fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

الأسود: رحلة إلى ما وراء الضوء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدا لي وكأن اللون يتحوّل إلى كيان مستقل، له إرادة ورغبة. الأسود في الأزياء، في الاحتجاجات، في الشعارات، ليس مجرد لون، إنه لغة غير منطوقة، صرخة مكتومة ضد العالم. شعرت وكأن كل قطعة ملابس سوداء ارتديتها في حياتي، تحمل في طيّاتها رسالة لم أكن أدركها تماماً، لكنها كانت دائماً هناك، تنتظر أن تُقرأ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


في عالم مُشبع بالضوء، حيث تعكس الألوان الأخرى حضوره وتُجسّد هيمنته، يبقى الأسود هامشاً غريباً، يحمل في صمته سؤالاً غامضاً: ماذا لو كان الفراغ أكثر من مجرد غياب؟ 

التقطت يداي كتاباً لونه أسود وعنوانه: “الأسود: فلسفة اللالون” للكاتب آلان باديو. تساءلت عما يحمل في طيّاته، وماذا يمكن أن يُكتب عن لون يمتد في صمت كئيب بين طيّات 110 صفحات؟ ما هو “الأسود”؟ هل هو ذلك الفراغ الذي يحجب الضوء، ولا يحمل في ذاته أي عمق سوى غياب النور؟ هل هذا هو جوهره الحقيقي؟ هذه الأسئلة يطرحها باديو بطريقة غير تقليدية، ويأخذنا في كتابه إلى رحلة جديدة في فهم هذا اللون، مغيّراً من صورتنا عنه، ومقدّماً لنا رؤى تتجاوز الأسطح، إلى أعماق فلسفية وجمالية لم نلتفت إليها من قبل.

الأسود: الضوء الغائب أو الوجود الحاضر؟

في هذا الكتاب، يتأمّل باديو في التناقض الذي يحمله اللون الأسود، ذلك الذي يرتبط في العديد من الثقافات بالموت والحداد، لكنه الذي يُستخدم أيضاً كرمز للأناقة والعمق في عالم الفنون والتصميم. إنه لون يحمل العديد من الوجوه، وكل واحد منها يتطلّب منا قراءة جديدة لاكتشاف معانيه العميقة. هل هو مجرد غياب للضوء؟ أم أن هناك حضوراً ما يكمن في هذا الظلام؟ هنا يعيد باديو تسليط الضوء على هذه الثنائية، ليقدّم لنا تفسيرات فلسفية جديدة للون الأسود الذي قد نراه في البداية مجرد غياب، ليكشف لنا لاحقاً أنه ليس غياباً بل حضور بكامل معانيه.

تجربة شخصية: حيث يلتقي الظلام بالراحة

يبدأ باديو كتابه بمشاركة تجربة شخصية خلال خدمته العسكرية. كان قد كُلّف بإطفاء الموقد وإطفاء الأنوار، مُتأملاً في الظلام الذي ينزل على الجنود كنوع من الراحة. يعبّر عن هذه التجربة بتعبير عميق؛ حيث يصف الظلام بـ “السواد الجليدي”، ما يعكس التوتر بين الراحة والخوف، بين الأمان والفزع. في هذه اللحظة، نجد الظلام ليس مجرد غياب، بل هو نوع من الحضور الذي يأخذ شكل الراحة، وتبدأ أسئلة حول ما إذا كان الظلام هو المكان الذي يمكن أن نجد فيه هدوءاً حقيقياً؟ أم أنه مجرد تجنّب للواقع؟ 

وصف باديو للظلام أثناء خدمته العسكرية، جعلني أعيش تلك اللحظة كما لو أنها حدثت لي. الظلام هنا ليس مجرد غياب للضوء؛ إنه كيان كامل بحد ذاته، يطوقّك بصمته الجليدي. شعرت وكأنني أحد الجنود، أراقب الموقد وهو يخبو، وأنتظر أن يبتلعني الظلام. في تلك اللحظة، بدا لي أن الظلام ليس مجرد مكان، بل هو شعور، حالة تضعك في مواجهة مباشرة مع نفسك، حيث لا مفرّ من سماع أصداء أفكارك الأكثر غموضاً.

في عالم مُشبع بالضوء، حيث تعكس الألوان الأخرى حضوره وتُجسّد هيمنته، يبقى الأسود هامشاً غريباً، يحمل في صمته سؤالاً غامضاً: ماذا لو كان الفراغ أكثر من مجرد غياب؟ 

الأسود في الفنون: الانعتاق في اللامحدود

عندما تحدّث باديو عن الفن الأسود، شعرت وكأنني أُقاد إلى متاهة لا أبواب لها، كل جدار فيها مطلي بالسواد. الأسود هنا ليس لوناً، بل هو امتداد لشيء أعمق، مساحة تُطلَق فيها الأفكار من أقفاصها. كأن الأسود هو الحبر الذي نكتب به أحلامنا وكوابيسنا معاً، من دون أن نعرف إن كانت ستتحوّل إلى حقائق أم ستظل تائهة في ظلامها. شعرت أن الفنان الذي يرسم بالأسود هو أشبه بشخص يكتب رسالة طويلة لا يُرسلها أبداً، لكنه يدرك أن الكتابة في حد ذاتها هي الحل.

فقد سلّط باديو الضوء على تأثير اللون الأسود في الفنون، وأشار بشكل خاص إلى أعمال الفنان الفرنسي بيير سولاج، الذي كان يستخدم الأسود للتعبير عن اللامحدود، عن تلك المساحات التي لا تُرى ولا تُلمس. كما في فلسفة سولاج، ينقل باديو الفكرة التي تقول إن الأسود رغم كونه غياباً للضوء، فهو في الوقت نفسه، يحمل إمكانيات غير محدودة للإبداع. من خلاله، يُمكن للفنانين أن يعبّروا عن شيء لا يُمكن التعبير عنه بالألوان الأخرى. الأسود هنا ليس غياباً فحسب، بل هو مصدر لاكتشاف الممكن والمستحيل معاً. 

الأسود والوجود: تأمّلات فلسفية في العدم والحضور

باديو يأخذنا أبعد من كونه مجرد لون، ليجعل من الأسود نقطة انطلاق لتأمّلات فلسفية حول الوجود والعدم. في الفكر الفلسفي، يُنظر إلى اللون الأسود غالباً كرمز للغياب أو العدم. لكن باديو، من خلال تسليط الضوء على تجاربه الشخصية وأعمال الفنانين، يُظهر لنا أن الأسود ليس مجرد غياب، بل هو شكل من أشكال الحضور. الأسود لا يغيب عن الوجود، بل يُعيد تعريفه. يُعيد هذا اللون للوجود معناه، ويُعيد التفكير في العلاقة بين الظلام والنور، والوجود والعدم، والصمت والكلام. الفكرة التي تبدو في البداية بسيطة، مثل “غياب الضوء”، وتتحول تدريجياً إلى شيء ضخم، مربك، لكنه مألوف بشكل مقلق. الأسود هنا ليس فقط غياباً، بل هو الحضور الذي لا يمكن تجنّبه. وكأننا جميعاً نسير في هذا العالم حاملين ظلالنا معنا، نتجاهلها لكنها دائماً هناك، تذكّرنا بحقيقتنا. شعرت أن الأسود، كما يصفه باديو، هو ذلك الحضور الثقيل الذي يجعلنا ندرك أن الغياب في حد ذاته جزء لا يتجزأ من وجودنا.

الأسود في الثقافة والسياسة: رمزية التمرّد والانفصال

كما هو الحال في الفنون والفلسفة، يتناول باديو أيضاً تأثير اللون الأسود في الثقافة والسياسة. في هذه الفقرة من الكتاب، يعرض كيف يستخدم الناس اللون الأسود في الأزياء أو الرموز السياسية، كإشارة إلى التمرّد أو الانفصال عن السائد. سواء كان ذلك في احتجاجات أو في الحياة اليومية، يبقى الأسود لوناً ذا دلالة قوية. يعكس هذا التناقض ما يمرّ به الفرد في عالم يتّسم بالضغوط الاجتماعية والسياسية. الأسود يُستخدم هنا كأداة تعبير عن رفض الواقع، أو محاولة لإعادة تعريف الهوية. 

بدا لي وكأن اللون يتحوّل إلى كيان مستقل، له إرادة ورغبة. الأسود في الأزياء، في الاحتجاجات، في الشعارات، ليس مجرد لون، إنه لغة غير منطوقة، صرخة مكتومة ضد العالم. شعرت وكأن كل قطعة ملابس سوداء ارتديتها في حياتي، تحمل في طيّاتها رسالة لم أكن أدركها تماماً، لكنها كانت دائماً هناك، تنتظر أن تُقرأ.

“بين الغياب والحضور: تأملات أخيرة

قراءة هذا الكتاب ليست مجرد محاولة لفهم اللون الأسود. إنها أشبه بدخول عالم كافكاوي ممتلئ بالرموز والمتاهات، حيث الأسود ليس غياباً، بل حضور كامل، مشحون بكل المعاني التي نبحث عنها في أعماقنا، ولا نجدها إلا حين نسمح للظلام أن يُحيط بنا. من خلاله أيضاً، استمر آلان باديو، المعروف بقدرته على التشكيك في المُسلّمات، في استكشافه الفلسفي للمفاهيم البسيطة بطريقة عميقة وغير مألوفة. ما لفت انتباهي تنقّله السلس بين الفلسفة والأدب والفنون، حيث تبدو هذه العوالم بالنسبة له بلا حدود. 

لم أخرج من الكتاب بإجابات، بل بأسئلة جديدة. الأسود، في فلسفة باديو، لم يعد بالنسبة لي مجرد لون، إنه عالم كامل من التناقضات، حضور وغياب، حياة وموت، وضوء لا يُرى. وكأن باديو يقول لنا: الأسود ليس النهاية، بل البداية التي لا نجرؤ على مواجهتها.

17.02.2025
زمن القراءة: 5 minutes

بدا لي وكأن اللون يتحوّل إلى كيان مستقل، له إرادة ورغبة. الأسود في الأزياء، في الاحتجاجات، في الشعارات، ليس مجرد لون، إنه لغة غير منطوقة، صرخة مكتومة ضد العالم. شعرت وكأن كل قطعة ملابس سوداء ارتديتها في حياتي، تحمل في طيّاتها رسالة لم أكن أدركها تماماً، لكنها كانت دائماً هناك، تنتظر أن تُقرأ.


في عالم مُشبع بالضوء، حيث تعكس الألوان الأخرى حضوره وتُجسّد هيمنته، يبقى الأسود هامشاً غريباً، يحمل في صمته سؤالاً غامضاً: ماذا لو كان الفراغ أكثر من مجرد غياب؟ 

التقطت يداي كتاباً لونه أسود وعنوانه: “الأسود: فلسفة اللالون” للكاتب آلان باديو. تساءلت عما يحمل في طيّاته، وماذا يمكن أن يُكتب عن لون يمتد في صمت كئيب بين طيّات 110 صفحات؟ ما هو “الأسود”؟ هل هو ذلك الفراغ الذي يحجب الضوء، ولا يحمل في ذاته أي عمق سوى غياب النور؟ هل هذا هو جوهره الحقيقي؟ هذه الأسئلة يطرحها باديو بطريقة غير تقليدية، ويأخذنا في كتابه إلى رحلة جديدة في فهم هذا اللون، مغيّراً من صورتنا عنه، ومقدّماً لنا رؤى تتجاوز الأسطح، إلى أعماق فلسفية وجمالية لم نلتفت إليها من قبل.

الأسود: الضوء الغائب أو الوجود الحاضر؟

في هذا الكتاب، يتأمّل باديو في التناقض الذي يحمله اللون الأسود، ذلك الذي يرتبط في العديد من الثقافات بالموت والحداد، لكنه الذي يُستخدم أيضاً كرمز للأناقة والعمق في عالم الفنون والتصميم. إنه لون يحمل العديد من الوجوه، وكل واحد منها يتطلّب منا قراءة جديدة لاكتشاف معانيه العميقة. هل هو مجرد غياب للضوء؟ أم أن هناك حضوراً ما يكمن في هذا الظلام؟ هنا يعيد باديو تسليط الضوء على هذه الثنائية، ليقدّم لنا تفسيرات فلسفية جديدة للون الأسود الذي قد نراه في البداية مجرد غياب، ليكشف لنا لاحقاً أنه ليس غياباً بل حضور بكامل معانيه.

تجربة شخصية: حيث يلتقي الظلام بالراحة

يبدأ باديو كتابه بمشاركة تجربة شخصية خلال خدمته العسكرية. كان قد كُلّف بإطفاء الموقد وإطفاء الأنوار، مُتأملاً في الظلام الذي ينزل على الجنود كنوع من الراحة. يعبّر عن هذه التجربة بتعبير عميق؛ حيث يصف الظلام بـ “السواد الجليدي”، ما يعكس التوتر بين الراحة والخوف، بين الأمان والفزع. في هذه اللحظة، نجد الظلام ليس مجرد غياب، بل هو نوع من الحضور الذي يأخذ شكل الراحة، وتبدأ أسئلة حول ما إذا كان الظلام هو المكان الذي يمكن أن نجد فيه هدوءاً حقيقياً؟ أم أنه مجرد تجنّب للواقع؟ 

وصف باديو للظلام أثناء خدمته العسكرية، جعلني أعيش تلك اللحظة كما لو أنها حدثت لي. الظلام هنا ليس مجرد غياب للضوء؛ إنه كيان كامل بحد ذاته، يطوقّك بصمته الجليدي. شعرت وكأنني أحد الجنود، أراقب الموقد وهو يخبو، وأنتظر أن يبتلعني الظلام. في تلك اللحظة، بدا لي أن الظلام ليس مجرد مكان، بل هو شعور، حالة تضعك في مواجهة مباشرة مع نفسك، حيث لا مفرّ من سماع أصداء أفكارك الأكثر غموضاً.

في عالم مُشبع بالضوء، حيث تعكس الألوان الأخرى حضوره وتُجسّد هيمنته، يبقى الأسود هامشاً غريباً، يحمل في صمته سؤالاً غامضاً: ماذا لو كان الفراغ أكثر من مجرد غياب؟ 

الأسود في الفنون: الانعتاق في اللامحدود

عندما تحدّث باديو عن الفن الأسود، شعرت وكأنني أُقاد إلى متاهة لا أبواب لها، كل جدار فيها مطلي بالسواد. الأسود هنا ليس لوناً، بل هو امتداد لشيء أعمق، مساحة تُطلَق فيها الأفكار من أقفاصها. كأن الأسود هو الحبر الذي نكتب به أحلامنا وكوابيسنا معاً، من دون أن نعرف إن كانت ستتحوّل إلى حقائق أم ستظل تائهة في ظلامها. شعرت أن الفنان الذي يرسم بالأسود هو أشبه بشخص يكتب رسالة طويلة لا يُرسلها أبداً، لكنه يدرك أن الكتابة في حد ذاتها هي الحل.

فقد سلّط باديو الضوء على تأثير اللون الأسود في الفنون، وأشار بشكل خاص إلى أعمال الفنان الفرنسي بيير سولاج، الذي كان يستخدم الأسود للتعبير عن اللامحدود، عن تلك المساحات التي لا تُرى ولا تُلمس. كما في فلسفة سولاج، ينقل باديو الفكرة التي تقول إن الأسود رغم كونه غياباً للضوء، فهو في الوقت نفسه، يحمل إمكانيات غير محدودة للإبداع. من خلاله، يُمكن للفنانين أن يعبّروا عن شيء لا يُمكن التعبير عنه بالألوان الأخرى. الأسود هنا ليس غياباً فحسب، بل هو مصدر لاكتشاف الممكن والمستحيل معاً. 

الأسود والوجود: تأمّلات فلسفية في العدم والحضور

باديو يأخذنا أبعد من كونه مجرد لون، ليجعل من الأسود نقطة انطلاق لتأمّلات فلسفية حول الوجود والعدم. في الفكر الفلسفي، يُنظر إلى اللون الأسود غالباً كرمز للغياب أو العدم. لكن باديو، من خلال تسليط الضوء على تجاربه الشخصية وأعمال الفنانين، يُظهر لنا أن الأسود ليس مجرد غياب، بل هو شكل من أشكال الحضور. الأسود لا يغيب عن الوجود، بل يُعيد تعريفه. يُعيد هذا اللون للوجود معناه، ويُعيد التفكير في العلاقة بين الظلام والنور، والوجود والعدم، والصمت والكلام. الفكرة التي تبدو في البداية بسيطة، مثل “غياب الضوء”، وتتحول تدريجياً إلى شيء ضخم، مربك، لكنه مألوف بشكل مقلق. الأسود هنا ليس فقط غياباً، بل هو الحضور الذي لا يمكن تجنّبه. وكأننا جميعاً نسير في هذا العالم حاملين ظلالنا معنا، نتجاهلها لكنها دائماً هناك، تذكّرنا بحقيقتنا. شعرت أن الأسود، كما يصفه باديو، هو ذلك الحضور الثقيل الذي يجعلنا ندرك أن الغياب في حد ذاته جزء لا يتجزأ من وجودنا.

الأسود في الثقافة والسياسة: رمزية التمرّد والانفصال

كما هو الحال في الفنون والفلسفة، يتناول باديو أيضاً تأثير اللون الأسود في الثقافة والسياسة. في هذه الفقرة من الكتاب، يعرض كيف يستخدم الناس اللون الأسود في الأزياء أو الرموز السياسية، كإشارة إلى التمرّد أو الانفصال عن السائد. سواء كان ذلك في احتجاجات أو في الحياة اليومية، يبقى الأسود لوناً ذا دلالة قوية. يعكس هذا التناقض ما يمرّ به الفرد في عالم يتّسم بالضغوط الاجتماعية والسياسية. الأسود يُستخدم هنا كأداة تعبير عن رفض الواقع، أو محاولة لإعادة تعريف الهوية. 

بدا لي وكأن اللون يتحوّل إلى كيان مستقل، له إرادة ورغبة. الأسود في الأزياء، في الاحتجاجات، في الشعارات، ليس مجرد لون، إنه لغة غير منطوقة، صرخة مكتومة ضد العالم. شعرت وكأن كل قطعة ملابس سوداء ارتديتها في حياتي، تحمل في طيّاتها رسالة لم أكن أدركها تماماً، لكنها كانت دائماً هناك، تنتظر أن تُقرأ.

“بين الغياب والحضور: تأملات أخيرة

قراءة هذا الكتاب ليست مجرد محاولة لفهم اللون الأسود. إنها أشبه بدخول عالم كافكاوي ممتلئ بالرموز والمتاهات، حيث الأسود ليس غياباً، بل حضور كامل، مشحون بكل المعاني التي نبحث عنها في أعماقنا، ولا نجدها إلا حين نسمح للظلام أن يُحيط بنا. من خلاله أيضاً، استمر آلان باديو، المعروف بقدرته على التشكيك في المُسلّمات، في استكشافه الفلسفي للمفاهيم البسيطة بطريقة عميقة وغير مألوفة. ما لفت انتباهي تنقّله السلس بين الفلسفة والأدب والفنون، حيث تبدو هذه العوالم بالنسبة له بلا حدود. 

لم أخرج من الكتاب بإجابات، بل بأسئلة جديدة. الأسود، في فلسفة باديو، لم يعد بالنسبة لي مجرد لون، إنه عالم كامل من التناقضات، حضور وغياب، حياة وموت، وضوء لا يُرى. وكأن باديو يقول لنا: الأسود ليس النهاية، بل البداية التي لا نجرؤ على مواجهتها.