لم يزر شامان، الرجل الأفغاني ذو الأربعين عاماً، عاصمة بلاده كابول منذ ما يزيد على تسع سنوات، فزيارته الأخيرة كانت عام 2012، تفقد خلالها أهله وأصدقاءه، ولم يتوقع أن تتغير الأحداث السياسية والأمنية إلى ما هي عليه الآن. شامان، هو اسم مستعار وضعه خلال حديثه معنا خوفاً على ذويه من الملاحقة، في حال التعرف إلى اسمه الحقيقي عبر وسائل الإعلام، لا سيما أنه من الشيعة الهزارة، الأقلية الدينية الافغانية، التي يُخشى على مصيرها في ظلّ حكم “طالبان”.
استقر الحال بشامان في العراق بعدما عزم على إكمال دراسته الدينية في النجف، المركز الديني الأبرز للشيعة الاثني عشرية في العالم والعراق. وهي المدينة التي تحتضن ضريح الإمام الشيعي علي بن أبي طالب، كما يعيش فيها أحد أبرز علماء الشيعة الحاليين، السيد علي السيستاني.
ويقول الشيخ امجد العراقي استاذ العلوم الدينية في العراق، إن العشرات من الجنسية الأفغانية يسكنون في النجف لتلقي الدراسة الدينية واستقروا فيها منذ سنوات.
الأحداث الأخيرة في أفغانستان، كما يقول العراقي، وضعت الأقليات الدينية تحت منظار “طالبان” وأي توجه أو حركة قد يؤدي إلى ردّ فعل عكسي من طالبان، وهذا يناقشه الطلبة الأفغانيون هنا، ويجعلهم متخوفين من العودة إلى بلادهم، لعدم اطمئنانهم إلى ما ينتظرهم هناك.
الشيعة في أفغانستان لا يشكلون سوى 20 في المئة من العدد الإجمالي للسكان البالغ 38 مليون نسمة وتعرضوا للتهميش على مر السنين، كونهم من الأقليات
وعلى رغم قلقه الشديد على أهله الذين يسكنون العاصمة كابول، من أن يتعرضوا لمضايقات كونهم من الطائفة الشيعية، إلا أن الأخبار التي يتتبعها شامان باستمرار عبر اتصالاته الهاتفية وبشكل يومي تطمئنه الى حد ما، فسياسة “طالبان” الجديدة مع الأقليات الدينية تعطي أفرادها حرية ممارسة طقوسهم، بحسب قوله وعدم التعرض لهم. ويرى في ذلك خطوة “ذكية”، لكن غير مضمونة، من الحركة المتشددة لإظهار صورة مختلفة في هذه المرحلة الجديدة، وإن كانت الحركة لم تتغير فعلياً في الكثير من ممارساتها، كما بيّنت الأيام القليلة التي تلت الانسحاب الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بإعطاء النساء حقوقهن بالعمل والدراسة والانخراط في المجتمع والشأن العام.
شيعة الهزارة يتركّز عدد كبير منهم في مدينتي باميان ودايكندي ويتجاوز عددهم 800 ألف نسمة. لم يملكوا مقاومة مسلحة ضد حركة “طالبان” إثر دخولها العاصمة وتطويق مدنهم، بسبب عدم توفر السلاح والإمكانات، كما يقول شامان. لكنه يؤكد أن “عدم الارتياح لا يزال يدور في نفوس الناس” بحسب ما نقله أصدقاؤه إليه، “فالخوف يتنامى أكثر عندما تزداد قوة طالبان في الحكم فلا يُستبعد أن تتغير آراؤهم السياسية والدينية تجاه الأقليات والمكونات، ما يعرّض جميع من يخالفون طالبان الرأي والمعتقد لخطر النزوح أو القتل والتغييب”.
محمدي وهو طالب آخر في مجال العلوم الدينية في مدينة النجف لم يرغب في ذكر اسمه الحقيقي ايضاً، يساوره القلق بشدة، “فلا أمل يلوح في الأفق” على حد قوله، منذ سيطرة “طالبان” على البلاد. يتّصل يومياً بأهله وأقربائه، يتفقدهم ويحاول معهم إيجاد مهرب للخروج من أفغانستان والمجيء إلى العراق أو إيران، فـ”حركة طالبان” لا يمكن الوثوق بها حتى وإن أعلنت العفو العام عن الجميع، لا سيما أن مواقفها التكفيرية السابقة معروفة ضد الشيعة الهزارة.
الشيعة في أفغانستان لا يشكلون سوى 20 في المئة من العدد الإجمالي للسكان البالغ 38 مليون نسمة وتعرضوا للتهميش على مر السنين، كونهم من الأقليات، إلا أن دخول القوات الأميركية عام 2001 وتغيير نظام الحكم، أتاحا لهم فسحة من التعبير عن الرأي وممارسة المعتقد الديني، لكنها لم تستمر سوى لعشرين عاماً وها هم مهددون اليوم بخسارة هذه “الامتيازات”.
إقرأوا أيضاً:
الأفغان الموجودون في العراق لا يشكلون سوى أعداد بسيطة، مقارنة بالجنسيات الأخرى من الإيرانيين واللبنانيين والباكستانيين، فمعظم الأفغان حضروا إلى العراق من أجل الدراسة الدينية ويمتلك بعضهم أعمالاً حرة في المراكز التجارية. وهناك من استقروا منذ سنوات مع عائلاتهم، فيما يعيش آخرون بمفردهم، وعادة ما يقطن الطلبة الأفغان بالقرب من المرجع الديني في النجف الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو أفغاني، يساعدهم بتقديم بعض المعونات المالية والمساعدات التي تسمح بتسيير حياتهم في العراق، ويعد الفياض واحداً من أكبر المرجعيات الدينية في النجف بعد المرجع علي السيستاني والشيخ بشير النجفي.
وأعلنت “منظمة العفو الدولية” في آب/ أغسطس الماضي، أن تسعة رجال من الهزارة الشيعة قُتلوا بعد سيطرة “طالبان” على ولاية غزني في أفغانستان، منهم ستة تمت تصفيتهم بالرصاص، فيما تعرض ثلاثة للتعذيب حتى الموت.
وتشير المنظمة إلى احتمال أن تكون عمليات القتل المروّعة جزءاً ضئيلاً من إجمالي الذين تسببت “طالبان” بمقتلهم، ودعت المنظمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى قرار طارئ يطالب به الحركة باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان وضمان سلامة جميع الافغان بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو معتقداتهم الدينية.
إقرأوا أيضاً: