fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“الأمومة السامّة” في مصر:
دهست ابنتها بالسيارة لأنها خلعت الحجاب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضت رنيم يومها الأول بعد حادثة “الدهس”  تتنقل بين التاكسيات بحسب روايتها، لا تجد مكاناً تستقر فيه بعدما طردتها والدتها وتبرأت منها وتركتها في مرحلة حرجة ما قبل الدراسة الجامعية وقبل أن تكمل حلمها وحلم الأم بالالتحاق بكلية الطب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنهت رنيم وائل (18 سنة) ابنة محافظة الإسماعيلية  امتحانات الثانوية العامة، وما كادت تتخلص من إنهاك الدراسة والاختبارات حتى وجدت نفسها أمام “معركة” اضطرت إلى خوضها على مواقع التواصل الإجتماعي تحت هاشتاغ “قانون ضد العنف الأسري”، حيث اتهمت والدتها بدهسها بالسيارة بسبب نزعها الحجاب.

تقول رنيم في شهادتها : “أنا أجبرت ألبس الحجاب وأنا عندي 11 سنة مكنتش أعرف أصلاً يعني إيه حجاب، وطبعاً أُجبرت عليه بنفس الطريقة اللى أنا أتربيت بيها وهي “الضرب”. كنت بتحرق في جسمي وبتكهرب وبتغرّق في البانيو  وبتضرب في الشارع، وكل ده من أمي، وعمري لا يتعدى 9 سنوات، لما كان عمري 15 سنة فضلت تضربني على رجلي بماسورة حديد لحد ما اتكسرت”.

نفت الأم واقعة الدهس بالسيارة، لكنها لم  تنف وقائع الضرب ورأت أن من حقها كأم “أفنت 18 عاماً في تربية ابنتها” أن تستخدم الضرب والشتائم وسيلة للتربية وللجم ابنتها التي تريد أن “تتفلّت” وتنزع الحجاب.

كانت ليلة واحدة التي نزعت فيها رنيم وائل الحجاب في 8 آب/ أغسطس 2021. وقامت الدنيا ولم تقعد وانشغلت مدينة الإسماعيلية الهادئة بضجيج الحكاية: العائلة والجيران وزملاء العمل ناصروا الأم، ليخلقوا حزباً مضاداً في وجه رنيم وجيلها ممن يقولون على السوشيال ميديا  “لا” لاستمرار  السلطة المطلقة للأهل على أبنائهم.

انتقل الصراع بين أم وابنتها حول الحرية الشخصية خلال ليلة واحدة، من حيز البيت الضيق إلى مساحة أوسع، ووصلت القضية إلى قسم الشرطة، والمستشفيات، ومداخلات حية على مواقع الصحف المصرية، وصراخ وصل إلى الشوارع، ليسكت الكلام بعد إعلان الأم تبرّؤها من ابنتها وتلقيها العزاء فيها داخل المقابر.

تروي رنيم وقائع الليلة الصاخبة: “أنا خلصت امتحانات ثانوي وقررت أخيراً أني هتكلم مع أمي في موضوع الحجاب وأني مش مقتنعة بيه كان ردها ببساطة (هو كده كل الناس لابساه). عند شارع الدوحة نزلتني من عربيتها وهي بتشتمنى وأنا ماشية لقيت نفسي بطير من على الأرض ببص ورايا لقيت أمي هي اللي خبطاني “.

على رغم نفي الأم الواقعة، إلا أن رنيم عرضت صور أشعة وفحوصات طبية تفيد بتعرضها لكدمات قوية في منطقة الحوض والظهر، وبعد تحريرها محضراً في قسم الشرطة، طالبت بتفريغ كاميرات المراقبة في شارع الدوحة لإثبات واقعة الدهس بسيارة والدتها، إلا أن الشرطة لم تتحرك إلا في سبيل الصلح بين الأم وابنتها.

إقرأوا أيضاً:

الحقائق الصارخة حول قتل الكرامة الشخصية

 التمييز على أساس الجنس، يلاحق الفتيات في مصر منذ ميلادهن ولا يبتعد الموروث الشعبي في الأمثال من وصف حالة التمييز  هذه بدقة “يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات”، “لما قالوا دي بنية اتهدت الحيطة عليا، ولما قالوا ده ولد اشتد ضهري واتسند”… هذه الأمثال هي ترجمة لثقافة فئات واسعة من المصريين، فحتى إذا تفوقت الأنثى في دراستها مثلما تفوقت رنيم بشهادة والدتها، والتحاقها بكلية الطب، إلا أن والدتها والعائلة يرون أن تفوقها هذا لا يسمح لها باتخاذ قرار فردي يخص ملبسها كنزع الحجاب.

حتى وإن عبرت الفتيات في مصر مرحلة الطفولة بسلام إلى مرحلة المراهقة، التي تتشكل فيها الشخصية وتتصدرها القرارات الفردية، لن يسمح لهن في الغالب باتخاذ قراراتهن بحرية.

الإنفاق مقابل الطاعة 

تقول والدة رنيم إنها تكفلت بالإنفاق على ابنتها الوحيدة بعد طلاقها من والد رنيم الذي يعمل طبيباً في السعودية. أدخلت ابنتها إلى مدارس متميزة ولديها شقتين وسيارة سترثهم الإبنة عنها، وترى أنها بحكم كل هذا الانفاق يجب على ابنتها، في المقابل، أن تطيع أوامرها وتلبس الحجاب وإلا سحبت منها الامتيازات كافة.

قضت رنيم يومها الأول بعد حادثة “الدهس”  تتنقل بين التاكسيات بحسب روايتها، لا تجد مكاناً تستقر فيه بعدما طردتها والدتها وتبرأت منها وتركتها في مرحلة حرجة ما قبل الدراسة الجامعية وقبل أن تكمل حلمها وحلم الأم بالالتحاق بكلية الطب.

حكاية رنيم ليست استثناء، إذ تمارس الأم في عائلات كثيرة سلطة بطريركية في ما يخص تربية البنات، وتزداد السطوة شدّة في حال غياب الأب بسبب  السفر أو الطلاق أو الوفاة.

تزيد الأم المطلّقة من سطوتها على بناتها خوفاً من شماتة “الآخرين”، وتعتبر نفسها مسؤولة عن تعويض غياب الأب، فتكثّف دورها الذكوري في عملية “التربية”.  في حالة رنيم، كان خالها وخالاتها يشاركون أمها في تعنيفها جسدياً  وفق شهادتها. 

نساء الطبقة الوسطى… شقاء مزدوج

في حالة رنيم، التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، جهدت الأم لتوفير حياة ملائمة اقتصادياً لابنتها، لكي لا تضطر إلى طلب المساعدة المالية من أحد، وترى الأم في طاعة الابنة وتفوقها دراسياً التعويض الوحيد، من دون الالتفات إلى الابنة ككيان إنساني يتطور نفسياً مع تطورها الجسدي. هذا يحدث مع شابات كثيرات من عمر رنيم ينتمين إلى الطبقة الوسطى، ويعشن ضمن التزامات من هذا النوع. وما فعلته رنيم بشهادتها هو أنها هزّت ركائز نظام أخلاقي بكامله. وتواجه وحدها، منظومة ذكورية كاملة، تتصدّرها أمها. 

حتى الآن لم يتحرك المركز القومي للأمومة والطفولة. يصمّ آذانه عن سماع هذا الصخب بين الأم وابنتها، مع كل ما ينتج عنه من أذى نفسي وجسدي على الفتاة المراهقة. ربما لا يعنيه، كغيره من مؤسسات الدولة الرسمية، تحجيم ممارسات الأمومة السامة التي تهدد حياة الشابات والشباب اليافعين في مصر.

إقرأوا أيضاً:

جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 12.04.2025

النسيان كسياسة: عن الحرب التي لم تنتهِ في لبنان

لم تكن الحرب الأهلية اللبنانيّة مجرّد صراع أهلي تمّ تجاوزه، بل أساس للنظام الذي تلاها، وبدل أن تكون لحظة تأسيس لذاكرة وطنية، أصبحت لحظة إنتاج لسياسة النسيان. كلّ ما يُذكّر بالحرب من محاكمات إلى مناهج دراسية، إلى أرشيفات، اعتُبر تهديداً يجب إسقاطه.
17.08.2021
زمن القراءة: 4 minutes

قضت رنيم يومها الأول بعد حادثة “الدهس”  تتنقل بين التاكسيات بحسب روايتها، لا تجد مكاناً تستقر فيه بعدما طردتها والدتها وتبرأت منها وتركتها في مرحلة حرجة ما قبل الدراسة الجامعية وقبل أن تكمل حلمها وحلم الأم بالالتحاق بكلية الطب.

أنهت رنيم وائل (18 سنة) ابنة محافظة الإسماعيلية  امتحانات الثانوية العامة، وما كادت تتخلص من إنهاك الدراسة والاختبارات حتى وجدت نفسها أمام “معركة” اضطرت إلى خوضها على مواقع التواصل الإجتماعي تحت هاشتاغ “قانون ضد العنف الأسري”، حيث اتهمت والدتها بدهسها بالسيارة بسبب نزعها الحجاب.

تقول رنيم في شهادتها : “أنا أجبرت ألبس الحجاب وأنا عندي 11 سنة مكنتش أعرف أصلاً يعني إيه حجاب، وطبعاً أُجبرت عليه بنفس الطريقة اللى أنا أتربيت بيها وهي “الضرب”. كنت بتحرق في جسمي وبتكهرب وبتغرّق في البانيو  وبتضرب في الشارع، وكل ده من أمي، وعمري لا يتعدى 9 سنوات، لما كان عمري 15 سنة فضلت تضربني على رجلي بماسورة حديد لحد ما اتكسرت”.

نفت الأم واقعة الدهس بالسيارة، لكنها لم  تنف وقائع الضرب ورأت أن من حقها كأم “أفنت 18 عاماً في تربية ابنتها” أن تستخدم الضرب والشتائم وسيلة للتربية وللجم ابنتها التي تريد أن “تتفلّت” وتنزع الحجاب.

كانت ليلة واحدة التي نزعت فيها رنيم وائل الحجاب في 8 آب/ أغسطس 2021. وقامت الدنيا ولم تقعد وانشغلت مدينة الإسماعيلية الهادئة بضجيج الحكاية: العائلة والجيران وزملاء العمل ناصروا الأم، ليخلقوا حزباً مضاداً في وجه رنيم وجيلها ممن يقولون على السوشيال ميديا  “لا” لاستمرار  السلطة المطلقة للأهل على أبنائهم.

انتقل الصراع بين أم وابنتها حول الحرية الشخصية خلال ليلة واحدة، من حيز البيت الضيق إلى مساحة أوسع، ووصلت القضية إلى قسم الشرطة، والمستشفيات، ومداخلات حية على مواقع الصحف المصرية، وصراخ وصل إلى الشوارع، ليسكت الكلام بعد إعلان الأم تبرّؤها من ابنتها وتلقيها العزاء فيها داخل المقابر.

تروي رنيم وقائع الليلة الصاخبة: “أنا خلصت امتحانات ثانوي وقررت أخيراً أني هتكلم مع أمي في موضوع الحجاب وأني مش مقتنعة بيه كان ردها ببساطة (هو كده كل الناس لابساه). عند شارع الدوحة نزلتني من عربيتها وهي بتشتمنى وأنا ماشية لقيت نفسي بطير من على الأرض ببص ورايا لقيت أمي هي اللي خبطاني “.

على رغم نفي الأم الواقعة، إلا أن رنيم عرضت صور أشعة وفحوصات طبية تفيد بتعرضها لكدمات قوية في منطقة الحوض والظهر، وبعد تحريرها محضراً في قسم الشرطة، طالبت بتفريغ كاميرات المراقبة في شارع الدوحة لإثبات واقعة الدهس بسيارة والدتها، إلا أن الشرطة لم تتحرك إلا في سبيل الصلح بين الأم وابنتها.

إقرأوا أيضاً:

الحقائق الصارخة حول قتل الكرامة الشخصية

 التمييز على أساس الجنس، يلاحق الفتيات في مصر منذ ميلادهن ولا يبتعد الموروث الشعبي في الأمثال من وصف حالة التمييز  هذه بدقة “يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات”، “لما قالوا دي بنية اتهدت الحيطة عليا، ولما قالوا ده ولد اشتد ضهري واتسند”… هذه الأمثال هي ترجمة لثقافة فئات واسعة من المصريين، فحتى إذا تفوقت الأنثى في دراستها مثلما تفوقت رنيم بشهادة والدتها، والتحاقها بكلية الطب، إلا أن والدتها والعائلة يرون أن تفوقها هذا لا يسمح لها باتخاذ قرار فردي يخص ملبسها كنزع الحجاب.

حتى وإن عبرت الفتيات في مصر مرحلة الطفولة بسلام إلى مرحلة المراهقة، التي تتشكل فيها الشخصية وتتصدرها القرارات الفردية، لن يسمح لهن في الغالب باتخاذ قراراتهن بحرية.

الإنفاق مقابل الطاعة 

تقول والدة رنيم إنها تكفلت بالإنفاق على ابنتها الوحيدة بعد طلاقها من والد رنيم الذي يعمل طبيباً في السعودية. أدخلت ابنتها إلى مدارس متميزة ولديها شقتين وسيارة سترثهم الإبنة عنها، وترى أنها بحكم كل هذا الانفاق يجب على ابنتها، في المقابل، أن تطيع أوامرها وتلبس الحجاب وإلا سحبت منها الامتيازات كافة.

قضت رنيم يومها الأول بعد حادثة “الدهس”  تتنقل بين التاكسيات بحسب روايتها، لا تجد مكاناً تستقر فيه بعدما طردتها والدتها وتبرأت منها وتركتها في مرحلة حرجة ما قبل الدراسة الجامعية وقبل أن تكمل حلمها وحلم الأم بالالتحاق بكلية الطب.

حكاية رنيم ليست استثناء، إذ تمارس الأم في عائلات كثيرة سلطة بطريركية في ما يخص تربية البنات، وتزداد السطوة شدّة في حال غياب الأب بسبب  السفر أو الطلاق أو الوفاة.

تزيد الأم المطلّقة من سطوتها على بناتها خوفاً من شماتة “الآخرين”، وتعتبر نفسها مسؤولة عن تعويض غياب الأب، فتكثّف دورها الذكوري في عملية “التربية”.  في حالة رنيم، كان خالها وخالاتها يشاركون أمها في تعنيفها جسدياً  وفق شهادتها. 

نساء الطبقة الوسطى… شقاء مزدوج

في حالة رنيم، التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، جهدت الأم لتوفير حياة ملائمة اقتصادياً لابنتها، لكي لا تضطر إلى طلب المساعدة المالية من أحد، وترى الأم في طاعة الابنة وتفوقها دراسياً التعويض الوحيد، من دون الالتفات إلى الابنة ككيان إنساني يتطور نفسياً مع تطورها الجسدي. هذا يحدث مع شابات كثيرات من عمر رنيم ينتمين إلى الطبقة الوسطى، ويعشن ضمن التزامات من هذا النوع. وما فعلته رنيم بشهادتها هو أنها هزّت ركائز نظام أخلاقي بكامله. وتواجه وحدها، منظومة ذكورية كاملة، تتصدّرها أمها. 

حتى الآن لم يتحرك المركز القومي للأمومة والطفولة. يصمّ آذانه عن سماع هذا الصخب بين الأم وابنتها، مع كل ما ينتج عنه من أذى نفسي وجسدي على الفتاة المراهقة. ربما لا يعنيه، كغيره من مؤسسات الدولة الرسمية، تحجيم ممارسات الأمومة السامة التي تهدد حياة الشابات والشباب اليافعين في مصر.

إقرأوا أيضاً:

17.08.2021
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
المُعتقَل في الدراما التلفزيونية السورية… حساسية الجرح المفتوح
علاء الدين العالم - كاتب ومسرحي فلسطيني سوري | 12.04.2025
النسيان كسياسة: عن الحرب التي لم تنتهِ في لبنان
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 12.04.2025
من سهول دونباس في أوكرانيا إلى بادية الشام… وثائق حصرية ومصادر مفتوحة تكشف تكثيف روسيا حرب المسيّرات في سماء سوريا 
محمد بسيكي (سراج) عبد القادر ضويحي، كريستسان مامو، أليكسينا كالونكي (osint for ukraine) | 11.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية