“خذلان أممي للموظفين اليمنيين” هو الشعار الذي أطلقته حملة تضامن يمنية مع موظفي الإغاثة المحليين والدوليين، أولئك الذين اعتقلتهم جماعة الحوثي منذ نحو أسبوعين.
ركّزت الحملة على ضعف التضامن الدولي مع عشرات المعتقلين والمعتقلات المهدّدين بمصير قاتم في سجون الحوثي، بعدما داهم مسلّحو الحوثي منازلهم وأماكن عملهم في مطلع حزيران/ يونيو الحالي.
اتُّهم المُعتقلون بالتخابر لصالح جهات خارجية في إجراءات صورية بُثّت خلالها اعترافات بدت مدروسة لوصم أي عمل في مجال حقوق الإنسان بأنه تجسّس، اعترافات شككت شخصيات حقوقية في صحتها، بل ويمكن وصفها بـ”اعترافات قسريّة”.
ترافقت الاعتقالات مع زعم الجماعة “الكشف عن خلية تجسّس لصالح أميركا وإسرائيل”، وهي تهم خطرة قد تصل عقوبتها الى الإعدام، وتأتي بعد أشهر من مباشرة الحوثي استهداف سفن شحن في البحر الأحمر بصواريخ ومسيرات تحت شعار التضامن مع غزة.
“حرب” ضد الشركاء الدوليين؟
منذ أن دشنت جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملتها القمعية التي وُصفت بالأخطر، لا تزال المعلومات تتباين بشأن أعداد المعتقلين من الموظفين الإغاثيين والعاملين في منظمات إغاثية دولية ومحلية، فيما يعيش مئات آخرين حالة من الفزع في انتظار ما يمكن أن يسفر عنه التصعيد الأخير.
ومع سيطرة الخوف على أوساط العاملين في القطاع الإغاثي والحقوقي، تواصل “درج” مع عدد من أسر العاملين في منظمات إغاثية الذين فضلوا عدم كشف أسمائهم، لكن كانت جليّة حالة القلق التي تسود أسرهم من أن يكونوا هدفاً لحملات الجماعة.
يبدو أن جماعة الحوثي دشّنت حرباً مع آخر شركائها الدوليين في الجانب المنظماتي، وهو الحضور الذي ارتبطت به عشرات البرامج الإغاثية، غير أن العاملين في هذه المنظمات والمؤسسات الشريكة لها محلياً، ممن لم يكونوا عرضة للملاحقة الأمنية الحوثية، يرون الأزمة تشكل تهديداً بفقدان الوظيفة نتيجة تقليص أنشطة هذه المنظمات وحضورها، وبعدما توقفت برامج كثيرة بالفعل خلال العام الأخير على الأقل، بسبب نقص التمويل.
يقول محمد (يتحفظ عن ذكر كامل اسمه)، عامل إغاثي يعمل في منظمة يمنية محلية مدعومة من الأمم المتحدة، إنهم منذ بداية العام الحالي، لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية، وبسبب الاعتقالات الأخيرة بات وغيره من العاملين في المنظمة في وضع لا يحسد عليه، ناهيك بالمستفيدين من المعونات من الأسر المنكوبة من الحرب، والتي تقدر الأمم المتحدة أعدادها بالملايين.
حملة مباغتة واتهامات خطيرة
وفقاً لأحدث البيانات الصادرة، اعتقلت قوات الأمن التابعة لأنصار الله (الحوثيين) في صنعاء منذ بدء حملتها في السابع من الشهر الجاري، 17 موظفاً في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية، إلى جانب اعتقال عدد غير معروف من الأشخاص المرتبطين بمنظمات المجتمع المدني ومنظمات العمل الإنساني.
ويقول بيان صادر عن 9 منظمات دولية، بما فيها برنامج الأغذية العالمي واليونيسف والصحة العالمية ومفوضية حقوق الإنسان وأوكسفام، إن “عمليات الاحتجاز هذه غير مسبوقة، ليس فقط في اليمن ولكن على مستوى العالم، وتعيق بشكل مباشر قدرتنا على الوصول إلى الأشخاص الأشد ضعفاً في اليمن، من بينهم 18.2 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية”.
وكانت الحملة الأوسع في كل من محافظات صنعاء وعمران والحديدة وحجة وصعدة، لتكتمل حلقة مسلسل الترهيب والاعتقال، بتطورٍ خطير، تمثل بالإعلان عن “شبكة تجسس أميركية وإسرائيلية”. وبثت قنوات أنصار الله الحوثيين تسجيلات فيديو تتضمن اعترافات لمعتقلين احتُجزوا في وقت سابق، أدلوا باعترافات تتضمن ادعاءات بارتباطات استخباراتية مع الولايات المتحدة، وخصوصاً من العاملين السابقين في سفارة واشنطن في صنعاء.
تضمنت الاعترافات ذكر أشخاص ممن تم تداول أسمائهم بين المعتقلين أخيراً، الأمر الذي فُسر بأنه محاولة من “أنصار الله” لممارسة ضغوط من نوع ما، على المنظمات الدولية والولايات المتحدة، بعدما نفذت واشنطن أخيراً عدداً من الضربات الجوية في اليمن في إطار عملياتها البحرية التي أعلنت فيها عن تشكيل تحالف للتصدّي لهجمات الحوثيين بحراً.
التحوّل في التعامل مع المنظمات لا يأتي بمعزل عن إجراءات سابقة، إذ وجهت سلطات الحوثيين في كانون الثاني/ يناير الماضي، مذكرة إلى الأمم المتحدة وجميع مكاتب منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في اليمن، يمهلها فيها شهراً واحداً لمغادرة موظفيها ممن يحملون الجنسيتين الأميركية والبريطانية، وشمل التعميم أيضاً عدم استقبال أي موظفين جدد من الجنسيتين.
انتهاك قانوني وضرر يلحق باليمنيين
يقول المحامي والحقوقي عبدالرحمن برمان، في حديث خاص لـ”درج”، إن الحملة من ناحية قانونية انتهاك لحرية هؤلاء الأشخاص الذين اعتُقلوا وعملية إخفاء قسري وحجز حرية خارج إطار القانون، يضاف إلى ذلك منعهم من أي حقوق، مثل مقابلة محاميهم والاتصال بذويهم وإخبار أهاليهم أيضاً بمكان وأسباب اعتقالهم، وإحالتهم الى القضاء خلال مدة 24 ساعة.
من ناحية أخرى، فإن الاعتقالات، وفقاً لبرمان، تلحق ضرراً كبيراً جداً بالمواطنيين اليمنيين الذين يستفيدوا من هذه المنظمات، فاليمن يعيش أزمة إنسانية كبيرة جداً في ظل قطع المرتبات، ومنذ سنوات يعتمد كثير من المواطنين على المنظمات الإنسانية.
يشير برمان أيضاً، إلى الدور الذي تلعبه المنظمات في التصدي للانتهاكات وتوفير جزء أو نوع من الحماية والرقابة على الانتهاكات التي تقوم بها الجماعات المسلحة سواء كانت جماعة الحوثي أو الجماعات الأخرى.
وعلى الصعيد ذاته، تصف وزيرة حقوق الإنسان السابقة في اليمن حورية مشهور في حديثها لـ”درج”، ما جرى بأنه “انتهاكات خطيرة”، أقدمت عليها سلطات الأمر الواقع في صنعاء بـ”اعتقال واختطاف وتغييب عدد من موظفي وموظفات منظمات وطنية وأممية ودولية وترويع أسرهم”.
وتقول مشهور إن الإجراءات “لا تستند إلى أي أسس قانونية وطنية وتتصادم مع التشريعات الدولية، بل إنها تتعارض وتتصادم حتى مع القيم والأعراف الاجتماعية”.
وتعليقاً على اتهامات الحوثيين للمعتقلين، تقول مشهور إنها “كيدية ومسيّسة ولا صحة لها ولا تستند إلى أسس قانونية”، كما تُعتبر جزءاً من محاولة ممارسة الضغط على الخارج بـ”مواطنين أبرياء وتقييد حرياتهم وتغييبهم”.
ماذا بعد؟
بين حملات الحوثيين الذين وصفوها بـ”الإنجاز الأمني الكبير”، وما قابلها من موجة إدانات محلية ودولية، يبدو المشهد الإغاثي والإنساني أمام منعطف خطير، إذ ليس من الواضح حتى اليوم، ما إذا كان التصعيد سينتهي بتهدئة أو يأخذ منحاً تصاعدياً ستكون له تبعاته الاقتصادية والإنسانية على نحو يصعب التكهّن بحدوده.
وفي حديثها لـ”درج”، تقول مشهور التي شاركت في اجتماعات تشاورية مع المبعوث الأممي الدولي بهدف دعم جهوده، إن “دعواتنا للسلام تذهب أدراج الرياح بممارسة هذا التصعيد غير الإنساني وغير المبرر تجاه الأبرياء، ومع ذلك فإننا كمدافعين عن حقوق الإنسان لن ندخر أي جهد لتحقيق العدالة لهؤلاء الضحايا”.
من جانبه، لا يرى الناشط الحقوقي برمان أن الأزمة ستصل إلى مرحلة قطيعة بين المنظمات وبين الحوثيين، لأن الجماعة وجدت “تعاملاً ليناً”و”نوعاً من التدليل” من المجتمع الدولي، خلال السنوات الماضية.
يختم برمان حديثه قائلاً:”إذ كانت جماعة الحوثي تتعامل مع منظمات دولية بهذه الصورة، كيف ستتعامل مع المواطنيين العاديين؟”، ولا يستبعد أن تُقدم الجماعة على مزيد من الانتهاكات، فخلال الأيام الثلاثة الماضية تلقيت اتصالات ورسائل كثير، من ناشطين ومحامين ورؤساء منظمات موجودين داخل اليمن، يسألون عن كيفية مغادرة اليمن”.
إقرأوا أيضاً: