”، ثم تعرف إلى والد مقتدى الصدر محمد صادق الصدر على مقاعد الدراسة، ورشحه والد مقتدى لتولي المرجعية الفقهية بعد وفاته، بقوله “أنا أعتقد أن الأعلم على الإطلاق بعد زوالي من الساحة جناب آية الله العظمى السيد كاظم الحائري”. وهذا ما جعل مقتدى الصدر يلتزم بمرجعية الحائري، وتقليد بعض أنصاره له. والعارفون في شؤون الصدريين، يؤكدون ان تأثير الحائري في الجمهور الصدري يقتصر على كبار السنّ، وأن الشباب لا يعرفون شيئاً عن الحائري وأغلبهم لم يسمع باسمه من قبل، ويتبعون زعيمهم مقتدى الصدر في كل شاردة وواردة.     

كان للحائري مواقف وفتاوى مثيرة للجدل في فترة الحرب الإيرانية العراقية في بداية الثمانينات، وفي فترة الانتفاضة الشيعية على نظام صدام حسين في بداية التسعينيات. فقد صدر قرار من مجلس الأمن(رقمه 479) لايقاف الحرب الايرانية العراقية بعد ستة ايام من اندلاعها، لكن إيران رفضت القرار وأصرّت على الاستمرار في الحرب. موقفها هذا جعل كثير من العراقيين المعادين لصدام حسين يترددون في المشاركة في الحرب لصالح إيران. حينها كتب الحائري كتاب “الكفاح المسلّح في الإسلام” لتبرير الحرب ووجوب المشاركة فيها إلى جانب إيران ضد العراق. وفيه نظّر الحائري إلى “حق استعمال القوة في نشر الإسلام عندما تعجز الوسائل السلمية عن ذلك”، وأن “جهاد الفتح أو الجهاد الابتدائي(الذي اصطلح على انه من صلاحية المعصوم- اي الإمام المهدي المنتظر لدى الشيعة الاثني عشرية) هو جهاد مشروع ويجب القيام به في كل زمان ومكان مع توفر شروطه ودواعيه”.

وخلال الانتفاضة الشيعية ضد نظام صدام حسين في جنوب العراق، أصدر الحائري فتاوى تبيح القتل العام للجنود العراقيين مثل وضع السم في طعام الجيش، وفتاوى أخرى تبيح قتل المدنيين اذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وأباح حرمة اي ممتلكات خاصة في خضمّ الحرب مع الكفار ويعني بهم البعثيين، ونهب الممتلكات والدوائر العامة وسواها من الفتاوى المثيرة للجدل والتي تجنح في معظمها إلى تغليب العنف والقتل. 

والمفارقة في سيرة الحائري، انه عاش في إيران لكنه لم يتصد للمرجعية هناك، ولا يتم ذكره مع باقي الفقهاء في إيران، وتعاملت معه المؤسسات الإيرانية كعراقي، وهو لم يسوق لمرجعيته او ينشر رسالته في إيران، بل اقتصر تأثيره على العراق، وقد تراجع هذا التأثير مع الوقت. والغريب بحسب متابعين لشؤون المرجعية، ان خطوة اعتزال الحائري، المدفوعة على ما يبدو من القيادة الإيرانية، تؤدي نتيجة عكسية على حضور ايران في العراق والعكس بالعكس. 

الحائري كما يقول متابعون عن كثب لتجربته، يمثّل “حضور النجف في قم، في الفقه والأصول هو خلاصة محمد باقر الصدر، لكنه إيراني الهوى ويتبع ولاية الفقيه، ويعيش في الحوزة في قم منذ سنوات طويلة”، وهو يمثّل أيضاً، وبشكل أساسي، “حلقة ارتباط بين التشيع العربي والتشيع الفارسي، بين النجف وقم”. 

وبهذه الاستقالة، كما يقول متابعو شؤون المرجعية، “قطع الايرانيون هذه الحلقة من حيث لا يدرون. وزادوا التباعد بين التشيعين الفارسي والعربي”.  

إقرأوا أيضاً: