أثَر تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان بشكل كبير وواضح على الوضع الأمني، إذ أصبحت الشوارع والطرق مسارح للقتل والسرقات والسلب وتحولت البلاد إلى غابة يتناتش فيها الناس، أبسط حقوقهم.
وبدل تحميل السلطة وممارساتها مسؤولية التردي الأمني والاقتصادي، يسهل رمي أي تهمة على اللجوء السوري،بما يعني تبرير الفشل السياسي والفساد المستشري وتبرئة مرتكبيه مما آلت إليه الأحوال. وهو خطاب يبثه عدد من الأفرقاء السياسيين، لينتقل برشاقة إلى القرى والبلدات ويصبح عاماً، لا سيما في المجتمعات التي تستقبل لاجئين سوريين فارين من الحرب السورية.
بحسب الدولية للمعلومات، وبعد مقارنة أرقام الأشهر الأولى من عام 2021، يتبين ارتفاع جرائم السرقة بنسبة 265.6 في المئة مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2019، أي قبل اندلاع الأزمة. كما ارتفعت نسبة جرائم القتل بنسبة 101 في المئة عام 2021 مقارنةً بعام 2019، بعدما تراجعت بنسبة 1.1 في المئة عام 2020.
وفي مقارنة بالأرقام بين الأشهر الأولى لعام 2021 وعام 2022، فقد اختلفت المؤشرات الأمنية خلال الأشهر الـ8 من عام 2022 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021، فارتفعت جرائم القتل 5.7 في المئة، كما ارتفعت حالات الانتحار 3.3 في المئة، فيما انخفضت جرائم سرقة السيارات 11.9 في المئة، وانخفضت جرائم السرقة 8.5 في المئة.
ففي آب/ أغسطس 2022 وحده وقعت 14 جريمة قتل، أمّا أيلول/ سبتمبر فقد شهد ارتفاعاً كبيراً في نسبة جرائم القتل، فسُجِّلت 16 جريمة قتل، 6 قتلى في طرابلس، 5 في البقاع، 3 في عكار وقتيل في جبيل وآخر في بيروت.
تحاول السلطات اللبنانية تحميل اللاجئ السوري عبء ارتفاع الجريمة في لبنان وقد نجحت في “تشريب” أجزاء كبيرة من المجتمع اللبناني هذه الذهنية، خصوصاً بعد جرائم حصلت في الفترة الأخيرة، كان منفذوها من الجنسية السورية، ما ساهم بانتشار أفكار تنميطية تعتبر أن أي سوري هو مشروع مجرم، فارتفع مستوى العنصرية والكراهية تجاه اللاجئين.
وتشير تقارير صحافية مستندة الى مصادر أمنية الى أن نسبة المساجين السوريين في السجون اللبنانية قد بلغت 27 في المئة فيما تحدث المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن أن النسبة قد بلغت 42 في المئة. ومعظمهم يتم اعتقالهم بتهم الإرهاب أو لمعرفتهم بشخص متورط بهذه التهمة أو على خلفية عدم حيازتهم أوراقاً الثبوتية او لدخولهم خلسة الى لبنان.
بعد مقارنة أرقام الأشهر الأولى من عام 2021، يتبين ارتفاع جرائم السرقة بنسبة 265.6 في المئة مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2019، أي قبل اندلاع الأزمة.
يتحدث وليد الشويخ (27 سنة) لـ”درج” عن العنصرية التي يواجهها في لبنان قائلاً: “جئت إلى لبنان واستقررت فيه عام2017 بعدما انهيت دراسة الدبلوم في العلوم الطبية- اختصاص التخدير والإنعاش، وبدأت العمل في الرعاية الصحية المنزلية للمسنين ومنذ ذلك الحين حتى اليوم ما زلت أواجه الأحكام المسبقة التي تطاولني وتطاول غالبية السوريين هنا، أسمع عبارات الكراهية أحياناً وأتجاهلها وأحياناً أخرى أجد نفسي مضطراً للدخول في جدالات عقيمة”.
ويضيف وليد:”ذات مرة استلمت مريضاً في إحدى المناطق التي كانت قد وقعت فيها جريمة قتل نفذها سوري بحق شابة عشرينية، أصحاب المنزل كانوا لطفاء ولكنهم كانوا يعاملونني بحذر شديد. أما أهالي الحي فقد كانوا لا يطيقونني فحاولت جاهداً أن أظهر صورة حسنة عن المجتمع السوري ونجحت،و في إحدى المرات سلبت مني شرطة بلدية كسروان أوراقي الثبوتية لأنني كنت أتجول بعد الساعة الثامنة مساءً، ناهيك بالمعاملة غير اللائقة التي أتعرض لها في كل مرة أقصد فيها الأمن العام لتجديد إقامتي”.
عن الأسباب الحقيقية لارتفاع معدل الجريمة في لبنان، يوضح الباحث الاجتماعي مصباح الساكت لـ”درج”: “للأسف الشديد أصبح النظام اللبناني يبحث عن ما يلهي به للشعب عن المشكلات التي يعيشها بعد كل هذا الانهيار الذي أوصله إليه، وأكبر دعاية يستعملها النظام اللبناني هي بروباغاندا تسبب اللجوء السوري في الأزمة الحالية. وقد وشرعت السلطة في تحميل اللاجئ وزر أزمة الخبز والمال وحتى أزمة ارتفاع مستوى الجريمة، علماً أن نشرات إلقاء القبض التي تطلقها الأجهزة الأمنية كل فترة لا تخلو دائماً من اللبنانيين وحتى العصابات التي ترتكب جرائم قتل وسلب وسرقة، ويديرها لبنانيون في معظم الأحيان. وهذا مؤشر واضح على أن ارتفاع نسبة الجريمة لا شأن له باللجوء السوري منذ عام 2011 “. ويرى أن ارتفاع نسبة الجريمة بين عامي 2019 و2022 يعود للانهيار الاقتصادي الذي اقترفته أيدي النظام اللبناني “ولا يتحمل مسؤوليته اللاجئ السوري الذي أُجبر كالكثير من اللبنانيين على ركوب قوارب الموت والهجرة بطريقة غير شرعية خارج البلاد أو اتباع أساليب أخرى غير مشروعة لتخفيف وطأة الأزمة. وللأسف النظام اللبناني لا يزال ممسكاً بمعظم وسائل الإعلام اللبنانية ويبث عبرها دعاية تسبب اللاجئ السوري بكل هذه الأزمات، وبالتالي يقاد المجتمع اللبناني لا شعورياً بهذه الموجة”.
إقرأوا أيضاً: