fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الأزمة الدستورية في أميركا: ترمب يقضم الديمقراطية كتفاحة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أولى خطوات دونالد ترامب نحو ترسيخ سلطته الدكتاتورية، هي الإعلان عن “أزمة وطنية” تقمّص ترامب فيها دور “القائد” ذي السلطات الواسعة في المعركة، بدلاً من أن يكون حارساً للديمقراطية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في المناظرة الوحيدة التي جرت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كاملا هاريس، في أيلول/ سبتمبر 2024، أكّد ترامب أن قادة العالم يحبّونه ويهابونه. ولتأكيد ذلك، أتى بمثال مفضّل لديه: فيكتور أوربان.

قال ترامب: “اسمحوا لي أن أحدثكم عن قادة العالم. فيكتور أوربان، أحد أكثر الرجال احتراماً؛ يُطلقون عليه لقب “الرجل القوي”، إنه شخصية صارمة، ذكي، رئيس وزراء هنغاريا. عندما تساءل البعض: لماذا يشتعل العالم بأسره، ولم يكن كذلك قبل ثلاث سنوات؟ لماذا يتفجّر الآن؟ فأجاب: لأنكم بحاجة إلى عودة ترامب إلى الرئاسة. كان الجميع يخشونه. الصين كانت تخشاه، كوريا الشمالية كانت تخشاه. انظروا، فيكتور أوربان نفسه قالها: الشخص الأكثر احتراماً والأكثر مهابة هو دونالد ترامب. لم نواجه أية مشكلات حين كان ترمب رئيساً”.

فيكتور أوربان هو أطول رؤساء وزراء هنغاريا بقاءً في السلطة، وقد عاد بعد فوزه في الانتخابات في 2010، ليُحكم قبضته على الإعلام والقضاء، ويُضعف المؤسسات الديمقراطية. عُرف بمواجهاته مع الاتحاد الأوروبي دفاعاً عن السيادة الوطنية، وببناء تحالفات مع دونالد ترامب ومارين لوبين، وتعزيز علاقاته مع روسيا والصين. وفيما يراه أنصاره حامياً للقيم المسيحية والهوية الهنغارية، يصفه معارضوه بالمستبد الذي يقوّض الديمقراطية. هو إذاً، انعكاس أوروبي لترامب نفسه. 

على أية حال، لم يكن كلام ترامب مفاجئاً في 2024، كما كان حاله في 2016؛ عندما امتدح دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ووصفه بأنه “رجل قوي وحادّ الذكاء”، أو حين أسرّ لكبير موظفي البيت الأبيض في عهده جون كيللي، قائلاً: “إن الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر قام ببعض الأمور الجيدة”، مشيراً بشكل خاص إلى النمو الاقتصادي في ظل الحكم النازي، وإلى قدرة الفوهرر على فرض الولاء المطلق بين جنرالاته.

وقبل انتخابات 2000، التي هُزم فيها ترامب أمام جو بايدن، طلب ترامب من الدكتاتور الصيني شي جين بينغ “مساعدته على الفوز في انتخابات 2020″، وفقاً لما أورده جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب، في كتابه الذي كشف عن خفايا إدارة الرئيس السابق. وفي الاجتماع نفسه، حين دافع شي عن بناء الصين معسكرات تضمّ ما يصل إلى مليون مسلم من الإيغور في شينجيانغ، أبدى ترامب موافقته على ذلك السلوك، وقال: “على شي أن يبني المزيد من المعسكرات، لأن ذلك هو القرار الصائب تماماً”.

ليس استثناء

هذه الحكايات ليست استثناء، فيوماً بعد يوم، يبيّن ترامب دونما حرج، رغبته الشديدة وسعيه الحثيث لتعزيز نفوذه والحكم كـ “رجل قوي”، وفي مرات عديدة أبدى ترامب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفليبيني السابق رودريغو دوتيرتي، الذي تباهى مرة بأنه ألقى بتجار المخدرات من طائرة هليكوبتر. 

وترامب نفسه ليس استثناء فريداً. ففي التاريخ الأميركي أشخاص مؤثّرون لم يخجلوا من إبداء شغفهم بطغاة من العالم. في كتابه الجديد، “أميركا أخيراً: قصة قرن من افتتان اليمين الأميركي بالطغاة الأجانب”، يستعرض الصحافي جاكوب هيلبرون بتفصيل دقيق وأسلوب حي، كيف وجد اليمين الأميركي منذ الحرب العالمية الأولى، تآلفاً عميقاً مع الحكام المستبدين والطغاة، من القيصر فيلهلم الثاني إلى بينيتو موسوليني وفرانشيسكو فرانكو وأدولف هتلر وأوغستو بينوشيه. ويوثّق هيلبرون كيف أشاد مفكرو اليمين الأميركي وسياسيوه بهؤلاء القادة، باعتبارهم حصوناً ضد الشيوعية والاضطرابات العمالية، وروّجوا لصورة الأنظمة الاستبدادية على أنها أكثر كفاءة واستقراراً ثقافياً مقارنة بـ “الانحلال الليبرالي”، ولم يترددوا في تمجيد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ودعم الأنظمة الدموية والفرق القاتلة في أميركا الوسطى والجنوبية وإفريقيا.

يستحضر هيلبرون شخصيات بارزة في تاريخ اليمين الأميركي، ممن لم يُخفوا إعجابهم بالمستبدين، مثل والتر هارنشفيغر، رجل الأعمال الذي دعم صعود جوزيف مكارثي، واعتبر محاكمات نورنبيرغ “أسوأ مما فعله هتلر، بل أسوأ من داخاو” المعسكر النازي سيئ الصيت. كما يقتبس من ويليام باكلي جونيور، حين كتب عام 1977 عن الدكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه، قائلاً: “في تشيلي، الجنرال بينوشيه هو القائد النموذجي. صورته تُعرض الآن في كل مكتب حكومي؛ يقف شامخاً، بصدر مفتوح، ونظرة ثاقبة، مع لمحة خفيفة من الشك، تتناغم مع شاربيه المحدودين بخط دقيق: ملكيّ، هذا وصف آخر له”. وفي عام 1986، أشادت جين كيركباتريك السفيرة السابقة للرئيس رونالد ريغان في الأمم المتحدة، بقائد الميليشيا الأنغولي جوناس سافيمبي، الذي كان دمية في يد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحاكماً وحشياً قتل معارضيه وأرهب بلاده لعقود، ورفض نتائج انتخابات حرة. ولكن كيركباتريك لم تخجل من أن ترى فيه: “رجلاً ذا إنجازات مذهلة… لغوياً، فيلسوفاً، شاعراً، سياسياً، محارباً، ومخطط حرب عصابات”.

خطاب تنصيب ترامب: بيان نحو الديكتاتورية

ولا يحاول ترامب إخفاء نواياه في الحكم كدكتاتور. ففي خطابه في حفل تنصيبه الثاني في 20 كانون الثاني/ يناير، خالف كل التقاليد الأميركية التي كانت تحتفي بالتداول الديمقراطي للسلطة، فكان الخطاب بياناً لعهد من السلطة المطلقة. وعلى عكس التواضع التقليدي والتقدير الدستوري الذي ميّز خطابات التنصيب السابقة، جاء خطاب ترامب كمرسوم استبدادي، يكشف عن عزمه على إعادة تشكيل أميركا وفق رؤيته الخاصة، متحرراً من أي قيود قانونية أو مؤسسية. من خلال خطابه، رسم ترامب ملامح رئاسته على أُسس الانتقام والتفويض الإلهي والسلطة المطلقة، متجاهلاً بذلك التوازن الدقيق الذي لطالما كان حجر الأساس في النظام الأميركي.

كانت أولى خطوات ترامب نحو ترسيخ سلطته الدكتاتورية، هي الإعلان عن أزمة وطنية. فقد أعلن حالة طوارئ وطنية، بموجب قانون الطوارئ القومية وقوانين الأجانب والتحريض لعام 1798، مستنداً إلى ما وصفه بأنه أزمة مفتعلة على الحدود الجنوبية. أما إعلانه أن 20 كانون الثاني/ يناير هو “يوم التحرير”، فلم يكن مجرد تعبير رمزي، بل كان لغة حرب، تقمّص ترامب فيها دور القائد في معركة وطنية، بدلاً من أن يكون حارساً للديمقراطية.

بهذا النهج، استغلّ ترامب حقيقة راسخة في السياسة الأميركية: الرؤساء في أوقات الحرب يتمتّعون بسلطات أوسع بكثير من نظرائهم في زمن السلم. فمن تعليق أبراهام لينكولن لحق المثول أمام القضاء، إلى احتجاز فرانكلين روزفلت للأميركيين من أصول يابانية، أثبت التاريخ أن الأزمات توسّع من سلطات الرئيس. لكن استراتيجية ترامب كانت مختلفة، فهو لم يكن يواجه حرباً حقيقية، بل كان يختلقها لتبرير سلطته المطلقة.

التفويض الإلهي والشعبي: سلطة بلا مساءلة

لم يكتفِ ترامب بادّعاء تفويض شعبي، بل زعم أنه مفوّض من الله. وعلى عكس الرؤساء السابقين الذين استدعوا العناية الإلهية لتوجّههم وتحثّهم على التواضع، استخدم ترامب الإيمان بالله كتبرير لتوسيع سلطته. فقد أشار إلى نجاته من محاولة اغتيال باعتبارها “علامة إلهية”، تدل على أنه “إنما أُنقِذ ليجعل أميركا عظيمة من جديد”، متقمصاً بذلك دور القائد المختار بمشيئة إلهية؛ وهو أسلوب طالما استخدمه الملوك والمستبدّون عبر التاريخ.

بهذا الخطاب، لم يعد الاعتراض على ترامب مجرد خلاف سياسي، بل تحوّل إلى تحدٍّ للإرادة الإلهية والشعبية. وبذلك، لم يعد ترامب رئيساً يخضع للدستور، بل بات زعيماً ذا رسالة مقدّسة تتطلّب سلطات مطلقة لتحقيقها.

وفيما يمكن وصفه بأنه استعراض أوهام جامح للسلطة غير المقيدة، أطلق ترامب العنان لخياله في محاولة لإعادة تعريف الواقع نفسه. فقد أعلن عزمه على تغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أميركا، وهو قرار؛ وإن بدا عبثياً، يعكس إيمانه بأن سلطته تتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ والدبلوماسية الدولية، وحرم وكالة “أسوشييتد برس” من دخول البيت الأبيض، لأنها لم تغيّر اسم الخليج. وقرر إعادة تسمية جبل ماكينلي، في إشارة إلى أنه الوحيد القادر على إملاء الهوية التاريخية والثقافية للأمة. وزاد في مطالبته بضمّ كندا كولاية أميركية وشراء غرينلاند، وفي وهمه أن البلد الشاسع ليس سوى ملكية عقارية يمكن شراؤها وبيعها.

لكن محاولته الأكثر إثارة للقلق لإعادة تشكيل الواقع، تمثّلت في إصدار مرسوم رئاسي يقرّ بأن “هناك جنسين فقط، الذكر والأنثى”، وهو اعتداء مباشر على الحقيقة العلمية، وسعي متعمّد إلى إلغاء الاعتراف بالمتحوّلين جنسياً في السياسات العامة والتشريعات. لم يكن هذا مجرد خطاب سياسي محافظ، بل كان فرضاً لأيديولوجيا الدولة بقوة السلطة، وهي سمة جوهرية للأنظمة الاستبدادية التي تسعى إلى إملاء الحقيقة بالقوة، بدلاً من الاعتراف بالوقائع.

وفي تأكيد فوري لهيمنته، أصدر ترامب في يومه الأول في الحكم 26 أمراً تنفيذياً، متجاوزاً بذلك أي رئيس أميركي آخر. وكان من بين هذه الأوامر محاولة لإعادة كتابة التعديل الرابع عشر للدستور، وهو انتهاك صارخ لقسمه بالحفاظ على الدستور وحمايته والدفاع عنه. كشف هذا الإجراء بوضوح عن استخفافه التام بالقيود القانونية، إذ إن تعديل الدستور يستلزم موافقة الكونغرس والولايات، ولا يمكن أن يجري بقرار رئاسي منفرد.

الترامبية كتهديد للديمقراطية  

في كتاب جديد صدر مؤخراً لثلاثة من علماء السياسة الأميركيين (إريكا فرانتز، وأندريا كندل- تايلور، وجو رايت) يقدّم الكتّاب الثلاثة نظرية جديدة عن تحوّل الأحزاب السياسية المتمحورة حول هدف سياسي، إلى أحزاب شخصانية، تتمحور حول فرد واحد. الكتاب “أصول الرجال الأقوياء المنتخبين”، يرسم اتجاهاً عالمياً نحو الأحزاب الشخصانية، حيث تتحوّل التنظيمات السياسية إلى أدوات لزعيم واحد، بدلاً من كونها مؤسسات أيديولوجية ذات ضوابط مؤسسية. وقد جسّد الحزب الجمهوري تحت قيادة ترامب هذا الاتجاه، حيث بات الولاء للقائد يتفوّق على القيود المؤسسية، وأصبحت المعارضة الداخلية تُقمع بشكل منهجي، مما أدى إلى تفكيك الحواجز الديمقراطية.  

لم يعد الحزب الجمهوري كما كان قبل ترأمب. فبينما ركّز القادة الجمهوريون السابقون على السياسات المحافظة التقليدية، أعاد ترامب تشكيل الحزب ليصبح أداة تخدم أجندته الشخصية، حيث بات الولاء له يتفوّق على الالتزام بالأيديولوجيا. 

في 7 آب/ أغسطس 1974، توجّه السيناتور باري غولدووتر؛ ضمير الحزب الجمهوري في ذلك الوقت، برفقة زعيم الجمهوريين في مجلس النواب جون رودس، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ هيو سكوت، من مبنى الكابيتول إلى البيت الأبيض لإبلاغ الرئيس ريتشارد نيكسون بأن مسيرته الرئاسية قد انتهت. لم يأبه قادة الحزب الجمهوري وقتها بشعبية نيكسون الواسعة، وبكونه فاز بالرئاسة مرتين، آخرهما قبل عام واحد فقط، بانتصار ساحق حصد فيه 49 ولاية. وفيما بعد، كتب غولدووتر في مذكراته أن نيكسون “كان يعلم، من دون أدنى شك، أن رئاسته قد انتهت، بطريقة أو بأخرى. لم يكن لدينا شك في النتيجة. كان سيستقيل”. وبالفعل، في التاسع من آب/ أغسطس، كتب نيكسون رسالة قصيرة من جملة واحدة: “أقدّم بموجب هذا استقالتي من منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية”.

أما حين أصدرت هيئة المحلفين حكمها في قضية ولاية نيويورك ضد دونالد ترامب، مُدينة إياه بـ 34 تهمة جنائية، تتعلّق بتزوير سجلات تجارية للتستّر على دفع أموال، صمت بهدف إخفاء فضائحه الجنسية غير المشروعة، لضمان فوزه بالانتخابات، سارع القادة الجمهوريون إلى إصدار بيانات دعم معدّة سلفاً، وشنّوا هجوماً على النظام القضائي، وسوّقوا ترامب باعتباره ضحية للاضطهاد السياسي. قادة بارزون مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، رفضوا شرعية المحاكمة، حتى إن جونسون أشار إلى أن المحكمة العليا قد تتدخّل لإلغاء الحكم. وهكذا، تحوّل الحزب الجمهوري إلى حزب شخصاني، باتت فيه الطاعة العمياء لترامب تتفوّق على أي اعتبار قانوني أو أخلاقي. 

إن فشل الحزب في التصدّي لإنكار الانتخابات والخطاب الاستبدادي، يشير إلى أن الترامبية لم تعد مجرد توجّه عابر، بل أصبحت إحدى السمات الأساسية للمحافظين الأميركيين المعاصرين.  

في كتابها شركة الاستبداد: الطغاة الذين يريدون حكم العالم، تجادل آن أبلباوم في أن العالم يشهد انقساماً متزايداً بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، حيث تعمل أنظمة مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، كأنظمة نهب سياسي (kleptocracies) تسخّر السلطة والثروة لخدمة بقائها. ولكن المؤلّفة ترى الخطر الأكبر في حالة التراخي واللامبالاة، التي تتّسم بها المجتمعات الديمقراطية، والتي غالباً ما تعجز عن إدراك هذه التدخلات أو التصدّي لها. وتضيف أن التهديد لا يقتصر على الخارج، إذ تنبثق داخل الديمقراطيات ذاتها – بما فيها الولايات المتحدة – حركات تسعى لفرض نماذج سلطوية على النظام القائم. 

حتى لو ذهب ترامب فالترامبية لن تختفي  

باختصار، الترامبية ليست حالة فريدة، بل جزء من موجة عالمية من التراجع الديمقراطي. فمثلما استمرّت الشعبوية الاستبدادية في هنغاريا بعد أوربان، وفي فنزويلا بعد شافيز، ستظل الترامبية قائمة، لأن العوامل التي ساعدت على صعودها؛ كالتشكيك في المؤسسات، والشعبوية القومية، والاستياء الثقافي، لا تزال تحرّك السياسة الأميركية، وبالتالي، من غير المرجح أن تختفي الترامبية بسهولة.  

عقد الكثير آمالاً عريضة على أن خسارة ترامب في الانتخابات ستكون خاتمة المطاف له وللترامبية. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، وتحوّلت الترامبية من مجرد حملة انتخابية إلى حركة أيديولوجية متجذّرة اجتماعياً ومؤسسياً.  

لم تعد الترامبية مجرد انزياح تاريخي لمرة واحدة، فإن قاعدة ترامب، المكوّنة بشكل أساسي من البيض من غير ذوي التحصيل العلمي والناخبين المحبطين من العولمة، لم تتراجع، بل ترسّخت أكثر. ونجح ترامب، الذي استغلّ مشاعر السخط الاقتصادي، ومعاداة النخب والمظلومية الثقافية، في بناء حركة شعبوية قادرة على الاستمرار حتى بعد مغادرته المشهد السياسي، مما يفتح الباب أمام قادة مثل جي دي فانس أو رون دي سانتيس لمواصلة مسيرتهم.

رنين عواد | 10.05.2025

حكومة سلام تُلغي شرعنة المقالع والكسّارات… فهل تبدأ المساءلة البيئية؟

في ظلّ الظروف الأمنية السائدة في المنطقة، ولبنان خصوصاً، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية واحتلال النقاط الخمسة الحدودية، يُسهم التمدّد العشوائي للمقالع والكسّارات في تدمير الطبيعة اللبنانية، ويستنزف مواردها بوتيرة موازية للحرب، وتُشير التقديرات إلى أن هذه المواقع تغطّي نحو 25% من مساحة لبنان، أي ما يعادل 70% من مساحة بيروت.
22.02.2025
زمن القراءة: 9 minutes

أولى خطوات دونالد ترامب نحو ترسيخ سلطته الدكتاتورية، هي الإعلان عن “أزمة وطنية” تقمّص ترامب فيها دور “القائد” ذي السلطات الواسعة في المعركة، بدلاً من أن يكون حارساً للديمقراطية.

في المناظرة الوحيدة التي جرت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كاملا هاريس، في أيلول/ سبتمبر 2024، أكّد ترامب أن قادة العالم يحبّونه ويهابونه. ولتأكيد ذلك، أتى بمثال مفضّل لديه: فيكتور أوربان.

قال ترامب: “اسمحوا لي أن أحدثكم عن قادة العالم. فيكتور أوربان، أحد أكثر الرجال احتراماً؛ يُطلقون عليه لقب “الرجل القوي”، إنه شخصية صارمة، ذكي، رئيس وزراء هنغاريا. عندما تساءل البعض: لماذا يشتعل العالم بأسره، ولم يكن كذلك قبل ثلاث سنوات؟ لماذا يتفجّر الآن؟ فأجاب: لأنكم بحاجة إلى عودة ترامب إلى الرئاسة. كان الجميع يخشونه. الصين كانت تخشاه، كوريا الشمالية كانت تخشاه. انظروا، فيكتور أوربان نفسه قالها: الشخص الأكثر احتراماً والأكثر مهابة هو دونالد ترامب. لم نواجه أية مشكلات حين كان ترمب رئيساً”.

فيكتور أوربان هو أطول رؤساء وزراء هنغاريا بقاءً في السلطة، وقد عاد بعد فوزه في الانتخابات في 2010، ليُحكم قبضته على الإعلام والقضاء، ويُضعف المؤسسات الديمقراطية. عُرف بمواجهاته مع الاتحاد الأوروبي دفاعاً عن السيادة الوطنية، وببناء تحالفات مع دونالد ترامب ومارين لوبين، وتعزيز علاقاته مع روسيا والصين. وفيما يراه أنصاره حامياً للقيم المسيحية والهوية الهنغارية، يصفه معارضوه بالمستبد الذي يقوّض الديمقراطية. هو إذاً، انعكاس أوروبي لترامب نفسه. 

على أية حال، لم يكن كلام ترامب مفاجئاً في 2024، كما كان حاله في 2016؛ عندما امتدح دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ووصفه بأنه “رجل قوي وحادّ الذكاء”، أو حين أسرّ لكبير موظفي البيت الأبيض في عهده جون كيللي، قائلاً: “إن الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر قام ببعض الأمور الجيدة”، مشيراً بشكل خاص إلى النمو الاقتصادي في ظل الحكم النازي، وإلى قدرة الفوهرر على فرض الولاء المطلق بين جنرالاته.

وقبل انتخابات 2000، التي هُزم فيها ترامب أمام جو بايدن، طلب ترامب من الدكتاتور الصيني شي جين بينغ “مساعدته على الفوز في انتخابات 2020″، وفقاً لما أورده جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب، في كتابه الذي كشف عن خفايا إدارة الرئيس السابق. وفي الاجتماع نفسه، حين دافع شي عن بناء الصين معسكرات تضمّ ما يصل إلى مليون مسلم من الإيغور في شينجيانغ، أبدى ترامب موافقته على ذلك السلوك، وقال: “على شي أن يبني المزيد من المعسكرات، لأن ذلك هو القرار الصائب تماماً”.

ليس استثناء

هذه الحكايات ليست استثناء، فيوماً بعد يوم، يبيّن ترامب دونما حرج، رغبته الشديدة وسعيه الحثيث لتعزيز نفوذه والحكم كـ “رجل قوي”، وفي مرات عديدة أبدى ترامب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفليبيني السابق رودريغو دوتيرتي، الذي تباهى مرة بأنه ألقى بتجار المخدرات من طائرة هليكوبتر. 

وترامب نفسه ليس استثناء فريداً. ففي التاريخ الأميركي أشخاص مؤثّرون لم يخجلوا من إبداء شغفهم بطغاة من العالم. في كتابه الجديد، “أميركا أخيراً: قصة قرن من افتتان اليمين الأميركي بالطغاة الأجانب”، يستعرض الصحافي جاكوب هيلبرون بتفصيل دقيق وأسلوب حي، كيف وجد اليمين الأميركي منذ الحرب العالمية الأولى، تآلفاً عميقاً مع الحكام المستبدين والطغاة، من القيصر فيلهلم الثاني إلى بينيتو موسوليني وفرانشيسكو فرانكو وأدولف هتلر وأوغستو بينوشيه. ويوثّق هيلبرون كيف أشاد مفكرو اليمين الأميركي وسياسيوه بهؤلاء القادة، باعتبارهم حصوناً ضد الشيوعية والاضطرابات العمالية، وروّجوا لصورة الأنظمة الاستبدادية على أنها أكثر كفاءة واستقراراً ثقافياً مقارنة بـ “الانحلال الليبرالي”، ولم يترددوا في تمجيد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ودعم الأنظمة الدموية والفرق القاتلة في أميركا الوسطى والجنوبية وإفريقيا.

يستحضر هيلبرون شخصيات بارزة في تاريخ اليمين الأميركي، ممن لم يُخفوا إعجابهم بالمستبدين، مثل والتر هارنشفيغر، رجل الأعمال الذي دعم صعود جوزيف مكارثي، واعتبر محاكمات نورنبيرغ “أسوأ مما فعله هتلر، بل أسوأ من داخاو” المعسكر النازي سيئ الصيت. كما يقتبس من ويليام باكلي جونيور، حين كتب عام 1977 عن الدكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه، قائلاً: “في تشيلي، الجنرال بينوشيه هو القائد النموذجي. صورته تُعرض الآن في كل مكتب حكومي؛ يقف شامخاً، بصدر مفتوح، ونظرة ثاقبة، مع لمحة خفيفة من الشك، تتناغم مع شاربيه المحدودين بخط دقيق: ملكيّ، هذا وصف آخر له”. وفي عام 1986، أشادت جين كيركباتريك السفيرة السابقة للرئيس رونالد ريغان في الأمم المتحدة، بقائد الميليشيا الأنغولي جوناس سافيمبي، الذي كان دمية في يد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحاكماً وحشياً قتل معارضيه وأرهب بلاده لعقود، ورفض نتائج انتخابات حرة. ولكن كيركباتريك لم تخجل من أن ترى فيه: “رجلاً ذا إنجازات مذهلة… لغوياً، فيلسوفاً، شاعراً، سياسياً، محارباً، ومخطط حرب عصابات”.

خطاب تنصيب ترامب: بيان نحو الديكتاتورية

ولا يحاول ترامب إخفاء نواياه في الحكم كدكتاتور. ففي خطابه في حفل تنصيبه الثاني في 20 كانون الثاني/ يناير، خالف كل التقاليد الأميركية التي كانت تحتفي بالتداول الديمقراطي للسلطة، فكان الخطاب بياناً لعهد من السلطة المطلقة. وعلى عكس التواضع التقليدي والتقدير الدستوري الذي ميّز خطابات التنصيب السابقة، جاء خطاب ترامب كمرسوم استبدادي، يكشف عن عزمه على إعادة تشكيل أميركا وفق رؤيته الخاصة، متحرراً من أي قيود قانونية أو مؤسسية. من خلال خطابه، رسم ترامب ملامح رئاسته على أُسس الانتقام والتفويض الإلهي والسلطة المطلقة، متجاهلاً بذلك التوازن الدقيق الذي لطالما كان حجر الأساس في النظام الأميركي.

كانت أولى خطوات ترامب نحو ترسيخ سلطته الدكتاتورية، هي الإعلان عن أزمة وطنية. فقد أعلن حالة طوارئ وطنية، بموجب قانون الطوارئ القومية وقوانين الأجانب والتحريض لعام 1798، مستنداً إلى ما وصفه بأنه أزمة مفتعلة على الحدود الجنوبية. أما إعلانه أن 20 كانون الثاني/ يناير هو “يوم التحرير”، فلم يكن مجرد تعبير رمزي، بل كان لغة حرب، تقمّص ترامب فيها دور القائد في معركة وطنية، بدلاً من أن يكون حارساً للديمقراطية.

بهذا النهج، استغلّ ترامب حقيقة راسخة في السياسة الأميركية: الرؤساء في أوقات الحرب يتمتّعون بسلطات أوسع بكثير من نظرائهم في زمن السلم. فمن تعليق أبراهام لينكولن لحق المثول أمام القضاء، إلى احتجاز فرانكلين روزفلت للأميركيين من أصول يابانية، أثبت التاريخ أن الأزمات توسّع من سلطات الرئيس. لكن استراتيجية ترامب كانت مختلفة، فهو لم يكن يواجه حرباً حقيقية، بل كان يختلقها لتبرير سلطته المطلقة.

التفويض الإلهي والشعبي: سلطة بلا مساءلة

لم يكتفِ ترامب بادّعاء تفويض شعبي، بل زعم أنه مفوّض من الله. وعلى عكس الرؤساء السابقين الذين استدعوا العناية الإلهية لتوجّههم وتحثّهم على التواضع، استخدم ترامب الإيمان بالله كتبرير لتوسيع سلطته. فقد أشار إلى نجاته من محاولة اغتيال باعتبارها “علامة إلهية”، تدل على أنه “إنما أُنقِذ ليجعل أميركا عظيمة من جديد”، متقمصاً بذلك دور القائد المختار بمشيئة إلهية؛ وهو أسلوب طالما استخدمه الملوك والمستبدّون عبر التاريخ.

بهذا الخطاب، لم يعد الاعتراض على ترامب مجرد خلاف سياسي، بل تحوّل إلى تحدٍّ للإرادة الإلهية والشعبية. وبذلك، لم يعد ترامب رئيساً يخضع للدستور، بل بات زعيماً ذا رسالة مقدّسة تتطلّب سلطات مطلقة لتحقيقها.

وفيما يمكن وصفه بأنه استعراض أوهام جامح للسلطة غير المقيدة، أطلق ترامب العنان لخياله في محاولة لإعادة تعريف الواقع نفسه. فقد أعلن عزمه على تغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أميركا، وهو قرار؛ وإن بدا عبثياً، يعكس إيمانه بأن سلطته تتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ والدبلوماسية الدولية، وحرم وكالة “أسوشييتد برس” من دخول البيت الأبيض، لأنها لم تغيّر اسم الخليج. وقرر إعادة تسمية جبل ماكينلي، في إشارة إلى أنه الوحيد القادر على إملاء الهوية التاريخية والثقافية للأمة. وزاد في مطالبته بضمّ كندا كولاية أميركية وشراء غرينلاند، وفي وهمه أن البلد الشاسع ليس سوى ملكية عقارية يمكن شراؤها وبيعها.

لكن محاولته الأكثر إثارة للقلق لإعادة تشكيل الواقع، تمثّلت في إصدار مرسوم رئاسي يقرّ بأن “هناك جنسين فقط، الذكر والأنثى”، وهو اعتداء مباشر على الحقيقة العلمية، وسعي متعمّد إلى إلغاء الاعتراف بالمتحوّلين جنسياً في السياسات العامة والتشريعات. لم يكن هذا مجرد خطاب سياسي محافظ، بل كان فرضاً لأيديولوجيا الدولة بقوة السلطة، وهي سمة جوهرية للأنظمة الاستبدادية التي تسعى إلى إملاء الحقيقة بالقوة، بدلاً من الاعتراف بالوقائع.

وفي تأكيد فوري لهيمنته، أصدر ترامب في يومه الأول في الحكم 26 أمراً تنفيذياً، متجاوزاً بذلك أي رئيس أميركي آخر. وكان من بين هذه الأوامر محاولة لإعادة كتابة التعديل الرابع عشر للدستور، وهو انتهاك صارخ لقسمه بالحفاظ على الدستور وحمايته والدفاع عنه. كشف هذا الإجراء بوضوح عن استخفافه التام بالقيود القانونية، إذ إن تعديل الدستور يستلزم موافقة الكونغرس والولايات، ولا يمكن أن يجري بقرار رئاسي منفرد.

الترامبية كتهديد للديمقراطية  

في كتاب جديد صدر مؤخراً لثلاثة من علماء السياسة الأميركيين (إريكا فرانتز، وأندريا كندل- تايلور، وجو رايت) يقدّم الكتّاب الثلاثة نظرية جديدة عن تحوّل الأحزاب السياسية المتمحورة حول هدف سياسي، إلى أحزاب شخصانية، تتمحور حول فرد واحد. الكتاب “أصول الرجال الأقوياء المنتخبين”، يرسم اتجاهاً عالمياً نحو الأحزاب الشخصانية، حيث تتحوّل التنظيمات السياسية إلى أدوات لزعيم واحد، بدلاً من كونها مؤسسات أيديولوجية ذات ضوابط مؤسسية. وقد جسّد الحزب الجمهوري تحت قيادة ترامب هذا الاتجاه، حيث بات الولاء للقائد يتفوّق على القيود المؤسسية، وأصبحت المعارضة الداخلية تُقمع بشكل منهجي، مما أدى إلى تفكيك الحواجز الديمقراطية.  

لم يعد الحزب الجمهوري كما كان قبل ترأمب. فبينما ركّز القادة الجمهوريون السابقون على السياسات المحافظة التقليدية، أعاد ترامب تشكيل الحزب ليصبح أداة تخدم أجندته الشخصية، حيث بات الولاء له يتفوّق على الالتزام بالأيديولوجيا. 

في 7 آب/ أغسطس 1974، توجّه السيناتور باري غولدووتر؛ ضمير الحزب الجمهوري في ذلك الوقت، برفقة زعيم الجمهوريين في مجلس النواب جون رودس، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ هيو سكوت، من مبنى الكابيتول إلى البيت الأبيض لإبلاغ الرئيس ريتشارد نيكسون بأن مسيرته الرئاسية قد انتهت. لم يأبه قادة الحزب الجمهوري وقتها بشعبية نيكسون الواسعة، وبكونه فاز بالرئاسة مرتين، آخرهما قبل عام واحد فقط، بانتصار ساحق حصد فيه 49 ولاية. وفيما بعد، كتب غولدووتر في مذكراته أن نيكسون “كان يعلم، من دون أدنى شك، أن رئاسته قد انتهت، بطريقة أو بأخرى. لم يكن لدينا شك في النتيجة. كان سيستقيل”. وبالفعل، في التاسع من آب/ أغسطس، كتب نيكسون رسالة قصيرة من جملة واحدة: “أقدّم بموجب هذا استقالتي من منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية”.

أما حين أصدرت هيئة المحلفين حكمها في قضية ولاية نيويورك ضد دونالد ترامب، مُدينة إياه بـ 34 تهمة جنائية، تتعلّق بتزوير سجلات تجارية للتستّر على دفع أموال، صمت بهدف إخفاء فضائحه الجنسية غير المشروعة، لضمان فوزه بالانتخابات، سارع القادة الجمهوريون إلى إصدار بيانات دعم معدّة سلفاً، وشنّوا هجوماً على النظام القضائي، وسوّقوا ترامب باعتباره ضحية للاضطهاد السياسي. قادة بارزون مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، رفضوا شرعية المحاكمة، حتى إن جونسون أشار إلى أن المحكمة العليا قد تتدخّل لإلغاء الحكم. وهكذا، تحوّل الحزب الجمهوري إلى حزب شخصاني، باتت فيه الطاعة العمياء لترامب تتفوّق على أي اعتبار قانوني أو أخلاقي. 

إن فشل الحزب في التصدّي لإنكار الانتخابات والخطاب الاستبدادي، يشير إلى أن الترامبية لم تعد مجرد توجّه عابر، بل أصبحت إحدى السمات الأساسية للمحافظين الأميركيين المعاصرين.  

في كتابها شركة الاستبداد: الطغاة الذين يريدون حكم العالم، تجادل آن أبلباوم في أن العالم يشهد انقساماً متزايداً بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، حيث تعمل أنظمة مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، كأنظمة نهب سياسي (kleptocracies) تسخّر السلطة والثروة لخدمة بقائها. ولكن المؤلّفة ترى الخطر الأكبر في حالة التراخي واللامبالاة، التي تتّسم بها المجتمعات الديمقراطية، والتي غالباً ما تعجز عن إدراك هذه التدخلات أو التصدّي لها. وتضيف أن التهديد لا يقتصر على الخارج، إذ تنبثق داخل الديمقراطيات ذاتها – بما فيها الولايات المتحدة – حركات تسعى لفرض نماذج سلطوية على النظام القائم. 

حتى لو ذهب ترامب فالترامبية لن تختفي  

باختصار، الترامبية ليست حالة فريدة، بل جزء من موجة عالمية من التراجع الديمقراطي. فمثلما استمرّت الشعبوية الاستبدادية في هنغاريا بعد أوربان، وفي فنزويلا بعد شافيز، ستظل الترامبية قائمة، لأن العوامل التي ساعدت على صعودها؛ كالتشكيك في المؤسسات، والشعبوية القومية، والاستياء الثقافي، لا تزال تحرّك السياسة الأميركية، وبالتالي، من غير المرجح أن تختفي الترامبية بسهولة.  

عقد الكثير آمالاً عريضة على أن خسارة ترامب في الانتخابات ستكون خاتمة المطاف له وللترامبية. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، وتحوّلت الترامبية من مجرد حملة انتخابية إلى حركة أيديولوجية متجذّرة اجتماعياً ومؤسسياً.  

لم تعد الترامبية مجرد انزياح تاريخي لمرة واحدة، فإن قاعدة ترامب، المكوّنة بشكل أساسي من البيض من غير ذوي التحصيل العلمي والناخبين المحبطين من العولمة، لم تتراجع، بل ترسّخت أكثر. ونجح ترامب، الذي استغلّ مشاعر السخط الاقتصادي، ومعاداة النخب والمظلومية الثقافية، في بناء حركة شعبوية قادرة على الاستمرار حتى بعد مغادرته المشهد السياسي، مما يفتح الباب أمام قادة مثل جي دي فانس أو رون دي سانتيس لمواصلة مسيرتهم.

22.02.2025
زمن القراءة: 9 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية