fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الأخطبوط  الإسرائيلي: الهاسبارا 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمكن لـ”الهاسبارا” أن تستمر في إعفاء خطبائها من جرائمهم. يمكن للإسرائيليين الخروج من هذا كضحايا بأي حال من الأحوال: ضحايا لغسيل المخ والدعاية في وقت يتفوق فيه العالم والوصول إلى المعلومات على نفسه في كل دقيقة. غياب المساءلة لا يؤدي إلا إلى إغراق “أخطبوطهم” الثمين في الدم الفلسطيني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تسيطر أذرع الدعاية الإسرائيلية، تحديداً تلك المعروفة بعبارة “الهاسبارا”،  بشكل منهجي على كمية المعلومات التي يتلقاها الإسرائيليون، من أجل خلق المواطن الإسرائيلي المثالي وبناء جبهة موحدة في رؤية تُعرف باسم “النضال ضد نزع الشرعية عن دولة إسرائيل من خلال أنشطة الوعي الجماهيري“.

تتألف “الهاسبارا” من رؤساء مرتبطين بوحدة “الهاسبارا” الوطنية ومن منسقين معها. ويتمثل هدفهم المشترك في نقش الرواية الإسرائيلية حيثما أمكن ذلك. وهي حاضرة في وسائل الإعلام، والدبلوماسية العامة، وشؤون الشتات، وأقسام المتحدثين، والوكالات العالمية لإسرائيل، والسياحة بين مجالات أخرى. ويتلقى أفيخاي أدرعي رئيس قسم الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، الذي أرهب اللبنانيين خلال الحرب الأخيرة على لبنان، راتبه من هذه الوحدة.

لطالما قدمت إسرائيل نفسها بأنها “ديمقراطية” حيث يمكن للناس ممارسة حريتهم. وعلى النقيض من روسيا، التي “حمت” مواطنيها من منصات الأخبار العالمية، يتمتع الإسرائيليون بالقدرة على الوصول إلى منافذ الأخبار الدولية لصياغة الآراء، وهذا جيد بالنسبة لهم. ومع ذلك، ليس سراً أن هذه “الديمقراطية” مشروطة ومخترقة من خلال الدعاية. 

لكن إلى أي مدى يستسلم الإسرائيليون لأذرع هذه الدعاية الناعمة؟ 

ما هي “الهاسبارا” أو الدعاية الإسرائيلية؟

“الهاسبارا” هي استراتيجية دعائية متعددة الأوجه، تهدف إلى الدفاع عن تصرفات إسرائيل، وتشكيل سرديات تدافع عما تقدِم عليه الدولة العبرية على المستويين المحلي والدولي. لا شك في أن إسرائيل نجحت في استخدام التضليل كسلاح من أجل ضخ تصورات إيجابية مستمرة وشرعنة ما تقوم به.

في عام 2015، نشرت مجلة “972+” الإسرائيلية المستقلة، موضوعاً بعنوان “ضد الدعاية: تفسير أنفسنا حتى الموت“. يُظهر الموضوع كيف كانت الدعاية تتعمد تشويه المعاناة الفلسطينية منذ عام 2000.

“في عام 2000، أشعلت عملية قتل محمد الدرة الموثّقة بالفيديو نمطاً بين أنواع الدعاية، قائماً على تشريح جميع توثيقات الفيديو لإصابات الفلسطينيين من أجل العثور على أدلة على أنها مزورة. يطلقون على مثل هذه الفيديوهات اسم “باليوود”، لتأجيج نار الدعاية المشككة بمعاناة الفلسطينيين. فشلت هذه الجهود المتقنة في دحض أي انتهاكات إسرائيلية، ولكن كما أشار لاري ديرفنر من مجلة “972+”، فقد “أضرّت بمصداقية المظالم الفلسطينية بين مختلف الجماهير”.

وقد تم شرح “باليوود” بشكل أكبر في مقالة عام 2020 بعنوان “لماذا تستمر أسطورة “باليوود” باعتبارها “إرثاً دائماً للانتفاضة الثانية” و”الفكرة الخبيثة، التي مفادها أنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين لسرد تجربتهم مع القمع الإسرائيلي”. ويشير المقال إلى مصطلح “باليوود” في وسائل الإعلام الإسرائيلية – وهو مزيج من هوليوود وفلسطين – يوحي بأن لقطات الإسرائيليين وهم يطلقون النار على الفلسطينيين، يتم تمثيلها عمداً من قبل الفلسطينيين لتغذية الروايات المعادية لإسرائيل.

وحتى يومنا هذا، تستمر وسائل الإعلام الإسرائيلية في تبني أشكال وأساليب مختلفة. في أيار/ مايو 2024، في مقابلة مع المركز الدولي للصحافيين حول تحديات تغطية “حرب إسرائيل وحماس”، ذكر أورين بيرسكو كاتب في “The Seventh Eye”: “لقد رأيت بالفعل قبل أسبوعين فقط مقالاً لصحيفة إسرائيل اليوم، الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل، مفاده أنه لا توجد أزمة إنسانية في غزة… المتاجر ممتلئة، وهناك الفلافل، وهناك الشاورما، وهناك نقص في الأشخاص لتوزيع الكمية الهائلة من الطعام التي تسمح إسرائيل بدخولها (غزة) وهذا أمر متطرف! عادة لا تُرى أي تقارير عن الوضع الإنساني في غزة، أو تُرى تقارير تشكك في الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات. كان هذا مثالاً متطرفاً لدحضها. الميل المعتاد هو عدم الإبلاغ عنها”. 

لوضع الأمر في سياق أوضح، فإن صحيفة “إسرائيل اليوم” هي صحيفة يتم توزيعها مجاناً وتعتمد على الإعلانات لتأمين الدخل.

“يمكنك التوصل إلى كل أنواع الشروط الجديدة (والغريبة) كل عامين أو ثلاثة أعوام لإنهاء الاحتلال، والإصرار على أن البصاق الذي نشعر به مجرد قطرات مطر. يمكنك إلقاء اللوم على الفلسطينيين في كل شيء وطمس الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن هذا الاحتلال الوحشي إسرائيلي. يمكنك أن تقول للعالم إن كل هذا ملك لنا لأن الكتاب المقدس يقول ذلك، وتعتقد أن أي شخص سيأخذك على محمل الجد. يمكنك أن تكون متأكداً من أن ذكرى الهولوكوست ستخدمنا إلى الأبد، وتبرر أي ظلم. بالطبع، لن ينجح هذا إلى أجل غير مسمى”، كتب جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس“.

كوسيلة لخلق أرضية مشتركة، تستغل “الهاسبارا” أفكار الصدمة والتهديد الوجودي وأبدية الضحية. وقد دان الكثير من الإسرائيليين علناً “الهاسبارا” باعتبارها وسيلة تسيء استخدام تاريخ أسلافهم لتبرير جرائم الحرب. وتحدثوا عن رحلتهم في التخلص مما تم تغذيتهم به، لتوجيه بوصلتهم الأخلاقية وإنهاء كل أعمال العنف. ويضيف جدعون ليفي في مقاله الذي يعود إلى العام 2015: “سياسة الإنكار والانفصال عن الواقع ترتفع إلى مستوى خطير… عندما يبدأ العالم في إظهار علامات مشجعة على التحرك للعمل، فإن إسرائيل ترسّخ نفسها بشكل أكبر في واقعها الخيالي، وتقيم المزيد والمزيد من حواجز الفصل لنفسها. يبدو أن إسرائيل تعتقد أن ما نجح في مجتمعها ونجح في محو كل الوعي والإدراك تقريباً، سينجح بالقدر نفسه في بقية العالم…”

الهسبارا تنشر أذرعها على نطاق واسع

على الرغم من جهود وسائل الإعلام المستقلة عن الروايات الإسرائيلية مثل “هآرتس” و”العين السابعة” ومجلة “+972″، لتطويق أذرع “الهاسبارا” من خلال إخراج الحقائق إلى النور، فإن شريحة من الإسرائيليين تحديداً جماعات المستوطنين، رحبوا بمحتوى “الهسبارا” بأذرع مفتوحة – لأنه العذر النهائي لإضفاء الشرعية على توسعهم في الأراضي الفلسطينية، وارتكاب الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

التدريبات وورش العمل متاحة للذين يهدفون إلى أن يصبحوا عملاء ل”الهاسبارا”، وخاصة في أميركا الشمالية، مثل منظمة زمالة “الهسبارا” التي تمكّن الإسرائيليين من “هزيمة الحملات المناهضة لإسرائيل”، و”الإجابة عن الأسئلة الصعبة حول إسرائيل” كما يقول الإعلان.

في محاولة لتفكيك الانتشار الاستراتيجي لهذه الدعاية وفهمه، نشرت منظمة “مولاد”، التي تم تقديمها كمركز لتجديد الديمقراطية الإسرائيلية، دراسة حول كيفية عمل “الهاسبارا” ومن يقف وراءها. وقد تم شرح وظيفة هذا الجهاز بشكل أكبر في العديد من المنشورات الإسرائيلية التي تبحث في “الهاسبارا” من خلال: مجلة “+972“، و”العين السابعة“، و”شومريم“، و”جيروزاليم بوست“.

الفكرة هي توحيد رسائل “الهسبارا” في الوسائط الرسمية وغير الرسمية، وزيادة المشاركة، وفرض علامة تجارية إيجابية لإسرائيل، وتعزيز الشراكات طويلة الأجل في الخارج، والاستجابة للأزمات والاستهداف الاستراتيجي للعرب وصناع الرأي المؤثرين في جميع أنحاء العالم، لنشر صورة نظيفة لإسرائيل، وإضفاء الشرعية على أدوارها في المنطقة.

في 25 أيلول/ سبتمبر 2024، قبل يومين فقط من اغتيال الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصر الله، وفي الوقت الذي بدأ فيه اللبنانيون في تلقي تحذيرات الإخلاء، كشف مقال نشرته “شومريم”، وهي منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز الديمقراطية الإسرائيلية من خلال الصحافة الاستقصائية، عن وثيقة مسربة من مكتب رئيس الوزراء، تسلط الضوء على كيف تخسر إسرائيل حرب الدبلوماسية العامة. وفقاً للمقال، وهو بعنوان “أزمة الهسبارا“، تصف الوثيقة فراغاً قيادياً في مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية (المعروفة في إسرائيل باسم وحدة هاسبارا) وتوظيف المتحدثين باللغة الإنجليزية على أساس مستقل، والافتقار التام إلى استراتيجية دبلوماسية عامة وطنية. 

في المناقشة، أوضح المصدر في مقال “شومريم”، كيف حذر أحد المسؤولين من أن “قدرتهم على تقديم الرواية الإسرائيلية ونقل موقفنا إلى وسائل الإعلام الدولية، وبالتالي إلى ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، معرضة للخطر بشكل كبير، مما يقوّض بشكل جذري الجهود المبذولة للحفاظ على الشرعية لأفعال دولة إسرائيل. وهذا يترك مساحة للروايات المنافسة للهيمنة”. يوضح رد مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية على الوثائق المسربة المنشورة على “شومريم” بشكل أكبر كيف تعمل هذه الأجهزة.

يُقال إن أخطبوط “الهاسبارا” الباهظ الثمن سيبتلع 150 مليون دولار إضافية بدءاً من عام 2025 في إجراءات يائسة لإنقاذه. تعكس هذه الزيادة الكبيرة في التمويل التركيز المتزايد لإسرائيل على إنقاذ التصورات العالمية والانتقادات الدولية. 

تشرح مقالة لـ” تايمز أوف إسرائيل” بعنوان “وزارة الخارجية تتلقى ميزانية ضخمة للدبلوماسية العامة في الخارج“، المنشورة في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2024: “بموجب الميزانية الجديدة، ستحصل وزارة الخارجية على 150 مليون دولار، بالإضافة إلى ما تحصل عليه مقابل أنشطتها الحالية، لما يُعرف رسمياً بالدبلوماسية العامة، أو الهاسبارا بالعبرية. هذا المبلغ يزيد 20 ضعفاً عما تم تخصيصه لمثل هذه الجهود عادة في السنوات الماضية”.

يمكن لـ”الهاسبارا” أن تستمر في إعفاء خطبائها من جرائمهم. يمكن للإسرائيليين الخروج من هذا كضحايا بأي حال من الأحوال: ضحايا لغسيل المخ والدعاية في وقت يتفوق فيه العالم والوصول إلى المعلومات على نفسه في كل دقيقة. غياب المساءلة لا يؤدي إلا إلى إغراق “أخطبوطهم” الثمين في الدم الفلسطيني.

يمكن لـ”الهاسبارا” أن تستمر في إعفاء خطبائها من جرائمهم. يمكن للإسرائيليين الخروج من هذا كضحايا بأي حال من الأحوال: ضحايا لغسيل المخ والدعاية في وقت يتفوق فيه العالم والوصول إلى المعلومات على نفسه في كل دقيقة. غياب المساءلة لا يؤدي إلا إلى إغراق “أخطبوطهم” الثمين في الدم الفلسطيني.

تسيطر أذرع الدعاية الإسرائيلية، تحديداً تلك المعروفة بعبارة “الهاسبارا”،  بشكل منهجي على كمية المعلومات التي يتلقاها الإسرائيليون، من أجل خلق المواطن الإسرائيلي المثالي وبناء جبهة موحدة في رؤية تُعرف باسم “النضال ضد نزع الشرعية عن دولة إسرائيل من خلال أنشطة الوعي الجماهيري“.

تتألف “الهاسبارا” من رؤساء مرتبطين بوحدة “الهاسبارا” الوطنية ومن منسقين معها. ويتمثل هدفهم المشترك في نقش الرواية الإسرائيلية حيثما أمكن ذلك. وهي حاضرة في وسائل الإعلام، والدبلوماسية العامة، وشؤون الشتات، وأقسام المتحدثين، والوكالات العالمية لإسرائيل، والسياحة بين مجالات أخرى. ويتلقى أفيخاي أدرعي رئيس قسم الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، الذي أرهب اللبنانيين خلال الحرب الأخيرة على لبنان، راتبه من هذه الوحدة.

لطالما قدمت إسرائيل نفسها بأنها “ديمقراطية” حيث يمكن للناس ممارسة حريتهم. وعلى النقيض من روسيا، التي “حمت” مواطنيها من منصات الأخبار العالمية، يتمتع الإسرائيليون بالقدرة على الوصول إلى منافذ الأخبار الدولية لصياغة الآراء، وهذا جيد بالنسبة لهم. ومع ذلك، ليس سراً أن هذه “الديمقراطية” مشروطة ومخترقة من خلال الدعاية. 

لكن إلى أي مدى يستسلم الإسرائيليون لأذرع هذه الدعاية الناعمة؟ 

ما هي “الهاسبارا” أو الدعاية الإسرائيلية؟

“الهاسبارا” هي استراتيجية دعائية متعددة الأوجه، تهدف إلى الدفاع عن تصرفات إسرائيل، وتشكيل سرديات تدافع عما تقدِم عليه الدولة العبرية على المستويين المحلي والدولي. لا شك في أن إسرائيل نجحت في استخدام التضليل كسلاح من أجل ضخ تصورات إيجابية مستمرة وشرعنة ما تقوم به.

في عام 2015، نشرت مجلة “972+” الإسرائيلية المستقلة، موضوعاً بعنوان “ضد الدعاية: تفسير أنفسنا حتى الموت“. يُظهر الموضوع كيف كانت الدعاية تتعمد تشويه المعاناة الفلسطينية منذ عام 2000.

“في عام 2000، أشعلت عملية قتل محمد الدرة الموثّقة بالفيديو نمطاً بين أنواع الدعاية، قائماً على تشريح جميع توثيقات الفيديو لإصابات الفلسطينيين من أجل العثور على أدلة على أنها مزورة. يطلقون على مثل هذه الفيديوهات اسم “باليوود”، لتأجيج نار الدعاية المشككة بمعاناة الفلسطينيين. فشلت هذه الجهود المتقنة في دحض أي انتهاكات إسرائيلية، ولكن كما أشار لاري ديرفنر من مجلة “972+”، فقد “أضرّت بمصداقية المظالم الفلسطينية بين مختلف الجماهير”.

وقد تم شرح “باليوود” بشكل أكبر في مقالة عام 2020 بعنوان “لماذا تستمر أسطورة “باليوود” باعتبارها “إرثاً دائماً للانتفاضة الثانية” و”الفكرة الخبيثة، التي مفادها أنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين لسرد تجربتهم مع القمع الإسرائيلي”. ويشير المقال إلى مصطلح “باليوود” في وسائل الإعلام الإسرائيلية – وهو مزيج من هوليوود وفلسطين – يوحي بأن لقطات الإسرائيليين وهم يطلقون النار على الفلسطينيين، يتم تمثيلها عمداً من قبل الفلسطينيين لتغذية الروايات المعادية لإسرائيل.

وحتى يومنا هذا، تستمر وسائل الإعلام الإسرائيلية في تبني أشكال وأساليب مختلفة. في أيار/ مايو 2024، في مقابلة مع المركز الدولي للصحافيين حول تحديات تغطية “حرب إسرائيل وحماس”، ذكر أورين بيرسكو كاتب في “The Seventh Eye”: “لقد رأيت بالفعل قبل أسبوعين فقط مقالاً لصحيفة إسرائيل اليوم، الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل، مفاده أنه لا توجد أزمة إنسانية في غزة… المتاجر ممتلئة، وهناك الفلافل، وهناك الشاورما، وهناك نقص في الأشخاص لتوزيع الكمية الهائلة من الطعام التي تسمح إسرائيل بدخولها (غزة) وهذا أمر متطرف! عادة لا تُرى أي تقارير عن الوضع الإنساني في غزة، أو تُرى تقارير تشكك في الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات. كان هذا مثالاً متطرفاً لدحضها. الميل المعتاد هو عدم الإبلاغ عنها”. 

لوضع الأمر في سياق أوضح، فإن صحيفة “إسرائيل اليوم” هي صحيفة يتم توزيعها مجاناً وتعتمد على الإعلانات لتأمين الدخل.

“يمكنك التوصل إلى كل أنواع الشروط الجديدة (والغريبة) كل عامين أو ثلاثة أعوام لإنهاء الاحتلال، والإصرار على أن البصاق الذي نشعر به مجرد قطرات مطر. يمكنك إلقاء اللوم على الفلسطينيين في كل شيء وطمس الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن هذا الاحتلال الوحشي إسرائيلي. يمكنك أن تقول للعالم إن كل هذا ملك لنا لأن الكتاب المقدس يقول ذلك، وتعتقد أن أي شخص سيأخذك على محمل الجد. يمكنك أن تكون متأكداً من أن ذكرى الهولوكوست ستخدمنا إلى الأبد، وتبرر أي ظلم. بالطبع، لن ينجح هذا إلى أجل غير مسمى”، كتب جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس“.

كوسيلة لخلق أرضية مشتركة، تستغل “الهاسبارا” أفكار الصدمة والتهديد الوجودي وأبدية الضحية. وقد دان الكثير من الإسرائيليين علناً “الهاسبارا” باعتبارها وسيلة تسيء استخدام تاريخ أسلافهم لتبرير جرائم الحرب. وتحدثوا عن رحلتهم في التخلص مما تم تغذيتهم به، لتوجيه بوصلتهم الأخلاقية وإنهاء كل أعمال العنف. ويضيف جدعون ليفي في مقاله الذي يعود إلى العام 2015: “سياسة الإنكار والانفصال عن الواقع ترتفع إلى مستوى خطير… عندما يبدأ العالم في إظهار علامات مشجعة على التحرك للعمل، فإن إسرائيل ترسّخ نفسها بشكل أكبر في واقعها الخيالي، وتقيم المزيد والمزيد من حواجز الفصل لنفسها. يبدو أن إسرائيل تعتقد أن ما نجح في مجتمعها ونجح في محو كل الوعي والإدراك تقريباً، سينجح بالقدر نفسه في بقية العالم…”

الهسبارا تنشر أذرعها على نطاق واسع

على الرغم من جهود وسائل الإعلام المستقلة عن الروايات الإسرائيلية مثل “هآرتس” و”العين السابعة” ومجلة “+972″، لتطويق أذرع “الهاسبارا” من خلال إخراج الحقائق إلى النور، فإن شريحة من الإسرائيليين تحديداً جماعات المستوطنين، رحبوا بمحتوى “الهسبارا” بأذرع مفتوحة – لأنه العذر النهائي لإضفاء الشرعية على توسعهم في الأراضي الفلسطينية، وارتكاب الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

التدريبات وورش العمل متاحة للذين يهدفون إلى أن يصبحوا عملاء ل”الهاسبارا”، وخاصة في أميركا الشمالية، مثل منظمة زمالة “الهسبارا” التي تمكّن الإسرائيليين من “هزيمة الحملات المناهضة لإسرائيل”، و”الإجابة عن الأسئلة الصعبة حول إسرائيل” كما يقول الإعلان.

في محاولة لتفكيك الانتشار الاستراتيجي لهذه الدعاية وفهمه، نشرت منظمة “مولاد”، التي تم تقديمها كمركز لتجديد الديمقراطية الإسرائيلية، دراسة حول كيفية عمل “الهاسبارا” ومن يقف وراءها. وقد تم شرح وظيفة هذا الجهاز بشكل أكبر في العديد من المنشورات الإسرائيلية التي تبحث في “الهاسبارا” من خلال: مجلة “+972“، و”العين السابعة“، و”شومريم“، و”جيروزاليم بوست“.

الفكرة هي توحيد رسائل “الهسبارا” في الوسائط الرسمية وغير الرسمية، وزيادة المشاركة، وفرض علامة تجارية إيجابية لإسرائيل، وتعزيز الشراكات طويلة الأجل في الخارج، والاستجابة للأزمات والاستهداف الاستراتيجي للعرب وصناع الرأي المؤثرين في جميع أنحاء العالم، لنشر صورة نظيفة لإسرائيل، وإضفاء الشرعية على أدوارها في المنطقة.

في 25 أيلول/ سبتمبر 2024، قبل يومين فقط من اغتيال الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصر الله، وفي الوقت الذي بدأ فيه اللبنانيون في تلقي تحذيرات الإخلاء، كشف مقال نشرته “شومريم”، وهي منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز الديمقراطية الإسرائيلية من خلال الصحافة الاستقصائية، عن وثيقة مسربة من مكتب رئيس الوزراء، تسلط الضوء على كيف تخسر إسرائيل حرب الدبلوماسية العامة. وفقاً للمقال، وهو بعنوان “أزمة الهسبارا“، تصف الوثيقة فراغاً قيادياً في مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية (المعروفة في إسرائيل باسم وحدة هاسبارا) وتوظيف المتحدثين باللغة الإنجليزية على أساس مستقل، والافتقار التام إلى استراتيجية دبلوماسية عامة وطنية. 

في المناقشة، أوضح المصدر في مقال “شومريم”، كيف حذر أحد المسؤولين من أن “قدرتهم على تقديم الرواية الإسرائيلية ونقل موقفنا إلى وسائل الإعلام الدولية، وبالتالي إلى ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، معرضة للخطر بشكل كبير، مما يقوّض بشكل جذري الجهود المبذولة للحفاظ على الشرعية لأفعال دولة إسرائيل. وهذا يترك مساحة للروايات المنافسة للهيمنة”. يوضح رد مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية على الوثائق المسربة المنشورة على “شومريم” بشكل أكبر كيف تعمل هذه الأجهزة.

يُقال إن أخطبوط “الهاسبارا” الباهظ الثمن سيبتلع 150 مليون دولار إضافية بدءاً من عام 2025 في إجراءات يائسة لإنقاذه. تعكس هذه الزيادة الكبيرة في التمويل التركيز المتزايد لإسرائيل على إنقاذ التصورات العالمية والانتقادات الدولية. 

تشرح مقالة لـ” تايمز أوف إسرائيل” بعنوان “وزارة الخارجية تتلقى ميزانية ضخمة للدبلوماسية العامة في الخارج“، المنشورة في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2024: “بموجب الميزانية الجديدة، ستحصل وزارة الخارجية على 150 مليون دولار، بالإضافة إلى ما تحصل عليه مقابل أنشطتها الحالية، لما يُعرف رسمياً بالدبلوماسية العامة، أو الهاسبارا بالعبرية. هذا المبلغ يزيد 20 ضعفاً عما تم تخصيصه لمثل هذه الجهود عادة في السنوات الماضية”.

يمكن لـ”الهاسبارا” أن تستمر في إعفاء خطبائها من جرائمهم. يمكن للإسرائيليين الخروج من هذا كضحايا بأي حال من الأحوال: ضحايا لغسيل المخ والدعاية في وقت يتفوق فيه العالم والوصول إلى المعلومات على نفسه في كل دقيقة. غياب المساءلة لا يؤدي إلا إلى إغراق “أخطبوطهم” الثمين في الدم الفلسطيني.