“اليوم لدينا خبرٌ سار، وهو سيطرة قواتنا على مدينة معرة النعمان ذات الأهمية على الطريق الدولي M5 (حلب – دمشق) وجزء من الطريق الدولي M4 (حلب – اللاذقية…”، بهذه الكلمات، بدأ بشار الجعفري، سفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة، كلمته خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي قبل عدّة أيام.
اعتبر الجعفري في كلمته أنه يبقى أمام قوات النظام السيطرة على “سراقب وأريحا” من أجل فتح مطار حلب الدولي، يعني إلغاء الحاجة إلى المساعدات الإنسانية عبر الحدود وبالتالي إيصالها عن طريق هذا المطار الذي يديره النظام الذي يحتكر وحده السيطرة على المساعدات.
كانت كلمة “الجعفري” تعبّر عن جزء صغير من الفوائد التي يسعى النظام السوري إلى تحقيقها، من خلال إحكام قبضته على “الطرق الدولية” والتي تربط مدينة حلب بدمشق واللاذقية والحسكة وإدلب، إذ أن إحكام السيطرة على هذه الطرق سوف يمكّن النظام السوري وحليفه الروسي من عزل المدن السورية الخارجة عن سيطرته وإطباق الحصار الكامل عليها، وتمكنه من التحكّم بالحركة التجارية ونقل المعدّات العسكرية، ولا ينتهي الأمر عند سهولة الوصول إلى المعابر الحدودية من خلال هذه الطرق الدولية.
إبادة إدلب لكسب “الأوتسترادات”
اضطر أحمد جزماتي، أحد سكّان مدينة معرّة النعمان إلى مغادرة منزله إلى غير رجعة. وأحمد أب لخمسة أولاد ولكنّه هرب بأربعة منهم فقط، إذ أن أحد أولاده قُتل خلال غارة جوية على المدينة، وذلك ضمن حملة النظام على معرة النعمان، للسيطرة على طريق M5. يقول جزماتي لـ “درج”، “خرجت من معرة النعمان دون أحد أولادي، ودون أن أحمل أي من أمتعة منزلي، مشيًا على الأقدام لمدّة ستة ساعات مع أسرتي حتّى وجدت شاحنة لتنقله إلى المخيّمات الحدودية بين سوريا وتركيا”.
حالياً، كل ما حصل عليه أحمد هو خيمة مساحتها لا تتجاوز ثلاثة أمتار باتت هي المأوى الوحيد له ولأسرته بعد أن خسروا منزلهم إلى غير رجعة.
على غرار أحمد، نزح من معرة النعمان وحدها نحو 300 ألف مدني في معركة السيطرة على طريق M5. من أبرز أهداف معركة إدلب المستمرة منذ أسابيع، السيطرة على الطريق الدولي M5 الذي يربط حلب بدمشق، وقد كانت قوات النظام السوري قد هجّرت معظم أهالي مدينة خان شيخون المشرفة على هذا الطريق، وأبادت المدينة للتوغّل أكثر فيها.
في الأيام الأخيرة اشتدّ القصف، إذ هجّرت قوات النظام والقوات الروسية الحليفة مئات الآلاف من مدينة معرّة النعمان، التي تشرف أيضًا على ذات الطريق (M5)، في سبيل قضم مساحات أكثر. في المقابل، تتخوّف منظمات حقوقية من اتجاه قوات النظام إلى مدينتي “سراقب وأريحا” اللتين تُشرفان على ذات الطريق، وبالتالي قتل وتهجير مزيد من المدنيين.
يقول وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، مارك لوكوك: “إن القتال في معرة النعمان وسراقب وغرب حلب، كان أشد من أي شيء رأيناه في العام الماضي”.
ووصف لوكوك، الوضع الإنساني بـ”المتدهور”، ويؤثّر على النساء والأطفال في شمال غربي سوريا.
كما أكّد أن التقارير الأكثر إثارة للقلق التي وردت من جنوبي إدلب تدق ناقوس الخطر، بعد مئات الغارات الجوية التي شنتها الحكومة السورية وحلفاؤها عليها.
