“انتظروا التحقيق”، إنه لسان حال إعلام الممانعة وبيانات أحزابها، من “حزب الله” إلى “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، إثر اغتيال الباحث والكاتب المعارض لـ”حزب الله” لقمان سليم.
إذا سلّمنا جدلاً بضرورة انتظار التحقيق، فإنّ الذاكرة تعيقنا، إذ أثبت التحقيق اللبناني بالاغتيالات السياسية منذ عام 2005 إلى الآن، أنه شريك أساسي في الجريمة، وما دعوة القتلة وحلفائهم وإعلامهم إلى انتظار التحقيق إلا لمعرفتهم مسبقة بأن هذا التحقيق سوف يموت ويُقتَل كما قُتل لقمان سليم.
رئيس الجمهورية ميشال عون، شدد أيضاً على الإسراع (فلننتبه للكلمة) في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت إلى وقوع الجريمة.
كما طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من وزير الداخلية محمد فهمي الإسراع في التحقيق، تماماً كما أسرع بتحقيق انفجار المرفأ وكشف الجناة بعد 5 أيام كم وعد.
تذكرني عبارة “انتظروا التحقيق” بعبارة يكررها رئيس مجلس النواب نبيه بري الشهيرة كلما أراد دفن قانون ما، “وحُوِّل إلى اللجان النيابية للمناقشة”، بما يعني “الله يرحمو”.
ولكن ولو سلمنا جدلاً بانتظار التحقيق، ولو بعد 15 عاماً، كما في حالة اغتيال رفيق الحريري، فهل سيسلم القاتل ويُحاكَم؟ أو سيسارع الأفرقاء إلى اعتبار التحقيق مسيساً، وترفع لافتة تحتفي بمنفذ الجريمة في بلدته، كما في حالة سليم عياش المدان باغتيال رفيق الحريري؟
ننتظر التحقيق منذ زمن، منذ اغتيال سمير قصير وجبران تويني، وغيرهما.
في المقابل، يتفق الجميع (القاتل وحلفاؤه والإعلام الداعم) على أهمية عدم استغلال الجريمة سياسياً، “درءاً للفتنة”.
تذكرني عبارة “انتظروا التحقيق” بعبارة يكررها رئيس مجلس النواب نبيه بري الشهيرة كلما أراد دفن قانون ما، “وحُوِّل إلى اللجان النيابية للمناقشة”، بما يعني “الله يرحمو”.
فمن المعيب بحسب بيان “حزب الله” المقتضب، استغلال حدث مقتل سليم سياسياً وإعلامياً على حساب الأمن والاستقرار الداخلي. هذه الفتنة التي تهددنا في كل مكان وزمان، هي وسيلة لإسكات الناس ومنعهم من القيام برد فعل على كل ما يصيبهم من تنكيل وقتل ومهانة وتجويع.
وقبل أن يقنعنا “حزب الله” بأنه غير مسؤول عن اغتيال لقمان سليم، عليه أن يقنع جمهوره وإعلامييه الذين لم تسعهم الفرحة، معتبرين مقتل الرجل انتصاراً، عبر تغريدات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل تمجيداً للعنف والجريمة، وتتوعّد بالقصاص لكل من يخالف الحزب الرأي. وكعادة هذا الجمهور، كانت تهمة العمالة جاهزة لإسقاطها على أي معارض بلا هوادة.
لم يقتل لقمان سليم على غفلة، بل يعود التحريض ضدّه إلى سنوات مضت، إن في جريدة “الأخبار”، أو قناة “المنار”، أو في مجموعات “يسارية” تابعة لـ”حزب الله” أو تدور في فلكه.
ذاك التحريض أحرق خيمة The Hub عام 2019 في ساحة الشهداء، يوم كان لقمان سليم يقيم فيها محاضرات ونقاشات. والآن قُتِل الرجل…
“الحزب الشيوعي” نشر بياناً لا يتخطّى الـ4 جمل، قد يصلح لمنشور فايسبوكي لا أكثر، يعجّ باللغو والثرثرة، إنما من دون الإشارة إلى مواقف لقمان المعارضة لـ”حزب الله” ولا إلى المكان الذي اغتيل فيه والواقع تحت سيطرة “حزب الله”، ولا إلى ممارسات الأخير في قمع معارضيه، بخاصة في الجنوب، علماً أن “الحزب الشيوعي” كانت له الحصة الوافرة من القمع والتنكيل في انتفاضة عام 2019.
ولكن كيف لحزب لم يتجرأ يوماً على تسمية قتلة كوادره (إلا إذا كان يعتبر “خفافيش الليل” اسم علم) أن يسمي أو يلمح للمتهم الأساسي باغتيال لقمان سليم وكل الاغتيالات السياسية السابقة.
أقل ما يقال عن بيان الحزب إنه جبان، ورفع عتب لا أكثر، ويكاد يشبه بيان “حزب الله” من حيث الشكل والحجم والمضمون.
أما بيان “حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، فأتى نتيجة مسار ليس بجديد على أمين عام الحركة شربل نحاس من جهة الخنوع ومحاولة نيل رضا “حزب الله” بأي طريقة.
المضحك في البيان أنه تحدّث عن الحركة أكثر مما تطرّق إلى المغدور، فبدا الأمر أشبه بخطاب مضجر لشربل نحاس. ولم يخلُ البيان من ذكر الخلاف السياسي مع لقمان سليم لجهة آرائه ومواقفه. لقمان مدمى بخمس رصاصات، و”حركة مواطنون ومواطنات” تخبرنا عن خلافاتها معه، في محاولة لتمييع الاغتيال والموقف منه.
كان لقمان سليم ممداً على مقعد سيارته، ومضرجاً بدمائه، في حين كان كاتب بيان “مواطنون ومواطنات” يخبرنا عن أهمية الدولة المدنية في حماية المجتمع، وعن ضرورة تسليم السلطة سلمياً لشربل نحاس، لكن ما لم يخبرنا به البيان، هو كيف سيحمينا نحاس من “حزب الله”!
بعد 6 أشهر من انفجار مرفأ بيروت، كان أهالي الضحايا والجرحى، يعتصمون أمام قصر العدل لمعرفة مصير التحقيق (المتوقف أصلاً) في القضية، 6 أشهر مرت على كلام وزير الداخلية بالكشف عن الفاعلين خلال 5 أيام. وبينما كان الأهالي يعتصمون، كانت تنقل جثة لقمان سليم، وكان قاتل لقمان، يصوغ بياناً مقتضباً، يدعونا فيه إلى التروي وعدم استغلال الجريمة سياسياً وإلى “انتظار التحقيق”.
إقرأوا أيضاً: