ألغت إيران تعليم اللغة الإنجليزية من مدارسها الابتدائية. القرار لا يعدّ الأول من نوعه في الجمهورية الإسلامية، فقد ألغت إيران في أوقات سابقة برامج ومواد تعليمية من المدارس والجامعات، بحجة مخالفتها للتعاليم الإسلامية وأقفلت كليات العلوم الإنسانية كافة.
بنَتْ إيران منذ انتصار ثورتها الإسلامية عدداً من المؤسسات الثقافية، التي تضطلع بمهمة أسلمة المجتمع الإيراني، واجتثاث العادات الغربية، التي أدخلها “الطاغوت” السابق، أي حكم الشاه إلى المجتمع الإيراني، مؤسسات مدنية بالظاهر، دينية بالمضمون.
فوزارة الثقافة مثلاً، صار اسمها وزارة الإرشاد، ومهمتها إرشاد المجتمع ثقافيا، وفق ما تقتضيه التعاليم والقيم الإسلامية، ومحاربة الأفكار والمفاهيم الغربية المعادية للدين والمفسدة للمجتمع، إضافة إلى مؤسسات أخرى، انبثقت من الثورة الثقافية، التي قامت بعد أقل من سنة من انتصار الثورة الإسلامية.
أغلقت “الثورة الثقافية” الجامعات لمدة ثلاث سنوات، وسرحت آلاف المدرسين الذين اتهمتهم بـ”الطاغوت”، وأتلفت آلافاً من الكتب المعتمدة بحجة مخالفتها للشرع الإسلامي، وتسببت بهجرة المئات من أساتذة الجامعات والعقول التربوية الوطنية، ممهدة لتأسيس جامعة وطنية شبيهة بالمدرسة الدينية، بعيدة من تأثيرات الثقافة الغربية.
وتمكن المجلس الأعلى للثورة الثقافية، الذي تأسس لإدارة الثورة الثقافية لاحقا، من إغلاق كليات العلوم الإنسانية في كل الجامعات في إيران، وحذف مواد العلوم الإنسانية من مناهج التعليم الثانوي.
في بدايته التأسيسية ضم المجلس الأعلى للثورة الثقافية أسماء مفكرين كبار مثل عبد الكريم سروش، ورأسه قائد الثورة آية الله الخميني، وكان لخامنئي دور مهم في إدارته وتوسعته وضم أسماء جديدة إلى عضويته.
بعد انتخاب خامنئي مرشدا للجمهورية الإسلامية، انبثق عن المجلس الأعلى للثورة الثقافية، جيلاً جديدا من المؤسسات التربوية الدينية، من بينها “مجمع التربية الثقافية”، الذي أسسه غلام علي حداد عادل نسيب مرشد الجمهورية، وأحد أقرب المحافظين إلى قلبه، وتديره زوجته طيبة ماهروزادة إلى جانب ابنتها زهرا زوجة السيد مجتبى خامنئي نجل المرشد، ومعهما هدى أيضا البنت الصغرى للمرشد.
يدّعي مؤسسو المجمع أنه بني على أساس الرؤى الفلسفية للمرشد ومنهجه التفكيري، وهو يقود تحولاً جذرياً في أسس التربية والتعليم في إيران للوصول إلى إرساء نمط إسلامي إيراني يكون نموذجاً للمسلمين حول العالم، نمط أول أهدافه هو التحرر من الأنماط الغربية الاستعمارية، التي فرضت نفسها على المجتمعات الإسلامية في العالم وساهمت في إضعاف جذوة الدين في نفوس الشباب.
ويسعى المجمع إلى بناء مدارس دينية، عمرانياً وبشرياً، ستكون في مستقبل إيران بديلا من المدارس التقليدية، يتلقى فيها الطلاب العلوم الدينية وينهلون من الثقافة الإسلامية فقط، افتتح منها حتى الآن 24 مدرسة في طهران وحدها. وظيفة هذا النوع من المدارس تعميم تعاليم مرشد الجمهورية، وثقافته الدينية على طول البلاد وعرضها، وتحضير الشباب للدخول إلى الجامعات وشحنهم بتربية دينية متشددة تحصيناً لهم من الانجراف في التيارات التشكيكية التي تعمّ الجامعات. وتركز هذه المدارس البديلة على المسائل العقدية وليس الفقهية، من بينها الجهاد في سبيل الله وإبراز أهمية الحجاب الإسلامي (الشادور) والزواج المبكر وتعلم لغة القرآن فقط دون اللغات الأجنبية الأخرى.
في اللقاء الذي جمعه منذ أيام بمعلمي ومعلمات المدارس الدينية، أعلن المرشد “منع تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية الرسمية والخاصة”، معرباً عن خوفه من “الانتشار المبالغ فيه للإنجليزية في إيران ومدراسها الابتدائية، ووصولها إلى رياض الأطفال”. وعلى االفور، تلقفت وزارة التربية والتعليم، التي هي أحد أعمدة المؤسسات الإرشادية للنظام، إعلان المرشد، وأصدرت قراراً قضى بوقف تعليم اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية الرسمية والخاصة، منبهة الأهل أن “محاولة تأمين دروس خاصة لأولادهم هو انتهاك للقانون”.
يحمل قرار منع تعليم اللغة الإنجليزية في طياته مؤشرات أكثر من ثقافية، خصوصاً أنه أتى بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران، والتي تسببت بفوضى لم تعهدها من قبل. فكلما زاد عدد متقني اللغة الإنجليزية فوق الأراضي الإيرانية، زادت فرص اطلاع الشباب على ثقافات وأفكار تقدمية، تنتهي باحتمالات التمرد على النظام.
خلال الأحداث الأخيرة، حجب النظام عدداً من مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها منبراً تحريضياً يستخدمه الأعداء ضد الثورة الإسلامية، لكن في الأيام العادية، يعاني المواطن الإيراني بشكل دائم من بطء الإنترنت في بلاده والحجب العشوائي لعدد كبير من المواقع الإلكترونية، ومع ذلك، ظل النظام عاجزا عن حماية نفسه من غليان الفئات الشابة.
اللغة الإنجليزية إذاً هي السبب، لذلك قرر الحدّ من انتشارها و”بدء عصر البناء الثقافي للمجتمع الإيراني وتصحيح نمط الاستهلاك” كما أشار المرشد في خطابه الآنف الذكر.
الإيرانيون فهموا مضمون الرسالة فوراً، فالنظام ليس خائفاً على اللغة أو الثقافة الفارسية، فهما بخير، لأن علاقة الإيراني بلغته علاقة وجودية، يكون حين تكون. لكنه بعد الاضطربات الأخيرة، وجد النظام أن السبيل الوحيد للتمكن من الشعب ليس إفقاره بل تجهيله.
[video_player link=””][/video_player]