اتفاق سوتشي غير المطبّق
في سبتمبر / أيلول من عام 2018 توصّل الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، إلى اتفاقٍ في مدينة سوتشي الساحلية الروسية، يتكوّن من عشرة بنود، تنص على وقف إطلاق النار، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، ونشر نقاط مراقبة روسية تركية لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
ولكن منذ ذلك الاتفاق وحتّى الآن، نزح 1.6 مليون مدني من منزله، من أرياف حماة وإدلب، وذلك خلال خمس حملات عسكرية، شنّتها قوات النظام وروسيا، منذ الاتفاق الروسي – التركي في “سوتشي” وحتّى الآن.
كما قُتل خلال هذه الفترة، 1992 شخصًا، بينهم 549 طفلًا، جراء الحملات الخمس فضلاً عن دمارٍ مادي في البنى التحتية، وصلت خسائره إلى مليارات الدولارات، وذلك بحسب فريق “منسقو الاستجابة” الإحصائي.
ويظهر من خلال الإحصائية، أن الضامن الروسي، شارك قوات النظام بانتهاك الاتفاق الذي هو مراقب له، كما أن الضامن التركي لم يحرّك ساكنًا إزاء المحرقة التي ارتُكبت بحق المدنيين في إدلب وحماة.
ولكن بالعودة إلى اتفاق “سوتشي” فإنّه ينص في البند رقم 8، على “استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018، أي أن الطريقين الاستراتيجيين، يجب أن يكونا آمنين دون قتال، وتُنشر فيهما دوريات تركية وروسيا لضمان الحركة التجارية.
ولكن كحال وقف العمليات العسكرية، لم يلتزم نظام الأسد بتنفيذ هذا الاتفاق، ولم تحرّك روسيا أو تركيا ساكنًا إزاء انتهاكه، حيث سيطر النظام حتّى الآن على مساحات واسعة من الطريق في ريف حماة وخان شيخون ومعرة النعمان، في حين يعمل الآن على إكمال المعارك للسيطرة على بقية الطريق من جهة سراقب وأريحا.
طريق M4 بيد النظام بتسهيل تركي
تم إنشاء طريق M4 في عام 1950 بطول 450 كيلومترا، لربط المنطقة الشمالية والشرقية بالمنطقة الغربية والساحلية.
ويبدأ الطريق من معبر اليعربية الواقع على الحدود السورية – العراقية في محافظة الحسكة، ويتّجه غربًا بمحاذاة مدينة القامشلي ثم يمر من ريف الرقة إلى محافظة حلب، ثم إلى سراقب وأريحا ومدينة إدلب ثم محافظة اللاذقية، أي أن هذا الطريق يربط أربع محافظات سورية، كما أنه يلتقي مع الطريق الدولي M5 في مدينة سراقب ويتقاطع معه.
وبسبب أهمية هذا الطريق، تسعى قوات النظام حاليًا إلى خوض أكبر معاركها من أجل إكمال السيطرة على الطريق M4
في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، شنّت تركيا عملية “نبع السلام” على الحدود السورية – التركية من أجل “طرد وحدات حماية الشعب” من المناطق الحدودية.
خلال هذه العملية سيطر “الجيش الوطني” المتحالف مع تركيا، على الطريق M4 من جهة محافظتي الرقة والحسكة، حيث قطعت جزءًا من الطريق، بعد معارك مع “وحدات حماية الشعب” والوصول إلى هذا الطريق.
وحينها، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن قواتها سيطرت على الطريق السريع M4 الواقع على مسافة تتراوح بين 30 و35 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
ولكن في الثاني عشر من ديسمبر / كانون الأول، قامت قوات “الجيش الوطني” المتحالفة مع تركيا، بتسليم الطريق إلى النظام السوري دون قتال.
وبحسب معلومات لـ”درج” فإن فصائل “الجيش الوطني” انسحبت من الطريق دون قتال، في حين قامت قوات النظام السوري بفتح الطريق أمام الحركة التجارية.