fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

افتتاح مسبح… أول إنجازات قيس سعيد في ولايته الجديدة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يطل انتظار التونسيين لإنجازات قيس السعيد في ولايته الجديدة؛ إذ ظهر الرئيس الأسبوع الماضي ليلاً من مسبح البلفدير بالعاصمة، يمشي الخيلاء بين الوزراء وكبار المسؤولين وبعض المصورين المقربين من قصر قرطاج، ليعلن عن حدث وصفه بالعظيم، قائلاً إنه سيغير وجه العاصمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خلال أدائه اليمين الدستورية، تعهّد الرئيس التونسي قيس سعيّد برفع التحديات التي تواجهها البلاد، والاستجابة لمطالب الشعب وتحقيق أهداف الثورة الحقيقية التي تم الانحراف عنها خلال السنوات الماضية. وفي الخطاب ذاته، الذي ألقاه أمام نواب البرلمان وأعضاء المجلس الوطني للأقاليم، شدّد سعيّد على أهمية بناء اقتصاد وطني يرتكز على خلق الثروة بخيارات وطنية خالصة، وفتح الطريق أمام العاطلين عن العمل، بخاصة فئة الشباب.

كلمات منمّقة وجميلة صفّق لها النواب كثيراً، واستبشر بها أكثر من مليوني تونسي ممن انتخبوا سعيّد خلال الأسابيع الماضية، ومنحوه أصواتهم على أمل إصلاح حال البلاد التي تدهورت كثيراً خلال السنوات الأخيرة. ومع كل كلمة يلقيها سعيّد إلى التونسيين، تزداد التوقعات، فالوعود كثيرة، بخاصة أن الكلام مجاني ولا يحتاج سوى لسانٍ فقط وبعض التعابير المهذبة، وهذا متوافر.

صحيح أننا لم نسمع خلال السنوات الخمس الأخيرة إلا الكلام المنمق من دون فعل يُذكر، لكن يبدو أن سعيّد هذه المرة مصرٌّ على “الإنجازات”، بخاصة بعدما ملأ السجون بمن يصفهم بالمتآمرين والخونة من السياسيين والإعلاميين، حتى وإن فشلت أجهزة الدولة الموضوعة تحت أمره وطوعه في إثبات أي تهمة ضدهم.

بداية العهد الجديد بتدشين مسبح!

لم يطل انتظار التونسيين لإنجازات قيس السعيد في ولايته الجديدة؛ إذ ظهر الرئيس الأسبوع الماضي ليلاً من مسبح البلفدير بالعاصمة، يمشي الخيلاء بين الوزراء وكبار المسؤولين وبعض المصورين المقربين من قصر قرطاج، ليعلن عن حدث وصفه بالعظيم، قائلاً إنه سيغير وجه العاصمة.

وبنبرة مليئة بالفخر، أعلن سعيّد عن هذا الحدث الجلل، الذي لا يشمل انطلاق صاروخ إلى الفضاء ولا قطار سريع ولا حتى تدشين مطار جديد، بل تدشين مسبح!

الحكاية تتلخص في إعادة فتح المسبح البلدي بالبلفدير، في دولة تعاني جفافاً قاتلًا منذ سنوات، إذ يقل معدل حصة الفرد السنوية فيها عن 500 م³ من الماء، ما يجعلها من الدول الأفقر مائيّاً في العالم. لم يكتفِ سعيّد بهذه الإطلالة الليلية، بل جاءت الأوامر لوسائل الإعلام المقربة من السلطة لتسليط الضوء على هذا الإنجاز، فأرسلت المراسلين لنقل فرحة المواطنين، وخصصت البرامج المباشرة للحديث عن إنجاز الرئيس.

المسبح الذي أشرفت على ترميمه إدارة الهندسة العسكرية لأكثر من 4 أشهر، بقي مغلقاً لأكثر من 20 عاماً، حيث شهد عرضاً للدلافين عام 1999. وتبلغ طاقته الاستيعابية 350 شخصاً، فيما تتسع المدرجات لـ700 شخص. بصورة ما، يمكن القول إن إنجاز سعيد الأول بعد ولايته الثانية، لا يتجاوز الحنين إلى عرض دلافين والتخفيف من حرّ الصيف عن بضع مئات من التوانسة، علماً أننا في فصل الشتاء!

لم تنتهِ جوقة وسائل الإعلام، التي ذكرتنا بأمجاد إعلامية سابقة من عهد بن علي وبورقيبة، حتى نُظّم حفل غنائي احتفاءً بإعادة تهيئة المسبح الموعود. وللحظة، خُيّل إلينا أننا أمام تدشين أعجوبة العالم الثامنة، أو مسبح مياهه من بئر زمزم، فهذا الاحتفاء الكبير يستحيل أن يكون لمجرد مسبح بلدي من المفترض أن يكون له نظير في كل بلدة وحيّ داخل تونس.

فشل في الوفاء بالتعهدات

يعكس هذا الاحتفاء بالمسبح فشل النظام في الوفاء بتعهداته الكثيرة للتونسيين، رغم أن نظام الحكم في الدستور، الذي كتبه قيس سعيّد بنفسه، هو رئاسي، إذ إن الرئيس هو الرجل الأول في السلطة التنفيذية، والمتحكم في السلطة التشريعية، وله دور كبير في السلطة القضائية أيضاً، ما يجعله صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في معظم الملفات، وهو من يعيّن الوزراء ويحدّد سياسات الدولة.

محدودية الإنجاز رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحكم الفردي، دفعت الرئيس قيس سعيّد إلى اللجوء لهذه المشاريع البسيطة للتغطية على الفشل في تحقيق تطلعات التونسيين. مرت أكثر من خمس سنوات على تولي سعيّد مقاليد الحكم، لكن لم يرَ التونسيون بعد أي إنجاز يُذكر، فالوضع على حاله، بينما زادت الوعود، ما زاد من خيبة أملهم وأثّر على تطلعاتهم من النظام الحاليّ.

تعهد سعيّد بتطوير البنية التحتية للبلاد من خلال إطلاق مشاريع كبرى، وتأمين فرص عمل أكثر، وخلق اقتصاد قوي، وتنمية الصناعات التحويلية، وتحسين مناخ الأعمال، لكن ليس كلّ ما يُقال يُنفّذ. وبالنظر إلى مجمل هذه التعهدات التي أطلقها سعيّد خلال الفترة الماضية، نجد أنها في غالبيتها بقيت حبراً على ورق ولم يتجاوز مكانه وزمانه، وفق المؤشرات المتاحة.

في ما يخص الاقتصاد، فهو في تراجع مستمر رغم الحمائية التي انتهجها سعيّد حديثاً للحد من الاستيراد وتقييد دخول السلع الأجنبية إلى الأسواق الداخلية. كما أن البطالة بلغت مستويات مرتفعة، والبنية التحتية الضعيفة ما زالت على حالها إن لم تكن في تدهور، وحتى المشاريع التي قيل إن تمويلها مرصود ولا تنتظر سوى إرادة الحاكم للبدء فيها – مثل المدينة الصحية بالقيروان – لم ترَ النور بعد.

وسجلت تونس في السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاعاً مخيفاً في أسعار المواد الأساسية، وصعوبة المعيشة، إلى جانب استمرار غياب العدالة في توزيع الثروة، ما أدى إلى تهميش فئات عدة من المجتمع.

عبث متواصل

بالنظر إلى سجل الرئيس سعيد خلال سنوات حكمه الماضية، نرى أنه لم يحد عن عاداته، فكثيراً ما كان يركز على الأمور الثانوية مقابل إهمال المواضيع التي تهم المواطنين بصفة مباشرة. مثلاً، كانت خطبه في غالبيتها تتمحور حول من يصفهم بالمتآمرين والخونة وعملاء الخارج، الذين حملهم مسؤولية أزمات تونس المتكررة، حتى أزمة الجفاف ونقص المياه الناتجة من التحولات المناخية حمّلهم مسؤوليتها.

تجاوز سعيد في بعض المرات تحميل المسؤولية للغير إلى الفعل مباشرة، ودشن عهد الشركات الأهلية وهي عماد برنامج حكمه، كأن الزمان يعود بنا إلى سنوات الستينات وعهد التعاضد الذي عرفته تونس حينها ونتيجته كانت الفشل طبعاً. 

كل تركيز سعيد حالياً منصبّ على تسهيل فتح هذه الشركات وإيهام الناس بجدواها المزعومة، كأن الفرج سيأتي معها رغم أن التجربة القصيرة أثبتت فشل غالبية هذه الشركات وأكدت أن فتح الكثير منها مطيّة لسرقة المال العام.

للتغطية على هذا الفشل، أمر سعيد وزارة التشغيل بصرف منح مالية شهرية لهذه الشركات، وهناك معلومة لا يجب التغافل عن ذكرها وهي أن أصحاب هذه الشركات هم في غالبيتهم من داعمي الرئيس.

التلاعب بالعقول

يعلم سعيّد يقيناً فشله في الوفاء بتعهداته لشعبه، إلا أنه يُكابر في إعلان ذلك. فبعدما كان يتّهم من يصفهم بالخونة والمتآمرين بعرقلته، أصبح الآن يراهن على إنجازات بسيطة للترويج لنجاح لا يراه إلا هو ومن حوله. يمكن القول إن نظام سعيّد يمارس سياسة “التلاعب بالعقول” مع التونسيين، إذ يسعى إلى توجيههم وإقناعهم بانتصارات وإنجازات وهمية، وهو أسلوب مألوف في الأنظمة الديكتاتورية الفاشلة.

يعرف سعيّد أن نسبة كبيرة من الشعب التونسي تتسم بالعاطفية، ما يسهل تمرير مثل هذه الحيل، لذا لجأ إلى الاحتفاء بأبسط الأشياء لإظهار قدرته على “البناء والتشييد” – شعار حملته – في ظل انعدام أي إنجاز يُذكر في تونس خلال السنوات الأخيرة.

صوّت التونسيون في الانتخابات الأخيرة بغالبية ساحقة للرئيس سعيّد ومنحوه ثقتهم العمياء، فكافأهم بدايةً بإعادة تهيئة مسبح بلدي، على أمل أن يعيد بعد سنوات تهيئة ملعب، لتعم الفرحة في البلاد ويُخلّد اسمه في كتب التاريخ.

لا يهم إن بقيت وسائل النقل على حالها أو تدهورت، ولا يهم إن تراجع الاقتصاد وارتفعت نسب الفقر والبطالة وتدهورت القدرة الشرائية، ما دامت الغالبية الإعلامية تروّج للنظام وتصنع من الفشل نجاحاً.

ليلاس حتاحت- صحافيّةسوريّة | 09.05.2025

سوريات في السجن اللبناني (2): الزنزانة التي أيقظت تروما الاغتصاب الأول

هذه الحلقة الثانية من ثلاث حلقات، تروي فيها الصحافية السورية ليلاس حتاحت، شهادة عن تجربة مؤلمة عاشتها في سجن لبناني، أمضت فيه سبعة أيّام بلياليها، بعد اكتشافها تلفيق تهمة لها حين كانت في أوروبا، باستخدام اسمها وجواز سفرها السوري.
30.10.2024
زمن القراءة: 5 minutes

لم يطل انتظار التونسيين لإنجازات قيس السعيد في ولايته الجديدة؛ إذ ظهر الرئيس الأسبوع الماضي ليلاً من مسبح البلفدير بالعاصمة، يمشي الخيلاء بين الوزراء وكبار المسؤولين وبعض المصورين المقربين من قصر قرطاج، ليعلن عن حدث وصفه بالعظيم، قائلاً إنه سيغير وجه العاصمة.

خلال أدائه اليمين الدستورية، تعهّد الرئيس التونسي قيس سعيّد برفع التحديات التي تواجهها البلاد، والاستجابة لمطالب الشعب وتحقيق أهداف الثورة الحقيقية التي تم الانحراف عنها خلال السنوات الماضية. وفي الخطاب ذاته، الذي ألقاه أمام نواب البرلمان وأعضاء المجلس الوطني للأقاليم، شدّد سعيّد على أهمية بناء اقتصاد وطني يرتكز على خلق الثروة بخيارات وطنية خالصة، وفتح الطريق أمام العاطلين عن العمل، بخاصة فئة الشباب.

كلمات منمّقة وجميلة صفّق لها النواب كثيراً، واستبشر بها أكثر من مليوني تونسي ممن انتخبوا سعيّد خلال الأسابيع الماضية، ومنحوه أصواتهم على أمل إصلاح حال البلاد التي تدهورت كثيراً خلال السنوات الأخيرة. ومع كل كلمة يلقيها سعيّد إلى التونسيين، تزداد التوقعات، فالوعود كثيرة، بخاصة أن الكلام مجاني ولا يحتاج سوى لسانٍ فقط وبعض التعابير المهذبة، وهذا متوافر.

صحيح أننا لم نسمع خلال السنوات الخمس الأخيرة إلا الكلام المنمق من دون فعل يُذكر، لكن يبدو أن سعيّد هذه المرة مصرٌّ على “الإنجازات”، بخاصة بعدما ملأ السجون بمن يصفهم بالمتآمرين والخونة من السياسيين والإعلاميين، حتى وإن فشلت أجهزة الدولة الموضوعة تحت أمره وطوعه في إثبات أي تهمة ضدهم.

بداية العهد الجديد بتدشين مسبح!

لم يطل انتظار التونسيين لإنجازات قيس السعيد في ولايته الجديدة؛ إذ ظهر الرئيس الأسبوع الماضي ليلاً من مسبح البلفدير بالعاصمة، يمشي الخيلاء بين الوزراء وكبار المسؤولين وبعض المصورين المقربين من قصر قرطاج، ليعلن عن حدث وصفه بالعظيم، قائلاً إنه سيغير وجه العاصمة.

وبنبرة مليئة بالفخر، أعلن سعيّد عن هذا الحدث الجلل، الذي لا يشمل انطلاق صاروخ إلى الفضاء ولا قطار سريع ولا حتى تدشين مطار جديد، بل تدشين مسبح!

الحكاية تتلخص في إعادة فتح المسبح البلدي بالبلفدير، في دولة تعاني جفافاً قاتلًا منذ سنوات، إذ يقل معدل حصة الفرد السنوية فيها عن 500 م³ من الماء، ما يجعلها من الدول الأفقر مائيّاً في العالم. لم يكتفِ سعيّد بهذه الإطلالة الليلية، بل جاءت الأوامر لوسائل الإعلام المقربة من السلطة لتسليط الضوء على هذا الإنجاز، فأرسلت المراسلين لنقل فرحة المواطنين، وخصصت البرامج المباشرة للحديث عن إنجاز الرئيس.

المسبح الذي أشرفت على ترميمه إدارة الهندسة العسكرية لأكثر من 4 أشهر، بقي مغلقاً لأكثر من 20 عاماً، حيث شهد عرضاً للدلافين عام 1999. وتبلغ طاقته الاستيعابية 350 شخصاً، فيما تتسع المدرجات لـ700 شخص. بصورة ما، يمكن القول إن إنجاز سعيد الأول بعد ولايته الثانية، لا يتجاوز الحنين إلى عرض دلافين والتخفيف من حرّ الصيف عن بضع مئات من التوانسة، علماً أننا في فصل الشتاء!

لم تنتهِ جوقة وسائل الإعلام، التي ذكرتنا بأمجاد إعلامية سابقة من عهد بن علي وبورقيبة، حتى نُظّم حفل غنائي احتفاءً بإعادة تهيئة المسبح الموعود. وللحظة، خُيّل إلينا أننا أمام تدشين أعجوبة العالم الثامنة، أو مسبح مياهه من بئر زمزم، فهذا الاحتفاء الكبير يستحيل أن يكون لمجرد مسبح بلدي من المفترض أن يكون له نظير في كل بلدة وحيّ داخل تونس.

فشل في الوفاء بالتعهدات

يعكس هذا الاحتفاء بالمسبح فشل النظام في الوفاء بتعهداته الكثيرة للتونسيين، رغم أن نظام الحكم في الدستور، الذي كتبه قيس سعيّد بنفسه، هو رئاسي، إذ إن الرئيس هو الرجل الأول في السلطة التنفيذية، والمتحكم في السلطة التشريعية، وله دور كبير في السلطة القضائية أيضاً، ما يجعله صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في معظم الملفات، وهو من يعيّن الوزراء ويحدّد سياسات الدولة.

محدودية الإنجاز رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحكم الفردي، دفعت الرئيس قيس سعيّد إلى اللجوء لهذه المشاريع البسيطة للتغطية على الفشل في تحقيق تطلعات التونسيين. مرت أكثر من خمس سنوات على تولي سعيّد مقاليد الحكم، لكن لم يرَ التونسيون بعد أي إنجاز يُذكر، فالوضع على حاله، بينما زادت الوعود، ما زاد من خيبة أملهم وأثّر على تطلعاتهم من النظام الحاليّ.

تعهد سعيّد بتطوير البنية التحتية للبلاد من خلال إطلاق مشاريع كبرى، وتأمين فرص عمل أكثر، وخلق اقتصاد قوي، وتنمية الصناعات التحويلية، وتحسين مناخ الأعمال، لكن ليس كلّ ما يُقال يُنفّذ. وبالنظر إلى مجمل هذه التعهدات التي أطلقها سعيّد خلال الفترة الماضية، نجد أنها في غالبيتها بقيت حبراً على ورق ولم يتجاوز مكانه وزمانه، وفق المؤشرات المتاحة.

في ما يخص الاقتصاد، فهو في تراجع مستمر رغم الحمائية التي انتهجها سعيّد حديثاً للحد من الاستيراد وتقييد دخول السلع الأجنبية إلى الأسواق الداخلية. كما أن البطالة بلغت مستويات مرتفعة، والبنية التحتية الضعيفة ما زالت على حالها إن لم تكن في تدهور، وحتى المشاريع التي قيل إن تمويلها مرصود ولا تنتظر سوى إرادة الحاكم للبدء فيها – مثل المدينة الصحية بالقيروان – لم ترَ النور بعد.

وسجلت تونس في السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاعاً مخيفاً في أسعار المواد الأساسية، وصعوبة المعيشة، إلى جانب استمرار غياب العدالة في توزيع الثروة، ما أدى إلى تهميش فئات عدة من المجتمع.

عبث متواصل

بالنظر إلى سجل الرئيس سعيد خلال سنوات حكمه الماضية، نرى أنه لم يحد عن عاداته، فكثيراً ما كان يركز على الأمور الثانوية مقابل إهمال المواضيع التي تهم المواطنين بصفة مباشرة. مثلاً، كانت خطبه في غالبيتها تتمحور حول من يصفهم بالمتآمرين والخونة وعملاء الخارج، الذين حملهم مسؤولية أزمات تونس المتكررة، حتى أزمة الجفاف ونقص المياه الناتجة من التحولات المناخية حمّلهم مسؤوليتها.

تجاوز سعيد في بعض المرات تحميل المسؤولية للغير إلى الفعل مباشرة، ودشن عهد الشركات الأهلية وهي عماد برنامج حكمه، كأن الزمان يعود بنا إلى سنوات الستينات وعهد التعاضد الذي عرفته تونس حينها ونتيجته كانت الفشل طبعاً. 

كل تركيز سعيد حالياً منصبّ على تسهيل فتح هذه الشركات وإيهام الناس بجدواها المزعومة، كأن الفرج سيأتي معها رغم أن التجربة القصيرة أثبتت فشل غالبية هذه الشركات وأكدت أن فتح الكثير منها مطيّة لسرقة المال العام.

للتغطية على هذا الفشل، أمر سعيد وزارة التشغيل بصرف منح مالية شهرية لهذه الشركات، وهناك معلومة لا يجب التغافل عن ذكرها وهي أن أصحاب هذه الشركات هم في غالبيتهم من داعمي الرئيس.

التلاعب بالعقول

يعلم سعيّد يقيناً فشله في الوفاء بتعهداته لشعبه، إلا أنه يُكابر في إعلان ذلك. فبعدما كان يتّهم من يصفهم بالخونة والمتآمرين بعرقلته، أصبح الآن يراهن على إنجازات بسيطة للترويج لنجاح لا يراه إلا هو ومن حوله. يمكن القول إن نظام سعيّد يمارس سياسة “التلاعب بالعقول” مع التونسيين، إذ يسعى إلى توجيههم وإقناعهم بانتصارات وإنجازات وهمية، وهو أسلوب مألوف في الأنظمة الديكتاتورية الفاشلة.

يعرف سعيّد أن نسبة كبيرة من الشعب التونسي تتسم بالعاطفية، ما يسهل تمرير مثل هذه الحيل، لذا لجأ إلى الاحتفاء بأبسط الأشياء لإظهار قدرته على “البناء والتشييد” – شعار حملته – في ظل انعدام أي إنجاز يُذكر في تونس خلال السنوات الأخيرة.

صوّت التونسيون في الانتخابات الأخيرة بغالبية ساحقة للرئيس سعيّد ومنحوه ثقتهم العمياء، فكافأهم بدايةً بإعادة تهيئة مسبح بلدي، على أمل أن يعيد بعد سنوات تهيئة ملعب، لتعم الفرحة في البلاد ويُخلّد اسمه في كتب التاريخ.

لا يهم إن بقيت وسائل النقل على حالها أو تدهورت، ولا يهم إن تراجع الاقتصاد وارتفعت نسب الفقر والبطالة وتدهورت القدرة الشرائية، ما دامت الغالبية الإعلامية تروّج للنظام وتصنع من الفشل نجاحاً.

30.10.2024
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية