أعلنت الشرطة الألمانية في ١٢ نيسان/ أبريل الجاري، العثور على جثّة رجل سوري يبلغ من العمر 36 عاماً، داخل مركز لإيواء اللاجئين قرب مدينة كولونيا، حيث قُتل طعناً على يد لاجئ سوري آخر يُقيم في الملجأ نفسه، وسلّطت هذه الحادثة الضوء مجدداً على تصاعد حالات العنف داخل مجتمعات اللاجئين السوريين في ألمانيا.
وتأتي هذه الحادثة في سياق سلسلة من الجرائم، التي تورّط فيها سوريون في ألمانيا خلال العامين 2024 و2025، والتي شملت جرائم عنف وقتل واعتداءات جنسية وسرقة ومخطّطات إرهابية، مما أثار نقاشاً سياسياً واسعاً حول سياسة اللجوء والأمن الداخلي والتكامل المجتمعي.
تُظهرالإحصائيات الرسمية الحديثة الصادرة عن السلطات الألمانية الخاصّة بالجريمة “BKA”، أن السوريين شكّلوا أكبر مجموعة من المشتبه بهم غير الألمان في الجرائم المسجّلة خلال العام 2024، حيث تمّ تسجيل 114,889 سورياً كمشتبه به، متقدّمين على الأتراك (93,253) والرومانيين (65,041) والاوكرانيين (55,669).
وتُشير الأرقام إلى أن الأجانب شكّلوا ما نسبته 41.8٪ من إجمالي المشتبه بهم، رغم أن نسبتهم من إجمالي السكّان لا تتجاوز 16.8٪. هذا يعني أن السوريين كانوا ممثّلين بشكل يفوق نسبتهم السكّانية بنحو 4.5 أضعاف.
وشملت الجرائم المرتكبة فئات متعدّدة، منها جرائم القتل والعنف والاعتداءات الجنسية وجرائم الممتلكات. وفي عام 2023 سُجّل أكثر من 344 ألف جريمة (10.8٪ من إجمالي القضايا) ضمّت على الأقل مشتبهاً واحداً من طالبي اللجوء أو الحاصلين على حقّ اللجوء، وهو ارتفاع بنسبة تُقارب 27٪ عن العام السابق.
غير أن هذا التمثيل لا يعني بالضرورة أن الأجانب، أو السوريين تحديداً، أكثر ميلاً إلى الجريمة بطبيعتهم، بل يُعزى إلى عوامل مركّبة، من بينها الفئة العمرية والجنسية ونوع الإقامة، كما أن الإحصاءات تشمل قضايا بسيطة مثل استخدام وسائل النقل من دون تذكرة أو مخالفات الإقامة، وهي جرائم تُسجَّل بشكل كبير في أوساط اللاجئين.
ويُشير مؤشر الاندماج الصادر عن مجلس الخبراء للهجرة والاندماج، إلى أن هذه الأرقام قد تتأثّر أيضاً بالرقابة الشرطية الموجّهة بشكل أكبر نحو الأحياء ذات الكثافة الأجنبية، وزيادة احتمالية الإبلاغ عن الأجانب عند ارتكاب المخالفات، مقارنة بالمواطنين الألمان. بمعنى آخر، لا تعكس الأرقام بالضرورة الفعل الجرمي، بقدر ما تعكس مدى خضوع فئات معيّنة للرصد والملاحظة.
من جهة أخرى، فإن التمثيل المرتفع للسوريين يرتبط أيضاً بحجم الجالية، إذ يُقدَّر عدد السوريين في ألمانيا بأكثر من مليون نسمة، أي ما يجعلهم أكبر جالية لاجئة في البلاد. وبالتالي، فإن أي سلوك جماعي يُسجَّل بشكل أكبر من غيرهم، خصوصاً في غياب أدوات دمج فعّالة واستجابات مؤسَسية تتناسب مع التحدّيات الفعلية التي يواجهونها.
لكن من المهم الإشارة إلى أن السوريين أيضاً يتعرّضون للجرائم، بما في ذلك الاعتداءات العنصرية أو الهجمات على مراكز الإيواء، وهو ما وثّقته تقارير الشرطة، حيث تمّ تسجيل أكثر من 66 ألف لاجئ كضحايا لجرائم، كثير منهم من سوريا.
عنف داخلي: بين الصدمات والنزاعات
أغلب الجرائم التي ارتكبها سوريون في ألمانيا، وقعت داخل مراكز الإيواء أو في سياقات نزاع شخصي، كحادثة كولونيا، التي عكست هشاشة الأوضاع النفسية والمعيشية داخل تلك المراكز، وغالباً ما تكون هذه النزاعات نتيجة الاكتظاظ، وانعدام الخصوصية، والتوتّرات الثقافية، وغياب أنظمة تأهيل ودعم فعّالة.
وتُظهر تقارير ميدانية أن الخلافات داخل مراكز اللجوء قد تتفاقم لأسباب بسيطة، مثل الضوضاء، والخلافات على المطبخ أو دورات المياه، أو الشعور بالتمييز من قبل العاملين أو اللاجئين الآخرين، مما يغذّي الاحتقان، ويؤدّي في بعض الحالات إلى اندلاع عنف مفاجئ، قد يكون مميتاً.
في حالات أخرى، يقع العنف في أماكن عامّة مثل الحدائق أو محطّات القطار، وغالباً ما يكون مرتبطاً بتصرّفات فردية تحت تأثير الكحول، أو ردود فعل على استفزازات لفظية أو عنصرية، وهذه الديناميات لا تختلف كثيراً عن تلك التي تشهدها مجتمعات أخرى تعاني من التهميش والبطالة.
الجرائم العنيفة والإرهابية
من بين أبرز الجرائم التي أثارت الرأي العامّ الألماني، حادثة الطعن الجماعي التي وقعت في مدينة سولغين في 23 آب/ أغسطس 2024، حيث قام طالب لجوء سوري يبلغ من العمر 26 عاماً بطعن عدد من الأشخاص خلال احتفال شعبي في وسط المدينة، مما أدّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، وأوردت تقارير إعلامية أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أعلن مسؤوليّته عن الهجوم، مدّعياً أنه تمّ بدافع “الانتقام للمسلمين في فلسطين وفي كلّ مكان”.
وبعد أسابيع فقط، تمّ اعتقال سوري آخر في ولاية بافاريا بعد أن خطّط لتنفيذ هجوم باستخدام سكاكين على جنود ألمان خلال استراحتهم. وكشفت التحقيقات أن المتّهم البالغ من العمر 27 عاماً يحمل أفكاراً متطرّفة، وكان يسعى لقتل أكبر عدد ممكن من الجنود بهدف نشر الخوف.
لم تكن جميع الجرائم العنيفة ذات طابع ديني أو سياسي، بل كان بعضها نتيجة لخلافات فردية أو انخراط في نزاعات عنيفة. فعلى سبيل المثال، في مدينة باد أوينهاوزن في ولاية شمال الراين، اتُّهم شاب سوري يبلغ من العمر 18 عاماً بقتل شاب ألماني يبلغ من العمر 20 عاماً، بعد مشاجرة في إحدى الحدائق، وكان للجاني سجل جنائي سابق يشمل جرائم سرقة واعتداءات.
وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وقعت حادثة إطلاق نار في مقهى في شارع غارتنشتراسه في مدينة غوبينغن، حيث قُتل رجل يبلغ من العمر 29 عاماً، وأصيب رجلان آخران بجروح خطيرة، وبعد تحقيقات مكثّفة، تمّ القبض على مشتبه به يبلغ من العمر 17 عاماً من أصل سوري في شباط/ فبراير 2025، ووُجهت إليه تهم القتل.
الجرائم الجنسية والاعتداءات
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في عدد القضايا التي تورّط فيها لاجئون سوريون في جرائم جنسية، بما في ذلك الاعتداءات والتحرّش والاغتصاب، سواء بشكل فردي أو جماعي. وفقاً لإحصائيات الشرطة للعام 2023، تمّ تسجيل أكثر من 8,800 جريمة جنسية تورّط فيها على الأقلّ مشتبه به واحد من فئة اللاجئين، من بينها 2,099 حالة كان السوريون فيها هم المتّهمون الرئيسيون.
وفي آب/ أغسطس 2024، اتُّهم فتى سوري يبلغ من العمر 15 عاماً، باغتصاب فتاة ألمانية تبلغ من العمر 12 عاماً داخل مسبح عامّ في مدينة براونشفايغ. وفي حادثة أخرى تعود إلى العام 2023 لكنّها لم تُكشَف إلا لاحقاً، تعرّضت طالبتان من دولة التشيك لاعتداء جنسي جماعي من قِبل مجموعة من الشبّان السوريين في مدينة غيرا شرق ألمانيا، كما تمّ توجيه تهم ضدّ مجموعة من السوريين في مدن مثل هيرفورد وكونستانتس في قضايا تحرّش واغتصاب، بعضها وقع في أماكن عامّة وأخرى داخل مراكز لجوء.
إقرأوا أيضاً:
جرائم حرب وجرائم دولية
ألمانيا، باعتبارها إحدى الدول التي تطبّق مبدأ الولاية القضائية العالمية، حاكمت عدداً من السوريين بتهم ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية خلال فترة الحرب في سوريا. ففي كانون الثاني/ يناير 2024، صدر حكم بالسجن المؤبد على ضابط سابق في مخابرات النظام السوري، بسبب ضلوعه في عمليات تعذيب وقتل في السجون، كما أُلقيَ القبض على لاجئين سوريين في ألمانيا في العام نفسه، بسبب مزاعم تورّطهم في جرائم تعذيب واحتجاز رهائن داخل الأراضي السورية قبل لجوئهم.
جرائم أخرى
تشمل حالات فردية تتعلّق بالعنف الأسري، وتزوير الوثائق، والاحتيال في طلبات اللجوء، أو المساعدات الاجتماعية، أو قيادة المركبات من دون ترخيص، كما سُجلّت قضايا تتعلّق بانتحال الهوّية والاحتيال المتعلّق بالإعانات، وهذه الأنواع من الجرائم غالباً ما تكون مرتبطة بالصعوبات الاقتصادية، أو بمحاولات بعض الأفراد استغلال النظام القانوني الألماني.
الخلفيات النفسية والاجتماعية ودوافع ارتكاب الجرائم:
تُشير تحليلات الخبراء الألمان إلى أن ارتكاب بعض اللاجئين السوريين الجرائم، لا يمكن تفسيره بعامل واحد، بل هو نتاج تشابك عدّة عوامل نفسية واجتماعية وثقافية، من أبرزها:
التركيبة الديموغرافية
وفقاً لتقرير المكتب الاتّحادي للشرطة الجنائية الألمانية (BKA) فإن غالبية اللاجئين السوريين من الذكور الشباب دون سن الثلاثين، وهي الفئة الأكثر ميلاً إلى ارتكاب الجرائم في أي مجتمع، حيث تُشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 82٪ من المشتبه بهم من اللاجئين هم من الذكور، ونحو 57٪ منهم دون الثلاثين، وهذه النسبة العالية ترتبط مباشرة بالعمر والجنس، بغضّ النظر عن الخلفية الثقافية.
الصدمة النفسية والتجارب العنيفة
يُشير الدكتور كريستيان والبورغ أستاذ علم الجريمة في جامعة “مونستر”، إلى أن “العديد من اللاجئين السوريين شهدوا أو تعرّضوا للعنف أثناء الحرب في بلادهم، مما جعل بعضهم يعاني من اضطرابات نفسية، أبرزها اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وبعض اللاجئين جاءوا من بيئات شهدت القتل والاعتقال والتعذيب، وهذا ينعكس لاحقاً في سلوكهم العدواني أو غير المتّزن”.
التمييز الاجتماعي والعزلة
يُواجه العديد من اللاجئين صعوبات في الاندماج، كالحواجز اللغوية، والبطالة، والتمييز، مما يجعل بعضهم يشعر بالتهميش؛ خاصّة الشباب، وقد يؤدّي ذلك إلى الانحراف أو الانخراط في مجموعات إجرامية أو متطرّفة.
الفجوة الثقافية… خاصّة في مفاهيم النوع الاجتماعي
تُناقش المحامية والناشطة النسوية سيريان أتيش في كتابها “Der Multikulti-Irrtum” كيف أن العديد من الشبّان السوريين ينحدرون من مجتمعات محافظة، مما يجعل بعضهم يواجه صعوبة في فهم أو تقبّل القيم الألمانية المتعلّقة بالمساواة بين الجنسين والحرّيات الفردية، وترى أتيش أن غياب التربية الجنسية وضعف التثقيف حول حقوق النساء، يُسهمان في وقوع اعتداءات جنسية، خاصّة في الأماكن العامة.
الفراغ والبطالة
بعض الشباب يجدون أنفسهم في مراكز لجوء بلا فرص عمل ولا أنشطة، مما يؤدّي إلى فراغ نفسي واجتماعي، يدفعهم إلى تجريب المخدرات أو الانخراط في العنف، كردّ فعل على القلق، أو القمع الذاتي، أو الملل المزمن.
التكرار الإجرامي وضعف الردع
أظهرت تقارير الشرطة أن عدداً من الجناة من اللاجئين ارتكبوا عدّة جرائم قبل أن يتمّ سجنهم فعلياً، خاصّة القُصّر الذين يتمّ التعامل معهم ضمن قانون الأحداث، ومثل هذه الثغرات في نظام العدالة قد تؤدّي إلى تكرار الجرائم.
هل تؤدّي الهجرة إلى زيادة الجريمة؟
لا تُشير الإحصاءات إلى أن الهجرة إلى ألمانيا خلال العشرين عاماً الماضية أدّت إلى ارتفاع في الجريمة، على العكس، انخفض عدد الجرائم بشكل عامّ، رغم تزايد عدد الأجانب بنسبة تفوق 70% منذ العام 2005.
وانخفض عدد الجرائم الإجمالي ما بين العامين 2005 و2019، بنحو 16% (من 6.3 إلى 5.3 ملايين) وجرائم العنف بنسبة 15%، ورغم ارتفاع الجريمة بعد جائحة كورونا، لا تزال الأرقام في 2024 أقلّ بنسبة 11.7% مقارنة بالعام 2005. ويُعزى الارتفاع المؤقت في عدد الجرائم بعد الجائحة إلى عدّة عوامل: رفع القيود والضغوط الاقتصادية والتضخّم والهجرة، لكن، لا توجد دلائل ثابتة على أن الهجرة تزيد الجريمة.
وسجّلت الشرطة الألمانية في عام 2024 ما يقارب 2.18 مليون مشتبه به في قضايا جنائية، من بينهم قرابة 913 ألف شخص من الأجانب. وبعد استبعاد المخالفات القانونية الخاصّة بالأجانب، كقضايا الإقامة غير الشرعية التي لا يمكن أن يرتكبها المواطنون الألمان، انخفض العدد إلى 696 ألف مشتبه به أجنبي، أي بنسبة 35.4٪. وهذه النسبة تشمل أيضاً أفراداً لا يُقيمون في ألمانيا بشكل دائم، مثل أولئك الذين يدخلون البلاد خصوصاً لارتكاب جرائم.
التغطية الإعلامية المنحازة
كشفت دراسات حديثة أجراها معهد “ميديان دينست ميغراتسيون“، وهو مركز صحافي مستقلّ في ألمانيا، أن وسائل الإعلام الألمانية تميل إلى إبراز جنسية المشتبه بهم حين يكونون أجانب، بشكل يفوق نسبتهم الحقيقية في إحصاءات الجريمة. في التقارير التلفزيونية، يُذكَر الأجانب في 84.2٪ من الحالات التي تُذكر فيها الجنسية، رغم أن نسبتهم الفعلية لا تتجاوز ثلث مجموع المشتبه بهم. بالمقابل، يُذكَر الألمان في 15.8٪ فقط من هذه التقارير، بالرغم من أنهم يمثّلون أكثر من ثلثي المشتبه بهم حسب بيانات الشرطة.
اللافت أن هذا التحيّز لا يقتصر على الإعلام فقط، بل يمتدّ أيضاً إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الشرطة، التي تميل هي الأخرى إلى ذكر جنسية الأجانب بصورة أكبر من نظرائهم الألمان.
وتجدر الإشارة إلى وجود حالات بارزة من التحيّز الإعلامي في تغطية الأعمال الإرهابية بحسب “دويتشلاند فونك“. فعلى سبيل المثال، تلقّى هجوم نفذه طالب لجوء أفغاني في ميونيخ تغطية إعلامية مكثّفة، كانت ضعف تلك التي حظي بها هجوم مشابه في مدينة مانهايم، نفّذه رجل ألماني مرتبط باليمين المتطرّف. هذه المفارقة تسلّط الضوء على مدى تأثير التوجّهات المسبقة والتصوير الانتقائي في تشكيل الرأي العامّ بشأن قضايا المهاجرين والجريمة.
إقرأوا أيضاً: