معظمنا على دراية بالاختلافات الجينية بين الرجال والنساء. فأجساد الرجال تحتوي على صِبْغِيَّات (كروموسومات) الجِنْسِيَّ X وY، بينما أجساد النساء تحتوي على عدد اثنين من الكروموسومات.X ويعلم الجميع أن الجينات المرتبطة بهذه الكروموسومات تعمل بشكل مختلف داخل أجساد الرجال عنها في أجساد النساء.
ولكن هناك ورقة بحثية حديثة، تزعم أنه بعيداً عن الجينات المرتبطة بالكروموسومات X وY، فإن ثلث الجينوم (المحتوى الوراثي) بالكامل، يعمل في أجساد الرجال بشكل يختلف تماماً عما هو عليه في أجساد النساء.
تضع هذه البيانات الجديدة العلم والطب أمام تحدياتٍ جديدة، وربما قد يصل الأمر حتى إلى مسألة المساواة بين الجنسين.
المحتوى الوراثي (الجينوم) البشري
من الناحية العملية، تحتوي أجساد الرجال والنساء على عدد المجموعات الجينية نفسه، ويصل عددها إلى نحو 20 ألف جين. الفارق المادي الوحيد الملموس في تكوينهم الجيني يظهر في الكروموسومات المرتبطة بالنوع. فالذكور وحدهم من يمتلكون الكرموسوم Y، وعلى الرغم من تواجد الكرموسومX في كلي الجنسين، فإن هناك نسختين منه لدى الإناث ونسخة واحدة منه فقط لدى الذكور.
يحتوي الكروموسوم Y على 27 جيناً فقط، وأحد هذه الجينات يحتوي على المنطقة المسؤولة عن تحديد نوع الجنس، والتي ينطلق من خلالها المسار الخاص بمجموعة الخلايا داخل الجنين الذي يبلغ عمره 12 أسبوعاً، والتي تتطور في ما بعد لتكون خصيته.
وحتى وقتٍ قريب، رجح الكثيرون أن وجود أو غياب البروتين الخاص بتحديد الجنس SRYهو فقط ما يميز بين الرجال والنساء.
وكما جاء في كتاباتي السابقة، فقد أشرت إلى أن هناك 26 جيناً آخر موجودون على الكرموسوم Y، وربما مئات الجينات الأخرى، أو ما يقارب ذلك على الكرموسوم X، والتي تنشط في شكل جرعتين داخل أجساد النساء، وعلى هيئة جرعة واحدة داخل أجساد الرجال.
وقد افترضت أن هناك بضع مئات من الجينات التي قد تتأثر بشكل مباشر بالكروموسات X أو Y أو بالهرمونات التي تطلقها. ويبدو أنني قد قللت بشكل كبير من قدر الجينات، التي تقع تحت التأثير، وفقاً لما أشارت إليه هذه الورقة البحثية الحديثة.
الجينات والبروتينات والأنسجة
الجينات هي أجزاء ٌمن السلسلة الممتدة للحمض النووي، وتتكون من جزيئات تحتوي على أربع قواعد مختلفة، وتقوم المتواليات الخاصة بهذه القواعد بترميز البروتينات الخاصة بالجسم.
تقوم الجينات الموجودة داخل أجسادنا، والبالغ عددها 20 ألفاً، بمجموعة متنوعة من الوظائف داخل أجسادنا. فالبعض منها مسؤول عن إنتاج الألياف الموجودة في الجلد أو الشعر، والبعض منها مسؤول عن انقباض العضلات، والبعض الآخر مسؤول عن حمل الأوكسجين في الدم. والعديد منها عبارة عن إنزيمات مُحركة للتفاعلات الأساسية المرتبطة بتحويل الطعام لطاقة ونسيج عضلي.
تعمل الجينات من خلال نسخ نفسها لعدة نسخ، تُنسخ متوالية الأساس إلى جزيئات الحمض النووي الريبوزيRNA ، والتي تتفاعل مع الخلايا لإنتاج البروتين. وكلما زاد عدد جزيئات الحمض النووي الريبوزي التي ينتجها الجين، كلما زادت البروتينات المُنتجة.
يمكننا الآن قياس عدد نسخ الحمض النووي الريبوزي التي يستطيع كل جين إنتاجها. فالجين النشط حقاً يمكنه إنتاج آلاف النسخ، بينما الجين الخامل لا يمكنه إنتاج سوى عدد قليل، أو قد لا يستطيع إنتاج أي شيء على الإطلاق.
يسمح تنظيم هذا التخلُق المتعاقب لنشاط الجين بتخصيص مختلف أنسجة الجسم، فالكبد والمخ يتشاركان الجينات نفسها، ولكن كل منهما يعبر عنها بشكل مختلف، إذ تنشط مجموعة فرعية من الجينات في الكبد بينما تنشط مجموعة فرعية مختلفة في المخ.
نشاط الجينات داخل أجساد الرجال والنساء
خلال ورقتهما البحثية الجديدة، سلط جيرشوني وبيتروكوفك، ناشرا الورقة البحثية، الضوء على الكيفية التي تنشط من خلالها الجينات نفسها داخل أجساد الرجال والنساء، إذ قاما بقياس مقدار الحمض النووي الريبوزي المُنتج من خلال 18670 جيناً في أنسجة مختلفة بلغ عددها 53 (45 منها مُشترك بين الجنسين) في عدد 544 من أولئك البالغين، المتبرعين بأجسادهم بعد الوفاة (انقسم العدد إلى 357 رجلاً و187 امرأةً).
توصل الباحثان إلى أن نحو ثلث هذه الجينات (أي ما يزيد على 6500 جين) تعمل بشكل مختلف تماماً في أجساد الرجال عما هو عليه الأمر في أجساد النساء. فبعض من هذه الجينات كان ينشط إما في أجساد الرجال فحسب أو أجساد النساء فحسب، والعديد منها كان ينشط بصورة كبيرة للغاية في أحد الجنسين مقارنةً بالآخر.
والقليل من هذه الجينات أظهرت تحيزاً في نشاطها لأحد الجنسين في كل خلية من خلايا الجسم، كان الأمر الأكثر شيوعاً هو ملاحظة حدوث الاختلاف في واحدة أو عدد قليل من الخلايا. وكانت معظم هذه الجينات من غير المرتبطة بكرموسومات النوع، فالقليل فقط هو ما كان يقع تحت مظلة الكروموسومات إما X أو Y.
إذاً، كيف يمكن لثلث الجينات الموجودة داخل أجسادنا أن يتم التحكم فيها بشكل مختلف في الرجال عما هي عليه عند النساء؟
أصبحنا على دراية الآن بأن البروتينات تعمل داخل شبكات ممتدة، فإذا تغير مقدار البروتين الذي يُنتجه أحد الجينات، فإن هذا يترتب عليه تغير مقدار البروتينات التي تنتجها العديد من الجينات في تلك السلسلة الممتدة من الأوامر.
وأصبحنا نعلم أيضاً أن للهرمونات تأثير كبير على النشاط الجيني. على سبيل المثال، هرمون الذكورة (التستوستيرون) وهرمون الأنوثة (الاستروجين) بإمكانهما تسريع أو خفض نشاط العديد من الجينات في الأنسجة التناسلية وأنسجة الجسم بشكل عام.
التأثير على السمات الجسمانية
وجود بعض الجينات المنحازة لجنس ما قد يبدو أمراً منطقياً. والكثير منها يؤثر على الجهاز التناسلي، والذي نعرف أنه يختلف تماماً في الرجال والنساء. مثلاً، أظهرت الدراسة الجديدة أن الغدد الثديية تمتلك النسبة الأعلى في الانحياز الجيني لدى الإناث، وأن الجينات المسئولة عن الخصيتين لديها أعلى معدل من الانحياز الجيني لدى الذكور.
تنخرط بعض الجينات الأخرى من تلك المنحازة لجنس على حساب الآخر في بعض الخلايا الأخرى المرتبطة بالجلد (والشعر الموجود عليه)، والعضلات والقلب والأنسجة الدهنية، الأمر الذي قد يكون له ارتباطاً كبيراً بمسألة الاختلافات بين الجنسين من ناحية القوام والاستقلاب.
وتأكيداً لما ورد في تقرير سابق، فإن بعضاً من تلك الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر منخرطة في الوظائف الدماغية، الأمر الذي يعيد فتح الباب أمام النقاش في ما يتعلق بالاختلافات في السلوك بين الذكور والإناث.
تأثير هذا الأمر على الاستعداد المناعي للإصابة بالمرض
تفسر هذه النتائج الجديدة الأسباب وراء الاختلافات بين الرجال والنساء في ما يتعلق بالقابلية للإصابة بالأمراض، ويُفترض أن يكون العلاج مبيناً على دراسة كلا الجنسين.
ما عرفناه لفترة طويلة من الزمن، أن هناك عدداً من الأمراض يشيع ظهوره لدى الرجال مثل باركنسون أو لدى النساء مثل التصلب المتعدد.
أظهرت هذه الدراسة وجود ارتباط بين بعضٍ من الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر والإصابة بالأمراض. على سبيل المثال، فإن بعض الجينات المنحازة للإناث منخرطة في مرض عدم استتباب التوازن في القلب والأوعية الدموية، ومرض هشاشة العظام، وفي الرجال مرتبطة بارتفاع ضغط الدم.
أظهرت الدراسة الجديدة أيضاً وجود اختلاف كبير في التعبير الجيني بين الجنسين، الذي وجدنا سابقاً أن له دوراً هاماً في ما يتعلق بالاستقلاب الدوائي، الأمر الذي قد يفسر أسباب وجود ذلك الاختلاف الكبير في الاستجابة بين الرجال والنساء.
نظمت مؤسسة دراسة الاختلافات بين الجنسين حملات لإشراك النساء في التجارب السريرية، وينبغي لهذه النتائج أن تعزز موقفها.
وسواء أحببت الأمر أم لم تحبه، فقد أظهرت الدلائل الآن أن الاختلاف الجيني بين الرجال والنساء أعمق بكثير مما كنا نعتقد.
ما الذي يعنيه هذا الفهم الجديد للمسألة في ما يتعلق بعملنا الجاري نحو المساواة بين الجنسين؟
المردود السيء يمكن أن يرتبط بالمناداة للعودة إلى القوالب النمطية الجنسية التي عفا عليها الزمن، والمردود الإيجابي هو إدراك الاختلافات بين الجنسين في الطب والعلاج.
هذا المقال مترجم عن موقع The Conversation
لقراءة المقال بالإنكليزية على الرابط التالي.[video_player link=””][/video_player]

الأمر لا يرتبط فقط باختلاف الجنس… الآلاف من الجينات تعمل بشكل مختلف داخل أجساد الرجال عنها في النساء
معظمنا على دراية بالاختلافات الجينية بين الرجال والنساء. فأجساد الرجال تحتوي على صِبْغِيَّات (كروموسومات) الجِنْسِيَّ X وY، بينما أجساد النساء تحتوي على عدد اثنين من الكروموسومات.X ويعلم الجميع أن الجينات المرتبطة بهذه الكروموسومات تعمل بشكل مختلف داخل أجساد الرجال عنها في أجساد النساء. ولكن هناك ورقة بحثية حديثة، تزعم أنه بعيداً عن الجينات المرتبطة بالكروموسومات X وY، فإن ثلث الجينوم (المحتوى الوراثي) بالكامل، يعمل في أجساد الرجال بشكل يختلف تماماً عما هو عليه في أجساد النساء. تضع هذه البيانات الجديدة العلم والطب أمام تحدياتٍ جديدة، وربما قد يصل الأمر حتى إلى مسألة المساواة بين الجنسين. المحتوى الوراثي (الجينوم) البشري من الناحية العملية، تحتوي أجساد الرجال والنساء على عدد المجموعات الجينية نفسه، ويصل عددها إلى نحو 20 ألف جين. الفارق المادي الوحيد الملموس في تكوينهم الجيني يظهر في الكروموسومات المرتبطة بالنوع. فالذكور وحدهم من يمتلكون الكرموسوم Y، وعلى الرغم من تواجد الكرموسومX في كلي الجنسين، فإن هناك نسختين منه لدى الإناث ونسخة واحدة منه فقط لدى الذكور. يحتوي الكروموسوم Y على 27 جيناً فقط، وأحد هذه الجينات يحتوي على المنطقة المسؤولة عن تحديد نوع الجنس، والتي ينطلق من خلالها المسار الخاص بمجموعة الخلايا داخل الجنين الذي يبلغ عمره 12 أسبوعاً، والتي تتطور في ما بعد لتكون خصيته. وحتى وقتٍ قريب، رجح…

عمر ناجي: حارس الحقيقة والعين التي أبصرت “مجزرة مليلية”

علويون سوريون في أوروبا: إشكالية التمثيل ونيل الاعتراف!

عن الفجر الدامي في طهران
"درج"
معظمنا على دراية بالاختلافات الجينية بين الرجال والنساء. فأجساد الرجال تحتوي على صِبْغِيَّات (كروموسومات) الجِنْسِيَّ X وY، بينما أجساد النساء تحتوي على عدد اثنين من الكروموسومات.X ويعلم الجميع أن الجينات المرتبطة بهذه الكروموسومات تعمل بشكل مختلف داخل أجساد الرجال عنها في أجساد النساء. ولكن هناك ورقة بحثية حديثة، تزعم أنه بعيداً عن الجينات المرتبطة بالكروموسومات X وY، فإن ثلث الجينوم (المحتوى الوراثي) بالكامل، يعمل في أجساد الرجال بشكل يختلف تماماً عما هو عليه في أجساد النساء. تضع هذه البيانات الجديدة العلم والطب أمام تحدياتٍ جديدة، وربما قد يصل الأمر حتى إلى مسألة المساواة بين الجنسين. المحتوى الوراثي (الجينوم) البشري من الناحية العملية، تحتوي أجساد الرجال والنساء على عدد المجموعات الجينية نفسه، ويصل عددها إلى نحو 20 ألف جين. الفارق المادي الوحيد الملموس في تكوينهم الجيني يظهر في الكروموسومات المرتبطة بالنوع. فالذكور وحدهم من يمتلكون الكرموسوم Y، وعلى الرغم من تواجد الكرموسومX في كلي الجنسين، فإن هناك نسختين منه لدى الإناث ونسخة واحدة منه فقط لدى الذكور. يحتوي الكروموسوم Y على 27 جيناً فقط، وأحد هذه الجينات يحتوي على المنطقة المسؤولة عن تحديد نوع الجنس، والتي ينطلق من خلالها المسار الخاص بمجموعة الخلايا داخل الجنين الذي يبلغ عمره 12 أسبوعاً، والتي تتطور في ما بعد لتكون خصيته. وحتى وقتٍ قريب، رجح الكثيرون أن وجود أو غياب البروتين الخاص بتحديد الجنس SRYهو فقط ما يميز بين الرجال والنساء. وكما جاء في كتاباتي السابقة، فقد أشرت إلى أن هناك 26 جيناً آخر موجودون على الكرموسوم Y، وربما مئات الجينات الأخرى، أو ما يقارب ذلك على الكرموسوم X، والتي تنشط في شكل جرعتين داخل أجساد النساء، وعلى هيئة جرعة واحدة داخل أجساد الرجال. وقد افترضت أن هناك بضع مئات من الجينات التي قد تتأثر بشكل مباشر بالكروموسات X أو Y أو بالهرمونات التي تطلقها. ويبدو أنني قد قللت بشكل كبير من قدر الجينات، التي تقع تحت التأثير، وفقاً لما أشارت إليه هذه الورقة البحثية الحديثة. الجينات والبروتينات والأنسجة الجينات هي أجزاء ٌمن السلسلة الممتدة للحمض النووي، وتتكون من جزيئات تحتوي على أربع قواعد مختلفة، وتقوم المتواليات الخاصة بهذه القواعد بترميز البروتينات الخاصة بالجسم. تقوم الجينات الموجودة داخل أجسادنا، والبالغ عددها 20 ألفاً، بمجموعة متنوعة من الوظائف داخل أجسادنا. فالبعض منها مسؤول عن إنتاج الألياف الموجودة في الجلد أو الشعر، والبعض منها مسؤول عن انقباض العضلات، والبعض الآخر مسؤول عن حمل الأوكسجين في الدم. والعديد منها عبارة عن إنزيمات مُحركة للتفاعلات الأساسية المرتبطة بتحويل الطعام لطاقة ونسيج عضلي. تعمل الجينات من خلال نسخ نفسها لعدة نسخ، تُنسخ متوالية الأساس إلى جزيئات الحمض النووي الريبوزيRNA ، والتي تتفاعل مع الخلايا لإنتاج البروتين. وكلما زاد عدد جزيئات الحمض النووي الريبوزي التي ينتجها الجين، كلما زادت البروتينات المُنتجة. يمكننا الآن قياس عدد نسخ الحمض النووي الريبوزي التي يستطيع كل جين إنتاجها. فالجين النشط حقاً يمكنه إنتاج آلاف النسخ، بينما الجين الخامل لا يمكنه إنتاج سوى عدد قليل، أو قد لا يستطيع إنتاج أي شيء على الإطلاق. يسمح تنظيم هذا التخلُق المتعاقب لنشاط الجين بتخصيص مختلف أنسجة الجسم، فالكبد والمخ يتشاركان الجينات نفسها، ولكن كل منهما يعبر عنها بشكل مختلف، إذ تنشط مجموعة فرعية من الجينات في الكبد بينما تنشط مجموعة فرعية مختلفة في المخ. نشاط الجينات داخل أجساد الرجال والنساء خلال ورقتهما البحثية الجديدة، سلط جيرشوني وبيتروكوفك، ناشرا الورقة البحثية، الضوء على الكيفية التي تنشط من خلالها الجينات نفسها داخل أجساد الرجال والنساء، إذ قاما بقياس مقدار الحمض النووي الريبوزي المُنتج من خلال 18670 جيناً في أنسجة مختلفة بلغ عددها 53 (45 منها مُشترك بين الجنسين) في عدد 544 من أولئك البالغين، المتبرعين بأجسادهم بعد الوفاة (انقسم العدد إلى 357 رجلاً و187 امرأةً). توصل الباحثان إلى أن نحو ثلث هذه الجينات (أي ما يزيد على 6500 جين) تعمل بشكل مختلف تماماً في أجساد الرجال عما هو عليه الأمر في أجساد النساء. فبعض من هذه الجينات كان ينشط إما في أجساد الرجال فحسب أو أجساد النساء فحسب، والعديد منها كان ينشط بصورة كبيرة للغاية في أحد الجنسين مقارنةً بالآخر. والقليل من هذه الجينات أظهرت تحيزاً في نشاطها لأحد الجنسين في كل خلية من خلايا الجسم، كان الأمر الأكثر شيوعاً هو ملاحظة حدوث الاختلاف في واحدة أو عدد قليل من الخلايا. وكانت معظم هذه الجينات من غير المرتبطة بكرموسومات النوع، فالقليل فقط هو ما كان يقع تحت مظلة الكروموسومات إما X أو Y. إذاً، كيف يمكن لثلث الجينات الموجودة داخل أجسادنا أن يتم التحكم فيها بشكل مختلف في الرجال عما هي عليه عند النساء؟ أصبحنا على دراية الآن بأن البروتينات تعمل داخل شبكات ممتدة، فإذا تغير مقدار البروتين الذي يُنتجه أحد الجينات، فإن هذا يترتب عليه تغير مقدار البروتينات التي تنتجها العديد من الجينات في تلك السلسلة الممتدة من الأوامر. وأصبحنا نعلم أيضاً أن للهرمونات تأثير كبير على النشاط الجيني. على سبيل المثال، هرمون الذكورة (التستوستيرون) وهرمون الأنوثة (الاستروجين) بإمكانهما تسريع أو خفض نشاط العديد من الجينات في الأنسجة التناسلية وأنسجة الجسم بشكل عام. التأثير على السمات الجسمانية وجود بعض الجينات المنحازة لجنس ما قد يبدو أمراً منطقياً. والكثير منها يؤثر على الجهاز التناسلي، والذي نعرف أنه يختلف تماماً في الرجال والنساء. مثلاً، أظهرت الدراسة الجديدة أن الغدد الثديية تمتلك النسبة الأعلى في الانحياز الجيني لدى الإناث، وأن الجينات المسئولة عن الخصيتين لديها أعلى معدل من الانحياز الجيني لدى الذكور. تنخرط بعض الجينات الأخرى من تلك المنحازة لجنس على حساب الآخر في بعض الخلايا الأخرى المرتبطة بالجلد (والشعر الموجود عليه)، والعضلات والقلب والأنسجة الدهنية، الأمر الذي قد يكون له ارتباطاً كبيراً بمسألة الاختلافات بين الجنسين من ناحية القوام والاستقلاب. وتأكيداً لما ورد في تقرير سابق، فإن بعضاً من تلك الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر منخرطة في الوظائف الدماغية، الأمر الذي يعيد فتح الباب أمام النقاش في ما يتعلق بالاختلافات في السلوك بين الذكور والإناث. تأثير هذا الأمر على الاستعداد المناعي للإصابة بالمرض تفسر هذه النتائج الجديدة الأسباب وراء الاختلافات بين الرجال والنساء في ما يتعلق بالقابلية للإصابة بالأمراض، ويُفترض أن يكون العلاج مبيناً على دراسة كلا الجنسين. ما عرفناه لفترة طويلة من الزمن، أن هناك عدداً من الأمراض يشيع ظهوره لدى الرجال مثل باركنسون أو لدى النساء مثل التصلب المتعدد. أظهرت هذه الدراسة وجود ارتباط بين بعضٍ من الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر والإصابة بالأمراض. على سبيل المثال، فإن بعض الجينات المنحازة للإناث منخرطة في مرض عدم استتباب التوازن في القلب والأوعية الدموية، ومرض هشاشة العظام، وفي الرجال مرتبطة بارتفاع ضغط الدم. أظهرت الدراسة الجديدة
معظمنا على دراية بالاختلافات الجينية بين الرجال والنساء. فأجساد الرجال تحتوي على صِبْغِيَّات (كروموسومات) الجِنْسِيَّ X وY، بينما أجساد النساء تحتوي على عدد اثنين من الكروموسومات.X ويعلم الجميع أن الجينات المرتبطة بهذه الكروموسومات تعمل بشكل مختلف داخل أجساد الرجال عنها في أجساد النساء.
ولكن هناك ورقة بحثية حديثة، تزعم أنه بعيداً عن الجينات المرتبطة بالكروموسومات X وY، فإن ثلث الجينوم (المحتوى الوراثي) بالكامل، يعمل في أجساد الرجال بشكل يختلف تماماً عما هو عليه في أجساد النساء.
تضع هذه البيانات الجديدة العلم والطب أمام تحدياتٍ جديدة، وربما قد يصل الأمر حتى إلى مسألة المساواة بين الجنسين.
المحتوى الوراثي (الجينوم) البشري
من الناحية العملية، تحتوي أجساد الرجال والنساء على عدد المجموعات الجينية نفسه، ويصل عددها إلى نحو 20 ألف جين. الفارق المادي الوحيد الملموس في تكوينهم الجيني يظهر في الكروموسومات المرتبطة بالنوع. فالذكور وحدهم من يمتلكون الكرموسوم Y، وعلى الرغم من تواجد الكرموسومX في كلي الجنسين، فإن هناك نسختين منه لدى الإناث ونسخة واحدة منه فقط لدى الذكور.
يحتوي الكروموسوم Y على 27 جيناً فقط، وأحد هذه الجينات يحتوي على المنطقة المسؤولة عن تحديد نوع الجنس، والتي ينطلق من خلالها المسار الخاص بمجموعة الخلايا داخل الجنين الذي يبلغ عمره 12 أسبوعاً، والتي تتطور في ما بعد لتكون خصيته.
وحتى وقتٍ قريب، رجح الكثيرون أن وجود أو غياب البروتين الخاص بتحديد الجنس SRYهو فقط ما يميز بين الرجال والنساء.
وكما جاء في كتاباتي السابقة، فقد أشرت إلى أن هناك 26 جيناً آخر موجودون على الكرموسوم Y، وربما مئات الجينات الأخرى، أو ما يقارب ذلك على الكرموسوم X، والتي تنشط في شكل جرعتين داخل أجساد النساء، وعلى هيئة جرعة واحدة داخل أجساد الرجال.
وقد افترضت أن هناك بضع مئات من الجينات التي قد تتأثر بشكل مباشر بالكروموسات X أو Y أو بالهرمونات التي تطلقها. ويبدو أنني قد قللت بشكل كبير من قدر الجينات، التي تقع تحت التأثير، وفقاً لما أشارت إليه هذه الورقة البحثية الحديثة.
الجينات والبروتينات والأنسجة
الجينات هي أجزاء ٌمن السلسلة الممتدة للحمض النووي، وتتكون من جزيئات تحتوي على أربع قواعد مختلفة، وتقوم المتواليات الخاصة بهذه القواعد بترميز البروتينات الخاصة بالجسم.
تقوم الجينات الموجودة داخل أجسادنا، والبالغ عددها 20 ألفاً، بمجموعة متنوعة من الوظائف داخل أجسادنا. فالبعض منها مسؤول عن إنتاج الألياف الموجودة في الجلد أو الشعر، والبعض منها مسؤول عن انقباض العضلات، والبعض الآخر مسؤول عن حمل الأوكسجين في الدم. والعديد منها عبارة عن إنزيمات مُحركة للتفاعلات الأساسية المرتبطة بتحويل الطعام لطاقة ونسيج عضلي.
تعمل الجينات من خلال نسخ نفسها لعدة نسخ، تُنسخ متوالية الأساس إلى جزيئات الحمض النووي الريبوزيRNA ، والتي تتفاعل مع الخلايا لإنتاج البروتين. وكلما زاد عدد جزيئات الحمض النووي الريبوزي التي ينتجها الجين، كلما زادت البروتينات المُنتجة.
يمكننا الآن قياس عدد نسخ الحمض النووي الريبوزي التي يستطيع كل جين إنتاجها. فالجين النشط حقاً يمكنه إنتاج آلاف النسخ، بينما الجين الخامل لا يمكنه إنتاج سوى عدد قليل، أو قد لا يستطيع إنتاج أي شيء على الإطلاق.
يسمح تنظيم هذا التخلُق المتعاقب لنشاط الجين بتخصيص مختلف أنسجة الجسم، فالكبد والمخ يتشاركان الجينات نفسها، ولكن كل منهما يعبر عنها بشكل مختلف، إذ تنشط مجموعة فرعية من الجينات في الكبد بينما تنشط مجموعة فرعية مختلفة في المخ.
نشاط الجينات داخل أجساد الرجال والنساء
خلال ورقتهما البحثية الجديدة، سلط جيرشوني وبيتروكوفك، ناشرا الورقة البحثية، الضوء على الكيفية التي تنشط من خلالها الجينات نفسها داخل أجساد الرجال والنساء، إذ قاما بقياس مقدار الحمض النووي الريبوزي المُنتج من خلال 18670 جيناً في أنسجة مختلفة بلغ عددها 53 (45 منها مُشترك بين الجنسين) في عدد 544 من أولئك البالغين، المتبرعين بأجسادهم بعد الوفاة (انقسم العدد إلى 357 رجلاً و187 امرأةً).
توصل الباحثان إلى أن نحو ثلث هذه الجينات (أي ما يزيد على 6500 جين) تعمل بشكل مختلف تماماً في أجساد الرجال عما هو عليه الأمر في أجساد النساء. فبعض من هذه الجينات كان ينشط إما في أجساد الرجال فحسب أو أجساد النساء فحسب، والعديد منها كان ينشط بصورة كبيرة للغاية في أحد الجنسين مقارنةً بالآخر.
والقليل من هذه الجينات أظهرت تحيزاً في نشاطها لأحد الجنسين في كل خلية من خلايا الجسم، كان الأمر الأكثر شيوعاً هو ملاحظة حدوث الاختلاف في واحدة أو عدد قليل من الخلايا. وكانت معظم هذه الجينات من غير المرتبطة بكرموسومات النوع، فالقليل فقط هو ما كان يقع تحت مظلة الكروموسومات إما X أو Y.
إذاً، كيف يمكن لثلث الجينات الموجودة داخل أجسادنا أن يتم التحكم فيها بشكل مختلف في الرجال عما هي عليه عند النساء؟
أصبحنا على دراية الآن بأن البروتينات تعمل داخل شبكات ممتدة، فإذا تغير مقدار البروتين الذي يُنتجه أحد الجينات، فإن هذا يترتب عليه تغير مقدار البروتينات التي تنتجها العديد من الجينات في تلك السلسلة الممتدة من الأوامر.
وأصبحنا نعلم أيضاً أن للهرمونات تأثير كبير على النشاط الجيني. على سبيل المثال، هرمون الذكورة (التستوستيرون) وهرمون الأنوثة (الاستروجين) بإمكانهما تسريع أو خفض نشاط العديد من الجينات في الأنسجة التناسلية وأنسجة الجسم بشكل عام.
التأثير على السمات الجسمانية
وجود بعض الجينات المنحازة لجنس ما قد يبدو أمراً منطقياً. والكثير منها يؤثر على الجهاز التناسلي، والذي نعرف أنه يختلف تماماً في الرجال والنساء. مثلاً، أظهرت الدراسة الجديدة أن الغدد الثديية تمتلك النسبة الأعلى في الانحياز الجيني لدى الإناث، وأن الجينات المسئولة عن الخصيتين لديها أعلى معدل من الانحياز الجيني لدى الذكور.
تنخرط بعض الجينات الأخرى من تلك المنحازة لجنس على حساب الآخر في بعض الخلايا الأخرى المرتبطة بالجلد (والشعر الموجود عليه)، والعضلات والقلب والأنسجة الدهنية، الأمر الذي قد يكون له ارتباطاً كبيراً بمسألة الاختلافات بين الجنسين من ناحية القوام والاستقلاب.
وتأكيداً لما ورد في تقرير سابق، فإن بعضاً من تلك الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر منخرطة في الوظائف الدماغية، الأمر الذي يعيد فتح الباب أمام النقاش في ما يتعلق بالاختلافات في السلوك بين الذكور والإناث.
تأثير هذا الأمر على الاستعداد المناعي للإصابة بالمرض
تفسر هذه النتائج الجديدة الأسباب وراء الاختلافات بين الرجال والنساء في ما يتعلق بالقابلية للإصابة بالأمراض، ويُفترض أن يكون العلاج مبيناً على دراسة كلا الجنسين.
ما عرفناه لفترة طويلة من الزمن، أن هناك عدداً من الأمراض يشيع ظهوره لدى الرجال مثل باركنسون أو لدى النساء مثل التصلب المتعدد.
أظهرت هذه الدراسة وجود ارتباط بين بعضٍ من الجينات ذات الانحياز لجنس على حساب الآخر والإصابة بالأمراض. على سبيل المثال، فإن بعض الجينات المنحازة للإناث منخرطة في مرض عدم استتباب التوازن في القلب والأوعية الدموية، ومرض هشاشة العظام، وفي الرجال مرتبطة بارتفاع ضغط الدم.
أظهرت الدراسة الجديدة أيضاً وجود اختلاف كبير في التعبير الجيني بين الجنسين، الذي وجدنا سابقاً أن له دوراً هاماً في ما يتعلق بالاستقلاب الدوائي، الأمر الذي قد يفسر أسباب وجود ذلك الاختلاف الكبير في الاستجابة بين الرجال والنساء.
نظمت مؤسسة دراسة الاختلافات بين الجنسين حملات لإشراك النساء في التجارب السريرية، وينبغي لهذه النتائج أن تعزز موقفها.
وسواء أحببت الأمر أم لم تحبه، فقد أظهرت الدلائل الآن أن الاختلاف الجيني بين الرجال والنساء أعمق بكثير مما كنا نعتقد.
ما الذي يعنيه هذا الفهم الجديد للمسألة في ما يتعلق بعملنا الجاري نحو المساواة بين الجنسين؟
المردود السيء يمكن أن يرتبط بالمناداة للعودة إلى القوالب النمطية الجنسية التي عفا عليها الزمن، والمردود الإيجابي هو إدراك الاختلافات بين الجنسين في الطب والعلاج.
هذا المقال مترجم عن موقع The Conversation
لقراءة المقال بالإنكليزية على الرابط التالي.[video_player link=””][/video_player]
"درج"
آخر القصص

عن الفجر الدامي في طهران

عمر ناجي: حارس الحقيقة والعين التي أبصرت “مجزرة مليلية”

علويون سوريون في أوروبا: إشكالية التمثيل ونيل الاعتراف!

حرب السرديّات في لبنان: بين هيمنة حزب الله وإشكاليّة الهويّة الوطنيّة
