Mark Zuckerberg is playing narrow politics with Trump
“تحرك بسرعة وحطم الأشياء”. إذا كان هناك قول مأثور يعكس روح الجيل الجديد من رواد الأعمال الرقميين – والمعروفين أحياناً بـ”الأوليغارشية المعلوماتية” – فهو هذا القول الذي يُنسب إلى مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس ميتا. هؤلاء الأشخاص لا يضيعون الوقت في التفكير المتأنّي.
وبالفعل، تحرك أفراد هذا الجيل بسرعة عندما علموا أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سيكون دونالد ترامب. بدأت زيارات المجاملة إلى منتجعه في “مارا لاغو”، ثم التبرعات، ثم إعادة ترتيب مجالس الإدارة والفرق التنفيذية العليا، وأخيراً سلسلة من الإعلانات حول سياسات وإجراءات جديدة تتماشى مع تفكير الإدارة المقبلة.
لا أحد يدعي أن قرار ميتا (صاحبة منصات فيسبوك وإنستغرام وثريدز وواتسآب) إعادة التفكير في نهجها تجاه مراقبة المحتوى وتدقيق الحقائق على منصاتها لم يكن مدفوعاً بالحسابات السياسية، بخاصة وأن ترامب محاط بأشخاص يؤمنون “بحرية مطلقة في التعبير”، ويعتقدون أن معظم المحاولات لتقييد الكلمات أو الصور أو الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي هي بمثابة رقابة سياسية. وبالتالي، قبل أسبوعين بالكاد من تولي ترامب منصبه، سجل زوكربيرغ فيديو يبدو وكأنه موجه لشخص واحد.
أعلن زوكربيرغ أن منصات ميتا ستتوقف عن تدقيق الحقائق في ما ينشر عليها من محتوى بالتعاون مع شركات محترفة، على الأقل في الولايات المتحدة، وستتبنى الشركة في المستقبل، نظام “ملاحظات المستخدمين” الذي يستخدمه إيلون ماسك، حيث بإمكان المستخدمين الآخرين تمحيص حقيقة ما ينشر أو حتى تقديم نسخة أخرى يرونها أكثر مصداقية من الحقيقة.
ومن سخرية الأقدار أن سكان ولاية كاليفورنيا لم يعودوا محل ثقة فرق التدقيق والسلامة، إذ قررت ميتا إسناد هذا العمل لأهالي ولاية تكساس، ربما لأنها ترى أنهم أقل تحيزاً!
إذا طُبق هذا النموذج من “ملاحظات المستخدمين” في بريطانيا أثناء أحداث شغب ساوثبورت العام الماضي، لما كان هناك من يحسم صحة الشائعات حول هوية أو ديانة الجاني المزعوم: ستصبح الحقيقة ثانوية أمام الادعاءات المتنافسة لمن يرغب في المساهمة بملاحظاته.
تخيل كيف سيؤثر هذا النظام على الصراعات الحادة التي تمزق المجتمعات، مثل الوضع الانتقالي الهش للغاية في سوريا، حيث يمكن أن يؤدي التحريض والمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي إلى إشعال عنف طائفي وأفعال انتقامية.
في الانتخابات الأخيرة في جورجيا، تطلب الأمر شجاعة من مدققي الحقائق على الأرض لكشف المحتوى المزيف والمعلومات المضللة والدعاية. لا عجب أن يرحب الحزب الحاكم الشعبوي المؤيد لروسيا في جورجيا بهذا الإعلان: “الحزب الديمقراطي يحتفل بتقارير تراجع ميتا عن تدقيق الحقائق”.
لكن هذا قد يكون استباقاً للأحداث، إذ لا توجد حتى الآن أي إشارة إلى أن هذه الإجراءات – المصممَة لإرضاء مجتمع شديد الاستقطاب حيث يوجد المقر الرئيسي لشركة ميتا – سيتم تعميمها على بقية أنحاء العالم. ويعتقد المطلعون أن تصميم نظام “ملاحظات المستخدمين” في الولايات المتحدة وتنفيذه قد يستغرقان من ميتا ما يصل إلى عام. بحلول ذلك الوقت، ستبدأ الولايات المتحدة بالتحضير لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في 2026، والتي قد تتمخض عنها بيئة سياسية مختلفة تماماً عن تلك التي يتمتع فيها ترامب بسيطرة فعلية على البيت الأبيض، ومجلسي الشيوخ، والنواب، إضافة إلى محكمة عليا متعاطفة معه سياسياً. هل سيحل الوقت مرة أخرى في 2026 للتحرك بسرعة وتحطيم الأشياء؟
لكن هناك مشكلة أكبر. التغييرات المُتعجلة التي أدخلتها ميتا على سياسات مهمة تحكم المحتوى على منصاتها، قد تجعلنا ننظر إلى ميتا كشركة أميركية بدلاً من كونها شركة عالمية، على الرغم من أن مستخدميها (ناهيك عن إيراداتها) هم في غالبيتهم خارج الولايات المتحدة. قد ترضي هذه التغييرات الإدارة الأميركية المقبلة، لكن زوكربيرغ يجب أن يفكر الآن في كيفية التوفيق بين رغبته الواضحة في إرضاء ترامب وبين الاتجاه الذي يسير فيه معظم بقية العالم.
في أوروبا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، يتحرك المزاج العام في الاتجاه المعاكس مع وجود توافق قانوني وتنظيمي متزايد يجبر عمالقة التكنولوجيا الكبرى على إثبات أن لديهم أنظمة وإجراءات للتخفيف من الأضرار التي قد تنجم عن الخطاب المنفلت على منصات التواصل الاجتماعي.
سيكون من المفيد قراءة تقرير ميتا المؤلف من 95 صفحة حول تقييم المخاطر الهيكلية والتخفيف منها، والذي تم تقديمه قبل أربعة أشهر فقط كجزء من التزامها بموجب قانون الخدمات الرقمية (DSA) الأوروبي. الوثيقة شاملة للغاية وتظهر شركة يبدو أنها تحاول بصدق التعامل مع عبء المسؤولية الملقاة على عاتقها والمتمثلة في منشورات 2.5 مليار شخص على هذا الكوكب على منصاتها. وتتفاخر الوثيقة بوجود فريق متعدد الوظائف يضم أكثر من 1000 شخص داخل الشركة للوفاء بمتطلبات السلامة والنزاهة التي يتطلبها الاتحاد الأوروبي.
إقرأوا أيضاً:
لكن بحلول كانون الثاني/ يناير 2025، ها هو زوكربيرغ يعد بالعمل مع دونالد ترامب “لمقاومة الحكومات حول العالم التي [تسعى] إلى استهداف الشركات الأميركية والدفع نحو المزيد من الرقابة”.
وباعتبارها شركة عالمية ذات قواعد عالمية، ليس بإمكان شركة ميتا – على الأقل بالطريقة التي تعمل بها حالياً – أن تكون لديها أنظمة مختلفة بشكل جذري في جغرافيات مختلفة. تقنياً، سيكون هذا تحدياً هائلاً. هل سيتم قبول تدقيق حقائق من شركة فرنسية إذا كان هذا يؤثر على مستخدم أميركي ينشر محتوى من تونس حول قضايا متعلقة بالعبور الجنسي في ولاية تكساس الأميركية؟
ستكون هناك تحديات تقنية وقضائية، الكثير منها يبدو أنه لم يتم التفكير فيه جيداً قبل التغييرات المتسرعة التي أعلنها زوكربيرغ. عادةً ما تقع التغييرات في سياسات المحتوى التي تؤثر على مليارات المستخدمين في شركة ميتا في ختام عملية مدروسة تشمل أصحاب المصلحة مثل الحكومات والخبراء ومنظمات المجتمع المدني. من المشكوك فيه بشدة أن يكون هذا هو الحال مع التغييرات في السياسات المعقدة للغاية المتعلقة بخطاب الكراهية التي قدمتها ميتا بعد ساعات من إعلان زوكربيرغ المفاجئ عنها في شريط فيديو بثه على صفحته على فيسبوك.
كصحافيين، نحن بالطبع نثمّن حرية التعبير. لكننا نفهم أيضاً الأهمية القصوى لنزاهة المعلومات ومصداقيتها وكونها موثوقة المصادر، وكذلك المخاوف المتعلقة بتأثير المعلومات المنشورة على واقعنا المشترك. فالمعلومات الخاطئة والمضللة وخطاب الكراهية – بما في ذلك تجريد الناس من إنسانيتهم – قد تؤدي إلى القتل، كما رأينا في رواندا وميانمار (حيث تورطت ميتا في هذا الأمر) والآن في غزة؛ أو قد تؤدي هذه المعلومات والخطابات إلى اضطرابات مدنية واسعة كما رأينا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ أو الى تفاقم النزاعات كما هو واضح في إثيوبيا والسودان.
إذا تُركت هذه الأمور من دون رقابة، فإن المعلومات الخاطئة والمضللة تقوض الثقة العامة بشكل عام وتفتح الباب أمام الهيمنة المحتملة لجميع أشكال النظريات التآمرية. ونعرف كيف يمكن أن تلحق أضراراً فادحة بمجموعات كاملة من الناس بسبب استهدافهم عن طريق هذه النظريات والمعلومات بناءً على انتماءاتهم الوطنية أو العرقية أو الدينية أو الطبقية. وتعرف ميتا ذلك من خلال سنوات خبرتها.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بكيفية تطور هذه التغييرات. تماشياً مع شعار الشركة، تحركت ميتا بسرعة لإعادة صياغة سياساتها ومعايير المجتمع لتكون أكثر تساهلاً مع أنواع معينة من الخطاب وتغيير تصنيف المحتوى الذي يُعتبر خرقاً للقواعد. هذه مشكلة تقنية بقدر ما هي أخلاقية – والشيطان يكمن في التفاصيل الهندسية.
أين يترك هذا مجلس الرقابة على ميتا؟
يمكن القول إن هذا هو المجال الذي يصبح فيه دور المجلس – الذي يتمتع كاتبا المقال بعضويته – مثيراً للاهتمام. انضم كثر منا الى هذا المجلس لأن الوضع كان غير مرضٍ بوضوح عندما كان هناك رجل واحد – مارك زوكربيرغ – يتمتع بالتحكم المطلق في خطاب مليارات الأشخاص ومنشوراتهم. وفي الوقت نفسه، سيقبل قليل من الناس ممن يعيشون في مجتمعات ديمقراطية، ناهيك بالأنظمة الاستبدادية، بتسليم هذه المسؤولية إلى الحكومات ورجال السياسة.
لم تتخلَّ ميتا عن التحكم في منصاتها وفوضت هذه المسؤولية لدونالد ترامب، لكن سلوكها يشير إلى أنها تتصرف بحرص زائد لعدم إزعاج الرئيس الأميركي القادم. ولذلك، فإن وجود هيئة مستقلة ومُخوّلة يمكنها الضغط علناً على ميتا بقرارات ملزمة وآراء استشارية بشأن الكثير من القضايا المثيرة للجدل أمر بالغ الأهمية. ونحن كعضوين في هذا المجلس نرحب بالتحدي.
لا أحد يزعم أن السياسات والمعايير الحالية – ناهيك بعمليات تدقيق الحقائق والمراقبة – مثالية. من الواضح أنها ليست كذلك. لكن الخطر في التحرك بسرعة هو أن ما هو على المحك ليس “الأشياء” التي تتحطم، بل الناس أنفسهم – سلامتهم، مصداقية المعلومات التي يعتمدون عليها، الثقة المجتمعية، وغيرها من القيم والمشتركات العامة الثمينة. هذه “الأشياء” التي قد تتحطم ليست سهلة الإصلاح، وقد يكون ثمن تحطيمها باهظاً.
نبذة عن الكاتبين:
خالد منصور كاتب وروائي مصري. آلان روسبريدجر رئيس تحرير مجلة Prospect والرئيس السابق لتحرير صحيفة Guardian. كلاهما عضو في مجلس الرقابة المستقل لشركة ميتا، ولكن المقالة تمثل وجهة نظرهما الشخصية.
إقرأوا أيضاً: