fbpx

الأثرياء يحكمون “إنستغرام”… والفقراء يشترون الوهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الإنسان البسيط مادياً يندفع نحو متابعة نجوم “إنستغرام” رغبةً منه في التعويض عن حرمانه من حياة الرفاهية. وهو في ذلك كمثل مراهق مكبوت جنسياً، يتخّذ من المجلات والأفلام الإباحية بديلاً من حاجةٍ يفتقدها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استغرقني وقت غير قليل كي أستفيق من صدمة “إنستغرام”. دخلتُ هذا العالم الغريب عنّي تماماً غير مدفوعة برغبة الكشف، وإنما الاكتشاف. تركتُ حسابي بلا صورة لأتابع بحريّة صفحاتٍ لا أدري عن أصحابها سوِى أنهم “نجوم” بلا صفة، وإن عمد معظمهم إلى “شرعنة” نجوميتهم المستجدة عبر ألقاب تنوّعت بين Fashionista وBlogger وInfluencer  (المؤثّر).

ولكن، ما لم أتوقّعه أبداً أن تُخلّف متابعتي هذه الشخصيات أثراً في نفسي، أنا التي لم أكن يوماً ذات شخصية خفيفة أو سريعة التأثّر. لكنني أعترف أنّ مفاجآت “إنستغرام” هزّتني، وبعثت فيّ إحساساً يتراوح بين الخيبة والحسرة. سلطة المال هنا تتحكّم بالمجتمع وتُحيل الفارغين مؤثّرين، بينما يقضي الكائن الممتلئ معرفياً وثقافياً حياته هامشياً. كأنني أدركتُ وهم العبارات التي يُصبِّر بها الإنسان البسيط نفسه: “ما في حدا مرتاح”، “الفقير عايش والغني عايش”، “المال لا يشتري السعادة”. هذا الشعور العرضي لم يداهمني قطّ قبل الدخول إلى “إنستغرام”. فالصورة هنا أساس تُشيَّد عليه هوية سطحية، زائفة، مستفزّة، بل منفصلة عن الواقع الذي لا يخلو من ضغوط وأزمات: طبيعة، أمومة، حبّ، جمال، ماركات، يخوت، طائرات خاصة… وهذا ما يُناقض مفهوم الصورة على موقع “فايسبوك”، إذ تجسد الصورة ممرّاً نحو هويتك، بينما تظلّ الأفكار هي النافذة الأساسية نحو شخصية افتراضية لصيقة بالواقع المعيش. الواقع بشقيه الجميل والقبيح.

قد يكون موقع “إنستغرام” هو الأسوأ على الصحة العقلية والنفسية، لكنّه يبقى مهمّاً في كونه يكشف، وبفجاجة، عن هوّة كبيرة تفصل أبناء الطبقات الدنيا والعليا. الكتب التي قرأتها على مدار سنوات علّمتني أنّ الفقراء يتشابهون أينما كانوا. بؤساء الأدب الفرنسي هم أنفسهم في الأدب الروسي، والمهمّشون في الأدب العربي لا يختلفون عن المهمّشين في الأدب الفارسي. لكنّ “نجوم إنستغرام”، وعن غير قصد طبعاً، منحوني رؤية أخرى، أكثر صدقاً وواقعية. عرفت من خلال حياتهم التي يعرضون تفاصيلها “الاستهلاكية”، أنّ أغنياء العالم متشابهون وأنّ الفقراء هم الذين يختلفون في الهموم والأحلام.

عند متابعة حياة “الإنستغراميين” المترفة، تستحضرك مقولة لم أعد أذكر صاحبها: “لو أنّ الفقراء يدركون حقيقة الحياة التي يعيشها الأثرياء لامتلأت الميادين بالثوّار الغاضبين”. ومن المهمّ القول هنا إنّ الغضب الذي اعتراني ليس جرّاء الثراء الفاحش الذي يتباهى به أصحابه بلا حياء، وإنما مرجعه، أي ثقافة الاستهلاك المعمّمة عبر صورٍ تُحطّم الثقة بالذات، وتجعلك تغوص في حياة الآخرين وذواتهم، بدلاً من أن تتأمل حياتك وذاتك أنت. واللافت أنّ هذه الصفحات الموجودة تحت عنوان “الموضة” لا تُروّج للأزياء الدارجة، بمقدار الترويج لنمط حياة قائم على الاستهلاك والتبذير. والأهمّ، أنّ هؤلاء لا يخاطبون الأثرياء مثلهم فقط، وإنما يستهدفون أيضاً الفقراء الراغبين في التلصّص على حياةٍ أخرى، متخففة من الأعباء الاجتماعية والمستحقات المالية الخانقة. فالإنسان البسيط مادياً يندفع نحو متابعة نجوم “إنستغرام” رغبةً منه في التعويض عن حرمانه من حياة الرفاهية. وهو في ذلك كمثل مراهق مكبوت جنسياً، يتخّذ من المجلات والأفلام الإباحية بديلاً من حاجةٍ يفتقدها. وفي كلتا الحالتين، يخرج الفقير- كما المراهق- مهزوماً، خائباً، وواعياً أكثر بأزماته وحرمانه.

“الثراء وحده قد يغدو كافياً كي يصنع منك نجماً، أو ربما مُلهماً”

لا شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي، عموماً، صنعت ثقافة جديدة تُعيد رسم العلاقة الجدلية بين “الأنا” و”الآخر”، من خلال مصطلحات تقييمية مثل: Like،Unlike ،Follow ،Block  وغيرها… لكنّ “إنستغرام”، وأراهن أنه سيكون بعد سنوات مادة غنية للدراسات السوسيولوجية الحديثة، يمكن اعتباره مختبراً لصناعة “أيقونات” افتراضيات ينتمين الى طبقة اجتماعية واحدة. مثلاً، لانا الساحلي وكارين وازن ونور عريضة وغنى غندور، يُمثّلن أربع سيّدات لبنانيات وافدات من خلفيات ثقافية وطائفية مختلفة، وإنما من الطبقة المخملية ذاتها. كنّ مجرّد سيّدات مترفات ومهتمّات بالموضة، لكنهنّ اليوم حاضرات على أغلفة المجلات وفي إعلانات المنتجات الجمالية وفي عروض الأزياء والمناسبات الاجتماعية. لقد جعلهنّ “إنستغرام” مؤثّرات أو ملهمات، كما يعرّفن بأنفسهن. ولكن بماذا يلهمون الناس؟ وكيف يؤثّرون؟ لا أحد يجيبك. آلاف اللايكات التي تلاحق صورهن “المثالية”، لا تجد تبريراً لها. فهل من يتابعهن يضغط علامة الإعجاب لهن أم للصورة المفقودة والمشتهاة؟

وفي حين أنّ فكرة التأثير في الآخر التصقت طويلاً بالفنانين والسياسيين والمفكرين، يأتي “إنستغرام” ليضعنا أمام معادلة جديدة. التأثير لم يعد حكراً على صنّاع القرار وأصحاب الإنجازات. فالثراء وحده قد يغدو كافياً كي يصنع منك نجماً، أو ربما ملهماً.

إقرأ أيضاً:
علميّاً: هكذا تُغيّر السوشيال ميديا عقولنا
الحب على الطريقة الرقمية: هل ينجح؟
الثورة الرقمية ستفلت من السيطرة البشرية

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.