fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الأردن يحبس أنفاسه عشيّة قمة ترامب – عبدالله 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

علاقة الملك – حال والده الراحل – قوية بسيناتورات ونواب رئيسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وكلمته مسموعه هناك بسبب صدقية المملكة كصانع سلام وعنصر أمن واستقرار في المنطقة منذ تأسيس المملكة. في المقابل، عدم استقرار المملكة سيلقي بظلاله على إسرائيل والسعودية وسوريا والعراق وما وراءها. لنحبس أنفاسنا ونرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

يحبس الأردنيون أنفاسهم عشية لقاء ملكهم بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط تباعد في رؤى الطرفين حيال حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ووقوف واشنطن الصارخ إلى جانب تل أبيب. 

يأتي هذا اللقاء الحاسم قبل أسابيع من إعلان أميركا استراتيجية جديدة للتعامل مع الشرق الأوسط، تشي تسريبات أجزاء منها بأن أميركا تتبنى سياسة “العصا والجزرة” في التعامل مع شركائها الإقليميين.

ويبقى موقفا الطرفين متناقضين إلى حد كبير قبل أول لقاء بين زعيم عربي وساكن البيت الأبيض الجمهوري، الذي سبقته استضافة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو؛ مهندس الخراب والتنّصل من الاتفاقات في شرق المتوسط. 

وستعقُبه قمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي استهدف ترامب بلاده بتصريحات استباقية مستفزّة إلى جانب الأردن.  

كذلك، يعتزم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو زيارة كلّ من إسرائيل والإمارات وقطر والسعودية في منتصف الشهر الحالي، لطرح أفكار حول إدارة قطاع غزة المدمّر وخطط سلام على مقاس ترامب.

 قلق أردني 

يطرح الأردنيون أسئلة مشروعة على وقع ارتدادات القنبلة التي فجّرها ترامب قبل أيام، عندما اقترح ترحيل فلسطينيي غزة المنكوبة إلى الأردن ومصر بدعوى إعادة بنائها وتحويلها إلى ريفييرا الإقليم!

 بدا الإرباك على مراكز صنع القرار حين سارع كبار مساعدي ترامب الى إصدار تصريحات في مسعى لتخفيف وقع أقواله. في المقلب الآخر، أدان “العالم” هذه الطروحات واتّحد العرب على رفض مخططاته. 

هل سيضغط ترامب على الملك سياسياً واقتصادياً لقبول صفقة سلام تحابي أجندة اليمين الإسرائيلي المتشدّد، المنهمك في قضم الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وضمّها لتوسيع حدود إسرائيل على حساب دول الجوار؟ 

أسئلة الأردنيين المشروعة؟

يتساءل الكثير من الأردنيين بقلق وغضب عما سيقول ترامب للملك وكيف ستأتيه الإجابة، وفي البال لاءات الملك الثلاث التي أطلقها قبل خمس سنوات في مواجهة صفقة القرن؟ هل سيفجّر ترامب قنابل إعلامية مدمّرة يصعب تحقيقها، تحرج رأس الدولة أمام شعبه؟ هل تسوء العلاقة بينهما أم تتحسن بالمقارنة مع فتورها في نهاية ولاية الرئيس الجهوري الأولى قبل ست سنوات؟ آنذاك، رفض الملك والرئيس الفلسطيني بنود صفقة القرن، التي حاول ترامب فرضها لحل الصراع من خلال بوابة التطبيع الاقتصادي على حساب خيار حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني؟ 

هل ستكون هناك دولة فلسطينية مستقلة؟ وما هي مساحتها ومن يجاورها وكيف تغدو علاقتها بالأردن؟ هل سيتفهم ترامب مخاوف الأردن المشروعة من تهجير الفلسطينيين لحل أزمة إسرائيل الديمغرافية؟ هل سيضغط على الملك سياسياً واقتصادياً لقبول صفقة تحابي أجندة اليمين الإسرائيلي المتزمّت؟

وأخيراً، هل سيعاقب الأردن بقطع المساعدات المالية والعسكرية والاقتصادية، التي تصل الى 1.6 مليار دولار سنوياً، ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية ويرفع نسب المديونية العامة لسقوف مرعبة قد تمس الاستقرار المالي والأمني؟ وهل تتطابق الرواية الرسمية التي سنسمعها بعد رحلة واشنطن مع ما يدور داخل الغرف المغلقة؟ 

احتجاجات أردنيّة وبدائل عربيّة

يوم الجمعة الماضي، انطلقت تظاهرات حاشدة في محافظات الأردن ضد مقترحات ترامب. هكذا تماهى الموقف الشعبي والرسمي في صدّ الخطر الداهم. فيما حشد الأردن جبهة واسعة عربية-أوروبية وبريطانية ضد خُطط تهجير الفلسطينيين مع الإصرار على حلّ الدولتين.

بعث وزراء خارجية الأردن والسعودية والإمارات وقطر ومصر ومستشار الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي، تحمل خطة لإعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين في القطاع. وعبر المسؤولون العرب عن استعداد دولهم للعمل مع إدارة ترامب لتحقيق السلام. 

التحول الأهم كان موقف السعودية، التي ستكون الدولة العربية الأكثر تأثيراً في عهد ترامب.

إسناد سعودي 

ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أبلغ الملك عبدالله الثاني أنه “يقف معه وبظهره ويدعم الأردن وتبعات أي قرار يأخذه لحماية أمن بلاده واستقرار الإقليم”، بحسب أعيان حضروا لقاءً مغلقاً مع الملك وولي العهد الأمير الحسين قبيل مغادرتِهما إلى لندن ثم واشنطن.

أعاد الملك تأكيد ثلاثة خطوط حمر لن يقبل بمسّها: لا للتوطين، لا للتهجير ولا للمس بِالوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.

وطلب الملك – بحسب عضوين في مجلس الأعيان حضرا  اللقاء – “إنهاء قصة الوطن البديل ووقف الحديث عنه”، لافتاً إلى “أن أي تهجير هو مسّ بالسيادة وسيتم التصدّي له عسكرياً”. 

وأكد أن دور الأردن في غزة محصور في تأمين وتجميع ونقل المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لدعم صمود “أهلنا هناك”، ولن يتأثر بأي موقف آخر قد يُطرح في واشنطن. وأشار إلى السماح لجرحى غزيين ممن يحتاجون رعاية طبية غير متاحة في القطاع، بتلقّي العلاج في المملكة.

أعقب اللقاء المغلق تصريح تلفزيوني لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، جاء فيه: “الأردن سيتصدى بكل الإمكانيات إذا كانت هناك أي محاولات لتهجير الفلسطينيين”، وقال: “هذا إعلان حرب بالنسبة الى الأردن وسنحارب”، إذ تمنع معاهدة السلام بين البلدين أي تهجير باتجاه الآخر.

رؤساء لجان في مجلس الأعيان قالوا إن الملك بدا في الاجتماع متماسكاً جداً وهادئاً، متفائلاً وواثقاً بالنفس وليس قلقاً. 

أهميّة لقاء واشنطن ومحاذيره

تشكل القمة أكبر امتحان لِعلاقة الأردن مع حليفه الاستراتيجي لجهة الطريقة التي سيدير بها الملك صفقة ترامب وملف السلام: حماية أمن الأردن واستقراره وصون هويته وسيادته. 

ترامب حالياً في طور تشكيل سياسة إدارته الجديدة، هو الذي وعد بعد انتخابه بفرض صفقات لإطفاء حروب العالم. ومعروف عنه الابتعاد عن الدبلوماسية وعدم اكتراثه بوقع كلامه على الآخر، ناهيك بكونه شغوفاً بالمفاجآت واستعراض قنابل صوتية.

وقد يحرج الملك ويشعل بلبلة وقلقاً في الأردن خلال المؤتمر الصحافي عقب المحادثات، بطرح أمور خيالية لم يقبلها الملك أو يناقشها في اللقاء لأنه يرى الحقيقة كما يريد ويبني مواقف مغلوطة صعبة التنفيذ.

وقد يسعى مسؤولون أردنيون إلى إقناع البيت الأبيض بإلغاء مقابلة الصحافيين بعد القمة والاكتفاء بإصدار بيانين لكلَي الطرفين. في الأثناء، ينشط الملك في حشد التأييد لمواقفه الثابتة في اجتماعات ماراثونية في (الكابيتول هيل) ومرجعيات صنع القرار خلال الأيام الثلاثة الماضية.  

المسؤولون في واشنطن عن ملفات الشرق الأوسط، يمينيون متشددون يؤمنون بحق إسرائيل في ضم أراضي الضفة الغربية وغزة و”تطهيرها” من الفلسطينيين. والظروف مواتية لارتكاب مراهقات سياسية بعد نجاح إسرائيل وأميركا في كسر نفوذ حلفاء إيران في المنطقة؛ حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وسوريا. 

اليوم، يعمل الحليفان على تشكيل شرق أوسط جديد يتماشى مع رؤْيتهما في أجواء جيوستراتيجية متحوّلة، لكن ترامب لم يتوقف عن إطلاق مفاجآته لتخويف المتلقي وإحداث بلبلة وتوتر؛ مثل الإعلان عن رغبته في إلحاق كندا بأميركا واحتلال مضيق بنما وغرينلاند وطرح فكرة ترحيل فلسطينيي غزة وإعادة إعمار القطاع ليصبح ريفييرا الشرق الأوسط. آخر شطحاته الإعلان عن “شراء القطاع” واحتمال توزيع أجزاء منه على دول في المنطقة لم يذكرها بالإسم.

برلماني سابق يرى أن “الضفة الغربية” المجاورة للمملكة قد تكون “القطبة المخفية” في فزّاعة ترامب حول مخطط تهجير الغزيين.  

الملك والأردن

سيتابع الملك بارومتر الشارع الأردني المحتقن بارتدادات الجغرافيا السياسية والدِيمغرافيا، في انتظار ما ستتمخّض عنه قمّة واشنطن. 

سيتحدث مع ترامب باسم الأردنيين، بمن فيهم من أصول فلسطينية يشكلون نسبة كبيرة من شعبه، والشرق أردنيين، العمود الفقري التقليدي للعرش الهاشمي. سيتحدث عن حق الأردن في العيش بأمن واستقرار لضمان استقرار دول الجوار، وكذلك حق الفلسطينيين في تحقيق أحلامهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة.

يدرك الملك أن أي توتر بين المكوّنين الرئيسين في الأردن سيصبّ في مصلحة خيار التوطين، أو قد يحدث بلبلة شعبية ويمس النظام أو “الخيمة الهاشمية”؛ صمّام أمن جميع الأردنيين واستقرارهم بغض النظر عن منابتهم وأصولهم.

نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق وسفير سابق لدى واشنطن وتل أبيب د. مروان المعشر، يقول إن الأردن لا يستطيع القبول بأي تهجير ولأي عدد من الفلسطينيين.

وفي مقابلة مع “درج”، يشرح المعشر أن أمراً كهذا هو مصيري بالنسبة الى الأردن. وبينما يشير إلى رفض شعبي واسع لذلك، يؤكد السياسي الدبلوماسي أن الأردن “لا يستطيع أن يفكر به”، لافتاً إلى أن “القضية ليست اقتصادية أو أمنية بل قضية هوية”.

لذلك سيكون اجتماع الثلاثاء في غاية الأهمية. “أعتقد أن الملك سيشرح لترامب مخاطر سياسة كهذه ليس فقط على الفلسطينيين وإنما على الأردن”، ركن الاستقرار في المنطقة المشتعلة. 

سياسي أردني آخر يرى في مقابلة مع ” درج” بشرط عدم ذكر اسمه لحساسية الظرف، أن ما سيتمخض عنه اللقاء من طروحات سيشكّل “لنا كأردنيين مسألة حياة أو موت”.

شكل الدولة الفلسطينيّة الممكن؟

ما انفك الأردن يطالب بقيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، لحماية أمنه واستقراره ومنع الترانسفير من الضفة الغربية، حيث تصعد إسرائيل عملياتها العسكرية لتطفيش السكان. 

لكنّ عمان تدرك أن ما كان ممكناً قبل عقدين لم يعد ممكناً الآن.

يقرّ مسؤولون كثيرون في الغرف المغلقة بأن حل الدولتين لن يكون كما طرحته السعودية وسائر الدول العربية قبل أكثر من عقدين: قيام دولة فلسطينية مستقلّة بجوار إسرائيل تعيش بأمان واستقرار.

في أحسن الأحوال، قد يتمخض الحل عن قيام دولة فلسطينية صغيرة تحيط بها إسرائيل من كل الجوانب، وستكون عاجزة عن العيش لوحدها. 

تتطابق التوقعات داخل الغرف المغلقة، بينما لا يزال الحديث عن كيان هزيل محظوراً. هناك قناعة بأنه في نهاية المطاف سيكون هناك “كيان فلسطيني وليس دولة”. 

يتابع السياسي الأردني: “يمكن أن يكون هناك كيان مدني فيه بلديات منتخبة من المواطنين الفلسطينيين. وقد يُطلب من الأردن لعب دور أساسي في ضمان حفظ الأمن والاستقرار”. وقد يتطور الأمر لاحقاً إلى اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي؛ وهي أفكار قديمة – جديدة طالما رفضها الملك الراحل الحسين بن طلال والملك عبدالله الثاني.

كما سبق أن رفض الأردن لعب دور شرطي لكيان كهذا في ولاية ترامب الأولى، ما أثر على علاقات ترامب بالملك.

جواد العناني، نائب رئيس وزراء ووزير خارجية سابق يقول في مقابلة مع “درج”: لا يوجد أي تبرير سياسي لطرح فكرة تهجير جماعي عبر النهر لوضع الأردن “في حلقة مغلقة وعقابه”. لكنه يتوقع أن يلعب الأردن دوراً محورياً في أي ترتيب مستقبلي “سواء دولة فلسطينية أو شبه دولة…”.

ويرى د. العناني أنه مهما كان شكل التسوية “يجب أن يكون الأردن موجوداً لتسهيل حياة الفلسطينيين بجوانبها كافة، بما فيها انسياب التجارة وضمان الأمن الخ”.

د. العناني، حال سياسيين آخرين كثر، يؤكد أن لدى الأردن عناصر قوة عدة خارجية وداخلية بعدما أعاد تموضعه السياسي عقب فوز ترامب، لتوفير مرونة إضافية تمكّنه من الانحناء أمام العواصف الترامبية خلال السنوات الأربع المقبلة والخروج منها بأقل الأضرار”.

مكامن قوة الأردن بوجه ترامب؟

الأردن حليف استراتيجي لأميركا على مدى عقود وله علاقات متينة مع حلف الناتو، منع إيران وإسرائيل من استخدام مجاله الجوي عندما تراشقا بالصواريخ قبل أشهر. وأسقط التحالف الدولي ضد الإرهاب، والأردن جزء منه،  صواريخ فوق الأجواء الأردنية في طريقها الى إسرائيل التزاماً منه بمعاهدة السلام منذ 1994.

مسؤول أمني رفيع يقول إن الأردن أخذ قراراً غير شعبي آنذاك ليثبت أن اتفاقيات السلام التعاقدية مصانة، وأن هناك فرصة لتأسيس تحالف إقليمي مع دول عربية سنية ضد إيران.

موقع الأردن الجيوسياسي ركيزة في المنطقة بين العراق وإيران وإسرائيل، وحلقة وصل وقنطرة بين دول الخليج وسوريا وتركيا وصولا إلى أوروبا؛ وبالتالي هو جزء أساسي في مشاريع تعظيم المكاسب الاقتصادية لإقليم ينشد الاستقرار.

علاقة الملك – حال والده الراحل – قوية بسيناتورات ونواب رئيسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وكلمته مسموعه هناك بسبب صدقية المملكة كصانع سلام وعنصر أمن واستقرار في المنطقة منذ تأسيس المملكة. في المقابل، عدم استقرار المملكة سيلقي بظلاله على إسرائيل والسعودية وسوريا والعراق وما وراءها.

لنحبس أنفاسنا ونرى.

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
11.02.2025
زمن القراءة: 8 minutes

علاقة الملك – حال والده الراحل – قوية بسيناتورات ونواب رئيسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وكلمته مسموعه هناك بسبب صدقية المملكة كصانع سلام وعنصر أمن واستقرار في المنطقة منذ تأسيس المملكة. في المقابل، عدم استقرار المملكة سيلقي بظلاله على إسرائيل والسعودية وسوريا والعراق وما وراءها. لنحبس أنفاسنا ونرى.

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

يحبس الأردنيون أنفاسهم عشية لقاء ملكهم بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط تباعد في رؤى الطرفين حيال حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ووقوف واشنطن الصارخ إلى جانب تل أبيب. 

يأتي هذا اللقاء الحاسم قبل أسابيع من إعلان أميركا استراتيجية جديدة للتعامل مع الشرق الأوسط، تشي تسريبات أجزاء منها بأن أميركا تتبنى سياسة “العصا والجزرة” في التعامل مع شركائها الإقليميين.

ويبقى موقفا الطرفين متناقضين إلى حد كبير قبل أول لقاء بين زعيم عربي وساكن البيت الأبيض الجمهوري، الذي سبقته استضافة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو؛ مهندس الخراب والتنّصل من الاتفاقات في شرق المتوسط. 

وستعقُبه قمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي استهدف ترامب بلاده بتصريحات استباقية مستفزّة إلى جانب الأردن.  

كذلك، يعتزم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو زيارة كلّ من إسرائيل والإمارات وقطر والسعودية في منتصف الشهر الحالي، لطرح أفكار حول إدارة قطاع غزة المدمّر وخطط سلام على مقاس ترامب.

 قلق أردني 

يطرح الأردنيون أسئلة مشروعة على وقع ارتدادات القنبلة التي فجّرها ترامب قبل أيام، عندما اقترح ترحيل فلسطينيي غزة المنكوبة إلى الأردن ومصر بدعوى إعادة بنائها وتحويلها إلى ريفييرا الإقليم!

 بدا الإرباك على مراكز صنع القرار حين سارع كبار مساعدي ترامب الى إصدار تصريحات في مسعى لتخفيف وقع أقواله. في المقلب الآخر، أدان “العالم” هذه الطروحات واتّحد العرب على رفض مخططاته. 

هل سيضغط ترامب على الملك سياسياً واقتصادياً لقبول صفقة سلام تحابي أجندة اليمين الإسرائيلي المتشدّد، المنهمك في قضم الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وضمّها لتوسيع حدود إسرائيل على حساب دول الجوار؟ 

أسئلة الأردنيين المشروعة؟

يتساءل الكثير من الأردنيين بقلق وغضب عما سيقول ترامب للملك وكيف ستأتيه الإجابة، وفي البال لاءات الملك الثلاث التي أطلقها قبل خمس سنوات في مواجهة صفقة القرن؟ هل سيفجّر ترامب قنابل إعلامية مدمّرة يصعب تحقيقها، تحرج رأس الدولة أمام شعبه؟ هل تسوء العلاقة بينهما أم تتحسن بالمقارنة مع فتورها في نهاية ولاية الرئيس الجهوري الأولى قبل ست سنوات؟ آنذاك، رفض الملك والرئيس الفلسطيني بنود صفقة القرن، التي حاول ترامب فرضها لحل الصراع من خلال بوابة التطبيع الاقتصادي على حساب خيار حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني؟ 

هل ستكون هناك دولة فلسطينية مستقلة؟ وما هي مساحتها ومن يجاورها وكيف تغدو علاقتها بالأردن؟ هل سيتفهم ترامب مخاوف الأردن المشروعة من تهجير الفلسطينيين لحل أزمة إسرائيل الديمغرافية؟ هل سيضغط على الملك سياسياً واقتصادياً لقبول صفقة تحابي أجندة اليمين الإسرائيلي المتزمّت؟

وأخيراً، هل سيعاقب الأردن بقطع المساعدات المالية والعسكرية والاقتصادية، التي تصل الى 1.6 مليار دولار سنوياً، ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية ويرفع نسب المديونية العامة لسقوف مرعبة قد تمس الاستقرار المالي والأمني؟ وهل تتطابق الرواية الرسمية التي سنسمعها بعد رحلة واشنطن مع ما يدور داخل الغرف المغلقة؟ 

احتجاجات أردنيّة وبدائل عربيّة

يوم الجمعة الماضي، انطلقت تظاهرات حاشدة في محافظات الأردن ضد مقترحات ترامب. هكذا تماهى الموقف الشعبي والرسمي في صدّ الخطر الداهم. فيما حشد الأردن جبهة واسعة عربية-أوروبية وبريطانية ضد خُطط تهجير الفلسطينيين مع الإصرار على حلّ الدولتين.

بعث وزراء خارجية الأردن والسعودية والإمارات وقطر ومصر ومستشار الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي، تحمل خطة لإعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين في القطاع. وعبر المسؤولون العرب عن استعداد دولهم للعمل مع إدارة ترامب لتحقيق السلام. 

التحول الأهم كان موقف السعودية، التي ستكون الدولة العربية الأكثر تأثيراً في عهد ترامب.

إسناد سعودي 

ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أبلغ الملك عبدالله الثاني أنه “يقف معه وبظهره ويدعم الأردن وتبعات أي قرار يأخذه لحماية أمن بلاده واستقرار الإقليم”، بحسب أعيان حضروا لقاءً مغلقاً مع الملك وولي العهد الأمير الحسين قبيل مغادرتِهما إلى لندن ثم واشنطن.

أعاد الملك تأكيد ثلاثة خطوط حمر لن يقبل بمسّها: لا للتوطين، لا للتهجير ولا للمس بِالوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.

وطلب الملك – بحسب عضوين في مجلس الأعيان حضرا  اللقاء – “إنهاء قصة الوطن البديل ووقف الحديث عنه”، لافتاً إلى “أن أي تهجير هو مسّ بالسيادة وسيتم التصدّي له عسكرياً”. 

وأكد أن دور الأردن في غزة محصور في تأمين وتجميع ونقل المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لدعم صمود “أهلنا هناك”، ولن يتأثر بأي موقف آخر قد يُطرح في واشنطن. وأشار إلى السماح لجرحى غزيين ممن يحتاجون رعاية طبية غير متاحة في القطاع، بتلقّي العلاج في المملكة.

أعقب اللقاء المغلق تصريح تلفزيوني لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، جاء فيه: “الأردن سيتصدى بكل الإمكانيات إذا كانت هناك أي محاولات لتهجير الفلسطينيين”، وقال: “هذا إعلان حرب بالنسبة الى الأردن وسنحارب”، إذ تمنع معاهدة السلام بين البلدين أي تهجير باتجاه الآخر.

رؤساء لجان في مجلس الأعيان قالوا إن الملك بدا في الاجتماع متماسكاً جداً وهادئاً، متفائلاً وواثقاً بالنفس وليس قلقاً. 

أهميّة لقاء واشنطن ومحاذيره

تشكل القمة أكبر امتحان لِعلاقة الأردن مع حليفه الاستراتيجي لجهة الطريقة التي سيدير بها الملك صفقة ترامب وملف السلام: حماية أمن الأردن واستقراره وصون هويته وسيادته. 

ترامب حالياً في طور تشكيل سياسة إدارته الجديدة، هو الذي وعد بعد انتخابه بفرض صفقات لإطفاء حروب العالم. ومعروف عنه الابتعاد عن الدبلوماسية وعدم اكتراثه بوقع كلامه على الآخر، ناهيك بكونه شغوفاً بالمفاجآت واستعراض قنابل صوتية.

وقد يحرج الملك ويشعل بلبلة وقلقاً في الأردن خلال المؤتمر الصحافي عقب المحادثات، بطرح أمور خيالية لم يقبلها الملك أو يناقشها في اللقاء لأنه يرى الحقيقة كما يريد ويبني مواقف مغلوطة صعبة التنفيذ.

وقد يسعى مسؤولون أردنيون إلى إقناع البيت الأبيض بإلغاء مقابلة الصحافيين بعد القمة والاكتفاء بإصدار بيانين لكلَي الطرفين. في الأثناء، ينشط الملك في حشد التأييد لمواقفه الثابتة في اجتماعات ماراثونية في (الكابيتول هيل) ومرجعيات صنع القرار خلال الأيام الثلاثة الماضية.  

المسؤولون في واشنطن عن ملفات الشرق الأوسط، يمينيون متشددون يؤمنون بحق إسرائيل في ضم أراضي الضفة الغربية وغزة و”تطهيرها” من الفلسطينيين. والظروف مواتية لارتكاب مراهقات سياسية بعد نجاح إسرائيل وأميركا في كسر نفوذ حلفاء إيران في المنطقة؛ حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وسوريا. 

اليوم، يعمل الحليفان على تشكيل شرق أوسط جديد يتماشى مع رؤْيتهما في أجواء جيوستراتيجية متحوّلة، لكن ترامب لم يتوقف عن إطلاق مفاجآته لتخويف المتلقي وإحداث بلبلة وتوتر؛ مثل الإعلان عن رغبته في إلحاق كندا بأميركا واحتلال مضيق بنما وغرينلاند وطرح فكرة ترحيل فلسطينيي غزة وإعادة إعمار القطاع ليصبح ريفييرا الشرق الأوسط. آخر شطحاته الإعلان عن “شراء القطاع” واحتمال توزيع أجزاء منه على دول في المنطقة لم يذكرها بالإسم.

برلماني سابق يرى أن “الضفة الغربية” المجاورة للمملكة قد تكون “القطبة المخفية” في فزّاعة ترامب حول مخطط تهجير الغزيين.  

الملك والأردن

سيتابع الملك بارومتر الشارع الأردني المحتقن بارتدادات الجغرافيا السياسية والدِيمغرافيا، في انتظار ما ستتمخّض عنه قمّة واشنطن. 

سيتحدث مع ترامب باسم الأردنيين، بمن فيهم من أصول فلسطينية يشكلون نسبة كبيرة من شعبه، والشرق أردنيين، العمود الفقري التقليدي للعرش الهاشمي. سيتحدث عن حق الأردن في العيش بأمن واستقرار لضمان استقرار دول الجوار، وكذلك حق الفلسطينيين في تحقيق أحلامهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة.

يدرك الملك أن أي توتر بين المكوّنين الرئيسين في الأردن سيصبّ في مصلحة خيار التوطين، أو قد يحدث بلبلة شعبية ويمس النظام أو “الخيمة الهاشمية”؛ صمّام أمن جميع الأردنيين واستقرارهم بغض النظر عن منابتهم وأصولهم.

نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق وسفير سابق لدى واشنطن وتل أبيب د. مروان المعشر، يقول إن الأردن لا يستطيع القبول بأي تهجير ولأي عدد من الفلسطينيين.

وفي مقابلة مع “درج”، يشرح المعشر أن أمراً كهذا هو مصيري بالنسبة الى الأردن. وبينما يشير إلى رفض شعبي واسع لذلك، يؤكد السياسي الدبلوماسي أن الأردن “لا يستطيع أن يفكر به”، لافتاً إلى أن “القضية ليست اقتصادية أو أمنية بل قضية هوية”.

لذلك سيكون اجتماع الثلاثاء في غاية الأهمية. “أعتقد أن الملك سيشرح لترامب مخاطر سياسة كهذه ليس فقط على الفلسطينيين وإنما على الأردن”، ركن الاستقرار في المنطقة المشتعلة. 

سياسي أردني آخر يرى في مقابلة مع ” درج” بشرط عدم ذكر اسمه لحساسية الظرف، أن ما سيتمخض عنه اللقاء من طروحات سيشكّل “لنا كأردنيين مسألة حياة أو موت”.

شكل الدولة الفلسطينيّة الممكن؟

ما انفك الأردن يطالب بقيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، لحماية أمنه واستقراره ومنع الترانسفير من الضفة الغربية، حيث تصعد إسرائيل عملياتها العسكرية لتطفيش السكان. 

لكنّ عمان تدرك أن ما كان ممكناً قبل عقدين لم يعد ممكناً الآن.

يقرّ مسؤولون كثيرون في الغرف المغلقة بأن حل الدولتين لن يكون كما طرحته السعودية وسائر الدول العربية قبل أكثر من عقدين: قيام دولة فلسطينية مستقلّة بجوار إسرائيل تعيش بأمان واستقرار.

في أحسن الأحوال، قد يتمخض الحل عن قيام دولة فلسطينية صغيرة تحيط بها إسرائيل من كل الجوانب، وستكون عاجزة عن العيش لوحدها. 

تتطابق التوقعات داخل الغرف المغلقة، بينما لا يزال الحديث عن كيان هزيل محظوراً. هناك قناعة بأنه في نهاية المطاف سيكون هناك “كيان فلسطيني وليس دولة”. 

يتابع السياسي الأردني: “يمكن أن يكون هناك كيان مدني فيه بلديات منتخبة من المواطنين الفلسطينيين. وقد يُطلب من الأردن لعب دور أساسي في ضمان حفظ الأمن والاستقرار”. وقد يتطور الأمر لاحقاً إلى اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي؛ وهي أفكار قديمة – جديدة طالما رفضها الملك الراحل الحسين بن طلال والملك عبدالله الثاني.

كما سبق أن رفض الأردن لعب دور شرطي لكيان كهذا في ولاية ترامب الأولى، ما أثر على علاقات ترامب بالملك.

جواد العناني، نائب رئيس وزراء ووزير خارجية سابق يقول في مقابلة مع “درج”: لا يوجد أي تبرير سياسي لطرح فكرة تهجير جماعي عبر النهر لوضع الأردن “في حلقة مغلقة وعقابه”. لكنه يتوقع أن يلعب الأردن دوراً محورياً في أي ترتيب مستقبلي “سواء دولة فلسطينية أو شبه دولة…”.

ويرى د. العناني أنه مهما كان شكل التسوية “يجب أن يكون الأردن موجوداً لتسهيل حياة الفلسطينيين بجوانبها كافة، بما فيها انسياب التجارة وضمان الأمن الخ”.

د. العناني، حال سياسيين آخرين كثر، يؤكد أن لدى الأردن عناصر قوة عدة خارجية وداخلية بعدما أعاد تموضعه السياسي عقب فوز ترامب، لتوفير مرونة إضافية تمكّنه من الانحناء أمام العواصف الترامبية خلال السنوات الأربع المقبلة والخروج منها بأقل الأضرار”.

مكامن قوة الأردن بوجه ترامب؟

الأردن حليف استراتيجي لأميركا على مدى عقود وله علاقات متينة مع حلف الناتو، منع إيران وإسرائيل من استخدام مجاله الجوي عندما تراشقا بالصواريخ قبل أشهر. وأسقط التحالف الدولي ضد الإرهاب، والأردن جزء منه،  صواريخ فوق الأجواء الأردنية في طريقها الى إسرائيل التزاماً منه بمعاهدة السلام منذ 1994.

مسؤول أمني رفيع يقول إن الأردن أخذ قراراً غير شعبي آنذاك ليثبت أن اتفاقيات السلام التعاقدية مصانة، وأن هناك فرصة لتأسيس تحالف إقليمي مع دول عربية سنية ضد إيران.

موقع الأردن الجيوسياسي ركيزة في المنطقة بين العراق وإيران وإسرائيل، وحلقة وصل وقنطرة بين دول الخليج وسوريا وتركيا وصولا إلى أوروبا؛ وبالتالي هو جزء أساسي في مشاريع تعظيم المكاسب الاقتصادية لإقليم ينشد الاستقرار.

علاقة الملك – حال والده الراحل – قوية بسيناتورات ونواب رئيسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وكلمته مسموعه هناك بسبب صدقية المملكة كصانع سلام وعنصر أمن واستقرار في المنطقة منذ تأسيس المملكة. في المقابل، عدم استقرار المملكة سيلقي بظلاله على إسرائيل والسعودية وسوريا والعراق وما وراءها.

لنحبس أنفاسنا ونرى.

11.02.2025
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية